أى اجعل هذا البلد أو هذا المكان بَلَداً آمِناً ذا أمن، كقوله: (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) . أو آمنا من فيه، كقوله: ليل نائم. ومَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بدل من أهله، يعنى وارزق المؤمنين من أهله خاصة. وَمَنْ كَفَرَ عطف على من آمن كما عطف (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) على الكاف في جاعلك فإن قلت: لم خص إبراهيم صلوات اللَّه عليه المؤمنين حتى ردّ عليه؟ قلت: قاس الرزق على الإمامة فعرّف الفرق بينهما، لأنّ الاستخلاف استرعاء يختص بمن ينصح للمرعى، وأبعد الناس عن النصيحة الظالم، بخلاف الرزق فإنه قد يكون استدراجا للمرزوق وإلزاما للحجة له. والمعنى:
وأرزق من كفر فأمتعه. ويجوز أن يكون (وَمَنْ كَفَرَ) مبتدأ متضمنا معنى الشرط. وقوله (فَأُمَتِّعُهُ) جوابا للشرط، أى ومن كفر فأنا أمتعه. وقرئ فأمتعه فأضطره [[قوله «فأضطره» التلاوة: ثم أضطره (ع)]] فألزه إلى عذاب النار لزّ المضطر الذي لا يملك الامتناع مما اضطر إليه، وقرأ أبىّ: فنمتعه قليلا ثم نضطره.
وقرأ يحيى بن وثاب: فاضطره، بكسر الهمزة. وقرأ ابن عباس فأمتعه قليلا ثم اضطره، على لفظ الأمر. والمراد الدعاء من إبراهيم دعا ربه بذلك. فإن قلت: فكيف تقدير الكلام على هذه القراءة؟ قلت: في: (قال) ضمير إبراهيم، أى قال إبراهيم بعد مسألته اختصاص المؤمنين بالرزق: ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره. وقرأ ابن محيصن: فاطره، بإدغام الضاد في الطاء كما قالوا: اطجع، وهي لغة مرذولة، لأنّ الضاد من الحروف الخمسة التي يدغم فيها ما يجاورها ولا تدغم هي فيما يجاورها، وهي حروف «ضم شفر» .
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَـٰذَا بَلَدًا ءَامِنࣰا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَ ٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِیلࣰا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥۤ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ"}