الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وإذْ قالَ إبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذا بَلَدًا آمِنًا﴾ الآيَةَ؛ يَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: مَعْنى " مَأْمُونٍ فِيهِ " كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ﴾ [القارعة: ٧] يَعْنِي مَرْضِيَّةً. والثّانِي: أنْ يَكُونَ المُرادُ " أهْلَ البَلَدِ " كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واسْألِ القَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢] مَعْناهُ: أهْلَها؛ وهو مَجازٌ؛ لِأنَّ الأمْنَ والخَوْفَ لا يَلْحَقانِ البَلَدَ وإنَّما يَلْحَقانِ مَن فِيهِ.
وقَدِ اخْتُلِفَ في الأمْنِ المَسْؤُولِ في هَذِهِ الآيَةِ، فَقالَ قائِلُونَ: سَألَ الأمْنَ مِنَ القَحْطِ والجَدْبِ؛ لِأنَّهُ أسْكَنَ أهْلَهُ بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ ولا ضَرْعٍ، ولَمْ يَسْألْهُ الأمْنَ مِنَ الخَسْفِ والقَذْفِ؛ لِأنَّهُ كانَ آمِنًا مِن ذَلِكَ قَبْلُ، وقَدْ قِيلَ: إنَّهُ سَألَ الأمْرَيْنِ جَمِيعًا.
قالَ أبُو بَكْرٍ: هو كَقَوْلِهِ (p-٩٨)تَعالى: ﴿مَثابَةً لِلنّاسِ وأمْنًا﴾ [البقرة: ١٢٥] وقَوْلِهِ: ﴿ومَن دَخَلَهُ كانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧] وقَوْلِهِ: ﴿وإذْ قالَ إبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذا بَلَدًا آمِنًا﴾ والمُرادُ واللَّهِ أعْلَمُ بِذَلِكَ الأمْنُ مِنَ القَتْلِ، وذَلِكَ أنَّهُ قَدْ سَألَهُ مَعَ رِزْقِهِمْ مِنَ الثَّمَراتِ: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذا بَلَدًا آمِنًا وارْزُقْ أهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ﴾ وقالَ عَقِيبَ مَسْألَةِ الأمْنِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذا البَلَدَ آمِنًا واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أنْ نَعْبُدَ الأصْنامَ﴾ [إبراهيم: ٣٥] ثُمَّ قالَ في سِياقِ القِصَّةِ: ﴿رَبَّنا إنِّي أسْكَنْتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ﴾ [إبراهيم: ٣٧] إلى قَوْلِهِ: ﴿وارْزُقْهم مِنَ الثَّمَراتِ﴾ [إبراهيم: ٣٧] فَذَكَرَ مَعَ مَسْألَتِهِ الأمْنَ وأنْ يَرْزُقَهم مِنَ الثَّمَراتِ، فالأوْلى حَمْلُ مَعْنى مَسْألَةِ الأمْنِ عَلى فائِدَةٍ جَدِيدَةٍ غَيْرِ ما ذَكَرَهُ في سِياقِ القِصَّةِ ونَصَّ عَلَيْهِ مِنَ الرِّزْقِ.
فَإنْ قالَ قائِلٌ: إنَّ حُكْمَ اللَّهِ تَعالى بِأمْنِها مِنَ القَتْلِ قَدْ كانَ مُتَقَدِّمًا لِعَهْدِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ لَمْ تَحِلَّ لِأحَدٍ قَبْلِي ولا تَحِلُّ لِأحَدٍ بَعْدِي، وإنَّما أُحِلَّتْ لِي ساعَةً مِن نَهارٍ» يَعْنِي القِتالَ فِيها؛ فَسَألَهُ إدامَةَ هَذا الحُكْمِ فِيها وتَبْقِيَتَهُ عَلى ألْسِنَةِ رُسُلِهِ وأنْبِيائِهِ بَعْدَهُ.
ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ إنَّها لَمْ تَكُنْ حَرَمًا ولا أمْنًا قَبْلَ مَسْألَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ، لِما رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «إنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَرَّمَ مَكَّةَ وإنِّي حَرَّمْتُ المَدِينَةَ» . والأخْبارُ المَرْوِيَّةُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ في أنَّ اللَّهَ تَعالى حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ وأنَّها لَمْ تَحِلَّ لِأحَدٍ قَبْلِي ولا تَحِلُّ لِأحَدٍ بَعْدِي، أقْوى وأصَحُّ مِن هَذا الخَبَرِ، ومَعَ ذَلِكَ فَلا دَلالَةَ فِيهِ أنَّهُ لَمْ تَكُنْ حَرامًا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأنَّ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَرَّمَها بِتَحْرِيمِ اللَّهِ تَعالى إيّاها قَبْلَ ذَلِكَ فاتَّبَعَ أمْرَ اللَّهِ تَعالى فِيها.
ولا دَلالَةَ فِيهِ عَلى نَفْيِ تَحْرِيمِها قَبْلَ عَهْدِ إبْراهِيمَ مِن غَيْرِ الوَجْهِ الَّذِي صارَتْ بِهِ حَرامًا بَعْدَ الدَّعْوَةِ، والوَجْهُ الأوَّلُ يَمْنَعُ مِنِ اصْطِلامِ أهْلِها ومِنَ الخَسْفِ بِهِمْ والقَذْفِ الَّذِي لَحِقَ غَيْرَها وبِما جَعَلَ في النُّفُوسِ مِن تَعْظِيمِها والهَيْبَةِ لَها، والوَجْهُ الثّانِي بِالحُكْمِ بِأمْنِها عَلى ألْسِنَةِ رُسُلِهِ، فَأجابَهُ اللَّهُ تَعالى إلى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ومَن كَفَرَ﴾ قَدْ تَضَمَّنَ اسْتِجابَتَهُ لِدَعْوَتِهِ وإخْبارَهُ أنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ أيْضًا بِمَن كَفَرَ مِنهم في الدُّنْيا، وقَدْ كانَتْ دَعْوَةُ إبْراهِيمَ خاصَّةً لِمَن آمَنَ مِنهم بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ، فَدَلَّتْ " الواوُ " الَّتِي في قَوْلِهِ ﴿ومَن كَفَرَ﴾ عَلى إجابَةِ دَعْوَةِ إبْراهِيمَ وعَلى اسْتِقْبالِ الأخْبارِ بِمُتْعَةِ مَن كَفَرَ قَلِيلًا، ولَوْلا الواوُ لَكانَ كَلامًا مُنْقَطِعًا مِنَ الأوَّلِ غَيْرَ دالٍّ عَلى اسْتِجابَةِ دَعَوْتِهِ فِيما سَألَهُ، وقِيلَ في مَعْنى ﴿فَأُمَتِّعُهُ﴾ أنَّهُ إنَّما يُمَتِّعُهُ بِالرِّزْقِ الَّذِي يَرْزُقُهُ (p-٩٩)إلى وقْتِ مَماتِهِ.
وقِيلَ: " أُمَتِّعُهُ " بِالبَقاءِ في الدُّنْيا " وقالَ الحَسَنُ: " أُمَتِّعُهُ " بِالرِّزْقِ والأمْنِ إلى خُرُوجِ مُحَمَّدٍ ﷺ فَيَقْتُلُهُ إنْ قامَ عَلى كُفْرِهِ أوْ يُجْلِيهِ عَنْها " . فَتَضَمَّنَتِ الآيَةُ حَظْرَ قَتْلِ مَن لَجَأ إلَيْهِ مِن وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: قَوْلُهُ ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذا بَلَدًا آمِنًا﴾ مَعَ وُقُوعِ الِاسْتِجابَةِ لَهُ، والثّانِي: قَوْلُهُ ﴿ومَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا﴾؛ لِأنَّهُ قَدْ نَفى قَتْلَهُ بِذِكْرِ المُتْعَةِ إلى وقْتِ الوَفاةِ.
{"ayah":"وَإِذۡ قَالَ إِبۡرَ ٰهِـۧمُ رَبِّ ٱجۡعَلۡ هَـٰذَا بَلَدًا ءَامِنࣰا وَٱرۡزُقۡ أَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلثَّمَرَ ٰتِ مَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُم بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِۚ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُۥ قَلِیلࣰا ثُمَّ أَضۡطَرُّهُۥۤ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمَصِیرُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق