الباحث القرآني

وَأمّا دَعْوَةُ ذِي النُّونِ: فَإنَّ فِيها مِن كَمالِ التَّوْحِيدِ والتَّنْزِيهِ لِلرَّبِّ تَعالى، واعْتِرافِ العَبْدِ بِظُلْمِهِ وذَنْبِهِ، ما هو مِن أبْلَغِ أدْوِيَةِ الكَرْبِ، والهَمِّ، والغَمِّ، وأبْلَغِ الوَسائِلِ إلى اللَّهِ - سُبْحانَهُ - في قَضاءِ الحَوائِجِ، فَإنَّ التَّوْحِيدَ والتَّنْزِيهَ يَتَضَمَّنانِ إثْباتَ كُلِّ كَمالِ اللَّهِ، وسَلْبَ كُلِّ نَقْصٍ وعَيْبٍ وتَمْثِيلٍ عَنْهُ. والِاعْتِرافُ بِالظُّلْمِ يَتَضَمَّنُ إيمانَ العَبْدِ بِالشَّرْعِ والثَّوابِ والعِقابِ، ويُوجِبُ انْكِسارَهُ ورُجُوعَهُ إلى اللَّهِ واسْتِقالَتَهُ عَثْرَتَهُ، والِاعْتِرافَ بِعُبُودِيَّتِهِ، وافْتِقارَهُ إلى رَبِّهِ، فَهاهُنا أرْبَعَةُ أُمُورٍ قَدْ وقَعَ التَّوَسُّلُ بِها: التَّوْحِيدُ، والتَّنْزِيهُ، والعُبُودِيَّةُ، والِاعْتِرافُ. وقال في اجتماع الجيوش الإسلامية: ذَكَرَ الشَّيْخُ مُوَفَّقُ الدِّينِ بْنُ قَدامَةَ المَقْدِسِيُّ في كِتابِهِ " إثْباتُ صِفَةِ العُلُوِّ " عَنِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ بِإسْنادٍ صَحِيحٍ قالَ: سَمِعَ يُونُسُ عَلَيْهِ السَّلامُ تَسْبِيحَ الحَصا والحِيتانِ فَجَعَلَ يُسَبِّحُ وكانَ يَقُولُ في دُعائِهِ: يا سَيِّدِي في السَّماءِ مَسْكَنُكَ وفي الأرْضِ قُدْرَتُكَ وعَجائِبُكَ إلَهِي في الظُّلُماتِ الثَّلاثِ حَبَسْتَنِي. . . فَلَمّا كانَ تَمامُ الأرْبَعِينَ يَوْمًا وأصابَهُ الغَمُّ ﴿فَنادى في الظُّلُماتِ أنْ لا إلَهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾. وقال في طريق الهجرتين: وهذا مشهد ذي النون إذ يقول: ﴿لا إلَهَ إلا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّى كُنْتُ مِنَ الظّالِمِين﴾ فوحد ربه ونزهه عن كل عيب وأضاف الظلم إلى نفسه، وهذا مشهد صاحب سيد الاستغفار إذ يقول في دعائه: "اللَّهُمَّ أنْتَ رَبِّي لا إلهَ إلا أنْتَ، خَلَقْتَنِي وأنا عَبْدُكَ، وأنا عَلى عَهْدِك ووَعْدِكَ ما اسْتَطَعْتُ، أعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما صَنَعْتُ أبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلى، وأبُوءُ بِذَنْبِي، فاغْفِرْ لِي، إنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أنْتَ". فأقر بتوحيد الربوبية المتضمن لانفراده سبحانه بالخلق وعموم المشيئة ونفوذها، وتوحيد الإلهية المتضمن لمحبته وعبادته وحده لا شريك له والاعتراف بالعبودية المتضمن للافتقار من جميع الوجوه إليه سبحانه. * (فصل) وَفِي جامِعِ التِّرْمِذِيِّ وصَحِيحِ الحاكِمِ مِن حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أبِي وقّاصٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «دَعْوَةُ ذِي النُّونِ، إذْ دَعا وهو في بَطْنِ الحُوتِ " ﴿لا إلَهَ إلّا أنْتَ سُبْحانَكَ إنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ﴾ إنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِها مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطُّ إلّا اسْتَجابَ اللَّهُ لَهُ». قالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَفِي مُسْتَدْرَكِ الحاكِمِ أيْضًا مِن حَدِيثِ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ «ألا أُخْبِرُكم بِشَيْءٍ إذا نَزَلَ بِرَجُلٍ مِنكم أمْرٌ مُهِمٌّ، فَدَعا بِهِ يُفَرِّجُ اللَّهُ عَنْهُ؟ دُعاءُ ذِي النُّونِ». وَفِي صَحِيحِهِ أيْضًا عَنْهُ أنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ وهو يَقُولُ: «هَلْ أدُلُّكم عَلى اسْمِ اللَّهِ الأعْظَمِ؟ دُعاءِ يُونُسَ، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ كانَ لِيُونُسَ خاصَّةً؟ فَقالَ ألا تَسْمَعُ قَوْلَهُ: ﴿فاسْتَجَبْنا لَهُ ونَجَّيْناهُ مِنَ الغَمِّ وكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٨] فَأيُّما مُسْلِمٍ دَعا بِها في مَرَضِهِ أرْبَعِينَ مَرَّةً فَماتَ في مَرَضِهِ ذَلِكَ أُعْطِيَ أجْرَ شَهِيدٍ، وإنْ بَرِئَ بَرِئَ مَغْفُورًا لَهُ». وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: ما كَرَبَ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ، إلّا اسْتَغاثَ بِالتَّسْبِيحِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب