الباحث القرآني
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اجتنبوا كثيرا من الظَّن إِن بعض الظَّن إِثْم﴾ قد ثَبت بِرِوَايَة أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي قَالَ: " إيَّاكُمْ وَالظَّن، فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث ".
وَفِي بعض الْأَخْبَار: " إِذا حسدت فَلَا تَبْغِ، وَإِذا نظرت حداء فَامْضِ، وَإِذا ظَنَنْت فَلَا تحقق ".
وَعَن أنس أَن النَّبِي قَالَ: " احترسوا من النَّاس بِسوء الظَّن ". وَهُوَ خبر غَرِيب. وَعَن سلمَان الْفَارِسِي قَالَ: " إِنِّي لأعد عراق اللَّحْم فِي الْقدر مَخَافَة سوء الظَّن. وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: الْخَتْم خير من (الظَّن) وَعَن السوء [أبي] الْعَالِيَة الريَاحي أَنه ختم على سبع سَكَرَات لِئَلَّا يظنّ ظن السوء.
﴿بعض الظَّن إِثْم وَلَا تجسسوا﴾
وَاعْلَم أَن الظَّن الْمنْهِي عَنهُ هُوَ ظن السوء بِأَهْل الْخَيْر، فَأَما بِأَهْل الشَّرّ فَجَائِز.
وَقَوله: ﴿إِن بعض الظَّن إِثْم﴾ يَعْنِي: هَذَا الظَّن.
وَقَوله: ﴿وَلَا تجسسوا﴾ التَّجَسُّس: هُوَ الْبَحْث عَن عورات النَّاس، قَالَه مُجَاهِد وَقَرَأَ ابْن سِيرِين: " وَلَا تحسسوا " بِالْحَاء. وَاخْتلفُوا فِي التَّجَسُّس والتحسس، مِنْهُم من قَالَ: هما وَاحِد، وَمِنْهُم من فرق، وَقَالَ: التَّجَسُّس هُوَ الْبَحْث عَن عورات (النَّاس) كَمَا قُلْنَا. والتحسس هُوَ الِاسْتِمَاع إِلَى حَدِيث الْقَوْم، وَيُقَال: التَّجَسُّس هُوَ الْبَحْث عَن الْأُمُور، والتحسس هُوَ الْإِدْرَاك بِبَعْض الْحَواس، وَقد ثَبت عَن النَّبِي بِرِوَايَة أنس أَنه قَالَ: " لَا تقاطعوا وَلَا تدابروا وَلَا تباغضوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تجسسوا وَكُونُوا عباد الله إخْوَانًا " قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله: أخبرنَا [الشَّيْخ] أَبُو عَليّ الشَّافِعِي بِمَكَّة، أخبرنَا أَبُو الْحسن بن فراس، أخبرنَا أَبُو مُحَمَّد ابْن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد عبد الله بن يزِيد الْمُقْرِئ، عَن جده، عَن مُحَمَّد، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة، عَن الزُّهْرِيّ، عَن أنس ... الحَدِيث.
وَفِي بعض الْآثَار أَن عمر رَضِي الله عَنهُ خرج وَمَعَهُ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف يعس لَيْلَة، فمرا بدار وَسَمعنَا مِنْهَا لغظا وأصواتا، فَقَالَ عمر: أرى أَنهم يشربون الْخمر ﴿مَاذَا نَفْعل؟﴾ فَقَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف: أرى أَنا أَتَيْنَا مَا نهينَا عَنهُ يَعْنِي: التَّجَسُّس وَرجع.
وَفِي هَذَا الْأَثر أَن تِلْكَ الدَّار كَانَت دَار ربيعَة بن أُميَّة بن خلف.
وَفِي أثر آخر أَنه قيل لِابْنِ مَسْعُود: هَل لَك فِي الْوَلِيد بن عقبه ولحيته تقطر خمرًا وَكَانَ الْوَلِيد أَمِير الْكُوفَة، وَابْن مسود فقيهها فَقَالَ: إِنَّا نهينَا عَن التَّجَسُّس.
﴿وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا﴾
وَقَوله: ﴿وَلَا يغتب بَعْضكُم بَعْضًا﴾ الْغَيْبَة: أَن يذكر أَخَاهُ فِي الْغَيْبَة بِمَا يكره ذَلِك إِذا سَمعه. وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي سُئِلَ عَن الْغَيْبَة؟ فَقَالَ: " ذكرك أَخَاك بِمَا يكره " فَقيل: يَا رَسُول الله، إِن كَانَ فِي أخي مَا أَقُول؟ فَقَالَ: " إِن كَانَ فِي أَخِيك مَا تَقوله فقد اغْتَبْته، وَإِن لم يكن فِي أَخِيك مَا تَقوله فقد بَهته "
وَفِي الْأَخْبَار أَن امْرَأَة دخلت على عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَلَمَّا خرجت قَالَت عَائِشَة: مَا أحْسنهَا لَوْلَا بهَا قصرا، فَقَالَ النَّبِي: " لقد اغتبتيها، فاستغفري الله " وَرُوِيَ عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِذا اغتاب أحدكُم أَخَاهُ فليستغفر لَهُ؛ فَإِن ذَلِك كَفَّارَته ".
وَفِي بعض الْأَخْبَار أَيْضا عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إيَّاكُمْ والغيبة، فَإِن الْغَيْبَة أَشد من الزِّنَا، وَإِن الزَّانِي يَزْنِي ثمَّ يَتُوب فيتوب الله عَلَيْهِ، وَإِن صَاحب الْغَيْبَة لَا يغْفر لَهُ حَتَّى يغْفر لَهُ صَاحبه " يَعْنِي: يعْفُو عَنهُ.
وَقد ورد فِي الْأَخْبَار: " أَنه لَيْسَ لفَاسِق غيبَة ".
وَقَالَ: " اذْكروا الْفَاجِر بِمَا فِيهِ، يحذرهُ النَّاس "
قَالَ أهل الْعلم: لَيْسَ لثَلَاثَة غيبَة: السُّلْطَان الظَّالِم، وَالْفَاسِق الْمُعْلن، وَالَّذِي أحدث فِي الْإِسْلَام حَدثا يَعْنِي: المبتدع.
وَكَذَلِكَ قَالَ أهل الْعلم: إِذا سَأَلَ إِنْسَان إنْسَانا لغَرَض لَهُ صَحِيح، فَلَا بَأْس أَن يذكر مَا فِيهِ. والغيبة مَأْخُوذَة من الْغَيْب؛ كَأَنَّهُ لما ذكره بِظهْر الْغَيْب بِمَا يسوءه كَانَ ذكره لَهُ غيبَة. وَقد كَانَ السّلف يحترزون أَشد الِاحْتِرَاز من مثل هَذَا. رُوِيَ أَن طبيبين دخلا على ابْن سِيرِين، فَلَمَّا خرجا قَالَ: لَوْلَا أَن يكون غيبَة لذكرت أَيهمَا أطب. وَعَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة قَالَ: لَو دخل عَلَيْك رجل أقطع فَقلت: هَذَا الأقطع يَعْنِي: بعد مَا خرج كنت قد اغْتَبْته، قَالَ أَبُو إِسْحَاق: صدق يَعْنِي: السبيعِي وَقَالَ أهل الْعلم: إِذا قَالَ فلَان الْأَعْمَش أَو فلَان الْأَعْوَر أَو فلَان البطين [يُرِيد] بذلك تَعْرِيفه، وَلَا يعرف إِلَّا بِهِ، لَا بَأْس بِهِ. وَكَانَ بعض أَئِمَّة الحَدِيث إِذا رُوِيَ عَن مُسلم البطين يَقُول: حَدثنَا مُسلم، وَأَشَارَ بيدَيْهِ إِلَى كبر الْبَطن.
وَذكر ابْن سِيرِين إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَوضع يَده على عينه وَكَانَ إِبْرَاهِيم أَعور فَقَالَ: رَأَيْته تِلْكَ الْمُشَاهدَة، وَمَا خلف بعده مثله.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿أَيُحِبُّ أحدكُم أَن يَأْكُل لحم أَخِيه مَيتا فكرهتموه﴾ أَي: كَمَا يكره أحدكُم أَن يَأْكُل لحم أَخِيه وَهُوَ ميت، فَكَذَلِك فليكره أَن يذكرهُ بالسوء وَهُوَ غَائِب، فَإِن قَالَ قَائِل: أيش التشابه بَينهمَا فِي الْمَعْنى؟ وَالْجَوَاب: أَنه إِذا أكل لَحْمه وَهُوَ ميت فقد هتك حرمته، وَهُوَ لَا يشْعر بِهِ، وَإِذا ذكره بالسوء بِظهْر الْغَيْب فقد هتك حرمته، وَهُوَ لَا يشْعر بِهِ. وَعَن عَمْرو بن الْعَاصِ أَنه مر على حمَار ميت فَقَالَ: لِأَن يمْلَأ أحدكُم جَوْفه من هَذَا اللَّحْم خير لَهُ من أَن يغتاب أَخَاهُ. وَيُقَال للمغتاب فِي اللُّغَة: فلَان يَأْكُل لُحُوم النَّاس: وَأنْشد فِي التَّفْسِير فِي هَذَا الْمَعْنى:
(فَإِن أكلُوا لحمي وفرت لحومهم ... وَإِن هدموا مجدي بنيت لَهُم مجدا)
وَقَوله: ﴿وَاتَّقوا الله إِن الله تواب رَحِيم﴾ أَي: قَابل التَّوْبَة عَن خلقه عطوف بهم.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱجۡتَنِبُوا۟ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمࣱۖ وَلَا تَجَسَّسُوا۟ وَلَا یَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَیُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن یَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِیهِ مَیۡتࣰا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق