الباحث القرآني

وَقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ﴾، مَوْضِعُ ”مُهاجِراتٍ“، نَصْبٌ عَلى الحالِ، وقِيلَ: ”اَلْمُؤْمِناتُ“، وإنْ لَمْ يُعْرَفْنَ بِالإيمانِ، وقَبْلَ أنْ يَصِلُوا إلى النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلامُ -، وإنَّما سُمِّينَ بِذَلِكَ لِأنَّ تَقْدِيرَهُنَّ الإيمانُ، ﴿فامْتَحِنُوهُنَّ﴾، مَعْناهُ: اِخْتَبِرُوهُنَّ، وهَذِهِ نَزَلَتْ بِسَبَبِ عَهْدِ الحُدَيْبِيَةِ الَّذِي كانَ بَيْنَ النَّبِيِّ ﷺ وبَيْنَ مَن عاهَدَهُ بِمَكَّةَ مِن خُزاعَةَ، وغَيْرِهِمْ، وكانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عاهَدَهم عَلى أنَّهُ مَن جاءَ مِنهم إلَيْهِ رَدَّهُ إلَيْهِمْ، ومَن صارَ مِن عِنْدِهِ إلَيْهِمْ لَمْ يَرُدُّوهُ إلَيْهِ، فَأعْلَمَ اللَّهُ - جَلَّ وعَزَّ - أنَّ مَن أتى مِنَ المُؤْمِناتِ مِمَّنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ في الإسْلامِ فَلا يُرْجَعْنَ إلى الكُفّارِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أعْلَمُ بِإيمانِهِنَّ﴾، فَأعْلَمَ - عَزَّ وجَلَّ - أنَّ إظْهارَ الإيمانِ يَدْخُلُ في جُمْلَةِ الإسْلامِ، واللَّهُ عالِمٌ (p-١٥٩)بِما في القُلُوبِ، وكانَتِ المِحْنَةُ إذا جاءَتِ المَرْأةُ المُهاجِرَةُ أنْ تُحَلَّفَ بِاللَّهِ أنَّهُ ما جاءَ بِها غَيْرَةٌ عَلى زَوْجِها، ولا جاءَتْ إلّا مَحَبَّةً لِلَّهِ، ولِرَسُولِهِ، ولِلرَّغْبَةِ في الإسْلامِ، فَهَذِهِ المِحْنَةُ، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الكُفّارِ﴾، أيْ: لا تَرُدُّوهُنَّ، يُقالُ: ”رَجَعَ فُلانٌ“، و”رَجَعْتُهُ“. وَقَوْلُهُ: ﴿لا هُنَّ حِلٌّ لَهم ولا هم يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾، أيْ: إنَّ المُؤْمِناتِ لا يَحْلِلْنَ لِلْكُفّارِ، ولا الكُفّارَ يَحِلُّونَ لِلْمُؤْمِناتِ، ﴿وَآتُوهم ما أنْفَقُوا﴾، فَكانَ الزَّوْجُ يُعْطى مَهْرَ امْرَأتِهِ الَّتِي آمَنَتْ، وكانَ يُؤْخَذُ مِنهم مَهْرُ مَن مَضى إلَيْهِمْ مِن نِساءِ المُؤْمِنِينَ، مِمَّنْ تَلْحَقُ بِزَوْجِها، إذا رَغِبَتْ في الكُفْرِ، فَأقامَتْ عَلَيْهِ، ﴿وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ﴾، أيْ: ولا إثْمَ عَلَيْكُمْ، ﴿أنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾، أيْ: أنْ تَزَوَّجُوهُنَّ، ﴿إذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾، وهَذا دَلِيلٌ عَلى أنَّ التَّزْوِيجَ لا بُدَّ فِيهِ مِن مَهْرٍ، ﴿وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوافِرِ﴾، أيْ: إذا كَفَرْنَ فَقَدْ زالَتِ العِصْمَةُ بَيْنَ المُشْرِكَةِ والمُؤْمِنِ، أيْ: قَدِ انْبَتَّ عَقْدُ حَبْلِ النِّكاحِ، وأصْلُ ”اَلْعِصْمَةُ“: اَلْحَبْلُ، وكُلُّ ما أمْسَكَ شَيْئًا فَقَدْ عَصَمَهُ، وقُرِئَتْ: ”وَلا تُمْسِكُوا“، و”وَلا تَمَسَّكُوا“، والأصْلُ: ”تَتَمَسَّكُوا“، مِن قَوْلِكَ: ”تَمَسَّكْتُ بِالشَّيْءِ“، إذا أنْتَ لَمْ تُخَلِّهِ مِن يَدِكَ، أوْ إرادَتِكَ، فَحُذِفَتْ إحْدى التّاءَيْنِ، وقُرِئَتْ: ”تُمَسَّكُوا“، بِضَمِّ التّاءِ، والتَّشْدِيدِ، مِن قَوْلِكَ: ”مَسَّكَ، يُمَسِّكُ“، وقُرِئَتْ: ”تُمْسِكُوا“، بِضَمِّ التّاءِ، وتَخْفِيفِ السِّينِ، عَلى مَعْنى: ”أمْسَكَ، يُمْسِكُ“.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب