الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: نَهى اللَّهُ تَعالى المُؤْمِنَ أنْ يَظُنَّ بِالمُؤْمِنِ شَرًّا. وقالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هو الرَّجُلُ يَسْمَعُ مِن أخِيهِ كَلامًا لا يُرِيدُ بِهِ سُوءًا أوْ يَدْخُلُ مَدْخَلًا لا يُرِيدُ بِهِ [سُوءًا]، فَيَراهُ أخُوهُ المُسْلِمُ فَيَظُنُّ بِهِ سُوءًا. وقالَ الزَّجّاجُ: هو أنْ يَظُنَّ بِأهْلِ الخَيْرِ سُوءًا. فَأمّا أهْلُ السُّوءِ والفِسْقِ، فَلَنا أنْ نَظُنَّ بِهِمْ مِثْلَ الَّذِي ظَهَرَ مِنهم. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: هَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلى أنَّهُ لَمْ يُنْهَ عَنْ جَمِيعِ الظَّنِّ؛ والظَّنُّ عَلى أرْبَعَةِ أضْرُبٍ. مَحْظُورٌ، ومَأْمُورٌ بِهِ، ومُباحٌ، ومَندُوبٌ إلَيْهِ، فَأمّا المَحْظُورُ، فَهو سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعالى، والواجِبُ: حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ، وكَذَلِكَ سُوءُ الظَّنِّ بِالمُسْلِمِينَ الَّذِينَ ظاهِرُهُمُ العَدالَةُ مَحْظُورٌ، وأمّا الظَّنُّ المَأْمُورُ بِهِ، فَهو ما لَمْ يَنْصَبَّ عَلَيْهِ (p-٤٧٠)دَلِيلٌ يُوصَلُ إلى العِلْمِ بِهِ، وقَدْ تَعَبَّدَنا بِتَنْفِيذِ الحُكْمِ فِيهِ، والِاقْتِصارُ عَلى غالِبِ الظَّنِّ، وإجْراءُ الحُكْمِ عَلَيْهِ واجِبٌ، وذَلِكَ نَحْوُ ما تَعَبَّدَنا بِهِ مِن قَبُولِ شَهادَةِ العُدُولِ، وتَحَرِّي القِبْلَةِ، وتَقْوِيمِ المُسْتَهْلَكاتِ، وأُرُوشِ الجِناياتِ الَّتِي لَمْ يَرِدْ بِمَقادِيرِها تَوْقِيفٌ، فَهَذا وما كانَ مِن نَظائِرِهِ قَدْ تُعُبِّدْنا فِيهِ بِأحْكامِ غالِبِ الظُّنُونِ. فَأمّا الظَّنُّ المُباحُ، فَكالشّاكِّ في الصَّلاةِ إذا كانَ إمامًا، أمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِالتَّحَرِّي والعَمَلِ عَلى ما يَغْلِبُ في ظَنِّهِ، وإنْ فَعَلَهُ كانَ مُباحًا، وإنْ عَدَلَ عَنْهُ إلى البِناءِ عَلى اليَقِينِ كانَ جائِزًا ورَوى أبُو هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « "إذا ظَنَنْتُمْ فَلا تُحَقِّقُوا"،» وهَذا مِنَ الظَّنِّ الَّذِي يَعْرِضُ في قَلْبِ الإنْسانِ في أخِيهِ فِيما يُوجِبُ الرِّيبَةَ، فَلا يَنْبَغِي لَهُ أنْ يُحَقِّقَهُ. وأمّا الظَّنُّ المَندُوبُ إلَيْهِ، فَهو إحْسانُ الظَّنِّ بِالأخِ المُسْلِمِ يُنْدَبُ إلَيْهِ ويُثابُ عَلَيْهِ. فَأمّا ما رُوِيَ في الحَدِيثِ: « "احْتَرِسُوا مِنَ النّاسِ بِسُوءِ الظَّنِّ"،» فالمُرادُ: الِاحْتِراسُ بِحِفْظِ المالِ، مِثْلُ أنْ يَقُولَ: إنْ تَرَكْتُ بابِي مَفْتُوحًا خَشِيتُ السُّرّاقَ.
(p-٤٧١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ﴾ قالَ المُفَسِّرُونَ: هو ما تَكَلَّمَ بِهِ مِمّا ظَنَّهُ مِنَ السُّوءِ بِأخِيهِ المُسْلِمِ، فَإنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ فَلا بَأْسَ، وذَهَبَ بَعْضُهم إلى أنَّهُ يَأْثَمُ بِنَفْسِ ذَلِكَ الظَّنِّ وإنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا تَجَسَّسُوا﴾ وقَرَأ أبُو رَزِينٍ، والحَسَنُ، والضَّحّاكُ، وابْنُ سِيرِينَ، وأبُو رَجاءٍ، وابْنُ يَعْمَرَ: بِالحاءِ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: التَّجَسُّسُ والتَّحَسُّسُ واحِدٌ، وهو التَّبَحُّثُ، ومِنهُ الجاسُوسُ. ورُوِيَ عَنْ يَحْيى بْنِ أبِي كَثِيرٍ أنَّهُ قالَ: التَّجَسُّسُ، بِالجِيمِ: البَحْثُ عَنْ عَوْراتِ النّاسِ، وبِالحاءِ: الِاسْتِماعُ لِحَدِيثِ القَوْمِ. قالَ المُفَسِّرُونَ: التَّجَسُّسُ: البَحْثُ عَنْ عَيْبِ المُسْلِمِينَ وعَوْراتِهِمْ؛ فالمَعْنى: لا يَبْحَثْ أحَدُكم عَنْ عَيْبِ أخِيهِ لِيَطَّلِعَ عَلَيْهِ إذْ سَتَرَهُ اللَّهُ. وقِيلَ لِابْنِ مَسْعُودٍ: هَذا الوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا، فَقالَ: إنّا نُهِينا عَنِ التَّجَسُّسِ، فَإنْ يَظْهَرْ لَنا شَيْءٌ نَأْخُذْهُ بِهِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكم بَعْضًا﴾ أيْ: لا يَتَناوَلْ بَعْضُكم بَعْضًا بِظَهْرِ الغَيْبِ بِما يَسُوؤُهُ. وقَدْ رَوى أبُو هُرَيْرَةَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ ما الغِيبَةُ؟ قالَ: "ذَكْرُكَ أخاكَ بِما يَكْرَهُ" . قالَ: أرَأيْتَ إنْ كانَ في أخِي ما أقُولُ. قالَ: "إنْ كانَ في أخِيكَ ما تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وإنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ" .»
(p-٤٧٢)ثُمَّ ضَرَبَ اللَّهُ لِلْغِيبَةِ مَثَلًا، فَقالَ: ﴿أيُحِبُّ أحَدُكم أنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتًا﴾ وقَرَأ نافِعٌ "مَيِّتًا" بِالتَّشْدِيدِ. قالَ الزَّجّاجُ: وبَيانُهُ أنَّ ذِكْرَكَ بِسُوءٍ مَن لَمْ يَحْضُرْ، بِمَنزِلَةِ أكْلِ لَحْمِهِ وهو مَيِّتٌ لا يُحِسُّ بِذَلِكَ. قالَ القاضِي أبُو يَعْلى: وهَذا تَأْكِيدٌ لِتَحْرِيمِ الغِيبَةِ، لِأنَّ أكْلَ لَحْمِ المُسْلِمِ مَحْظُورٌ، ولِأنَّ النُّفُوسَ تَعافُهُ مِن طَرِيقِ الطَّبْعِ، فَيَنْبَغِي أنْ تَكُونَ الغِيبَةُ بِمَنزِلَتِهِ في الكَراهَةِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ وقَرَأ الضَّحّاكُ، وعاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ: "فَكُرِّهْتُمُوهُ" بِرَفْعِ الكافِ وتَشْدِيدِ الرّاءِ. قالَ الفَرّاءُ: أيْ: وقَدْ كَرِهْتُمُوهُ فَلا تَفْعَلُوهُ، ومَن قَرَأ "فَكَرِهْتُمُوهُ" أيْ: فَقَدْ بُغِّضَ إلَيْكُمْ، والمَعْنى واحِدٌ. قالَ الزَّجّاجُ: والمَعْنى: كَما تَكْرَهُونَ أكْلَ لَحْمِهِ مَيِّتًا، فَكَذَلِكَ تَجَنَّبُوا ذِكْرَهُ بِالسُّوءِ غائِبًا.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ﴾ أيْ: في الغِيبَةِ ﴿إنَّ اللَّهَ تَوّابٌ﴾ عَلى مَن تابَ رَحِيم بِهِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱجۡتَنِبُوا۟ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمࣱۖ وَلَا تَجَسَّسُوا۟ وَلَا یَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَیُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن یَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِیهِ مَیۡتࣰا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابࣱ رَّحِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق