الباحث القرآني

وقوله تعالى: أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ... الآية، رُوِيَ أنَّ هذهِ الآيةَ نزلَتْ في عَلِيٍّ وحمزةَ، وأبي لَهَبٍ وابنه وهمَا اللذان كَانا من القَاسِيَةِ قلوبُهُمْ [[ذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 527) .]] ، وفي الكلامِ محذوفٌ يدلُّ عليه الظاهِرُ تقديره: أفمن شَرَحَ اللَّه صدره كالقاسِي القَلْبِ المُعْرِضِ عن أمرِ اللَّه، وشَرْحُ الصدرِ: استعارةٌ لتحصيلهِ للنظر الجَيِّدِ والإيمانِ باللَّه، والنُّورُ: هدايةُ اللَّه تعالى، وهي أشبهُ شيء بالضّوء، قال ابن مسعود: قلنا يا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ انشراح الصَّدْرِ؟ قال: إذا دَخَلَ النُّورُ القَلْبَ، انشرح وَانْفَسَحَ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّه، وَمَا عَلاَمَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: الإنَابَةُ إلَى دَارِ/ الخُلُودِ، وَالتَّجَافِي عَنْ دَارِ الغُرُورِ، والتَّأَهُّبُ لِلْمَوْتِ قَبْلَ نُزُولِ المَوْتِ [[ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 609) ، وعزاه إلى ابن مردويه.]] ، والقسوةُ: شِدَّةُ القَلْب، وهي مأخوذةٌ من قَسْوَةِ الحَجَرِ، شَبَّهَ قَلْبَ الكافرِ به في صَلاَبَتِهِ وقِلَّةِ انفعاله، للوَعْظِ، وَرَوَى الترمذيُّ عن ابن عمر قال: قَالَ رَسُولُ الله ﷺ: «لاَ تُكْثِرُوا الكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإنَّ كَثْرَةَ الكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وإنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ القَلْبُ القَاسِي» [[أخرجه الترمذي (4/ 607) ، كتاب «الزهد» باب: منه برقم: (2411) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (4/ 245) باب: في حفظ اللسان (4951) من طريق عبد الله بن عمر، وأخرجه مالك مرسلا، قال: إنه بلغه أن عيسى ابن مريم كان يقول: «لا تكثروا الكلام ... » الحديث نحوه. قال الترمذي: هذا حديث حسنٌ غريبٌ لا نعرفه إِلا من حديث إبراهيم بن عبد الله بن حاطب.]] ، قال الترمذيُّ: هذا حديث حسنٌ غريبٌ. انتهى وقال مالكُ بن دِينَارٍ: مَا ضُرِبَ عَبْدٌ [بعقوبةٍ] أعْظَمَ من قَسْوَةِ قلبهِ، قال ابن هِشَامٍ: قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ «من» هنا: مرادِفَةٌ «عَنْ» ، وقيل: هي للتعليلِ، أي: مِنْ أجْلِ ذكر اللَّه لأنه إذا ذُكِرَ اللَّه، قَسَتْ قلوبُهُمْ عياذاً باللَّه، وقيل: هي للابتداءِ، انتهى من «المغني» . قال الفَخْرُ [[ينظر: «تفسير الفخر الرازي» (26/ 232) .]] : اعلم أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ سببٌ لحصولِ النُّورِ والهدايةِ وزيادةِ الاطمئنان في النفوس الطاهرة الروحانية، وقد يُوجِبُ القَسْوَةَ والبُعْدَ عنِ الحَقِّ في النفوسِ الخبيثة الشيطانية، فإذا عَرَفْتَ هذا، فنقول: إنَّ رأسَ الأدْوِيَةِ التي تفيدُ الصحةَ الروحانيةَ ورُتْبَتَها هو ذِكْرُ اللَّهِ، فإذا اتفق لبعضِ النفوسِ أنْ صَارَ ذِكْرُ اللَّهِ سبباً لازْدِيادِ مَرَضِها، كانَ مَرَضُ تلكَ النفوسِ مَرَضاً لا يرجى زوالُهُ، ولا يُتَوَقَّعُ علاجُهُ، وكانَتْ في نِهَايَةِ الشَّرِّ والرَّدَاءَةِ، فلهذا المعنى قال تعالى: فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وهذا كَلاَمُ كامل محقّق، انتهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب