الباحث القرآني
ثم قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [الزمر ٢١] تعلم، ﴿أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ إلى آخره، الهمزة هنا للاستفهام، والغالب أن الهمزة -همزة الاستفهام- إذا دخلت على نفي أن تكون للتقرير، فمعنى ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ أي: قد رأيت، ونظير هذا قوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ [الشرح ١] أي: قد شرحنا لك صدرك، فيكون الاستفهام هنا للتقرير، أما (لم) فهي حرف جزم ونفي وقلب.
وتفسير المؤلف (ترى) بـ(تعلم) هذا فيه احتمال أن الرؤيا هنا رؤية العلم، وفيه احتمال أن الرؤية رؤية البصر، فإن كان شيئًا مشاهدًا للإنسان، حيث يكون حوله فهي رؤية بصر تتبعها رؤية العلم، وإن كان بعيدًا يسمع عنه سماعًا فهي رؤية علم، والخطاب في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ إما للنبي ﷺ، وإما لكل من يتأتَّى خطابه؛ أي: من يصح منه الخطاب.
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الزمر ٢١]، ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾: من العلو، وليس المراد بذلك السماء السقف المحفوظ؛ لأن من المعلوم أن المطر ينزل من السحاب، والسحاب قد بيَّن الله في آية أخرى أنه مسخر بين السماء والأرض، وعلى هذا فيكون المراد بالسماء العلو، وقوله: ﴿مَاءً﴾ هو المطر.
﴿فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ﴾ [الزمر ٢١]، (سلكه) بمعنى أدخله، ومنه سِلْك الخرز يدخل فيها حتى ينظمها، وقوله: ﴿يَنَابِيعَ﴾ جمع ينبوع، يقول المؤلف: أي أدخله في أمكنة نبع، أدخله في الأرض ينابيع؛ يعني ينبع متى أراده الإنسان، وذلك من تمام الحكمة وتمام الرحمة؛ لأن هذا الماء لو بقي على ظهر الأرض لأنتن وفسد، ولأفسد غيره أيضًا، فكان من رحمة الله أن يدخله في الأرض يخزنه، كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ﴾ [المؤمنون ١٨]، ﴿وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحجر ٢٢].
وقوله: ﴿يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ [الزمر ٢١]، ﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ﴾ ﴿ثُمَّ﴾ تدل على الترتيب بمهلة؛ لأن هذا الذى يخرج بالمطر لا يخرج فورًا، ولكنه يخرج بالتدريج؛ لأن هذه سنة الله سبحانه وتعالى أن تكون الأشياء بالتدريج؛ لئلا يحصل التصادم في الكون.
﴿يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا﴾ ﴿بِهِ﴾ الباء للسببية؛ أي: بسببه، وليس المطر هو الذى يخلق هذا النبات، ولكنه سبب له.
﴿زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ ﴿مُخْتَلِفًا﴾ هذه صفة لـ(زرع)، ولكن هل المختلف الزرع ولّا لونه؟
* طالب: لا لونه.
* الشيخ: ﴿أَلْوَانُهُ﴾ فهنا الصفة عادت إلى غير الموصوف معنى، ويسمي العلماء -علماء النحو- يسمون هذا النعت نعتًا سببيًّا؛ لأن معناه يعود إلى غير المنعوت، فهو تابع للمنعوت في الإعراب، ولكن معناه لغيره، كما لو قلت: رأيت رجلًا كريمًا أبوه، من الكريم؟
* طالب: أبوه.
* الشيخ: الأب، والصفة يعني إجراء من حيث الإعراب على مَن؟
* الطالب: أبوه.
* الشيخ: لا، على الرجل، ولذلك تقول: (كريمًا) نعت لـ(رجل) أو صفة لـ(رجل) مع أن حقيقة الوصف في غيره، يُسمى هذا نعتًا سببيًّا ﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ كيف اختلاف هذه الألوان؟ هل المراد بالألوان الأشكال أو الألوان التلوين؟ أو يشمل؟
* طالب: يشمل.
* الشيخ: يشمل هذا أو هذا، فألوانه يعني أصنافه، ويعني أيضًا اللون، فهذا الزرع الذى يخرج من الأرض بالمطر تشاهدونه يختلف في ألوانه، ويختلف في أشكاله، واخرجوا -إن شئتم- إلى أدنى شارع من هنا تجدون الاختلاف العجيب، شجرتان إلى جنب ومع ذلك تجد هذه أوراقها مختلفة عن هذه وتجد لونها مختلفًا عن الأخرى، وتجد الزهرات التي فيها أيضًا تختلف، وتجد الثمر الذى يخرج منها يختلف، مع أن الماء واحد والأرض واحدة.
يقول: (﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ﴾ [الزمر ٢١] ييبس، فتراه بعد الخضرة مثلًا مصفرًّا) هذا النبات الذى خرج يسر الناظرين مختلف الألوان أصابه ريح أو حر شديد، أو مع طول الزمن يهيج يعنى ييبس ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا﴾ بعد أن كان أخضر ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا﴾ فتاتًا متحطمًا؛ لأنه إذا ييبس تكسر، ثم تحطم.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى﴾ [الزمر ٢١] تذكيرًا لأولي الألباب، يعني العقول يتذكرون به لدلالته على وحدانية الله وقدرته، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى﴾ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المشار إليه كل ما سبق إنزال المطر من السماء، إدخاله ينابيع في الأرض، إخراج الزرع به، عود الزرع إلى الاصفرار والتحطم، هذه عدة أشياء تذكِّر الإنسان إنزاله من السماء وإدخاله في الأرض وإخراج الزرع به واختلاف الألوان، هذا كله ذكرى يتذكر به أولو الألباب على قدرة الله عز وجل وعلى رحمته وعلى حكمته.
﴿ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا﴾ [الزمر ٢١] إلى آخره، يتذكر به أولو الألباب على أن كل ما كمل من الدنيا عاد ناقصًا، ويدل على أن هذا من المراد قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ﴾ [يونس ٢٤].
إذن الذكرى هنا ليست مجرد الدلالة على وحدانية الله وقدرته، بل هي أشمل، ومن أهمها الدلالة على أن ما كمل في الدنيا فمآلها إلى النقص، فالصحة مآلها إلى المرض، والحياة مآلها إلى الموت، وهكذا قِسْ كل ما في الدنيا على هذا المثال.
ثم قال الله تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الزمر ٢٢] كمن طُبِع على قلبه؟! ﴿أَفَمَنْ﴾ الهمزة للاستفهام والفاء عاطفة على إما شيء مقدر، أو على ما سبق، على حسب ما فصلنا أمس.
﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾، ﴿شَرَحَ﴾ بمعنى وسَّع، ومنه قولنا: فلان شرح كتاب فلان؛ يعني: وسعه، ﴿شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ المراد بالصدر ما في الصدر أو المراد الصدر نفسه ينشرح؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: نعم، يحتمل أن يُراد ما في الصدر، أن الله يوسع القلب فيجعله منفتحًا، فيجعله منفتحًا للإسلام لا يضيق به ذرعًا، ويحتمل أنه الصدر نفسه؛ لأن الإنسان يحس بالشيء إذا غمه أن صدره يضيق، نفس الصدر يضيق، وإذا جاءه ما يفرحه نفس الصدر ينشرح وإن كان أصل القلب، لكن نفس المكان -مكان القلب- يكون فيه اتساع وضيق، وهذا الشيء مشاهد، فإبقاء الآية على ظاهرها، وهو أن المراد بالصدر حقيقته، حقيقة الصدر أولى، فينشرح الصدر للإسلام، ويتقبل جميع شرائعه، يتقبل الشرائع، إن أُمِر بالشيء انشرح لقبوله والعمل به، وإن نُهي عن شيء انشرح لقبوله واجتنابه، وإن أُخبر عن شيء انشرح لقبوله وتصديقه، وهكذا.
وقس هذا برجل فاسد، إذا أمرته بالصلاة تجده يضيق صدره، وربما يقول: أنا مانا بصلي ليك، دعني. وما أشبه ذلك، وبعض الناس إذا أمرته وذكرته فرح وانشرح صدره، وقد بيَّن الله في سورة الأنعام صورة قريبة مُقربة لهذا المعنى، فقال سبحانه وتعالى في سورة الأنعام: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [الأنعام ١٢٥] يعني شديد الضيق ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام ١٢٥] يعني كأنه إذا عُرِض عليه الإسلام يصعَّد في السماء؛ أي يتكلف الصعود.
وقد اختلف العلماء في معنى ﴿يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾، هل معناه ما اشتهر الآن من أن الإنسان كلما ارتفع في الجو كثر عليه الضغط، أو أن المعنى يصعد جبلًا عاليًا شامخًا يتعب في رُقِيِّه؟
المفسرون السابقون لا شك أنهم لا يعرفون مسألة الضغط، المتأخرون يعرفون، والله عز وجل يعلم هذا وهذا، والآية صالحة للأمرين؛ لأنك لو تصورت جبلًا صعب الرقي وعاليًا -يعني: في السماء، معناه عالٍ- وصعده الإنسان يتكلف أو لا؟ يتكلف لا شك، يتكلف، لا سيما كان عنده ضعف، يتعب جدًّا.
وإذا قلنا بأنه المراد بذلك؛ أن الإنسان يصعد في السماء فوق الغلاف الجوي، فهو واضح أيضًا، فيقول عز وجل: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الزمر ٢٢].
قلنا: علامة شرح الصدر قبول الخبر، والتصديق قبول الأمر وامتثاله، قبول النهي واجتنابه، لا يكون عنده تردد، فهذا لا شك أن الله سبحانه وتعالى يجعله كما قال: ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الزمر ٢٢]، قال المؤلف: (فاهتدى) ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ﴾ فأفادنا المؤلف أن في الآية حذفًا تقديره: فاهتدى، ويؤيده: ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ﴾، ولكن الواقع أنه لا حاجة إلى هذا التقدير، فمن شرح الله صدره للإسلام ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾، مجرد أن يشرح الله صدره للإسلام فهو على نور، وهو إذا شرح الله صدره للإسلام فهو سيهتدي قطعًا، وقوله: ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ نور حسي أو معنوي؟
* طالب: معنوي يا شيخ.
* الشيخ: معنوي فهو معنوي فهو على نور ولو كان في حجرة مظلمة وعلى نور يعني يجد نفسه أنه يمشي على نور وقوله: ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ يشمل نور الدنيا ونور الآخرة قال الله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ [الحديد ١٢].
وقوله: ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾ الربوبية هنا مضافة إلى هذا الذى شرح الله صدره للإسلام، وهي ربوبية خاصة؛ لأنها أضيفت إلى من هداه الله، في الآية شيء محذوف دلت عليه الهمزة، وقدره المفسر -رحمه الله- بقوله: (كمن طبع على قلبه).
ولو أن المؤلف قال كمن ضاق صدره بالإسلام لكان هذا أنسب في المقابلة؛ لأنه ينبغي أن تجعل مقابل الشيء مضادًا له، ولا تأتي بشيء آخر، فمثلًا لو قال الله تعالى: أفمن وسع الله قلبه، لكان المناسب أن يكون المقدر كما قال المؤلف، لكن ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ﴾ نقول: كمن ضيق الله صدره بالإسلام فضاق به ذرعًا؟ والجواب لا، فيكون الاستفهام مع المقدر للنفي.
من لم يشرح له صدره فهو على ظلمة؟ نعم، من لم يشرح الله صدره للإسلام فإن قلبه مظلم، والعياذ بالله، ليس فيه نور، لا نور علم، ولا نور إيمان.
قال تعالى: ﴿فَوَيْلٌ﴾ كلمة عذاب ﴿لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾، ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ﴾ (ويل) مبتدأ، و﴿لِلْقَاسِيَةِ﴾ خبره، و﴿مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ متعلق بـ(القاسية)، (ويل) قال المؤلف: إنها (كلمة عذاب)، وما قاله المؤلف أصح مما قيل إنها واد في جهنم؛ لأن الإنسان يقال له: ويل لك من كذا في غير النار، ﴿فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ [البقرة ٧٩]، فهي كلمة عذاب ووعيد.
﴿لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (القاسية): اسم فاعل، و﴿قُلُوبُهُمْ﴾ فاعل به، والقاسي ضد الليِّن، والليِّن قلب المؤمن، والقاسي قلب الكافر، وقوله: ﴿مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: عن قبول القرآن، فأفاد المفسر -رحمه الله- أن (من) بمعنى (عن)، وأن المراد بذكر الله القرآن؛ يعني: فويل للذين تقسو قلوبهم عن القرآن، ولكن الأولى إبقاء الآية على ظاهرها، وأن قوله: ﴿مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: أن (مِنْ) للسببية؛ أي: تقسو قلوبهم بسبب ذكر الله، وأن المراد بذكر الله ما هو أعم من القرآن، ويكون المعنى أن هؤلاء كلما ذكر الله قست قلوبهم، ووجه ذلك أنهم لا يريدون ذكر الله، فإذا كرهوا ذكر الله قسا القلب عقوبة لهم، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة ١٢٤، ١٢٥].
فتجد هؤلاء القوم -أعني المؤمنين- تزيدهم السورة إيمانًا، والآخرون -الذين في قلوبهم مرض- تزيدهم رجسًا إلى رجسهم.
إذن نقول: القاسية قلوبهم من ذكر الله؛ يعني: الذين إذا ذُكِر الله قست قلوبهم عن قبوله، يعني لا يقبلونه، فإذا لم يقبلوه ازدادت قلوبهم قسوة من ذكر الله، قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الزمر ٢٢]، ﴿أُولَئِكَ﴾ المشار إليهم؟
* طالب: القاسية قلوبهم.
* الشيخ: القاسية قلوبهم ﴿فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، قال المؤلف: (بَيِّن)، وقوله: ﴿فِي ضَلَالٍ﴾، ﴿فِي﴾ للظرفية، وما أحسنها في هذا الموضع إشارة إلى أن الضلال قد أحاط بهم من كل جانب كما تحيط الحجرة بساكنها، وإذا كان الضلال قد أحاط بهم من كل جانب فإنه لا يرجى لهم خير، والعياذ بالله؛ لأنهم في ضلال مبين.
قابل هذه: ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ بقوله: ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ يتبين لك أن النور في الآية نور العلم، ونور الإيمان، وضد العلم الضلال.
* نأخذ الفوائد، يقول الله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ [الزمر ٢١] إلى آخره، * من فوائد هذه الآية: بيان قدرة الله عز وجل في إنزال هذا المطر من السماء، لأنه لا يمكن لأحد أن يستطيع إنزاله، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾ [لقمان ٣٤].
* ومن فوائدها: حكمة الله ورحمته حيث جعل هذا الماء ينزل من السماء؛ لأنه لو كان ينبع من الأرض لم تستفد به عامة الأرض من وجه، ولم يصعد إلى قمم الجبال إلا إذا أغرق الناس الذين تحت الجبال، فكان من الحكمة أنه ينزل من السماء ليعم المرتفع والمنخفض، وليشمل الأرض كلها.
* ومن فوائد هذه الآية أيضًا: بيان حكمه الله عز وجل في كيفية نزول هذا الماء كيف ينزل؟ ينزل قطرات، لو نزل صبًّا كما تصب أفواه القرب لأهلك الناس وهدم البناء، ولكن من رحمة الله عز وجل أنه ينزل قطرات.
* من فوائد هذه الآية: أن (السماء) يطلق على العلو، ويترتب على هذه الفائدة أن قوله تعالى: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ [الملك ١٦] يمكن أن يُراد به مَن في العلو.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان قدرة الله ورحمته بالعباد، حيث سلك هذا الماء ينابيع في الأرض، ولم يبق راكدًا على ظهرها لما في ذلك من الحكمة والرحمة، يكون مخزونًا في الأرض متى أراده الناس استخرجوه.
* ومن فوائد الآية: بيان قدرة الله، حيث أخرج بهذا الماء ذلك الزرع المختلف الألوان.
* ومن فوائدها: إثبات الأسباب، ﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ﴾ إثبات الأسباب.
* ومن فوائدها: أن السبب لا يستقل بالتأثير في المسبَّب؛ لقوله: ﴿ثُمَّ يُخْرِجُ﴾، فأضاف الإخراج إلى الله، وهذا هو الذي عليه سلف الأمة وأئمتها؛ أن الأسباب لها تأثير في المسببات، ولكن تأثيرها بفعل الله لا يرجع إليها استقلالًا.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: بيان قدرة الله عز وجل، حيث أخرج هذا الزرع المختلف الألوان مع أنه يتغذى بماء واحد ومن طينة واحدة؛ لقوله: ﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾.
* ومن فوائدها: أن كمال الدنيا مؤذن بنقصها؛ لأن الله ضرب ذلك مثلًا للدنيا، كما في الآية التي سقناها في التفسير.
* من فوائد هذه الآية: أن الذين يتذكرون بآيات الله الكونية هم أولو العقول، وأما من لا يتذكر بها ويقول: هذه طبيعة تتفاعل وتتجارى فإنه لا عقل له.
* ومن فوائد هذه الآية: أنه ينبغي للإنسان أن يستعمل عقله في مخلوقات الله عز وجل؛ ليتذكر به في ما لهذه المخلوقات أو فيما في هذه المخلوقات من عظمة الخالق؛ لأنه قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر ٢١].
ثم قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ [الزمر ٢٢] إلى آخره، في هذه الآية نفي التساوي بين الفريقين؛ من شرح الله صدره للإسلام ومن لم يشرح؛ لأن الاستفهام هنا بمعنى النفي.
* ومن فوائدها: أن الهداية بيد الله لقوله: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ﴾، ويتفرع على هذه الفائدة أنه متى علم الإنسان أن الهداية بيد الله فإنه لا يلتفت في طلب الهداية إلا إلى الله.
وأيضًا إذا عَلم أن الهداية بيد الله لا يُعجب بنفسه إذا اهتدى، بل يقول لنفسه: لولا أن الله هداها لكان ضالًا، فلا يقول: إنما أوتيته على علم عندي، أو يقول: هذا لي، بل يعترف بفضل الله عليه، وأنه لولا هداية الله ما انتفع.
* * *
(...) إلى يوم الدين، نفتتح جلساتنا الصيفية هذا العام في هذا اليوم السبت الثامن عشر من شهر محرم عام ثلاثة عشر وأربع مائة وألف، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا في عملنا وفي علمنا، ودراستنا متنوعة فيها التفسير والحديث والفقه والتوحيد وأصول الفقه وهي موزعة بين الأيام ما عدا التفسير والحديث والفقه، فإن هذه الثلاثة ثابتة في كل يوم.
* * *
* طالب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٢) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر ٢٢ - ٢٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ الهمزة هنا للاستفهام، والفاء حرف عطف، والمعطوف عليه ما سبق، على أحد الوجهين عند علماء النحو، وقيل: إن الفاء عاطفة على مُقدر بعد الهمزة، والتقدير: أغفلتم فلم تدركوا هذا الأمر؟ فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ليس كمن لم يكن كذلك. ونحن (...).
* طالب: ﴿مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر ٢٥، ٢٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾.
طالب: ﴿فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر ٢٦].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تبارك وتعالى: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ [الزمر ٢٢] الهمزة هنا للاستفهام، والفاء حرف عطف، والمعطوف عليه ما سبق على أحد الوجهين عند علماء النحو.
وقيل: إن الفاء عاطفة على مقدَّر بعد الهمزة، والتقدير: أغفلتم فلم تدركوا هذا الأمر؟
فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه ليس كمن لم يكن كذلك.
ونحن لدينا قاعدة: أنه إذا اختلف النحاة في أمر فإننا نتبع الأسهل؛ لأن المسألة اجتهادية، وإذا كان كذلك فإننا نرى أن الهمزة للاستفهام، والفاء عاطفة على ما سبق، وأن محل الهمزة بعد فاء العطف، والتقدير: فأَمَنْ شرح الله صدره.
وقوله جل وعلا: ﴿شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ﴾ شرح بمعنى وسَّع، ومنه: شَرْح الكتاب، لأنه يُوَسَّع ويُبْسَط.
وقوله: ﴿شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ المراد بالصدر هنا القلب؛ لأنه محله، فعبَّر به عنه، وقد يقال: إن المراد بالصدر حقيقة الصدر، بدليل أن الإنسان إذا اغتم يجد صدره وكأن عليه حصى الرحى من الضيق دون أن يشعر أن هذا يمس قلبه، فيكون المراد بالشرح هنا شرح الصدر نفسه، والمؤدَّى واحد.
وقوله: ﴿لِلْإِسْلَامِ﴾ أي: لقبوله والتزامه، والإسلام له معنيان: المعنى الأول عام، والثاني خاص.
فالعامّ يشمل كل مَن استسلم لله سبحانه وتعالى بطاعته (...).
حين كان الشرع قائمًا، يشمل كل مَن استسلم لله بطاعته حين كان الشرع قائمًا، وعلى هذا فاليهود في زمن موسى مسلمون، وفي زمن عيسى كافرون، والنصارى في زمن عيسى مسلمون، وفي زمن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم كافرون، ولذلك نجد أن الله عز وجل يصف بالإسلام قوم نوح فمَن بعدهم.
أما المعنى الخاص للإسلام فهو ما كان خاصًّا بشرع محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فالناس بعد بعثة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إما مسلمون وإما كافرون فالمسلمون مَن اتبع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره، وهذا يسمى الإسلام الخاص.
فقوله: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [آل عمران ١٩]، ماذا يعني به؟ يعني به الإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يمكن لأحد أن يدعي أنه مسلم بعد بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلا إذا كان متَّبِعًا له؛ لأن الإسلام بعد بعثته صار خاصًّا بمن اتبع شريعته، فهنا ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ هل نفسره بالمعنى العام أو بالمعنى الخاص؟
* طلبة: الخاص.
* الشيخ: إذا فسَّرناه بالمعنى العام شمل حتى مَن شرح الله صدره للإسلام في عهد الأنبياء السابقين، ومن شرح الله صدره للإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فأيهما ترون؟
* طالب: الخاص.
* طلبة: العام.
* الشيخ: العام؛ لأن ممن سبق مَن شرح الله صدره للإسلام، قال موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (٢٥) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي﴾ [طه ٢٥، ٢٦].
لكن إذا كان الخطاب موجهًا إلى ما بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يتعين أن يكون المراد به الخاص.
وقوله: ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾، الفاء هذه عاطفة للتفريع، يعني: فهو إذا شرح الله صدره على نور من ربه.
نور معنوي يسير الإنسان فيه على شرع الله، وكأن بيده قنديلًا يهتدي به إلى الطريق؛ لأن الله شرح صدره للإسلام فلا يضيق به.
﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾، يبقى عندنا الهمزة في: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ للاستفهام، فأين مقابل ذلك؟ مقابله ما يقابل في المعنى، الذي يقابل انشراح الصدر في المعنى كمن ضاق صدره بالإسلام، أفمن شرح الله صدره للإسلام كمن ضاق صدره به؟
والجواب: نعم أو لا؟ يعني هل يستوي مَن شرح الله صدره للإسلام ومَن ضاق صدره به؟ لا.
إذن: فالمقابل أو المعادل -إن شئت- المعادل محذوف دلَّ عليه السياق، والمعنى: أفمن كان كذلك كمن لم يكن كذلك؟ فمن شرح الله صدره ليس كمن لم يشرح الله له صدره، ولا شك أن الفرق بينهما عظيم أبعد مما بين السماء والأرض؛ لأن من شرح الله صدره للإسلام -وأسال الله أن يجعلني وإياكم منهم- يجد نفسه قابلًا لشرائع الإسلام مسرورًا بها، يفرح إذا أدى طاعة من طاعات الله، ويحزن إذا فعل معصية من معصية الله، حتى إن الذين بلغوا الغاية في هذا يغتمُّون لما حصل منهم من خلل، وإن لم يكن عن قصد، يعني إذا فاتته عبادة يجد نفسه في غم وحزن وهو لا يشعر بذلك.
وأضرب لهذا مثلًا بالنبي صلوات الله وسلامه عليه، لما سلّم من ركعتين من صلاة الظهر ماذا صنع؟ انفتل من صلاته وكأنه مغموم، قام على غير عادته إلى خشبة في قبلي المسجد واتكأ عليها ووضع يديه هكذا، كأنه مُغْضَب، لماذا؟ لأن صلاته لم تتم، فانقبضت نفسه من حيث لا يشعر، لكن هذا لكمال درجاته عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل يجعل في نفس الإنسان انقباضًا وإن كان لا يشعر؛ لأنه لم يُتِمّ العبادة المطلوبة منه، اتكأ عليها وشبَّك بين أصابعه كذا كجلسة المهموم حتى ذكر[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٢)، ومسلم (٥٧٣ / ٩٧) من حديث أبي هريرة.]].
إذن مَن شرح الله صدره للإسلام يجد نفسه مرتاحًا مسرورًا للقيام بشرائع الإسلام، وبالعكس، إذا أخل بشيء منها أو انتهك معصية من معاصي الله.
وقوله: ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الزمر ٢٢].
قال المؤلف رحمه الله المفسر: (﴿﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ ﴾ فاهتدى ﴿﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ ﴾ كمن طبع على قلبه دلّ على هذا قوله: ﴿﴿فَوَيْلٌ﴾ ﴾) إلى آخره.
هكذا ذهب المؤلف -رحمه الله- في تفسيره، أي أنه استدل على المحذوف بما ذكر بعد، ولو أردنا أن نستدل على المحذوف بما ذكر بعد على سبيل المطابقة لقلنا: كمن قَسَا قلبه، ولا نقول: كمن طبع على قلبه؛ لأن الله قال: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ﴾، وإذا كنت تريد أن تستنبط الجواب مما ذكر فاجعله مطابقًا له، وحينئذٍ نقول: كمن قَسَا، لكن ما ذكرناه أولًا هو الصواب؛ أن يذكر المعادل على خلاف المذكور، فيكون المعنى: أفمن شرح الله صدره للإسلام كمن ضيَّق الله صدره للإسلام، أو كمن لم يشرح الله صدره للإسلام.
﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾، قال المؤلف: ﴿فَوَيْلٌ﴾، هنا لعلنا نشرح أو نفسِّر حسب ما عندنا ثم نعود إلى كلام المؤلف حتى لا يتقطع علينا.
قال الله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾، ﴿وَيْلٌ﴾ مبتدأ، و﴿لِلْقَاسِيَةِ﴾ خبره، ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ﴾.
و(الويل) على ما هو الراجح: كلمة وعيد، وقيل: إنها وادٍ في جهنم؛ والأصح: أنها كلمة وعيد، وسَوَّغ الابتداء بها وهي نكرة كونها وعيدًا، وربما يقال: إنه سَوَّغَ الابتداء بها وهي نكرة كونُها دالة على وصف شديد، أي: فويل عظيم، أو شديد للقاسية قلوبهم من ذكر الله.
وقوله: ﴿لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾، القسوة الشدة بحيث إذا لمست الشيء لم ينضغط بضغطك عليه، مثل؟ الحجر، وقد ضرب الله عز وجل قسوة القلب بالحجارة، فقال: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أو أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة ٧٤].
وهنا يسأل السائل يقول: لماذا لم يقل: فهي كالحديد؛ لأن الحديد يكسر الحجارة، والحجارة لا تكسر الحديد؟
والجواب عن ذلك أن نقول: الحديد يلين، بماذا؟ بإحمائه على النار، والحجارة لا تلين، فلهذا شُبِّهَت قسوة القلوب بالحجارة.
القاسية قلوبهم يعني معناه: التي قست فلم تَلِنْ للحق، نسال الله العافية.
وقوله: ﴿مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ (من) قيل: إنها بمعنى (عن)؛ للقاسية عن، ولكن الأظهر أنها على بابها، وأن المعنى: أن قلوبهم تقسو من الذكر بدل أن كان المفروض أن تلين، ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ﴾ [التوبة ١٢٤، ١٢٥] أي: زادتهم صلابة وقسوة.
وعلى هذا فنقول: للقاسية قلوبهم مِن الذِّكْر، أي: كلما ذُكِرَ الله قست قلوبهم، عكس المؤمن؛ فإنه كلما ذُكِرَ الله لَانَ قلبه، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الحديد ١٦].
﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، ﴿أُولَئِكَ﴾: المشار إليه القاسية قلوبهم، وأشار إليهم بإشارة البعيد للتنويه بسُفُولِهم وانحطاط مرتبتهم؛ لأن الإشارة بالبعيد تارة تكون إشارة إلى عُلُوّ المرتبة، وتارة تكون إشارة إلى انحطاط المرتبة.
ففي قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ [البقرة ٢] لعُلُوّ المرتبة، وفي قوله هنا: ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ لانحطاط المرتبة.
فإن قال قائل: هذه المعاني التي تختلف واللفظ واحد، ما الذي يُعَيِّن أحد المعنيين؟
نقول: يُعَيِّنه السياق وحال المتحدث عنه؛ لأن السياق والقرائن كل منهما يعيِّن المراد: ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، ﴿فِي ضَلَالٍ﴾، الضلال: بمعنى التِّيهِ وعدم إصابة الحق، فهؤلاء في ضلال أي تائهون لم يصيبوا الحق.
و(المبين) هنا تحتمل أن تكون من (أَبَانَ) اللازم، ومن (أَبَانَ) المتعدي -خليكم معنا- فيه كلمتان: (بَانَ) و(أَبَانَ)، (بَانَ) لازم أم متعدٍّ؟
* طلبة: لازم.
* الشيخ: لازم، تقول: بَانَ الأمر، بَانَ الصبح، بَانَ المعنى.
بالهمز: تَصِحُّ أن تكون متعدية، وأن تكون لازمة، حسب السياق.
تقول –مثلًا-: أَبَانَ الفجر، بمعنى: بَانَ، أي: ظهر، وتقول: أَبَانَ الرجل الحقَّ، بمعنى: أظهره.
فهنا ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، هل هي من اللازم أو من المتعدي؟
* طالب: من اللازم.
* الشيخ: الظاهر أنها من اللازم، أي في ضلال بَيِّن ظاهر.
نرجع إلى كلام المؤلف، يقول رحمه الله: (﴿﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ﴾ ﴾ فاهتدى ﴿﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ ﴾ كمن طُبِعَ على قلبه، دَلَّ على هذا ﴿﴿فَوَيْلٌ﴾ ﴾ كلمة عذاب) إلى آخره.
كلام المؤلف في قوله: (كمن طُبِعَ على قلبه)، فيه نظر؛ لأننا إذا أردنا أن نقول: إن المحذوف دَلَّ عليه المذكور، فإنه يجب أن نقدِّره بما يطابق المذكور، فنقول: كمن قَسَا قلبُه، على أن القول الراجح ما سبق أن قرَّرْناه، وهو أن يذكر المعادل بمعنى المقابل لأيش؟ للمذكور، فيقال: فمن شرح الله صدره كمن لم يكن كذلك.
ثم قال المؤلف: (﴿﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ﴾ ﴾ كلمة عذاب)، ولو قال: كلمة وعيد، لكان أحسن؛ لأنه يتوعد بها، حتى في عرفنا الآن تقول: ويل لك، أي تتوعده بهذا بما تريد.
وقوله: ﴿لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: عن قبول القرآن، فجعل المؤلف رحمه الله الذِّكْر مرادًا به القرآن، وجعل (مِن) بمعنى (عن).
أما كون الذِّكْر بمعنى القرآن فلا شك أن القرآن ذِكْر، قال الله تعالى: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ [يس ٦٩]، وقال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [الزخرف ٤٤].
ولكن الأولى أن نفسِّر ذِكْر الله هنا بما هو أعم، فنقول: المراد به القرآن لا شك؛ لأنه من ذِكْر الله وما هو أعم من ذلك، بحيث نقول: إنه إذا ذُكِرَ الله قَسَت قلوبهم، سواء بالقرآن أو بغير القرآن، هذا هو الأصح.
وأما كون (من) بمعنى (عن) فقد سبق أن قلنا: إن الصواب أنها على بابها.
وقوله: إن (من) بدل (عن)، هذا مبنيّ على مسألة خلافية بين النحويين الكوفيين والبصريين، إذا جاء الحرف في غير موضعه فهل هو نائب عن حرف يكون مناسبًا للسياق، أو أن المتعلق به يقدَّر بمعنى يناسب الحرف؟ أنتم فاهمون؟ تمام.
قال الله تعالى: ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان ٦]، العين لا يُشْرَب بها، العين يُشْرَب منها، فهنا اختلف النحويون: هل الباء بمعنى (من) فيكون حرفٌ ناب عن حرف، أو ﴿يَشْرَبُ﴾ بمعنى يَرْوَى؛ يروى بها عباد الله، فيكون الشرب مضمَّنًا معنى الرِّيّ، والرِّيّ يتضمن الشرب، وأيش؟ وزيادة، يتضمن الشرب وزيادة، في هذا خلاف بين النحويين الكوفيين والبصريين؛ وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرجِّح القول الثاني؛ أن الفعل مضمَّن معنى يتناسب مع أيش؟ مع الحرف؛ لأننا إذا قلنا بالتضمين استفدنا فائدتين: استفدنا مدلول المذكور، ومدلول المضمَّن؛ لأنك إذا قلت: يَرْوَى بها، استفدنا أنهم يشربون، وأيش؟ ويَرْوون، لكن إذا قلنا: ﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾: يشرب منها، لم نستفد إلا؟ إلا معنى واحدًا، فالتضمين فيه زيادة معنى، لكن جَعْل حرف بدل حرف لا نستفيد به معنى زائدًا، فصار القول الراجح في هذه المسالة ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو أيش؟ أن الفعل يُضَمَّن معنى يناسب الحرف، ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾.
قال المؤلف: قال الله تعالى: (﴿﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ ﴾ بَيِّن)، فجعل المبين هنا من اللازم أو من المتعدِّي؟
* طلبة: من اللازم.
* الشيخ: من اللازم.
ثم قال: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا﴾ [الزمر ٢٣]، الفوائد صح؟
* من فوائد الآية الكريمة: بيان تفاضل الناس في قبول الحق، وأن منهم مَن يقبل الحق بانشراح، ومنهم مَن ليس كذلك.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن مَن شرح الله صدره للإسلام فقَبِل الحق فإنه على نور من الله.
* ويتفرع على هذا: زيادة علمه؛ لأن العلم نور كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء ١٧٤].
* ويتفرع عليها أيضًا -على هذه الفائدة-: قوة الفراسة؛ أن الله تعالى يعطي الإنسان فراسة بحيث يعلم ما في قلوب الناس من لمحات وجوههم، بل أكثر من ذلك، يستدل بالحاضر على الغائب، ويعطيه الله تعالى استنتاجات لا تكون لغيره، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في كتاب مدارج السالكين على كلامه على الفراسة، ذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية كلامًا عجيبًا في فراسته -رحمه الله- وإن كان ذكر أشياء قد لا تكون مقبولة، ولكنه ذكر شيئًا كثيرًا، ويستدل لذلك بقوله: ﴿فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: أن مَن شرح الله صدره للإسلام فإن له ربوبية خاصة وعناية خاصة من الله، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾، فإن هذه الربوبية خاصة غير الربوبية العامة، فربوبية الله سبحانه وتعالى لخلقه نوعان: عامة، وخاصة.
فالعامة كقوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الفاتحة ٢].
والخاصة كقول الله تبارك وتعالى عن أولي الألباب الذين يتفكَّرون في خلق السماوات والأرض يقولون: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا﴾ [آل عمران ١٩١] إلى آخره.
وقد اجتمع النوعان في قوله تعالى عن سحرة آل فرعون: ﴿قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٢١) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف ١٢١، ١٢٢] فالأول عامّ، والثاني خاصّ.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الوعيد الشديد لمن قَسَا قلبه عن ذِكْر الله؛ لقوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾.
* ومن فوائدها: أنك إذا رأيت من قلبك عدم لِين لذِكْر الله فعالِجْ نفسك، عالجها لتسلم من هذا الوعيد، وهذا يشكو منه الناس كثيرًا، ونشكو منه نحن أيضًا، أحيانًا يقسو القلب ولا يلين، يقرأ الآيات العظيمة الرادعة ولكنه لا يتأثر، وأحيانًا يقرأ نفس الآيات ثم يتأثر، فإذا عرفت من نفسك قسوة القلب فالجأ إلى الله عز وجل واسأله أن يُلِينَ قلبك لذِكْرِه، وتأهَّب للوعيد إذا لم يتداركك الله بلطفه ومغفرته.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن القلوب تنقسم إلى قسمين: قلوب تلين من ذِكْر الله، وقلوب تقسو منه.
فإن قال قائل: كيف يكون الشيء الواحد مؤثِّرًا لنتيجتين متباينتين؟ واضح السؤال؟ شيء واحد يؤثِّر نتيجتين متقابلتين، قلنا: هذا ممكن، وذلك لاختلاف المحل الوارد عليه هذا الشيء، وليس هذا بغريب لا في المعنويات ولا في الحسيات.
أما في المعنويات كما رأيتم كلام الله عز وجل، وكما أن الإنسان يلقي الدرس على جماعة بعضهم يلتهمه التهامًا ويفهمه فهمًا تامًّا ويجده لذيذًا، والبعض الآخر يُغلَق عليه ولا يفهمه، ثم إذا أغلقت عليه كلمة واحدة انغلق عليه جميع الدرس، وعجز أن يفهم، والمعلِّم واحد والموضوع واحد.
كذلك أيضًا: نجد التمر –وهو تمر النخل معروف- يأكله رجلان أحدهما يكون داءً عليه، والثاني يكون غذاءً، أليس كذلك؟ المصاب بالسكري لو أكل التمر صار داءً عليه، والصحيح لا يكون داءً عليه، نجد الماء يجري على الأرض، أرض تقبله وتشربه وتنبت، وأرض لا تقبله، يسحّ عليها ولا تنتفع به، فهذا ذِكْر الله عز وجل يَرِد على القلب اللَّيِّن فينتفع به، وعلى القاسي فيزداد قسوة، والعياذ بالله.
* ومن فوائد هذه الآية: أن القاسية قلوبهم من ذِكْر الله على عكس مَن شرح الله صدره للإسلام، مَن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور، ومَن قَسَا قلبه من ذِكْر الله فهو في ضلال مبين.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن هؤلاء الذين قَسَت قلوبهم مِن ذِكْر الله قد انغمسوا انغماسًا تامًّا في الضلال، من أين يؤخذ؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: لأن (في) أيش؟ للظرفية، والظرف محيط بالمظروف، المظروف دون الظرف، في جوفه، فكأن هؤلاء انغمروا في أيش؟ في الضلال وأحاط بهم إحاطة الظرف بمظروفه، ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾، نسأل الله لنا ولكم الهداية والنور (...).
{"ayahs_start":21,"ayahs":["أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاۤءࣰ فَسَلَكَهُۥ یَنَـٰبِیعَ فِی ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ یُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعࣰا مُّخۡتَلِفًا أَلۡوَ ٰنُهُۥ ثُمَّ یَهِیجُ فَتَرَىٰهُ مُصۡفَرࣰّا ثُمَّ یَجۡعَلُهُۥ حُطَـٰمًاۚ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ","أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورࣲ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَیۡلࣱ لِّلۡقَـٰسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ"],"ayah":"أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَـٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورࣲ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَیۡلࣱ لِّلۡقَـٰسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینٍ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق