الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ [الزمر ١٠].
﴿قُلْ﴾ الخطاب للرسول ﷺ أو لكل مَن يَصِحُّ توجِيه الخطاب إليه؛ فعلى الأول يكون التقدير: قل يا محمد، وعلى الثاني يكون التقدير: قل أيها الإنسان.
﴿يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ ﴿عِبَادِ﴾ هنا فيها شيءٌ محذوف وهو الياء التي دلَّت عليها الكسرة في قوله: ﴿يَا عِبَادِ﴾، وحُذفِت الياءُ تخفيفًا.
﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ (الذين) عطف بيان أو وصْف، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (آمنوا) الإيمان في اللغة التصديق أو الإقرار بل نقول: الإقرار؛ لأنه هو المطابق للإيمان في التعَدِّي والعمَل، يقال: أقَرَّ بكذا وآمَن بكذا، التصديق لا يطابقُه تمامًا، وعلى هذا فنقول: الإيمان هو الإقرار، لكنه ليس مجرَّد الإقرار كما قاله بعض طوائف المبتدعة، من هم؟
* طالب: المرجئة.
* الشيخ: أي المرجئة؟ الجهمية؛ مرجئة الجهمية، نقول: هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان، هذا الإيمان، إذا لم يستلزم للقبول والإذعان فإنه ليس بإيمان.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ قال المؤلف: (أي عَذَابَه)، وفي هذا نظَرٌ، بل المراد تقوى الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يضيف التَّقوى أحيانًا إلى نفسه وأحيانًا إلى النار وأحيانًا إلى يوم الجزاء، فقد قال الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران ١٣١] بعد أن قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ﴾ [آل عمران ١٣٠، ١٣١]، فلو فُسِّرَت تقوى الله بتقوى عذابِه لكان في الآية تَكْرَار، فالصواب أن الله يضيف التقوى أحيانًا إلى نفسِه وأحيانًا إلى النار وأحيانًا إلى يوم الجزاء، كما في قوله: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ [البقرة ٢٨١].
والصحيح أنها تُفَسَّر بما تضاف إليه، قوله: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ﴾ أي: اتقوا الله نفسَه؛ لعظمته وكمال سلطانه عز وجل.
﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ (أي عذابَه بأن تطيعوه)، (أي عذابه) نقول الصحيح: أي اللهَ نفسَه، وقوله: (بأن تطيعوه) هذا تفسير للتقوى، وعلى هذا فنقول: التقوى طاعة الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لأن أصل التقوى مأخوذ من الوِقاية، ولهذا يقولون: إن أصلها (وَقْوَى) من الوِقاية، والوِقاية هي اتخاذ ما يقِي الإنسان، ولا يقي الإنسان من عذاب الله إلا طاعة الله، ولهذا نقول: إن أجمع ما قيل في التقوى أنها طاعة الله، كما قال المؤلف رحمه الله، أو اتخاذ وقايةٍ من عذابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾.
ثم قال: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ ﴿لِلَّذِينَ﴾ خبر مقدم و﴿حَسَنَةٌ﴾ مبتدأ مؤخَّر.
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ أحسنوا بماذا؟ الإحسان يكون في عبادة الله، ويكون إلى عباد الله، أما الإحسان في عبادة الله فلا أجمع ولا أصدق من تفسير النبي ﷺ لها حين سأله جبريل عن الإحسان فقال: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة.]]، إذا عبد الإنسان ربَّه كأنه يراه فسوف يعبده حقَّ العبادة؛ لأنه يعبد الله كأنه يرى الله، وهذا يعني تكون عبادتُه مبنيةً على كمال اليقين، وإذا كانت كذلك فلا بد أن تكون موافقة للأمر، ولا بد أن تكون خالصة.
إذن الإحسان تمام الإخلاص وتمام المتابعة، من أين عرفنا أن هذا حده؟ لقوله: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ»، » وعبادة الله على هذا الوجه مبنية على تمام أيش؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، على تمام اليقين «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ»، » وهذه مرتبة أعلى من المرتبة الثانية، «فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» » يعني: فإن لم تعبده على هذا الوجه فاعلم أنه يراك.
ويقال: إن الأول إحسان في الطلب والثاني إحسانٌ في الهرب؛ يعني العابد طلبًا أكمل حالًا من العابد هربًا.
إذن الاحسان في عبادة الله بأي شيء نحدُّه؟ بما حدَّه النبي ﷺ في قوله لجبريل: «الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» » أي: أن تعبدَه عبادةً مبنِيَّةً على تمام اليقين، وهذا يلزَم منه أن تكونَ العبادة خالصة لله متابعًا فيها شريعة الله.
الإحسان إلى عباد الله يكون بالمال والبَدَن، وهو كثير، قد تُحسِن إلى عباد الله بالمال كالصدقات والهدايا والهبات، وقد تحسن إلى عباد الله بالبَدَن كالمساعدة وما أشبه ذلك؛ تُعِين الرجل في دابتِه فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه، تُعِين عباد الله بالجاه والشفاعة عند الحاجة إلى ذلك، المهم أن الاحسان إلى عباد الله متنوعٌ كثير.
وقد فسَّره بعضهم بأنه كفُّ الأذى وبذل الندى وطلاقة الوجه.
كفُّ الأذى عن الناس؛ لأن من لم يكُفَّ أذاه فإنه لم يُحْسِن. والثاني: بذل النَّدَى؛ أي: المعروف، والثالث: طلاقة الوجه بأن تلقى الناس بوجهٍ منطلِقٍ منشرِحٍ لا بوجه مُقَطب معَبِّس.
طيب الإحسان إذن أيش؟ إحسان في عبادة الله، وإحسان إلى عباد الله، ولهذا: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ أي: في عبادة الله وإلى عباد الله.
وقوله: ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ هل نجعل ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا﴾ متعلِّقًا بـ﴿أَحْسَنُوا﴾، أو نقول: هو خبر مقدم، و﴿حَسَنَةٌ﴾ مبتدأ مؤخر، والجملة مِن المبتدأ والخبر خبر (للذين)؟
* طالب: الأول.
* الشيخ: طيب نشوف، هل بينهما فرق في المعنى؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إذا قلنا: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا﴾ متعلقة بـ﴿أَحْسَنُوا﴾، و﴿حَسَنَةٌ﴾ مبتدأ خبرُه ﴿لِلَّذِينَ﴾، هذا وجه.
الوجه الثاني: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ﴾ ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ انتهى الكلام، ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ مبتدأ وخبر.
* طلبة: الأول.
* الشيخ: الأول أحسن، طيب الفرق بينهما؟
* طالب: إذا وقفنا هنا يعني ما كملنا إلى آخر الآية فإنه يكون ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ وقفنا ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ تكون الحسنةُ في هذه الدنيا فقط، ما كملنا الآية.
* الشيخ: تمام.
* الطالب: إذا خلينا الوجه الثاني تصبح ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ تشمل الحسنة في الدنيا وفي الآخرة.
* الشيخ: ويكون إحسانهم في الدنيا؟
* الطالب: إحسانهم في الدنيا يتطلب الحسنة.
* الشيخ: يعني أن إحسانَهم في الدنيا وجزاءهم حسنة، طيب هذا ما مشى عليه المؤلف يقول: (﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا﴾ بالطاعة)، يعني إذن ﴿فِي هَذِهِ الدُّنْيَا﴾ متعلقة بـ﴿أَحْسَنُوا﴾.
طيب وقول المؤلف: (بالطاعة) فيه قصورٌ، وجهُه أننا قلنا: إن الإحسان يشمل الإحسان في عبادة الله والإحسان إلى عباد الله، وعلى كلام المؤلف في العبادة فقط ولكن الصحيح ما ذكَرْنا.
﴿حَسَنَةٌ﴾ لهم حسنة، قال المؤلف: (هي الجنة)، ولعله اعتمد في هذا التفسير على قول الله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس ٢٦]؛ فإن الحسنى هي الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله.
ولكن سنسأل هل (حسنة) هنا تطابق (الحسنى) هناك؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لماذا؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: بس؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، هذه ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى﴾.
* طالب: (حُسْنَى) أفعل تفضيل.
* الشيخ: نعم أحسنت، وهنا نكرَة لا تدُلُّ على التفضيل، فعندي أن في تفسير هذه الآية بما تُفَسَّر به تلك الآية نظر، بل نقول: لهم حَسَنَة، وهذا مُطلَق، فيحتمل أن المعنى ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ أي جزاءً على إحسانهم؛ أي لكُلِّ إحسانٍ يحسنونه حسنة؛ لأن الله تعالى لم يعرِّف الكلمة الحسنة حتى نقول: إنها دخلت عليها (أل) التي للعهد، وأيضًا الجنة وصفَها الله باسم التفضيل ﴿الْحُسْنَى﴾ التي ليس شيء أحسن منها بخِلاف حَسنة، وهذه تُشبِه قولَ الله تعالى: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ [البقرة ٢٠١]؛ لأنها مطابقة لها.
﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ﴾ ﴿أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ﴾، كيف المناسبة بين ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ﴾ وبين ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾؟
المناسبة أن من جملة الإحسان في الدنيا الهجرة لا شك؛ لأن الهجرة من أكبر ما يدل على صِدْقِ العامل؛ إذ إن المهاجر يدَع أهله ووطنه وعشيرته وماله لأي شيء؟ لله، يهاجرون إلى الله، فهذه المناسبة.
وقوله تعالى: ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ﴾ فهاجِرُوا إليها من بين الكفار ومشاهدة المنكرَات، صدق الله عز وجل ﴿أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ﴾، إذا ضاقت بك الأرض يومًا فثَمَّ السَّعَة، اخْرُجْ تسلَمْ في دينك وعرضك، ولا تشُح بمالك ودارك وأهلك وعشيرتك؛ فإن الدين أغلى من ذلك كله.
وقوله: ﴿أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ﴾ طيب والدار التي كانوا فيها ضيقة؟ نعم، هي ضيقة لكنَّ ضيقَها ضيقٌ معنوي؛ لأن السَّعة والضيق في الحقيقة إنما يكون بالقلب، كم من إنسان في بيتٍ ضيِّق حُجَرُه بقدْر فراشِه وتجده مسرورًا منشرح الصدر، وكم من إنسان في قصور مشيدة ولكنه في ضيق وغَمٍّ، فسَعَةُ الأرض في الحقيقة بالنسبة للمهاجر واضحة جدًّا؛ لأن بقاءَه يشاهد المنكرات ويشاهد ما يؤذيه وما يؤلمه لا شك أن هذا ضيق.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى﴾ أي: يُعْطَى، و(إنما) أداة حصر، والمعنى: ما يُوَفَّى الصابرون أجرهم إلا بغير حساب؛ أي أجرًا كثيرًا أكثر من الأعمال.
وقوله: ﴿يُوَفَّى الصَّابِرُونَ﴾ لماذا قال: ﴿الصَّابِرُونَ﴾ وهم مُوَفَّوْن ولم يقل: الصابرين؟
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي، في الإعراب.
* الطالب: فاعل.
* الشيخ: فاعل، هو فاعل ولَّا مفعول به؟ هو مُوَفًّي ولَّا مُوَفٍّ؟
* الطالب: مُوَفًّى.
* الشيخ: طيب ليش قال: ﴿الصَّابِرُونَ﴾ والمعروف أن المفعول به يكون منصوبًا فيقال الصابرين؟ أجبْ.
* طالب: لأنَّها نائب فاعل.
* الشيخ: لأنَّها نائب فاعل.
* الطالب: ﴿يُوَفَّى﴾ مبني للمجهول.
* الشيخ: إذن نائب فاعل، ونائب الفاعل مفعولٌ به في المعنى فاعل في اللفظ؛ يعني معناه أنه يعرب إعراب الفاعل ولكنه في المعنى مفعول به، قال ابن مالك:
؎يَنُوبُ مَفْعُولٌ بِهِ عَنْ فَاعِلِ ∗∗∗ فِيمَا لَهُ كَـ(نِيلَ خيرُ نَائِلِ)
وقوله: ﴿الصَّابِرُونَ﴾ قال المؤلف: (على الطاعة وما يُبْتَلون به)، فذكر نوعين من أنواع الصبر، وبقي عليه واحد وهو الصبر عن معصية الله، إلا أن يقال: إن الطاعة بالمعنى الأعم تشمل امتثال الأمر واجتناب النهي، فيكون قد وَفَّى المؤلف أنواع الصبر.
أنواع الصبر ثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، ثلاثة، أعلاها الصبر على طاعة الله، ثم الصبر عن معصية الله، ثم الصبر على أقدار الله، هذا من حيث نوع الصبر نفسه.
أما من حيث الصَّابِر فإن الإنسان أحيانًا يعاني من الصبر عن المعصية أكثر مما يعاني من الصبر على الطاعة، وكذلك الصبر على البلاء قد يعاني منه أكثر مما يعاني من الصبر عن المعصية وعلى الطاعة، لكن نقول: من حيث النَّوع -نوعُ الصبر بقطْعِ النظر عن الصابر- أفضلُه الصبر على الطاعة، ثم عن المعصية، ثم على الأقدار. لماذا؟ لأن الصبر على الطاعة يحتاج إلى جهد نفسِيٍّ وجهد بدَنِي، صح؟ كيف يا أخ؟
* طالب: جهد بدني بفعل الطاعة وامتثالها.
* الشيخ: تمام، بفعل الطاعة نفسها.
* الطالب: والنفسي الصبر على فعل الطاعة.
* الشيخ: يعني معالجة النفس، ولَّا لا؟ يؤَذِّن الفجر وأنت في الفراش، تبدأ تمغط وتسهو وتقول: تَوُّنَا مبكرين حتى تفوت الصلاة، يحتاج إلى جُهْد عالج نفسك، قُم.
الصبر عن المعصية يحتاج إلى جهد نفسي فقط، لماذا؟
* طالب: لأنه كفٌّ.
* الشيخ: لأنَّه كفٌّ، كَفْ يَدٍ؟
* الطالب: النفس.
* الشيخ: إي نعم؛ لأنَّه تَرْك، المعصية ترْك، اتْرُك المعصية، ما عليك أي تعب، لكن النفس تتعب؛ إذا كانت المعصية مما تدعو إليه النفس وكففت عنها تعِبَت النفس لا شك.
إذن ليس فيه إلا تعب واحد؛ الصبر عن المعصية، ما هو؟
* طالب: المعصية.
* الشيخ: إي، الصبر على المعصية ما فيه إلا مجاهدة واحدة من جانب..
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي يعني مجاهدة النفس على الترك؟ اجزم.
* الطالب: مجاهدة النفس على الترك.
* الشيخ: على الترك، طيب لكن الجهد البدني ما فيه جهد بدني.
الصبر على أقدار الله المؤلمة هو أدناها لماذا؟ لأن الأمر ليس إليك، الأمر تَمَّ، فهو كما قال بعض السلف: إما أن تصبر صبر الكرام، إما أن تسْلُوَ سُلُوَّ البهائم، ليس منك أي عمل، شيءٌ لا بد أن يصيبك فأصابك.
يقول: إن يوسف عليه الصلاة والسلام إنه ابتُلِي بأنواع الصبر الثلاثة، ابْتُلِي يوسف بن يعقوب ابْتُلِي بأنواع الصبر الثلاثة، الصبر على الطاعة؟
* طالب: صبر على الطاعة، وصبر على الأقدار المؤلمة..
* الشيخ: لا، تروح.. الصبر على الطاعة بماذا؟
* الطالب: الصبر على الطاعة.. الذي دخل.. زليخة في الغرفة وغلقت، هذا صبر على..
* الشيخ: لا.
* طالب: صبرٌ على الطاعة هو نبي عليه السلام، فلا بد أن يعبد الله (...).
* الشيخ: يعني هذا استنتاج عقلي لكن نريد شيئًا واضِحًا.
* طالب: (...) ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا﴾ [يوسف ١٠١].
* الشيخ: الدعاء يعني؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: أليس هو قد دعا إلى الله وهو في السجن، ولَّا لا؟ دعا إلى الله وهو في السجن ﴿أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ [يوسف ٣٩، ٤٠]، هذا لا شك صبر؛ إنسان مسجون ويدعو الناس إلى التوحيد.
طيب الصبر عن المعصية؟
* طالب: امتناعه عن موافقة امرأة العزيز.
* الشيخ: أحسنت، امتناعه عن موافقة امرأة العزيز حين راودته عن نفسها.
طيب الصبر على..
* طالب: ما حصل له من إخوته ومن سجنه.
* الشيخ: إي نعم، أحسنت، تمام.
وقوله: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ ﴿أَجْرَهُمْ﴾ أي: ثوابهم، والله عز وجل بكرمِه سمَّى الثواب أجرًا من باب اطمئنان العامل الى استيفَائِه. ليش؟ لأن الأجر مقابل عمل لا بد أن يُسْلَّم، كأن العمل والجزاء معاوَضة وعقْد بين الله وبين العابد أن الله يعطيه الثمن الأجر، مع أن الله سبحانه وتعالى هو المتفضِّل أوَّلًا وآخرًا؛ هو المتفضل أولًا بالتوفيق للعمل، ولولا أن الله أعانك وسدَّدك ما قدرت، ثم المتفضل ثانيًا بالأَجر.
وقوله: ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ يقول: (بغير مكيال ولا ميزان) يعني أن الأجر الذي يعطيه الله عز وجل على العمل ليس على سبيل التَّدقيق والمعاوضة التي تكون بين العباد، المعاوضة بين العباد عدل؛ يعني ما يعطيك أكثر مما تستحق، وأما ثواب الله عز وجل على الصبر فهو أكثر بدون حساب، فالحسنة بعشر أمثالها، إلى سبع مئة ضعف، إلى أضعاف كثيرة، والصبر لا حساب له. إذن يتوقع الصابر بأن له جزاءً لا يدركه عقلُه من كثرته؛ لأن الله قال: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
كما أن الصبر فيه فائدة عظيمة للإنسان نفسه وهي ترويض النفس على التحَمُّل، كثير من الناس يريد أن تكون الأمور بسرعة؛ يدعو الله عز وجل بكَشْف ضُرٍّ وتتأخر الإجابة، فيقول: ليش؟ وييأس، نقول: اصبر.
يحصل للناس مصائِب عامَّة، فتجده يريد السرعة في انجلائه، فنقول: اصبر، اصبر، وَطِّن نفسك على الصبر، هذه تربية أَن تُوَطِّن نفسك على الصبر، والصَّبْر مع انتظار الفرج يعتبر من أعظم العبادات؛ لأنك إذا كنت تنتظر الفرج فأنت تنتظر الفرج من الله، هذه عبادة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ»[[أخرجه الترمذي (٢٥١٦)، وأحمد في المسند (٢٨٠٣) واللفظ له من حديث ابن عباس.]]. «النَّصْر» » قال: «مَعَ الصَّبْرِ»، «وَالْفَرَج مَعَ الْكَرْبِ» » فكُلما اكتَرَبَتِ الأمور فإن الفرَج أقرب اليك، وإنَّ مع العسر يسرًا.
* طالب: (...) ﴿قُلْ يَا عِبَادِ﴾ (...)؟
* الشيخ: هذا الإشكال سيكون الجواب عليه -إن شاء الله- عندما نستنبط الفوائد (...).
* * *
* طالب: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١٥) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ (١٦) وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر ١١ - ١٨].
* الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾ إلى آخره، ونحن تكلمنا على ما سبق.
قال الله عز وجل: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾.
* في هذه الآية: أَمْرُ النبي ﷺ بأن يقول للناس: يا عبادِ الذين آمنوا اتَّقُوا ربكم.
* وفيها أيضًا؛ يعني من فوائدها: أنه لا بد مع الإيمان من التقوى؛ لقوله: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾.
وهذه الصيغة: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ لم يقلُها الرسول ﷺ بهذا اللفظ، لكن سيقول: يا عباد الله، أو كلمةً نحوها، ولكن الله تعالى أضاف ذلك إلى نفسه ليبيِّن الإخلاص لله عز وجل في هذه العبادة.
* ومن فوائد هذه الآية: أن الرب -وهو الخالق المالك المدبِّر- هو أهل التقوى دون غيرِه، كما قال تعالى في سورة المدثر: ﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ [المدثر ٥٦].
* ومن فوائدها: أن للمحسنين في هذه الدنيا حسنة؛ لقوله: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾.
* ومن فوائدها: أن الله بفضلِه وكرمِه يعَجِّل الثَّوَاب لمن يستَحِقُّ الثواب في الدنيا قبل الآخرة؛ لأن حسنة الدنيا دون حسنَةِ الآخرة بكثير.
* ومن فوائد هذه الآية: وجوب المهاجرة إلى الله ورسوله إذا كان الإنسان في بلد كُفْرٍ لا يقدر على إظهار دينه؛ لقوله: ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ﴾.
* ومن فوائدها: أنه من الدعوة إلى الله ومن حُسْنِ الدعوة إقامة الحجة؛ لقوله: ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ﴾، فإنه لا عُذْرَ لأحد أن يقول: لا أجد ملجَأً أو لا أَجِدُ مهاجرًا.
* ومن فوائدها: أن الأرض لله؛ لقوله: ﴿وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ﴾، وهذا كما قال موسى لقومه: ﴿إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف ١٢٨].
* ومن فوائدها: فضيلة الصبر، وأن صاحِبَه يوَفَّى أجرَه بغير حساب؛ لقوله: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾.
* ومن فوائدها: كَرَمُ الله عز وجل؛ حيث جعل الثواب بمنزلة الأجر كأنه معاوضة يُعَاوَض به المُعَامِل؛ لقوله: ﴿أَجْرَهُمْ﴾.
{"ayah":"قُلۡ یَـٰعِبَادِ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمۡۚ لِلَّذِینَ أَحۡسَنُوا۟ فِی هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣱۗ وَأَرۡضُ ٱللَّهِ وَ ٰسِعَةٌۗ إِنَّمَا یُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَیۡرِ حِسَابࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق