الباحث القرآني
لما حَكَى عنهم أنَّهم يَخْشَون النَّاسَ عند فَرْضِ القِتَالِ بَكَّتهُم هَهُنَا؛ فقال: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت﴾ أي: لا خلاص لكُم من المَوْت، والجِهَاد مَوْتٌ يستعقبه سَعَادة أخْرَوِيَّة، فإذا كان لا بُدَّ من المَوْتِ، فبأن يَقَع على وَجْهٍ يستَعْقِب السَّعَادة الأبَدِيَّة، أوْلى من ألاَّ يكُون كَذَلِكَ.
قوله: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ﴾ : «أين» اسْم شَرْك يجزم فِعْلَين، و «ما» زائدة على سَبِيل الجَوَازِ مؤكِّدة لها، و «أين» ظَرْف مَكَان، و «تكونوا» مَجْزومٌ بها، و «يدرككم» : جوابُه.
والجمهُور على جزمه؛ لأنه جواب الشرط، وطلحة بن سليمان: «يدركُكم» برفعه، فخرَّجه المُبَرِّد، على حَذْفِ الفَاءِ، أي: فيدرككم المَوْت.
ومثلُه قول الآخر: [الرجز]
1831 - يَا أقْرَعُ بْنَ حَابِسٍ يَا أقْرَعُ ... إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أخُوكَ تُصْرَعُ
وهذا تَخْرِيج المُبَرِّد، وسيبويه يَزْعم أنه ليْس بجَوَابٍ، إنَّما هو دالٌّ على الجَوَاب والنِّيةُ به التقديمُ.
وفي البَيْت تَخْرِيجٌ آخر: وهو أنْ يكُون «يَصْرَعُ» المرفُوعُ خبراً ل «إنك» ، والشَّرطُ معترِضٌ بينهما، وجَوَابُه ما دَلَّ عليه قوله: «إنك تصرع» ؛ كقوله: ﴿وَإِنَّآ إِن شَآءَ الله لَمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 70] وخَرَّجه الزَّمخشري على التوهُّم؛ فإنه قال: ويجُوزُ أن يُقال: حُمِل على ما يَقَع مَوْقعَ «أينما تَكُونوا» وهو «أينما كُنْتُم» كما حُمِل على ما يقع موقع «ليسوا مصلحين» وهو «ليسوا بمصلحين» فرفع كما رفع زهير «ولا ناعب» : [البسيط]
1832 - ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ..... يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ
وهو قولُ نحويّ سِيبيّ، يعني منسوب لسيبويه، فكأنه قال: «أينما كنتم» ، وفعلُ الشرط إذا كان ماضياً لفظاً جازَ في جوابه المضارعِ الرفعُ والجزمُ كقول زهير: [البسيط]
1833 - وَإنْ أتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْألَةٍ يَقُولُ..... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
وفي رَفْعِهِ الوَجْهَان المَذْكُوران عن سيبويه والمُبرِّد. ورَدَّ عليه أبو حَيّان: بأن العطفَ على التوَهُّم لا يَنْقَاس؛ ولأنَّ قوله يؤدِّي إلى حَذْفِ جواب الشَّرْط، ولا يُحْذَفُ إلاَّ إذا كان فِعْل الشَّرْط ماضياًن لو قُلْت: «أنت ظَالمٌ إنْ تفعل» لم يَجُز. وهذا - كَمَا رَأيتَ - مضارعٌ، وفي هذا الردِّ نَظَرٌ لا يَخْفَى.
«ولو كنتم» قالوا: هي بِمَعْنى: «إنْ» وجوابُها مَحْذُوف، أي: لأدْرَكَكُمْ، وذكر الزَّمَخْشري فيه قَوْلاً غَرِيباً عن عِنْدَ نَفْسِه، فقال: «ويجوزُ أن يَتَّصِل بقوله: ﴿وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ أي: لا تُنْقَصُون شيئاً مِمَّا كُتِب من آجَالِكُم أيْنَمَا تَكُونوا في مَلاَحمِ حُروبٍ أو غيرها، ثم ابتدأ بِقَوله: ﴿تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ ، والوَقْفُ على هذا الوَجْه على ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ﴾ انتهى.
ورَدَّ عليه أبو حيَّان، فقال: هذا تَخْريجٌ ليس بِمُسْتَقيمٍ، لا من حيث المعنى ولا من حيث الصِّنَاعةِ النَّحوية:
أمَّا من حَيْثُ المعنى: فإنه لا يُناسِبُ أن يكون مُتَّصلاً بقوله: ﴿لاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ ؛ لأنَّ انتفاءَ الظُّلْم ظاهِراً إنما هو في الآخرة؛ لقوله - تعالى -: ﴿قُلْ مَتَاعُ الدنيا قَلِيلٌ والآخرة خَيْرٌ لِّمَنِ اتقى﴾ .
وأمَّا من حَيْث الصِّنَاعةُ النَّحويّة: فإنَّ ظاهر كلامه يَدُلُّ على أنَّ» أينما تكونوا» متعلِّقٌ بقوله: ﴿وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾ بمعنى ما فسّره، وهذا لا يجُوزُ؛ لأن أسْمَاءَ الشَّرْط لها صَدْرُ الكَلاَم، فلا يَتَقَدَّم عَامِلُها عليها، فإنْ وَرَد مثلُ: «اضْربْ زيداً متى جَاءَ» قُدِّر له عَاملٌ يدلُّ عليه «اضرب» لا نفسُ «اضْرِب» المتقدِّم.
فإن قيل: فكذلك يُقَدِّر الزَّمَخْشَرِيّ عاملاً يدلُّ عليه ﴿وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾ تقديره: «أينما تكونوا فلا تظلمون» فحذف «فلا تظلمون» ، لدلالةِ ما قبله عليه، فيخلُصُ من الإشْكَال المَذْكُور.
قيل: لا يُمْكِن ذلك؛ لأنه حينئذ يُحذفُ جَواب الشَّرط وفعلُ الشرط مُضَارعٌ، وقد تقدم أنَّه لا يَكُون إلا ماضياً» . وفي هذا الردِّ نظرٌ؛ لأنه أرادَ تَفْسِير المَعْنَى. قوله: ولا يناسب أن يكون مُتَّصِلاَ بقوله: ﴿وَلاَ تُظْلَمُونَ﴾ مَمْنُوعٌ، بل هُو مُنَاسِب، وقد أوضَحَهُ الزَّمَخْشَرِي بما تقدَّم احْسَنَ إيضَاحٍ.
والجُمْلَة الامتنَاعِيَّة في مَحَلَّ نصبٍ على الحَالِ، أي: أينما تَكُونوا من الأمكنة، يدركْكم المَوْت، ولو كانت حَالُكم أنَّكم في هذه البُرُوج، فيُفْهَمُ أن إدراكه لهم في غَيْرِها بطريق الأوْلى والأخْرى، وقريبٌ منه: «أعْطُوا السَّائِل ولو على فَرَسٍ» . والجملةُ الشَّرطِيَّة تحتمل وَجْهَيْن:
أحدهمت: أنها لا مَحَلَّ لها من الإعراب؛ لأنها استِئْنَافُ إخبارٍ؛ اخبر - تعالى - أنَّه لا يفُوتُ الموتَ أحَدٌ، ومنه قولُ زُهَيْر: [الطويل]
1834 - وَمَنْ هَابَ أسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ ... ولَوْ رَامَ أسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
والثَّاني: أنها في مَحَلِّ نَصبٍ بالقَوْل قَبْلَها أي: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَبِيلٌ، وقُلْ أيضاً: أينما تَكُونُوا.
والجُمْهُور على» مشيدة «بفتح الياء اسم مَفْعُول. ونعيم بن ميْسَرة بِكَسْرِها، نسَبَ الفعلَ إليها مَجَارزاً؛ كقولهم:» قَصِيدَةٌ شَاعِرَة» ، والموْصُوفُ بذلك أهْلُها، وإنما عَدَلَ إلى ذلك مُبَالغةً في الوَصْفِ.
والبُرُوج: الحُصُونُ مَأخُوذةٌ من «التَّبرُّج» وهو الإظْهَارُ، ومنه: «غير مُتبرِّجَات بزينة» ، والبَرَجُ في العين: سَعَتُها، ومنه قولُ ذي الرُّمَّة: [البسيط]
1835 - بَيْضَاءُ فِي بَرَجٍ صَفْرَاءُ فِي غَنَجٍ ... كَأنَّهَا فِضَّةٌ قَدْ مَسَّهَا ذَهَبُ
وقولُهُم: «ثَوْبٌ مُبَرَّجٌ» أي: عليه صُورُ البُرُوج؛ كقولهم: «مِرْطٌ مُرَجَّل» أي: عليه صُورُ الرِّجَال، يروى بالجيم والحاء، والمشيَّدة: المَصْنُوعة بالشِّيدِ؛ وهو الجِصُّ، ويقال: «شَادَ البِنَاء وشيَّدَهُ» كرَّر العَيْن للتَّكْثِير؛ ومن مجيء» شاد «قولُ الأسود: [الخفيف] 1836 - شَادَهُ مَرْمَراً وجَلَّلَهُ كِلْ ... سَاً فَِلِلطَّيْرِ فِي ذَرَاهُ وُكُورُ
ويقال: «أشاد» أيْضاً، فيكون فَعَل وأفْعَل بِمَعْنًى.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: شاد القَصْرَ إذا رَفَعَهُ أو طَلاَه بالشِّيد، وهو الجِصُّ وهذا قَوْل عِكْرمَة، وقال قتادة [معناه:] في قُصُورٍ محصَّنةٍ، وقال السُّدِّيُّ في بُرُوجِ في سَمَاءِ الدُّنْيَا مَبْنِيَّة، وهي بُرُوج الفلك الاثْنَي عشر، وهذا القَوْل مَحْكِيٌّ عن مَالِك، ومعنى مشيدة، [أي] مادّة من الرَّفْع؛ وهي الكَوَاكِبُ العِظَام.
وقيل: للكَواكِب: بُرُوجٌ، لظُهُورِها من بَرِجَ يَبْرِج إذا ظَهَر وارْتَفَع، ومِنْهُ: ﴿﴾ .
وخلقها الله - تعالى - في مَنَازِل للشَّمْس والقَمَر، وقدّره فِيهَا، ورتَّب الأزمِنَة عَلَيْهَا.
قوله: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هذه مِنْ عِندِ الله﴾ نزلت في المُنَافِقينَ واليَهُود؛ وذلك أنَّهم قَالُوا لما قَدِم رسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ المدِينَةَ: ما زلنا نَعْرِف النَّقْصَ في ثِمَارِنَا ومَزَارِعِنَا مذ قِدَم هَذا الرَّجُل وأصْحَابهُ.
قال الله - تعالى - «وإن تصبهم» يعني: اليهود «حسنة» أي: خصب ورُخص في السِّعْر، «يقولوا هذه من عندنا» لنا ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ يعني: الجَدْب وغَلاَء الأسْعَار، «يقولوا من عندك» أي: من شُؤْم محمَّدٍ وأصْحَابه، وكَيْفِيَّة النَّظم: أنَّه - تعالى - لما حَكَى [عنهم] كونهم [متثاقلين عن اجهاد خائفين من الموت راغبين في متاع الدنيا، حكى عنهم] في هَذِه الآية خَصْلَة أخْرَى أقبَح من الأولى.
وفي النَّظْم وَْه آخَر؛ وهو أنَّ الخَائِفِين من المَوْت، المُتَثَاقِلِين في الجِهَادِ من عَادَتِهِم أنَّهم إذا جَاهَدُوا وقَاتَلُوا، فإن أصَابُوا ظَفَراً أو غَنِيمةً، قالوا: هَذِه من عِنْد الله، وإن أصَابَهُم مَكْرُوه، قالوا: هذه من شُؤْمِ مُصَاحَبة محمَّد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ.
فعلى هذا يكُون المُرَادُ ب «الحسنة» : الظفر والغَنِيمَة يوم بَدْر، وب «السيئة» : القَتْل والهَزِيمة يوم أُحُد، وهذا نَظير قَوله: ﴿فَإِذَا جَآءَتْهُمُ الحسنة قَالُواْ لَنَا هذه وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بموسى وَمَن مَّعَهُ﴾ [الأعراف: 131] .
قال القاضي: القول بأن الحَسَنَة هي الخصب، وأن السَّيِّئَة هي الغلاء، [هذا] هو المعتبر، لأن إضافة الخصب والغلاء وكثرة النِّعم وقلَّتِها إلى الله جَائِزَةٌ وأمَّا إضافة النَّصْر والهزيمةِ إلى الله - تعالى -، وهَذَا على مَذْهَبِه] أمَّا على مَذْهَب أهْل السُّنَّة، فالكل بِقَضَاءِ الله وقدَرِه.
* فصل في تفسير الحسنة والسيئة
اعلم أن السِّيِّئَة تَقَع على البَلِيَّة والمَعْصِيَة، والحَسَنة على النِّعْمَة والطَّاعَة؛ قال تعالى: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بالحسنات والسيئات لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الأعراف: 168] وقال -[تعالى -: ﴿إِنَّ] الحسنات يُذْهِبْنَ السيئات﴾ [هود: 114] ، وإذا ثبت هذا؛ فنقو: قَوْله: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ﴾ ، وقوله: ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ يفيد العُمُوم في كُلِّ الحَسَنَات والسَّيِّئات، ثم قال بَعْدَه: ﴿قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله﴾ .
فهُنَا تصريحٌ بأنَّ جميع الحَسَنات والسَّيِّئات من الله - تعالى -، ولمَّا ثَبَتَ بما ذكرنا أنَّ الطَّعات والمَعَاصِي دَاخِلَتَانِ تحت اسْم الحَسَنَةِ والسَّيِّئَة، كانت [الآية] دالَّة على [أنَّ] جميعَ الطَّاعاتِ والمَعَاصي من الله تعالى، وهو المَطْلُوبُ.
[فإن قيل] : المرادُ من الحَسَنة والسَّيِّئَة هُنا: لَيْس هو الطَّاعَة والمَعْصِيَة؛ لاتِّفَاق الكُلِّ على أنَّ هذه الآية نَزَلت في الخَصب والجَدْب، فاخْتُصَّتْ بِهِمَا، وأيضاً فالحَسَنة التَّي يُرَاد بها الخَيْر والطَّاعَة [لا يقال فيها: أصابَتْنِي، إنما يُقَال: أصَبْتُها، وليس في كَلاَم العَرَب أصَابَ فُلان حَسَنَة] ، [بمعنى: عَمِلَ خَيْرٍ أو أصَابَتْهُ سيِّئة] بمعنى: عمل مَعْصِيَةٍ، فلو كان المُرَاد ما ذَكَرْتُم، لقَالَ: إن أصَبْتُم حَسَنَةً.
وأيضاً: لفظ الحَسَنَة وَاقِعٌ بالاشْتِرَاك على الطَّاعَةِ وعلى المنفعة، وهَهُنا أجْمَع المفسِّرون على أنَّ على الطَّاعضةِ وعلى المنفعة، وهَهُنَا أجْمَع المفسِّرون على أنَّ المَنْفَعَة مُرَادة، [فيمتنع كَوْن الطَّاعَة مرادة] ، لأنَّه لا يجوز اسْتِعْمضال المُشْتَرَك في مَفْهُومَيْه مَعاً.
والجواب عن الأوَّل: [أن] خصوصَ السَّبَب لا يَقْدَحُ في عُمُوم اللَّفْظ.
وعن الثَّانِي: أنه يَصِحُّ أن يُقَال: أصَابَنِي تَوْفِيقٌ من الله، وَعَوْن من الله، وأصابه خُذْلاَنَ من الله، ويكون المُراد [من ذلك التَّوفِيق والعَوْن: تلك الطَّاعة، ومن الخُذْلان: تلك المَعْصِيَة.
وعن الثَّالث: أن كل] ما كَانَ مُنْتَفِعاً به فهو حَسَنة، فإن كان نَفْعه في الآخِرَة، فهو في الطَّاعةِ، وإن كان نفعه في الدُّنْيا فهو السَّعَادة الحَاضِرة، فاسْم الحَسَنَة بالنِّسْبَة إلى هَذَيْنِ القِسْمَيْن مُتَوَاطئُ الاشْتِرَاك، فزال السُّؤال، ويؤيد ذَلِك: أن البَدِيهَة قَاطِعَةٌ بأنَّ كل مَوْجُود مُمْكِنٌ لِذَاته، مستندٌ للحقِّ بذاته وهُوَ الله - تعالى -، فلو استَغْنَى المُمْكن بذَاتِهِ [عن الحَقِّ] ، لزم نَفْيَ الصَّانع، وهذا الحُكْمُ لا يخْتَلِفُ كَيْف كان المُمْكن؛ حيواناً، أو جماداً، أو فعلاً، أو صِفَةً، وهذا بُرْهَانٌ كالشَّمْس، مُصَرِّح بأن الكُلَّ من عِنْد الله؛ كما قال - تعالى -: ﴿قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ الله﴾ .
قوله: ﴿فَمَا لهؤلاء القوم﴾
وقف أبو عمرو والكسائي - بخلاف عَنْه - على «مَا» في قوله: «فما لهؤلاء» وفي قوله: ﴿مَالِ هذا الرسول﴾ [الفرقان: 7] وفي قوله: ﴿مَا لهذا الكتاب﴾ [الكهف: 49] وفي قوله: ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ [المعارج: 36] . والبَاقُون: على اللام التي للجرِّ دونن مَجْرُورهخا اتِّباعاً للرَّسم، وهذا ينبغي إلاّض يَجُوز - أعني: الوَقْفَيْن - لأنَّ الأوَّل يُوقَف فيه على النُبْتَدَأ دونَ خَبرِه، والثاني يُوقِف فيه على حَرْفِ الجَرِّ دونَ مَجْرُورِه، وإنما يجُوزُ ذلك؛ لضَرُورةِ قَطْعِ النَّفْسِ أو ابْتِلاَءٍ.
قال الفرَّاء: كثرت في الكَلاَم هذه الكَلِمَة، حتى تَوهَّمُوا أنَّ اللاَّم متصلة بِهَا، وأنَّهُمَا حَرْف وَاحِدٌ، ففصَلُوا اللاَّمَ بما بَعْدَها في بَعْضِه، وَوَصَلُوها في بَعْضِه، والقراءة الاتِّصَالُ، ولا يجُوزُ الوَقْفُ على اللامِ؛ لأنَّها لامٌ خافضة.
لمَّا دلَّ الدَّلِيل على أنَّ كل ما سِوَى الله مستندٌ إلى الله، وكان ذَلِكَ الدَّليل في غاية الظُّهُور، قال - تعالى -: ﴿فَمَا لهؤلاء القوم لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً﴾ وهذا يَجْرِي مُجْرَى التَّعَجُّبِ؛ لعدم وُقُوفِهم على صِحَّةِ هَذَا الكَلاَمِ مع ظُهُورِهِ.
قالت المُعْتَزِلَةُ: هذه الآيَة تدلُّ على صِحَّة قَوْلِنا؛ لأنه لو كَان حُصُول الفَهْمِ والمعرفة بِتَخْلِيق الله - تعالى -، لم يَبْق لِهذا التَّعَجُّب مَعْنًى ألْبَتَّة؛ لأن السَّبَب في عَدَمِ حُصُول هذه المَعْرِفة، هو أن الله - تعالى - لم يَخْلُق ذلك فِيهم.
وهذا تمسُّكٌ بطريقة المَدْح والذَّمِّ؛ وهي معارَضَةٌ بالعِلْمِ والدَّاعي.
والمراد ب «هؤلاء القوم» : المنافقون واليَهُود، «لا يكادون يفقهون حديثاً» أي: قَوْلاً.
وقيلأ: الحديث هاهنا: القُرْآن: أي: لا يَفْقَهُون مَعَانِي القُرْآن، والفِقْه: الفَهْم، يُقَال: فَقِهَ بكسر القَافِ؛ إذا فَهِم، وفَقَهَ بِفَتْحِ القَافِ: إذا غَلَب غَيْرَه، وفَقْه بِضَمِّ القَافِ، ومنه ما قال عليه السَّلام لابن عبَّاس «اللَّهُمَّ فَقِّههُ في التَّأوِيل» أي: فَهِّمْهُ تأويلَهُ، فعلى هَذَا التَّأوِيل قالت المُعْتَزِلَةُ: هذه الآية تَقْتَضِي وَصْف القُرْآنِ بأنَّهُ حَادِثٌ، والحَدِيث: فعيل بِمَعْنَى مَفْعُول مِنْه أن يَكُون القُرْآن مُحْدَثاً.
والجَوَابُ: إن كان مُرادُكم بالقرْآنِ هذه العِبَارات، فَنَحْنُ نُسَلِّم كَوْنَها مُحْدَثَةً.
{"ayah":"أَیۡنَمَا تَكُونُوا۟ یُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِی بُرُوجࣲ مُّشَیَّدَةࣲۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةࣱ یَقُولُوا۟ هَـٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةࣱ یَقُولُوا۟ هَـٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا یَكَادُونَ یَفۡقَهُونَ حَدِیثࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق