الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ﴾. هذه الآية عند الزجاج متصلة بالأولى إلى قوله: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ﴾؛ لأنه قال: وأعلمهم أنَّ آجالهم لا تخطئهم ولو تحصنوا بأمنع الحصون، فقال: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَة﴾ [["معاني القرآن وإعرابه" 2/ 79.]].
وقال الكلبي: نزلت هذه الآية في المنافقين حين قالوا لما استشهد من المسلمين ممن استشهد بأحد: لو كان (إخواننا قتلوا) [[هكذا في (ش)، وفي "أسباب النزول" للمؤلف ص 171: "إخواننا الذين قتلوا" وهو الصواب.]] عندنا ما قتلوا، فأنزل الله هذه الآية [[ذكره المؤلف في "أسباب النزول" ص 171 عن ابن عباس من رواية أبي صالح، وانظر: "زاد المسير" 2/ 137، والقرطبي 5/ 282.]].
وقال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ﴾ يا معشر المنافقين ولو كنتم في بُروج مشيَّدة [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 90.]]. والبروج في كلام العرب القصور والحصون.
وقال ابن المظفر: البروج بيوتٌ تُبنى على سور المدينة [[ذكر ذلك عن الليث (ابن المظفر) ابن منظور في "اللسان" 1/ 244 (برج).]].
وبروج الفلك اثنا عشر، كل برج فيها ثلاثون درجة [[انظر: "الصحاح" 1/ 299، "اللسان" 1/ 244 (برج)، "معاني القرآن" لابن العربي 1/ 461.]].
وأصلها في اللغة من الظهور، ومنه يقال: تبرجت المرأة، إذا أظهرت محاسنها [["مقاييس اللغة" 1/ 238، "الصحاح" 1/ 299 (برج).]]. والبرج سعة العين لظهورها بالاتساع [["مقاييس اللغة" 1/ 238، وانظر: "اللسان" 1/ 243 (برج).]].
وأما قول أهل التفسير في البروج فقال ابن عباس في رواية عطاء ﴿بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ يريد الحصون، أي لا تُرام [[انظر: "زاد المسير" 2/ 137، "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 90.]]. وقال في رواية الضحاك البروج الحصون والآطام والقلاع [[من الثعلبي في "الكشف والبيان" 4/ 88 ب.]].
وقال مجاهد وابن جريج: هي القصور [[أخرج نحو ذلك عنهما الطبري 5/ 172، 173.]].
وقال الربيع والسدي وقتادة: يعني بروج السماء بأعيانها [[أخرج ذلك عن الربيع والسدي: الطبري 5/ 173، وابن أبي حاتم عن السدي انظر: "الدر المنثور" 2/ 329. أما قول قتادة فأنه كالأقوال المتقدمة، فقد أخرج الطبري 8/ 552 عنه أنه قال: "في قصور محصنة" وانظر: "الدر المنثور" 2/ 329.]].
وأما المشيَّدة فقال الفراء في المصادر: شاد بناءه يشيد شيدًا، وأشاد بناءه أيضًا إشادة، وشيد بناءه يشيده تشييدًا، إذا رفعه [[انظر: "معاني القرآن" 1/ 277، "معاني الزجاج" 2/ 79،"تهذيب اللغة" 2/ 1802 (شاد).]].
وقال في المعاني [[أي الفراء في كتابه "معاني القرآن" 1/ 277.]]: ما كان من جمع مثل: بروج مشيدة، ومثل قولك: مررت بثياب مصبغة، وأكبش مذبحة، فجاز التشديد لأن الفعل متفوق في جمع، فإذا أفردت الواحد من ذلك، فإن كان الفعل يتردد في الواحد ويكثر جاز فيه التشديد والتخفيف مثل قولك: مررت برجل مشجج، وثوب مخرق [[في "معاني القرآن": "ممزق" والمعنى متقارب.]]. جاز فيه التشديد لأن الفعل قد تردد فيه وكثر. وتقول: مررت بكبش مذبوح، ولا تقل: مذبح؛ لأن الذبح لا يتردد كتردد التخرق [["معاني القرآن" 1/ 277 وانظر: الطبري 5/ 173.]].
وقال الزجاج في المشيد والتشييد والإشادة مثل قول الفراء [[انظر: "معانى القرآن وإعرابه" 2/ 79.]].
وقال أبو عبيدة وابن قتيبة: المشيدة المطولة [["مجاز القرآن" 1/ 132، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص 127.]].
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ قال المفسرون: هذا موقف اليهود والمنافقين عند مقدم النبي ﷺ المدينة، وكان قد بسط عليهم الرزق، فلما كفروا أمسك عنهم بعض الإمساك، كما مضت سنة الله في الأمم، قال: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا﴾ [الأعراف: 94]، فقالوا: ما رأينا أعظم شؤمًا من هذا، نقصت أثمارنا وغلت أسعارنا منذ قدم علينا هذا الرجل وأصحابه. فقوله: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ﴾ يعني الخصب ورخص السعر وتتابع الأمطار، قالوا: هذا من عند الله، ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾: جدب وغلاء الأسعار، قالوا: هذا من شؤم محمد.
وهذا كقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ﴾ [الأعراف: 131]. هذا قول الكلبي [[انظر: "تنوير المقباس" بهامش المصحف ص 90.]] وأكثر المفسرين [[انظر: الطبري 5/ 174، "تفسير الهواري" 1/ 401، "بحر العلوم" 1/ 370، "الكشف والبيان" 4/ 88 ب، "النكت والعيون" 1/ 506 - 507 "زاد المسير" 2/ 137.]]، واختيار الفراء [[في "معاني القرآن" 1/ 278.]] والزجاج [[في "معاني القرآن وإعرابه" 2/ 79.]].
وقال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ﴾ من النصر والغنيمة يقولوا هذه من عند الله ﴿وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ من القتل والهزيمة [[انظر: "زاد المسير" 2/ 138.]].
وهذا قول الحسن [[انظر: "تفسير الهواري" 1/ 401 ، "النكت والعيون" 1/ 506 - 508.]] وابن زيد [[أخرجه الطبري 5/ 174 - 175 ، وانظر: "النكت والعيون" 1/ 506 - 508؛ "زاد المسير" 2/ 138، "الدر المنثور"2/ 330.]].
وعلى هذا المعنى فقوله: ﴿يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ﴾ قال ابن زيد: بسوء تدبيرك [[المرجع السابق.]].
وقال ابن الأنباري: إذا أصابهم الخصب ونالوا ما يحبون من الغنائم والأموال قالوا: هذا من عند الله، لم نزل نعرفه، لا شيء لمحمد فيهن، وإذا أصابهم الجدب والبلاء والشر قالوا: هذا الشقاء بشؤم محمد ﷺ، فقال الله تعالى: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أي النصر والهزيمة [[مثل هذا مروي عن ابن زيد، انظر: "الدر المنثور" 2/ 330 - 331، ولم أقف عليه عن عطاء.]].
وقال أهل المعاني: جملة المعنى الذي تضمنته هذه الآية الحض على الجهاد، بأن الموت لا بد منه، فلا تجزعوا من الموت جزع المُعرض عن ذكره، ولا تجهلوا بإضافة المصيبة فيه إلى غير الله [[انظر: "بحر العلوم" 1/ 369، "الكشف والبيان" 4/ 88 ب.]].
وقال ابن عباس في بعض الروايات: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ أما الحسنة فأنعم الله بها عليك، وأما السيئة فابتلاك بها [[هذا الأثر من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في "تفسيره" ص151، والطبري 5/ 174 - 175، والبيهقي في "الاعتقاد على مذهب السلف" أهل السنة والجماعة ص (67، 68)، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" 2/ 330 - 331 أيضًا إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.]].
وقوله تعالى: ﴿فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد لا يفهمون القرآن [[انظر: "بحر العلوم" 1/ 370، "زاد المسير" 2/ 136.]].
والفقه في اللغة: اللهم، يقال: أوتي فلان فقهًا في الدين، أي فهمًا [[انظر: "تهذيب اللغة" 3/ 2844، "الصحاح" 6/ 2243 (فقه).]]، ومنه قوله ﷺ لابن عباس: "وفقهه في التأويل" [[أخرجه البخاري (143) كتاب: الوضوء، باب: (10) وضع الماء عند الخلاء 1/ 45 بلفظ: "اللهم فقهه في الدين"، ومسلم (2477) في كتاب: فضائل الصحابة، باب: (30) فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما 4/ 1927 (ح 138) بلفظ:"اللهم فقهه" وأحمد في "مسنده" 1/ 299 بلفظ: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل".]] أي فهمه تأويله.
{"ayah":"أَیۡنَمَا تَكُونُوا۟ یُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِی بُرُوجࣲ مُّشَیَّدَةࣲۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةࣱ یَقُولُوا۟ هَـٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَیِّئَةࣱ یَقُولُوا۟ هَـٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلࣱّ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا یَكَادُونَ یَفۡقَهُونَ حَدِیثࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق