الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى - ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ﴾ اقْتَضَتِ الآيَةُ النَّهْيَ عَنْ بَعْضِ الظَّنِّ لا عَنْ جَمِيعِهِ؛ لِأنَّ قَوْلَهُ: ﴿كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ يَقْتَضِي البَعْضَ وعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ ﴿إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ﴾ فَدَلَّ أنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ جَمْعَيْهِ وقالَ في آيَةٍ أُخْرى: ﴿وإنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا﴾ [النجم: ٢٨] وقالَ: ﴿وظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا﴾ [الفتح: ١٢] فالظَّنُّ عَلى أرْبَعَةٍ أضْرُبٍ: مَحْظُورٍ ومَأْمُورٍ بِهِ ومَندُوبٍ إلَيْهِ ومُباحٍ فَأمّا الظَّنُّ المَحْظُورُ فَهو سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ - تَعالى - حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ المُثَنّى ومُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَيّانَ التَّمّارُ قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنا سُفْيانُ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ أبِي سُفْيانَ عَنْ جابِرٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلاثٍ يَقُولُ: «لا يَمُوتَنَّ أحَدُكم إلّا وهو يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَزَّ وجَلَّ» . وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنِ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو سَعِيدٍ يَحْيى بْنُ مَنصُورٍ الهَرَوِيُّ قالَ حَدَّثَنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ المُبارَكِ عَنْ هِشامِ بْنِ الغازِي عَنْ حِبّانَ بْنِ أبِي (p-٢٨٨)النَّصْرِ قالَ: سَمِعْتُ واثِلَةَ بْنَ الأسْقَعِ يَقُولُ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ اللَّهُ: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي ما شاءَ». وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُوسى بْنُ إسْماعِيلَ قالَ: حَدَّثَنا حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ واسِعٍ عَنْ شُتَيْرٍ يَعْنِي ابْنِ نَهارٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ «حُسْنُ الظَّنِّ مِنَ العِبادَةِ» وهو مَرْفُوعٌ في حَدِيثِ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ غَيْرُ مَرْفُوعٍ في حَدِيثِ مُوسى بْنِ إسْماعِيلَ.
فَحُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ فَرْضٌ وسُوءُ الظَّنِّ بِهِ مَحْظُورٌ مَنهِيٌّ وكَذَلِكَ سُوءُ الظَّنِّ بِالمُسْلِمِينَ الَّذِينَ ظاهِرُهُمُ العَدالَةُ مَحْظُورٌ مَزْجُورٌ عَنْهُ، وهو مِنَ الظَّنِّ المَحْظُورِ المَنهِيِّ عَنْهُ. وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيُّ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ قالَ: أخْبَرَنا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ صَفِيَّةَ قالَتْ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُعْتَكِفًا فَأتَيْتُهُ أزُورُهُ لَيْلًا فَحَدَّثْتُهُ وقُمْتُ فانْقَلَبْتُ فَقامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي وكانَ مَسْكَنُها في دارِ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأنْصارِ فَلَمّا رَأيا النَّبِيَّ ﷺ أسْرَعا فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ عَلى رِسْلِكُما إنَّها صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ قالا: - سُبْحانَ اللَّهِ - يا رَسُولَ اللَّهِ قالَ: إنَّ الشَّيْطانَ يَجْرِي مِنَ الإنْسانِ مُجْرِي الدَّمِ فَخَشِيتُ أنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُما شَيْئًا أوْ قالَ سُوءًا» .
وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا مُعاذُ بْنُ المُثَنّى قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قالَ: حَدَّثَنا وُهَيْبٌ قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ طاوُسٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إيّاكم والظَّنَّ فَإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ» فَهَذا مِنَ الظَّنِّ المَحْظُورِ، وهو ظَنُّهُ بِالمُسْلِمِ سُوءًا مِن غَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُهُ، وكُلُّ ظَنٍّ فِيما لَهُ سَبِيلٌ إلى مَعْرِفَتِهِ مِمّا تُعُبِّدَ بِعِلْمِهِ فَهو مَحْظُورٌ؛ لِأنَّهُ لَمّا كانَ مُتَعَبَّدًا تُعُبِّدَ بِعِلْمِهِ ونُصِبَ لَهُ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَتَّبِعِ الدَّلِيلَ وحَصَلَ عَلى الظَّنِّ كانَ تارِكًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ؛ وأمّا ما لَمْ يُنْصَبْ لَهُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ يُوَصِّلُهُ إلى العِلْمِ بِهِ، وقَدْ تُعُبِّدَ بِتَنْفِيذِ الحُكْمِ فِيهِ فالِاقْتِصارُ عَلى غالِبِ الظَّنِّ، وإجْراءُ الحُكْمِ عَلَيْهِ واجِبٌ.
وذَلِكَ نَحْوُ ما تَعَبَّدَنا بِهِ مِن قَبُولِ شَهادَةِ العُدُولِ وتَحَرِّي القِبْلَةِ وتَقْوِيمِ المُسْتَهْلَكاتِ وأُرُوشِ الجِناياتِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ بِمَقادِيرِها تَوْقِيفٌ، فَهَذِهِ وما كانَ مِن نَظائِرِها قَدْ تَعَبَّدَنا فِيها بِتَنْفِيذِ أحْكامِ غالِبِ الظَّنِّ وأمّا الظَّنُّ المُباحُ فالشَّكّاكُ في الصَّلاةِ أمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالتَّحَرِّي والعَمَلِ عَلى ما يَغْلِبُ في ظَنِّهِ، فَلَوْ غَلَبَ ظَنَّهُ كانَ مُباحًا، وإنْ عَدَلَ عَنْهُ إلى البِناءِ عَلى اليَقِينِ كانَ جائِزًا، ونَحْوُهُ ما رُوِيَ عَنْ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ لِعائِشَةَ: إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جِدادَ عِشْرِينَ وسْقًا بِالعالِيَةِ، وإنَّكَ لَمْ تَكُونِي حُزْتِيهِ ولا قَبَضْتِيهِ، وإنَّما هو مالُ الوارِثِ، وإنَّما هُما أخَواكَ وأُخْتاكَ، قالَ: فَقُلْتُ: إنَّما هي أسْماءُ فَقالَ: أُلْقِيَ في رُوعِي أنَّ (p-٢٨٩)ذا بَطْنِ خارِجَةَ جارِيَةٌ فاسْتَجازَ هَذا الظَّنَّ لِما وقَعَ في قَلْبِهِ.
وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ الفَضْلِ قالَ: حَدَّثَنا هِشامُ بْنُ عَمّارٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إذا ظَنَنْتُمْ فَلا تُحَقِّقُوا» فَهَذا مِنَ الظَّنِّ الَّذِي يَعْرِضُ بِقَلْبِ الإنْسانِ في أخِيهِ مِمّا يُوجِبُ الرِّيبَةَ فَلا يَنْبَغِي أنْ يُحَقِّقَهُ، وأمّا الظَّنُّ المَندُوبُ إلَيْهِ فَهو حُسْنُ الظَّنِّ بِالأخِ المُسْلِمِ، هو مَندُوبٌ إلَيْهِ مُثابٌ عَلَيْهِ.
فَإنْ قِيلَ: إذا كانَ سُوءُ الظَّنِّ مَحْظُورًا فَواجِبٌ أنْ يَكُونَ حُسْنُ الظَّنِّ واجِبًا قِيلَ لَهُ: لا يَجِبُ ذَلِكَ؛ لِأنَّ بَيْنَهُما واسِطَةً، وهو أنْ لا يُظَنَّ بِهِ شَيْئًا فَإذا أحْسَنَ الظَّنَّ بِهِ فَقَدْ فَعَلَ مَندُوبًا إلَيْهِ.
* * *
قَوْلُهُ تَعالى -: ﴿ولا تَجَسَّسُوا﴾ حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ عَنْ القَعْنَبِيِّ عَنْ مالِكٍ عَنْ أبِي الزِّنادِ عَنْ الأعْرَجِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «إيّاكم والظَّنَّ فَإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَدِيثِ ولا تَجَسَّسُوا ولا تَحَسَّسُوا» . وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ قالَ: حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ عَنْ الأعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وهْبٍ قالَ: أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقِيلَ: هَذا فُلانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: " إنّا قَدْ نُهِينا عَنِ التَّجَسُّسِ، ولَكِنْ إنْ يَظْهَرْ لَنا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ " . وعَنْ مُجاهِدٍ: " لا تَجَسَّسُوا خُذُوا بِما ظَهَرَ لَكم ودَعُوا ما سَتَرَ اللَّهُ " .
فَنَهى اللَّهُ في هَذِهِ الآياتِ عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالمُسْلِمِ الَّذِي ظاهِرُهُ العَدالَةُ والسِّتْرُ، ودَلَّ بِهِ عَلى أنَّهُ يَجِبُ تَكْذِيبُ مَن قَذَفَهُ بِالظَّنِّ؛ وقالَ - تَعالى -: ﴿لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بِأنْفُسِهِمْ خَيْرًا وقالُوا هَذا إفْكٌ مُبِينٌ﴾ [النور: ١٢]؛ فَإذا وجَبَ تَكْذِيبُ القاذِفِ والأمْرُ بِحُسْنِ الظَّنِّ فَقَدِ اقْتَضى ذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ تَحْقِيقِ المَظْنُونِ، وعَنْ إظْهارِهِ.
ونَهى عَنِ التَّجَسُّسَ بَلْ أمَرَ بِالسِّتْرِ عَلى أهْلِ المَعاصِي ما لَمْ يَظْهَرْ مِنهم إصْرارٌ. حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى بْنِ فارِسٍ قالَ: حَدَّثَنا الفِرْيابِيُّ عَنْ إسْرائِيلَ عَنْ الوَلِيدِ: قالَ أبُو داوُدَ: ونَسَبَهُ لَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إسْرائِيلَ في هَذا الحَدِيثِ قالَ الوَلِيدُ بْنُ أبِي هِشامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ زائِدٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لا يُبْلِغْنِي أحَدٌ عَنْ أحَدٍ شَيْئًا، فَإنِّي أُحِبُّ أنْ أخْرُجَ إلَيْكم وأنا سَلِيمُ الصَّدْرِ لَكم» وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُسْلِمُ بْنُ إبْراهِيمَ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبارَكِ عَنْ إبْراهِيمَ بْنِ نَشِيطٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أبِي الهَيْثَمِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «مَن رَأْيِ عَوْرَةً فَسَتَرَها كانَ كَمَن أحْيا مَوْءُودَةً» وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قالَ: حَدَّثَنا اللَّيْثُ عَنْ عَقِيلٍ (p-٢٩٠)عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سالِمٍ عَنْ أبِيهِ، أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ: «المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ فَإنَّ اللَّهَ في حاجَتِهِ ومَن فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَوْمِ القِيامَةِ ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيامَةِ» وجَمِيعُ ما أمَرَنا اللَّهُ بِهِ مِن ذَلِكَ يُؤَدِّي إلى صَلاحِ ذاتِ البَيْنِ، وفي صَلاحِ ذاتِ البَيْنِ صَلاحُ أمْرِ الدُّنْيا والدِّينِ، قالَ اللَّهُ - تَعالى -: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ وأصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ﴾ [الأنفال: ١]
وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ قالَ: حَدَّثَنا أبُو مُعاوِيَةَ عَنِ الأعْمَشِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُرَّةَ عَنْ سالِمٍ عَنْ أُمِّ الدَّرْداءِ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ألا أُخْبِرُكم بِأفْضَلَ مِن دَرَجَةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدَقَةِ ؟ قالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللَّهِ، قالَ إصْلاحُ ذاتِ البَيْنِ، و فَسادُ ذاتِ البَيْنِ الحالِقَةُ».
* * *
وقَوْلُهُ تَعالى -: ﴿ولا يَغْتَبْ بَعْضُكم بَعْضًا﴾؛ حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا القَعْنَبِيُّ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ العَلاءِ عَنْ أبِيهِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّهُ قِيلَ: «يا رَسُولَ اللَّهِ ما الغِيبَةُ ؟ قالَ: ذِكْرُكَ أخاكَ بِما يَكْرَهُ، قِيلَ: أفَرَأيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ ؟ قالَ: إنْ كانَ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ما تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ» .
وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ قالَ: حَدَّثَنا سُفْيانُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الأقْمَرِ عَنْ أبِي حُذَيْفَةَ عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ ﷺ: حَسْبُكَ مِن صَفِيَّةَ كَذا وكَذا قالَ: غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِي قَصِيرَةً فَقالَ: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِماءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ قالَتْ: وحَكَيْتُ لَهُ إنْسانًا آخَرَ فَقالَ: ما أُحِبُّ أنِّي حَكَيْتُ إنْسانًا وأنَّ لِي كَذا وكَذا» .
وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قالَ: حَدَّثَنا أبُو داوُدَ قالَ: حَدَّثَنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّزّاقِ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ: أخْبَرَنِي أبُو الزُّبَيْرِ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الصّامِتِ ابْنَ عَمِّ أبِي هُرَيْرَةَ أخْبَرَهُ أنَّهُ سَمِعَ أبا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «جاءَ الأسْلَمِيُّ إلى نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ فَشَهِدَ عَلى نَفْسِهِ أرْبَعَ مَرّاتٍ أنَّهُ أصابَ امْرَأةً حَرامًا؛ وذَكَرَ الحَدِيثَ إلى قَوْلِهِ: فَما تُرِيدُ بِهَذا القَوْلِ ؟ قالَ: أُرِيدُ أنْ تُطَهِّرَنِي فَأمَرَ بِهِ فَرُجِمَ؛ فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ رَجُلَيْنِ مِن أصْحابِهِ يَقُولُ أحَدُهُما لَصاحِبِهِ: اُنْظُرْ إلى هَذا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَرْدَعْهُ نَفْسُهُ حَتّى رُجِمَ رَجْمَ الكَلْبِ فَسَكَتَ عَنْهُما، ثُمَّ سارَ ساعَةً حَتّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمارٍ شائِلٍ بِرِجْلِهِ فَقالَ: أيْنَ فُلانٌ وفُلانٌ ؟ فَقالا: نَحْنُ ذانِ يا رَسُولَ اللَّهِ قالَ: انْزِلا فَكُلا مِن جِيفَةِ هَذا الحِمارِ فَقالا: يا نَبِيَّ اللَّهِ مَن يَأْكُلُ مِن هَذا ؟ قالَ: فَما نِلْتُما مِن عِرْضِ أخِيكُما آنِفًا أشَدُّ مِنَ الأكْلِ مِنهُ، واَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُ الآنَ لَفي أنْهارِ الجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيها» وحَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (p-٢٩١)قالَ: حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ مُرَّةَ سَنَةَ ثَلاثَ عَشْرَةَ ومِائَتَيْنِ قالَ: حَدَّثَنا ابْنُ عَوْنٍ أنَّ ناسًا أتَوْا ابْنَ سِيرِينَ فَقالُوا: إنّا نَنالُ مِنكَ فاجْعَلْنا في حِلٍّ فَقالَ: لا أُحِلُّ لَكم ما حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكم.
ورَوى الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ أنَّ رَجُلًا قالَ لِلْحَسَنِ: يا أبا سَعِيدٍ إنِّي أرى أمْرًا أكْرَهُهُ قالَ: وما ذاكَ يا ابْنَ أخِي ؟ قالَ: أرى أقْوامًا يَحْضُرُونَ مَجْلِسَكَ يَحْفَظُونَ عَلَيْكَ سَقَطَ كَلامِكَ ثُمَّ يَحْكُونَكَ ويَعِيبُونَكَ، فَقالَ: يا ابْنَ أخِي لا يَكْبُرَنَّ هَذا عَلَيْكَ، أُخْبِرُكَ بِما هو أعْجَبُ ؟ قالَ: وما ذاكَ يا عَمِّ ؟ قالَ: " أطْمَعْتُ نَفْسِي في جِوارِ الرَّحْمَنِ وحُلُولِ الجِنانِ والنَّجاةِ مِنَ النِّيرانِ ومُرافَقَةِ الأنْبِياءِ ولَمْ أُطْمِعْ نَفْسِي في السَّلامَةِ مِنَ النّاسِ، إنَّهُ لَوْ سَلِمَ مِنَ النّاسِ أحَدٌ لَسَلِمَ مِنهم خالِقُهُمُ الَّذِي خَلَقَهم، فَإذا لَمْ يَسْلَمْ خالِقُهم فالمَخْلُوقُ أجْدَرُ أنْ لا يَسْلَمَ " .
حَدَّثَنا عَبْدُ الباقِي بْنُ قانِعٍ قالَ: أخْبَرَنا الحارِثُ بْنُ أبِي أُسامَةَ قالَ: حَدَّثَنا داوُدُ بْنُ المُجْبِرِ قالَ: حَدَّثَنا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قالَ: حَدَّثَنِي خالِدُ بْنُ يَزِيدَ اليَمامِيُّ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «كَفّارَةُ الِاغْتِيابِ أنْ تَسْتَغْفِرَ لِمَنِ اغْتَبْتَهُ» وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أيُحِبُّ أحَدُكم أنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ تَأْكِيدٌ لِتَقْبِيحِ الغِيبَةِ. والزَّجْرُ عَنْهُ مِن وُجُوهٍ. أحَدُها: أنَّ لَحْمَ الإنْسانِ مُحَرَّمُ الأكْلِ، فَكَذَلِكَ الغِيبَةُ.
والثّانِي: أنَّ النُّفُوسَ تَعافُ أكْلَ لَحْمِ الإنْسانِ مِن جِهَةِ الطَّبْعِ، فَلْتَكُنِ الغِيبَةُ عِنْدَكم بِمَنزِلَتِهِ في الكَراهَةِ ولُزُومِ اجْتِنابِهِ مِن جِهَةِ مُوجِبِ العَقْلِ؛ إذْ كانَتْ دَواعِي العَقْلِ أحَقَّ بِالِاتِّباعِ مِن دَواعِي الطَّبْعِ، ولَمْ يَقْتَصِرْ عَلى ذِكْرِ الإنْسانِ المَيِّتِ حَتّى جَعَلَهُ أخاهُ، وهَذا أبْلَغُ ما يَكُونُ في التَّقْبِيحِ والزَّجْرِ، فَهَذا كُلُّهُ إنَّما هو في المُسْلِمِ الَّذِي ظاهِرُهُ العَدالَةُ، ولَمْ يَظْهَرْ مِنهُ ما يُوجِبُ تَفْسِيقَهُ كَما يَجِبُ عَلَيْنا تَكْذِيبُ قاذِفِهِ بِذَلِكَ، فَإنْ كانَ المَقْذُوفُ بِذَلِكَ مَهْتُوكًا فاسِقًا فَإنَّ ذِكْرَ ما فِيهِ مِنَ الأفْعالِ القَبِيحَةِ غَيْرُ مَحْظُورٍ، كَما لا يَجِبُ عَلى سامِعِهِ النَّكِيرُ عَلى قائِلِهِ.
ووَصْفُهُ بِما يَكْرَهُهُ عَلى ضَرْبَيْنِ. أحَدُهُما: ذِكْرُ أفْعالِهِ القَبِيحَةِ. والآخَرُ: وصْفُ خِلْقَتِهِ، وإنْ كانَ مَشِينًا عَلى جِهَةِ الِاحْتِقارِ لَهُ وتَصْغِيرِهِ لا عَلى جِهَةِ ذَمِّهِ بِها ولا عَيْبِ صانِعِها عَلى نَحْوِ ما رَوَيْنا عَنْ الحَسَنِ في وصْفِهِ الحَجّاجَ بِقُبْحِ الخِلْقَةِ، وقَدْ يَجُوزُ وصْفُ قَوْمٍ في الجُمْلَةِ بِبَعْضِ ما إذا وُصِفَ بِهِ إنْسانٌ بِعَيْنِهِ كانَ غِيبَةً مَحْظُورَةً، ثُمَّ لا يَكُونُ غِيبَةً إذا وُصِفَ بِهِ الجُمْلَةُ عَلى وجْهِ التَّعْرِيفِ.
كَما رَوى أبُو حازِمٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: «جاءَ رِجْلٌ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَزَوَّجْتَ امْرَأةً قالَ: هَلْ نَظَرْتَ إلَيْها ؟ فَإنَّ في أعْيُنِ الأنْصارِ شَيْئًا»، فَإنَّهُ لَمْ يَكُنْ غِيبَةً؛ وجَعَلَ وصْفَ عائِشَةَ الرَّجُلَ بِالقِصَرِ في الحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنا غِيبَةً؛ لِأنَّ ذَلِكَ كانَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ عَلى وجْهِ (p-٢٩٢)التَّعْرِيفِ لا عَلى جِهَةِ العَيْبِ، وهو كَما رُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تُقاتِلُوا قَوْمًا عِراضَ الوُجُوهِ صِغارَ العُيُونِ فُطْسَ الأُنُوفِ كَأنَّ وُجُوهَهُمُ المِجانُّ المُطْرَقَةُ» فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غِيبَةً، وإنَّما كانَ تَعْرِيفًا لَهم صِفَةَ القَوْمِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱجۡتَنِبُوا۟ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمࣱۖ وَلَا تَجَسَّسُوا۟ وَلَا یَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَیُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن یَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِیهِ مَیۡتࣰا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق