الباحث القرآني

إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ سماهنّ مؤمنات لتصديقهنّ بألسنتهنّ ونطقهنّ بكلمة الشهادة ولم يظهر منهنّ ما ينافي ذلك. أو لأنهنّ مشارفات لثبات إيمانهن بالامتحان فَامْتَحِنُوهُنَّ فابتلوهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب على ظنونكم صدق إيمانهن، وكان رسول الله ﷺ يقول للممتحنة: «بالله الذي لا إله إلا هو ما خرجت من بغض زوج، بالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض، بالله ما خرجت التماس دنيا، بالله ما خرجت إلا حبا لله ولرسوله» [[أخرجه الطبراني والطبري من رواية الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن أبى بهز الأسدى. قال سئل ابن عباس- فذكره أتم سياقا منه. قال البزار لا نعلمه عن ابن عباس إلا من هذا الوجه. ورواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مرسلا.]] اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ منكم لأنكم لا تكسبون فيه علما تطمئن معه نفوسكم، وإن استحلفتموهن ورزتم أحوالهن، وعند الله حقيقة العلم به فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ العلم الذي تبلغه طاقتكم وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ فلا تردّوهن إلى أزواجهن المشركين، لأنه لأحل بين المؤمنة والمشرك [[قال محمود: «معناه لأحل بين المؤمنة والمشرك» قال أحمد: هذه الآية مما استدل بها على خطاب الكفار بالفروع لأنه تعالى قال لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ والضمير الأول للمؤمنات، والثاني الكفار، والمراد به يحرمن على الكفار لأن قسيمه متفق على أن المراد به تحريم الكفار على المؤمنات، فيكون كل من القبيلين المؤمنات والكفار مخاطبا بالحرمة، ولما كان المذهب المعزى إلى أصحاب أبى حنيفة أن الكفار غير مخاطبين لك الزمخشري يتفسر الآية ما يوافق ذلك، فحملها على أن المراد نفى الحل بين المؤمنة والكافر على الإجمال، حتى لا يتمحض نسبة الحرمة إلى الكافر، وهذا لا متخلص فيه فان الحل المنفي بين المؤمنة والكافر إلى الحرمة، لا بد وأن يتعلق بفعل أحدهما أو كليهما، إذ هو حكم فان تعلق بفعل كل واحد منهما أعنى التمكين من المرأة والفعل من الرجل: تحقق خطاب الكافر بالحرمة، وتعليقه بفعل المرأة دون فعل الرجل: يأباه نظم الآية، فانه نفى الحل من الجهتين جميعا ولو كان كذلك، لكفى قوله وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ والتحقيق الممتحن على قواعد الأصول: هو ما نذكره إن شاء الله تعالى فنقول: كل من فعلى المؤمنة والكافر ينفى عنه الحل بالتفسير اللائق، فأما فعل المؤمنة وهو التمكين فلا شك في تعلق الحرمة للشرع. باعتبار أنها مخاطبة بأن لا يحصل في الوجود على وجه لو حصل لكانت متوعدة على حصوله وأما فعل الكافر وهو الوطء مثلا، فمنفى حله باعتبار أن الشرع قصد إلى أن لا يحصل الوطء، لما يشتمل عليه من المفسدة، وللشرع قصد في أن لا تقع المفاسد، وليس الكافر موردا للخطاب، ولكن الأئمة مثلا أو من يقوم مقامهم. مخاطبون بأن يمنعوا الكافر كى لا يقع هذا الفعل المنطوى على المفسدة في نظر الشرع، فكلا الفعلين إذا من جانب المرأة والرجل غرض في أن لا يقع، لكن مورد الخطاب المنطوى على السلامة من المفسدة في حق المرأة هي وفي حق الكافر الأئمة مثلا، ويتفق المختلفون فيه في خطاب الكفار على أن للشرع غرضا في أن لا تحصل المفاسد في الوجود. ألا ترى أن الكافر إذا جهر بالفساد بين المسلمين يتفق على وجوب ردعه عن ذلك ومنعه عنه، وما ذاك إلا لما فهم عن الشرع من طلب سلامة الوجود عن المفاسد، ومورد الخطاب يردع الكافر كى لا يجهر بالفساد يعم الأئمة، والله الموفق.]] وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وأعطوا أزواجهنّ مثل ما دفعوا إليهنّ من المهور، وذلك أن صلح الحديبية كان على أن من أتاكم من أهل مكة ردّ إليهم، ومن أتى منكم مكة لم يردّ إليكم، وكتبوا بذلك كتابا وختموه، فجاءت سبيعة بنت الحرث الأسلمية مسلمة والنبي ﷺ بالحديبية، فأقبل زوجها مسافر المخزومي. وقيل صيفي بن الراهب فقال: يا محمد، اردد علىّ امرأتى فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا، وهذه طينة الكتاب لم تجف، فنزلت بيانا لأن الشرط إنما كان في الرجال دون النساء [[هكذا ذكره البغوي عن ابن عباس بغير سند.]] . وعن الضحاك: كان بين رسول الله ﷺ وبين المشركين عهد: أن لا تأتيك منا امرأة ليست على دينك إلا رددتها إلينا، فإن دخلت في دينك ولها زوج أن تردّ على زوجها الذي أنفق عليها، وللنبي ﷺ من الشرط مثل ذلك. وعن قتادة: ثم نسخ هذا الحكم وهذا العهد براءة، فاستحلفها رسول الله ﷺ فحلفت، فأعطى زوجها ما أنفق وتزوّجها عمر. فإن قلت: كيف سمى الظنّ علما في قوله فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ؟ قلت: إيذانا بأن الظن الغالب وما يفضى إليه الاجتهاد والقياس جار مجرى العلم، وأن صاحبه غير داخل في قوله وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فإن قلت: فما فائدة قوله اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ وذلك معلوم لا شبهة فيه؟ قلت: فائدته بيان أن لا سبيل لكم إلى ما تطمئن به النفس ويثلج به الصدر من الإحاطة بحقيقة إيمانهن، فإنّ ذلك مما استأثر به علام الغيوب، وأن ما يؤدى إليه الامتحان من العلم كاف في ذلك، وأن تكليفكم لا يعدوه، ثم نفى عنهم الجناح في تزوّج هؤلاء المهاجرات إذا آتوهنّ أجورهنّ أى مهورهنّ، لأن المهر أجر البضع، ولا يخلو إما أن يراد بها ما كان يدفع إليهنّ ليدفعنه إلى أزواجهنّ فيشترط في إباحة تزوجهنّ تقديم أدائه، وإما أن يراد أن ذلك إذا دفع إليهنّ على سبيل القرض ثم تزوجن على ذلك لم يكن به بأس، وإما أن يبين لهم أن ما أعطى أزواجهنّ لا يقوم مقام المهر وأنه لا بد من إصداق، وبه احتج أبو حنيفة على أن أحد الزوجين إذا خرج من دار الحرب مسلما أو بذمة وبقي الآخر حربيا: وقعت الفرقة، ولا يرى العدة على المهاجرة ويبيح نكاحها إلا أن تكون حاملا وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ والعصمة ما يعتصم به من عقد وسبب، يعنى: إياكم وإياهنّ، ولا تكن بينكم وبينهنّ عصمة ولا علقة زوجية. قال ابن عباس: من كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدنّ بها من نسائه، لأن اختلاف الدارين قطع عصمتها منه. وعن النخعي: هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر. وعن مجاهد: أمرهم بطلاق الباقيات مع الكفار ومفارقتهن وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ من مهور أزواجكم اللاحقات بالكفار وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا من مهور نسائهم المهاجرات. وقرئ: ولا تمسكوا بالتخفيف. ولا تمسكوا بالتثقيل. ولا تمسكوا، أى: ولا تتمسكوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يعنى جميع ما ذكر في هذه الآية يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ كلام مستأنف. أو حال من حكم الله على حذف الضمير، أى: يحكمه الله. أو جعل الحكم حاكما على المبالغة. روى أنها لما نزلت هذه الآية أدى المؤمنون ما أمروا به من أداء مهور المهاجرات إلى أزواجهنّ المشركين، وأبى المشركون أن يؤدوا شيئا من مهور الكوافر إلى أزواجهن المسلمين، فنزل قوله وَإِنْ فاتَكُمْ وإن سبقكم وانفلت منكم شَيْءٌ من أزواجكم: أحد منهن إلى الكفار، وهو في قراءة ابن مسعود: أحد. فإن قلت: هل لإيقاع شيء في هذا الموقع فائدة؟ قلت: نعم، الفائدة فيه: أن لا يغادر شيء من هذا الجنس وإن قل وحقر، غير معوض منه تغليظا في هذا الحكم وتشديدا فيه فَعاقَبْتُمْ من العقبة وهي التوبة: شبه ما حكم به على المسلمين والكافرين من أداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة، وأولئك مهور نساء هؤلاء أخرى بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب وغيره. ومعناه: فجاءت عقبتكم من أداء المهر، فآتوا من فاتته امرأته إلى الكفار مثل مهرها من مهر المهاجرة، ولا تؤتوه زوجها الكافر، وهكذا عن الزهري: يعطى من صداق من لحق بهم. وقرئ: فأعقبتم. فعقبتم بالتشديد. فعقبتم بالتخفيف، بفتح القاف وكسرها، فمعنى أعقبتم: دخلتم في العقبة، وعقبتم: من عقبه إذا قفاه، لأنّ كل واحد من المتعاقبين يقفى صاحبه، وكذلك عقبتم بالتخفيف، يقال: عقبه يعقبه. وعقبتم نحو تبعتم. وقال الزجاج: فعاقبتم فأصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم، والذي ذهبت زوجته كان يعطى من الغنيمة المهر، وفسر غيرها من القراآت فكانت العقبى لكم، أى: فكانت الغلبة لكم حتى غنمتم. وقيل: جميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين راجعة عن الإسلام ست نسوة: أم الحكم بنت أبى سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري، وفاطمة بنت أبى أمية كانت تحت عمر بن الخطاب وهي أخت أم سلمة، وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان، وعبدة بنت عبد العزى بن نصلة وزوجها عمرو بن عبدودّ، وهند بنت أبى جهل كانت تحت هشام بن العاص. وكلثوم بنت جرول كانت تحت عمر، فأعطاهم رسول الله ﷺ مهور نسائهم من الغنيمة [[هكذا ذكره الثعلبي ثم البغوي عن ابن عباس بلا إسناد.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب