الباحث القرآني
﴿أيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ ابْتِداءُ كَلامٍ مَسُوقٍ مِن قِبَلِهِ تَعالى بِطَرِيقِ تَلْوِينِ الخِطابِ وصَرْفِهِ عَنْ سَيِّدِ المُخاطَبِينَ ﷺ – إلى مَن ذَكَرَ أوَّلًا اعْتِناءً بِإلْزامِهِمْ أثَرَ بَيانِ حَقارَةِ الدُّنْيا وفَخامَةِ الآخِرَةِ بِواسِطَتِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَلا مَحَلَّ لِلْجُمْلَةِ مِنَ الإعْرابِ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ داخِلًا في حَيِّزِ القَوْلِ المَأْمُورِ بِهِ، فَمَحَلُّ الجُمْلَةِ النَّصْبُ، وجَعَلَ غَيْرُ واحِدٍ ما تَقَدَّمَ جَوابًا لِلْجُمْلَةِ الأُولى مِن قَوْلِهِمْ، وهَذا جَوابًا لِلثّانِيَةِ مِنهُ، فَكَأنَّهُ لَمّا قالُوا: ﴿لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنا القِتالَ﴾ أُجِيبُوا بِبَيانِ الحِكْمَةِ بِأنَّهُ كُتِبَ عَلَيْكم لِيَكْثُرَ تَمَتُّعُكُمْ، ويَعْظُمَ نَفْعُكُمْ؛ لِأنَّهُ يُوجِبُ تَمَتُّعَ الآخِرَةِ، ولَمّا قالُوا: ﴿لَوْلا أخَّرْتَنا﴾ إلَخْ أُجِيبُوا بِأنَّهُ: ﴿أيْنَما تَكُونُوا﴾ في السَّفَرِ أوْ في الحَضَرِ ﴿يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ)؛﴾ لِأنَّ الأجَلَ مُقَدَّرٌ (p-87)فَلا يَمْنَعُ عَنْهُ الخُرُوجُ إلى القِتالِ، وفي التَّعْبِيرِ بِالإدْراكِ إشْعارٌ بِأنَّ القَوْمَ لِشِدَّةِ تَباعُدِهِمْ عَنْ أسْبابِ المَوْتِ وقُرْبِ وقْتِ حُلُولِهِ إلَيْهِمْ بِمَمَرِّ الأنْفاسِ والآناتِ كَأنَّهم في الهَرَبِ مِنهُ، وهو مُجِدٌّ في طَلَبِهِمْ، لا يُفَتَّرُ نَفَسًا واحِدًا في التَّوَجُّهِ إلَيْهِمْ، وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ سُلَيْمانَ (يُدْرِكُكُمْ) بِالرَّفْعِ، واخْتُلِفَ في تَخْرِيجِهِ فَقِيلَ: إنَّهُ عَلى حَذْفِ الفاءِ كَما في قَوْلِهِ عَلى ما أنْشَدَهُ سِيبَوَيْهِ:
؎مَن يَفْعَلُ الحَسَناتِ اللَّهُ يَشْكُرُها والشَّرُّ بِالشَّرِّ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلانِ
وظاهِرُ كَلامِ الكَشّافِ الِاكْتِفاءُ بِتَقْدِيرِ الفاءِ، وقَدَّرَ بَعْضُهم مُبْتَدَأً مَعَها أيْ: (فَأنْتُمْ يُدْرِكُكُمْ) وقِيلَ: هو مُؤَخَّرٌ مِن تَقْدِيمٍ، وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ، أيْ: يُدْرِكُكُمُ المَوْتُ أيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكُكُمْ، واعْتُرِضَ بِأنَّ هَذا إنَّما يَحْسُنُ فِيما إذا كانَ ما قَبْلَهُ طالِبًا لَهُ، كَما في قَوْلِهِ:
؎يا أقْرَعُ بْنَ حابِسٍ يا أقْرَعُ ∗∗∗ إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أخُوكَ تُصْرَعُ
أوْ فِيما إذا لَمْ تَكُنِ الأداةُ اسْمَ شَرْطٍ، وأُجِيبَ بِأنَّ الشَّرْطَ الأوَّلَ - وإنْ نُقِلَ عَنْ سِيبَوَيْهِ - إلّا أنَّهُ نُقِلَ عَنْهُ أيْضًا الإطْلاقُ، والشَّرْطُ الثّانِي لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ المُحَقِّقُونَ، وقِيلَ: إنَّ الرَّفْعَ عَلى تَوَهُّمِ كَوْنِ الشَّرْطِ ماضِيًا، فَإنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِبُ ظُهُورُ الجَزْمِ في الجَوابِ؛ لِأنَّ الأداةَ لَمّا لَمْ يَظْهَرْ أثَرُها في القَرِيبِ لَمْ يَجِبْ ظُهُورُهُ في البَعِيدِ، وما قِيلَ عَلَيْهِ مِن أنَّ كَوْنَ الشَّرْطِ ماضِيًا والجَزاءِ مُضارِعًا إنَّما يَحْسُنُ في كَلِمَةٍ (أنْ) لِقَلْبِها الماضِيَ إلى مَعْنى الِاسْتِقْبال، فَلا يَحْسُنُ (أيْنَما كُنْتُمْ يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ) إلّا عَلى حِكايَةِ الماضِي، وقَصْدُ الِاسْتِحْضارِ فِيهِ نَظَرٌ، نَعَمْ، يَرِدُ عَلَيْهِ أنَّ فِيهِ تَعَسُّفًا إذًا؛ لِتَوَهُّمِ - كَما قالَ ابْنُ المُنِيرِ - أنْ يَكُونَ ما يُتَوَهَّمُ هو الأصْلَ، أوْ مِمّا كَثُرَ في الِاسْتِعْمالِ حَتّى صارَ كالأصْلِ، وما تُوُهِّمَ هُنا لَيْسَ كَذَلِكَ.
وقِيلَ: (إنْ يُدْرِكْكُمُ) كَلامٌ مُبْتَدَأٌ و(أيْنَما تَكُونُوا) مُتَّصِلٌ بِـ(تُظْلَمُونَ) واعْتُرِضَ - كَما قالَ الشِّهابُ -: بِأنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ مَعْنًى وصِناعَةً، أمّا الأوَّلُ فَلِأنَّهُ لا يُناسِبُ اتِّصالَهُ بِما قَبْلَهُ؛ لِأنَّ (لا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا) المُرادُ مِنهُ في الآخِرَةِ، فَلا يُناسِبُهُ التَّعْمِيمُ، وأمّا الثّانِي فَلِأنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَمَلُ ما قَبْلَ اسْمِ الشَّرْطِ فِيهِ، وهو غَيْرُ صَحِيحٍ لِصَدارَتِهِ، وأُجِيبَ عَنِ الأوَّلِ بِأنَّهُ لا مانِعَ مِن تَعْمِيمِ (ولا تُظْلَمُونَ) لِلدُّنْيا والآخِرَةِ، أوْ يَكُونُ المَعْنى: لا يُنْقَصُونَ شَيْئًا مِن مُدَّةِ الأجَلِ المَعْلُومِ، لا مِنَ الأجْوَدِ، وبِهِ يَنْتَظِمُ الكَلامُ، وعَنِ الثّانِي بِأنَّ المُرادَ مِنَ الِاتِّصالِ بِما قَبْلَهُ - كَما قالَ الحَلَبِيُّ والسَّفاقِسِيُّ - اتِّصالُهُ بِهِ مَعْنًى لا عَمَلًا عَلى أنَّ (أيْنَما تَكُونُوا) شَرْطٌ جَوابُهُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ (لا تُظْلَمُونَ) وما قَبْلَهُ دَلِيلُ الجَوابِ.
وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ هَذا التَّخْرِيجَ - وإنِ التُزِمَ الذَّبُّ عَنْهُ بِما تَرى - خِلافُ الظّاهِرِ المُنْساقِ إلى الذِّهْنِ، وأوْلى التَّخْرِيجاتِ أنَّهُ عَلى حَذْفِ الفاءِ، وهو الَّذِي اخْتارَهُ المُبَرِّدُ، والقَوْلُ بِأنَّ الحَذْفَ ضَرُورَةٌ في حَيِّزِ المَنعِ.
﴿ولَوْ كُنْتُمْ في بُرُوجٍ﴾ أيْ قُصُورٍ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وابْنُ جُرَيْجٍ، وعَنِ السُّدِّيِّ والرَّبِيعِ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُمْ: أنَّها قُصُورٌ في السَّماءِ الدُّنْيا، وقِيلَ: المُرادُ بِها بُرُوجُ السَّماءِ المَعْلُومَةُ، وعَنْ أبِي عَلِيٍّ الجُبّائِيِّ أنَّها البُيُوتُ الَّتِي فَوْقَ القُصُورِ، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما: أنَّها الحُصُونُ والقِلاعُ، وهي جُمَعٌ، ج، وأصْلُهُ مِنَ التَّبَرُّجِ وهو الإظْهارُ، ومِنهُ: تَبَرَّجَتِ المَرْأةُ إذا أظْهَرَتْ حُسْنَها ﴿مُشَيَّدَةٍ﴾ أيْ: مَطْلِيَّةٍ بِالشِّيدِ وهو الجِصُّ قالَهُ عِكْرِمَةُ، أوْ مُطَوَّلَةٍ بِارْتِفاعٍ قالَهُ الزَّجّاجُ، فَهو مِن شَيَّدَ البِناءَ إذا رَفَعَهُ، وقَرَأ مُجاهِدٌ: (مَشِيدَةٍ) بِفَتْحِ المِيمِ وتَخْفِيفِ الياءِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ وقَرَأ أبُو نُعَيْمِ بْنُ مَيْسَرَةَ: (مُشَيِّدَةٍ) بِكَسْرِ الياءِ عَلى التَّجَوُّزِ، كَـ(عِيشَةٍ راضِيَةٍ) وقَصِيدَةٍ شاعِرَةٍ، والجُمْلَةُ المَعْطُوفَةُ (p-88)عَلى أُخْرى مِثْلِها، أيْ: لَوْ لَمْ تَكُونُوا في بُرُوجٍ ولَوْ كُنْتُمُ إلَخْ، وقَدِ اطَّرَدَ الحَذْفُ في مِثْلِ ذَلِكَ لِوُضُوحِ الدَّلالَةِ.
﴿وإنْ تُصِبْهم حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِنْدِ اللَّهِ وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِن عِنْدِكَ﴾ نَزَلَتْ عَلى ما رُوِيَ عَنِ الحَسَنِ، وابْنِ زَيْدٍ في اليَهُودِ، وذَلِكَ «أنَّهم كانُوا قَدْ بُسِطَ عَلَيْهِمُ الرِّزْقُ، فَلَمّا قَدِمَ النَّبِيُّﷺ المَدِينَةَ فَدَعاهُمُ إلى الإيمانِ فَكَفَرُوا، أُمْسِكَ عَنْهم بَعْضَ الإمْساكِ، فَقالُوا: ما زِلْنا نَعْرِفُ النَّقْصَ في ثِمارِنا ومَزارِعِنا مُذْ قَدِمَ عَلَيْنا هَذا الرَّجُلُ،» فالمَعْنى: إنْ تُصِبْهم نِعْمَةٌ أوْ رَخاءٌ نَسَبُوها إلى اللَّهِ تَعالى، وإنْ تُصِبْهم بَلِيَّةٌ مِن جَدْبٍ وغَلاءٍ أضافُوها إلَيْكَ مُتَشائِمِينَ، كَما حُكِيَ عَنْ أسْلافِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنْ تُصِبْهم سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى ومَن مَعَهُ﴾ وإلى هَذا ذَهَبَ الزَّجّاجُ، والفَرّاءُ، والبَلْخِيُّ، والجُبّائِيُّ.
وقِيلَ: نَزَلَتْ في المُنافِقِينَ ابْنِ أُبَيٍّ وأصْحابِهِ، الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنِ القِتالِ يَوْمَ أُحُدٍ، وقالُوا لِلَّذِينَ قُتِلُوا: ﴿لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وما قُتِلُوا﴾ فالمَعْنى: إنْ تُصِبْهم غَنِيمَةٌ قالُوا: هي مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى، وإنْ تُصِبْهم هَزِيمَةٌ قالُوا: هي مِن سُوءِ تَدْبِيرِكَ، وهو المَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وقَتادَةَ.
وقِيلَ: نَزَلَتْ فِيمَن تَقَدَّمَ، ولَيْسَ بِالصَّحِيحِ، وصَحَّحَ غَيْرُ واحِدٍ أنَّها نَزَلَتْ في اليَهُودِ والمُنافِقِينَ جَمِيعًا، لَمّا تَشاءَمُوا مِن رَسُولِ اللَّهِﷺحِينَ قَدِمَ المَدِينَةَ، وقُحِطُوا، وعَلى هَذا فالمُتَبادَرُ مِنَ الحَسَنَةِ والسَّيِّئَةِ هُنا النِّعْمَةُ والبَلِيَّةُ، وقَدْ شاعَ اسْتِعْمالُها في الطّاعَةِ والمَعْصِيَةِ، وإلى هَذا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ المُحَقِّقِينَ، وأُيَّدَ بِإسْنادِ الإصابَةِ إلَيْهِما، بَلْ جَعَلَهُ صاحِبُ الكَشْفِ دَلِيلًا بَيِّنًا عَلَيْهِ، وبِأنَّهُ أنْسَبُ بِالمَقامِ لِذِكْرِ المَوْتِ والسَّلامَةِ قَبْلُ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ أمْرٌ لَهُﷺبِأنْ يَرُدَّ زَعْمَهُمُ الباطِلَ، واعْتِقادَهُمُ الفاسِدَ، ويُرْشِدَهم إلى الحَقِّ بِبَيانِ إسْنادِ الكُلِّ إلَيْهِ تَعالى عَلى الإجْمالِ، أيْ: كُلُّ واحِدَةٍ مِنَ النِّعْمَةِ والبَلِيَّةِ مِن جِهَةِ اللَّهِ تَعالى خَلْقًا وإيجادًا مِن غَيْرِ أنْ يَكُونَ لِي مَدْخَلٌ في قَوْعٍ شَيْءٍ مِنها بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ - كَما تَزْعُمُونَ - بَلْ وُقُوعُ الأوْلى مِنهُ تَعالى بِالذّاتِ تَفَضُّلًا، ووُقُوعُ الثّانِيَةِ بِواسِطَةِ ذُنُوبِ مَنِ ابْتُلِيَ بِها عُقُوبَةً، كَما سَيَأْتِي بَيانُهُ.
وهَذا الجَوابُ المُجْمَلُ في مَعْنى ما قِيلَ رَدًّا عَلى أسْلافِ اليَهُودِ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّما طائِرُهم عِنْدَ اللَّهِ﴾ أيْ إنَّما سَبَبُ خَيْرِهِمْ وشَرِّهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى لا عِنْدَ غَيْرِهِ، حَتّى يَسْتَنِدَ ذَلِكَ إلَيْهِ ويَطَّيَّرُوا بِهِ، قالَهُ شَيْخُ الإسْلامِ، ومِنهُ يُعْلَمُ انْدِفاعُ ما قِيلَ: إنَّ القَوْمَ لَمْ يَعْتَقِدُوا أنَّ النَّبِيَّ ﷺ فاعِلُ السَّيِّئَةِ كَما اعْتَقَدُوا أنَّ اللَّهَ تَعالى فاعِلُ الحَسَنَةِ، بَلْ تَشاءَمُوا بِهِ وحاشاهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَكَيْفَ يَكُونُ هَذا رَدًّا عَلَيْهِمْ، ولا حاجَةَ إلى ما أجابَ بِهِ العَلّامَةُ الثّانِي مِن أنَّ الجَوابَ لَيْسَ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ مِن عِنْدِ اللَّهِ﴾ بَلْ هو إلى قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿وما أصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ﴾ إلَخْ.
وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَمالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ﴾ أيِ: اليَهُودِ والمُنافِقِينَ والمُحْتَقِرِينَ ﴿لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ﴾ أيْ يَفْهَمُونَ ﴿حَدِيثًا﴾ . أيْ كَلامًا يُوعَظُونَ بِهِ وهو القُرْآنُ، أوْ كَلامًا ما، أوْ كُلَّ شَيْءٍ حَدَثَ وقَرُبَ عَهْدُهُ، كَلامٌ مِن قِبَلِهِ تَعالى مُعْتَرِضٌ بَيْنَ المُبَيَّنِ وبَيانِهِ، مَسُوقٌ لِتَعْيِيرِهِمْ بِالجَهْلِ وتَقْبِيحِ حالِهِمْ، والتَّعْجِيبِ مِن كَمالِ غَباوَتِهِمْ، والفاءُ لِتَرْتِيبِ ما بَعْدَها عَلى ما قَبْلَها، والجُمْلَةُ المَنفِيَّةُ حالِيَّةٌ، والعامِلُ فِيها ما في الظَّرْفِ مِنَ الِاسْتِقْرارِ، أوِ الظَّرْفُ نَفْسُهُ، والمَعْنى حَيْثُ كانَ الأمْرُ كَذَلِكَ فَأيُّ شَيْءٍ حَصَلَ لِهَؤُلاءِ حالَ كَوْنِهِمْ بِمَعْزِلٍ مِن أنْ يَفْقَهُوا نُصُوصَ القُرْآنِ النّاطِقَةَ بِأنَّ الكُلَّ فائِضٌ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى، أوْ بِمَعْزِلٍ مِن أنْ يَفْهَمُوا (حَدِيثًا) مُطْلَقًا، حَتّى عُدُّوا كالبَهائِمِ الَّتِي لا أفْهامَ لَها، أوْ بِمَعْزِلٍ مِن أنْ يَعْقِلُوا صُرُوفَ الدَّهْرِ وتَغَيُّرَهُ حَتّى يَعْلَمُوا أنَّهُ لَها فاعِلًا حَقِيقِيًّا بِيَدِهِ جَمِيعُ الأُمُورِ، ولا مَدْخَلَ (p-89)لِأحَدٍ مَعَهُ.
ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ الجُمْلَةُ اسْتِئْنافًا مَبْنِيًّا عَلى سُؤالٍ نَشَأ مِنَ الِاسْتِفْهامِ، وهو ظاهِرٌ، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فالكَلامُ مُخَرَّجٌ مَخْرَجَ المُبالَغَةِ في عَدَمِ فَهْمِهِمْ، فَلا يُنافى اعْتِقادَهم أنَّ الحَسَنَةَ مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى.
ويُفْهَمُ مِن كَلامِ بَعْضِهِمْ أنَّ المُرادَ مِنَ الحَدِيثِ هو ما تَفَوَّهُوا بِهِ آنِفًا، حَيْثُ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنهُ تَعَدُّدُ الخالِقِ، المُسْتَلْزِمُ لِلشِّرْكِ، المُؤَدِّي إلى فَسادِ العالَمِ، وأنَّ (ما) في حَيِّزِ الأمْرِ رَدٌّ لِهَذا اللّازِمِ، وقُدِّمَ لِكَوْنِهِ أهَمَّ، ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ بِما هو حَقِيقَةُ الجَوابِ، أعْنِي قَوْلَهُ سُبْحانَهُ: ﴿ما أصابَكَ مِن حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وما أصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِنَ نَفْسِكَ﴾ وعَلى ما ذَكَرْنا - ولَعَلَّهُ الأوْلى - يَكُونُ هَذا بَيانًا لِلْجَوابِ المُجْمَلِ المَأْمُورِ بِهِ، والخِطابُ فِيهِ -كَما قالَ الجُبّائِيُّ ورُوِيَ عَنْ قَتادَةَ -: عامٌّ لِكُلِّ مَن يَقِفُ عَلَيْهِ لا لِلنَّبِيِّﷺكَقَوْلِهِ:
؎إذا أنْتَ أكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ ∗∗∗ وإنْ أنْتَ أكْرَمْتَ اللَّئِيمَ تَمَرَّدا
ويَدْخُلُ فِيهِ المَذْكُورُونَ دُخُولًا أوَّلِيًّا، وفي إجْراءِ الجَوابِ أوَّلًا عَلى لِسانِ النَّبِيِّﷺوسَوْقِ البَيانِ مِن جِهَتِهِ تَعالى ثانِيًا بِطَرِيقِ تَلْوِينِ الخِطابِ والِالتِفاتِ إيذانٌ بِمَزِيدِ الِاعْتِناءِ بِهِ، والِاهْتِمامِ بِرَدِّ اعْتِقادِهِمُ الباطِلِ، وزَعْمِهِمُ الفاسِدِ، والإشْعارِ بِأنَّ مَضْمُونَهُ مَبْنِيٌّ عَلى حِكْمَةٍ دَقِيقَةٍ حَرِيَّةٍ بِأنْ يَتَوَلّى بَيانَها عَلّامُ الغُيُوبِ عَزَّ وجَلَّ، والعُدُولُ عَنْ خِطابِ الجَمِيعِ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ﴾ لِلْمُبالَغَةِ في التَّحْقِيقِ بِقَطْعِ احْتِمالِ سَبَبِيَّةِ بَعْضِهِمْ لِعُقُوبَةِ الآخَرِينَ.
و(ما) - كَما قالَ أبُو البَقاءِ - شَرْطِيَّةٌ و(أصابَ) بِمَعْنى يُصِيبُ، والمُرادُ بِالحَسَنَةِ والسَّيِّئَةِ هُنا ما أُرِيدَ بِهِما مِن قَبْلُ، أيْ: ما أصابَكَ أيُّها الإنْسانُ مِن نِعْمَةٍ مِنَ النِّعَمِ فَهي مِنَ اللَّهِ تَعالى بِالذّاتِ تُفَضُّلًا وإحْسانًا مِن غَيْرِ اسْتِيجابٍ لَها مَن قِبَلِكَ، كَيْفَ لا وكُلُّ ما يَفْعَلُهُ العَبْدُ مِنَ الطّاعاتِ الَّتِي يُرْجى كَوْنُها ذَرِيعَةً إلى إصابَةِ نِعْمَةٍ ما فَهي بِحَيْثُ لا تَكادُ تُكافِئُ نِعْمَةَ الوُجُودِ أوْ نِعْمَةَ الإقْدارِ عَلى أدائِها مَثَلًا، فَضْلًا عَنْ أنْ تَسْتَوْجِبَ نِعْمَةً أُخْرى، ولِذَلِكَ قالَ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فِيما أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ: ««لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ قِيلَ: ولا أنْتَ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: ولا أنا إلّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ تَعالى بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ»».
(وما أصابَكَ مِن) بَلِيَّةٍ مِنَ البَلايا فَهي بِسَبَبِ اقْتِرافِ نَفْسِكَ المَعاصِي والهَفَواتِ المُقْتَضِيَةِ لَها، وإنْ كانَتْ مِن حَيْثُ الإيجادُ مُنْتَسِبَةً إلَيْهِ تَعالى، نازِلَةً مِن عِنْدِهِ عُقُوبَةً، وهَذا كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكم ويَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ .
وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أبِي مُوسى قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ««لا يُصِيبُ عَبْدًا نَكْبَةٌ فَما فَوْقَها أوْ ما دُونَها إلّا بِذَنْبٍ، وما يَعْفُو اللَّهُ تَعالى عَنْهُ أكْثَرُ»».
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، أنَّهُ قالَ في الآيَةِ: «ما كانَ مِن نَكْبَةٍ فَبِذَنْبِكَ، وأنا قَدَّرْتُ ذَلِكَ عَلَيْكَ».
وعَنْ أبِي صالِحٍ، مِثْلَهُ.
وقالَ الزَّجّاجُ: الخِطابُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ والمَقْصُودُ مِنهُ الأُمَّةُ، وقِيلَ: لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، لَكِنْ لا لِبَيانِ حالِهِ، بَلْ لِبَيانِ حالِ الكَفَرَةِ بِطَرِيقِ التَّصْوِيرِ، ولَعَلَّ العُدُولَ عَنْ خِطابِهِمْ لِإظْهارِ كَمالِ السُّخْطِ والغَضَبِ عَلَيْهِمْ، والإشْعارِ بِأنَّهم لِفَرْطِ جَهْلِهِمْ وبَلادَتِهِمْ بِمَعْزِلٍ مِنِ اسْتِحْقاقِ الخِطابِ، لاسِيَّما بِمِثْلِ هَذِهِ الحِكْمَةِ الأنِيقَةِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أنَّهُ لا حُجَّةَ لَنا ولا لِلْمُعْتَزِلَةِ في مَسْألَةِ الخَيْرِ والشَّرِّ بِهاتَيْنِ الآيَتَيْنِ؛ لِأنَّ إحْداهُما بِظاهِرِها لَنا والأُخْرى لَهُمْ، فَلا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ، وهو مُشْتَرَكُ الإلْزامِ، ولِأنَّ المُرادَ بِالحَسَنَةِ والسَّيِّئَةِ النِّعْمَةُ والبَلِيَّةُ لا الطّاعَةُ والمَعْصِيَةُ، والخِلافُ في الثّانِي، ولا تَعارُضَ بَيْنَهُما أيْضًا لِظُهُورِ اخْتِلافِ جِهَتَيِ النَّفْيِ والإثْباتِ.
وقَدْ أطْنَبَ الإمامُ الرّازِيُّ في هَذا المَقامِ كُلَّ الإطْنابِ بِتَعْدِيدِ الأقْوالِ والتَّراجِيحِ، واخْتارَ تَفْسِيرَ الحَسَنَةِ والسَّيِّئَةِ بِما يَعُمُّ النِّعَمَ والطّاعاتِ والمَعاصِيَ والبَلِيّاتِ.
وقالَ بَعْضُهُمْ: يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: لَمّا جاءَ قَوْلُهُ تَعالى: (p-90)﴿وإنْ تُصِبْهم حَسَنَةٌ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿أيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ﴾ ناسَبَ أنْ تُحْمَلَ الحَسَنَةُ الأُولى عَلى النِّعْمَةِ، والسَّيِّئَةُ عَلى البَلِيَّةِ،
* * *
ولَمّا أُرْدِفَ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: (وما أصابَكَ مِن حَسَنَةٍ) بِما سَيَأْتِي ناسَبَ أنْ يُحْمَلا عَلى ما يَتَعَلَّقُ بِالتَّكْلِيفِ مِنَ المَعْصِيَةِ والطّاعَةِ، كَما رُوِي ذَلِكَ عَنْ أبِي العالِيَةِ، ولِهَذا غُيِّرَ الأُسْلُوبُ فَعُبِّرَ بِالماضِي بَعْدَ أنْ عُبِّرَ بِالمُضارِعِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنِ الرّاغِبِ أنَّهُ فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِكَ: هَذا مِن عِنْدِ اللَّهِ تَعالى، وقَوْلِكَ: هَذا مِنَ اللَّهِ تَعالى، بِأنَّ (مِن عِنْدِ اللَّهِ) أعَمُّ مِن حَيْثُ إنَّهُ يُقالُ فِيما كانَ بِرِضاهُ سُبْحانَهُ وبِسُخْطِهِ، وفِيما يَحْصُلُ وقَدْ أمَرَ بِهِ ونَهى عَنْهُ، ولا يُقالُ: مِنَ اللَّهِ إلّا فِيمَ كانَ بِرِضاهُ وبِأمْرِهِ، وبِهَذا النَّظَرِ قالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ: «إنْ أصَبْتُ فَمِنَ اللَّهِ، وإنْ أخْطَأْتُ فَمِنَ الشَّيْطانِ» فَتَدَبَّرْ.
ونَقَلَ أبُو حَيّانَ، عَنْ طائِفَةٍ مِنَ العُلَماءِ أنَّ (ما أصابَكَ) إلَخْ عَلى تَقْرِيرِ القَوْلِ أيْ ﴿فَمالِ هَؤُلاءِ القَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ يَقُولُونَ: ﴿ما أصابَكَ مِن حَسَنَةٍ﴾ إلَخْ، والدّاعِي لَهم عَلى هَذا التَّمَحُّلِ تَوَهُّمُ التَّعارُضِ، وقَدْ دَعا آخَرِينَ إلى جَعْلِ الجُمْلَةِ بَدَلًا مِن ﴿حَدِيثًا﴾ عَلى مَعْنى أنَّهم لا يَفْقَهُونَ هَذا الحَدِيثَ، أعْنِي ﴿ما أصابَكَ﴾ إلَخْ، فَيَقُولُونَهُ غَيْرَ مُتَحاشِينَ عَمّا يَلْزَمُهُ مِن تَعَدُّدِ الخالِقِ، وآخَرِينَ إلى تَقْدِيرِ اسْتِفْهامٍ إنْكارِيٍّ أيْ ﴿فَمِن نَفْسِكَ﴾ وزَعَمُوا أنَّهُ قُرِئَ بِهِ، وقَدْ عَلِمْتَ أنْ لا تَعارُضَ أصْلًا مِن غَيْرِ احْتِياجٍ إلى ارْتِكابِ ما لا يَكادُ يَسُوغُهُ الذَّوْقُ السَّلِيمُ.
وكَذا لاحُجَّةَ لِلْمُعْتَزِلَةِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ (حَدِيثًا) عَلى كَوْنِ القُرْآنِ مُحْدَثًا لِما عَلِمْتَ مِن أنَّهُ لَيْسَ نَصًّا في القُرْآنِ، وعَلى فَرْضِ تَسْلِيمِ أنَّهُ نَصٌّ لا يَدُلُّ عَلى حُدُوثِ الكَلامِ النَّفْسِيِّ والنِّزاعِ فِيهِ، ثُمَّ وجْهُ ارْتِباطِ هَذِهِ الآياتِ بِما قَبْلَها عَلى ما قِيلَ: إنَّهُ سُبْحانَهُ بَعْدَ أنْ حَكى عَنِ المُسْلِمِينَ ما حَكى ورَدَّ عَلَيْهِمْ بِما رَدَّ نَقَلَ عَنِ الكُفّارِ ما رَدَّهُ عَلَيْهِمْ أيْضًا، وبَيْنَ المَحْكِيَّيْنِ مُناسِبَةٌ مِن حَيْثُ اشْتِمالُها عَلى إسْنادِ ما يُكْرَهُ إلى بَعْضِ الأُمُورِ، وكَوْنُ الكَراهَةِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وهو كَما تَرى.
وفِي الكَشْفَ أنَّ جُمْلَةَ (وإنْ تُصِبْهُمْ) إلَخْ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَإنْ أصابَتْكم مُصِيبَةٌ)،﴾ ﴿ولَئِنْ أصابَكم فَضْلٌ﴾ دَلالَةٌ عَلى تَحْقِيقِ التَّبْطِئَةِ والتَّثْبِيطِ، أمّا دَلالَةُ الأوَّلَتَيْنِ فَلا خَفاءَ بِهِما، وأمّا الثّانِيَةُ فَلِأنَّهم إذا اعْتَقَدُوا في الدّاعِي إلى الجِهادِ ﷺ ذَلِكَ الِاعْتِقادَ الفاسِدَ قَطَعُوا أنَّ في اتِّباعِهِ - لا سِيَّما فِيما يَجُرُّ إلى ما عَدُّوهُ سَيِّئَةً - الخَبالَ والفَسادَ، ولِهَذا قَلَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَمِن نَفْسِكَ﴾ لِيَصِيرَ ذَلِكَ كافًّا لَهم عَنِ التَّثْبِيطِ إلى التَّنْشِيطِ، وأرْدَفَهُ ذِكْرَ ما هم فِيهِ مِنَ التَّعْكِيسِ في شَأْنِ مَن هو رَحْمَةٌ مُرْسَلَةٌ لِلنّاسِ كافَّةً، وأكَّدَ أمْرَ اتِّباعِهِ بِأنْ جَعَلَ طاعَتَهُﷺطاعَةَ اللَّهِ تَعالى، مَعَ ما أمَدَّهُ بِهِ مِنَ التَّهْدِيدِ البالِغِ، المُضَمَّنِ في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَمَن تَوَلّى).﴾
ثُمَّ قالَ: ولا يَخْفى أنَّ ما وقَعَ بَيْنَ المَعْطُوفَيْنِ لَيْسَ بِأجْنَبِيٍّ، وأنَّ (فَلْيُقاتِلْ) شَدِيدُ التَّعَلُّقِ بِسابِقِهِ، ولَمّا لَزِمَ مِن هَذا النَّسَقِ تَقْسِيمُ المُرْسَلِ إلْيَهِمْ إلى كافِرٍ مُبَطِّئٍ ومُؤْمِنٍ قَوِيٍّ وضَعِيفٍ اسْتَنْأفَ تَقْسِيمَهم مَرَّةً أُخْرى في قَوْلِهِ سُبْحانَهُ الآتِي: (ويَقُولُونَ) أيِ النّاسُ المُرْسَلُ إلْيَهِمْ إلى مُبَيِّتٍ هو الأوَّلُ، ومُذِيعٍ هو الثّالِثُ، ومَن يَرْجِعُ إلَيْهِ هو الثّانِي، فَهَذا وجْهُ النَّظْمِ والِارْتِباطِ بَيْنَ الآياتِ السّابِقَةِ واللّاحِقَةِ، انْتَهى، ولا يَخْلُو عَنْ حُسْنٍ، ولَيْسَ بِمُتَعَيَّنٍ كَما لا يَخْفى.
هَذا ووَقَفَ أبُو عَمْرٍو والكِسائِيُّ - بِخِلافٍ عَنْهُ - عَلى (ما) مِن قَوْلِهِ تَعالى: (فَما هَؤُلاءِ) وجَماعَةٌ عَلى لامِ الجَرِّ، وتَعَقَّبَ ذَلِكَ السَّمِينُ بِأنَّهُ يَنْبَغِي أنْ لا يَجُوزَ كِلا الوَقْفَيْنِ؛ إذِ الأوَّلُ وقْفٌ عَلى المُبْتَدَأِ دُونَ خَبَرِهِ، والثّانِي عَلى الجارِّ دُونَ مَجْرُورِهِ.
وقَرَأ أُبَيٌّ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ عَبّاسٍ: (وما أصابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَفْسِكَ وأنا كَتَبَتُها عَلَيْكَ).
{"ayah":"أَیۡنَمَا تَكُونُوا۟ یُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِی بُرُوجࣲ مُّشَیَّدَةࣲۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةࣱ یَقُولُوا۟ هَـٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةࣱ یَقُولُوا۟ هَـٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا یَكَادُونَ یَفۡقَهُونَ حَدِیثࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق