الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أمَّنْ هو قانِتٌ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وحَمْزَةُ، وأبُو جَعْفَرٍ، (p-١٦٦)والمُفَضَّلُ عَنِ عاصِمٍ، وزَيْدٌ عَنِ يَعْقُوبَ: "أمِنَ" بِالتَّخْفِيفِ؛ وقَرَأ الباقُونَ: بِالتَّشْدِيدِ. فَأمّا المُشَدَّدَةُ، فَمَعْناها: أهَذا الَّذِي ذَكَرْنا خَيْرٌ، أمَّنْ هو قانِتٌ؟ والأصْلُ في "أمَّنْ": أمْ مَن، فَأُدْغِمَتِ المِيمُ في المِيمِ. وأمّا المُخَفَّفَةُ، فَفي تَقْدِيرِها ثَلاثَةُ أوْجُهٍ. أحَدُها: أنَّها بِمَعْنى النِّداءِ. قالَ الفَرّاءُ: فَسَّرَها الَّذِينَ قَرَؤُوا بِها فَقالُوا: يا مَنَ هو قانِتٌ، وهو وجْهٌ حَسَنٌ، والعَرَبُ تَدْعُو بِالألْفِ كَما تَدْعُو بِياءٍ، فَيَقُولُونَ: يا زَيْدُ أقْبِلْ، وأزَيْدُ أقْبِلْ، فَيَكُونُ المَعْنى: أنَّهُ ذَكَرَ النّاسِي الكافِرَ، ثُمَّ قَصَّ قِصَّةَ الصّالِحِ بِالنِّداءِ، كَما تَقُولُ: فُلانٌ لا يَصُومُ ولا يُصَلِّي، فَيا مَنَ يَصُومُ أبْشِرْ. والثّانِي: أنَّ تَقْدِيرَها: أمَّنْ هو قانِتٌ كَمَن لَيْسَ بِقانِتٍ؟! والثّالِثُ: أمَّنْ هو قانِتٌ كَمَن جَعَلَ لِلَّهِ أنْدادًا؟! وَقَدْ ذَكَرْنا مَعْنى القُنُوتِ في [البَقَرَةِ: ١١٦] ومَعْنى ﴿آناءَ اللَّيْلِ﴾ في [آَلِ عِمْرانَ: ١١٣] . قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ساجِدًا وقائِمًا﴾ يَعْنِي في الصَّلاةِ. وفِيمَن نَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الآَيَةُ خَمْسَةُ أقَوْالٍ. أحَدُها: أنَّهُ أبُو بَكْرٍ الصَّدِيقُ، رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. (p-١٦٧)والثّانِي: عُثْمانُ بْنُ عَفّانَ، قالَهُ ابْنُ عُمَرَ. والثّالِثُ: عَمّارُ بْنُ ياسِرٍ، قالَهُ مُقاتِلٌ. والرّابِعُ: ابْنُ مَسْعُودٍ، وعَمّارُ، وصُهَيْبٌ، وأبُو ذَرٍّ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والخامِسُ: أنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، حَكاهُ يَحْيى بْنُ سَلامٍ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يَحْذَرُ الآخِرَةَ﴾ أيْ: عَذابُ الآَخِرَةِ. وقَدْ قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وابْنُ عَبّاسٍ، وعُرْوَةُ، وسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وأبُو رَجاءٍ، وأبُو عِمْرانَ: "يُحَذِّرُ عَذابَ الآَخِرَةِ" بِزِيادَةِ "عَذابِ" . ﴿وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ فِيها قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّها المَغْفِرَةُ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ. والثّانِي: الجَنَّةُ، قالَهُ مُقاتِلٌ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ﴾ أنَّ ما وعَدَ اللَّهُ مِنَ الثَّوابِ (p-١٦٨)والعُقابَ حَقٌّ ﴿والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ وباقِي الآَيَةِ قَدْ تَقَدَّمَ في [الرَّعْدِ: ١٩]، وكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لِلَّذِينَ أحْسَنُوا في هَذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ في [النَّحْلِ: ٣٠] . وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَأرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ﴾ قَوْلانِ. أحَدُهُما: أنَّهُ حَثَّ لَهم عَلى الهِجْرَةِ مِن مَكَّةَ إلى حَيْثُ يَأْمَنُونَ. والثّانِي: أنَّها أرْضُ الجَنَّةِ رَغَّبَهم فِيها. ﴿إنَّما يُوَفّى الصّابِرُونَ﴾ الَّذِينَ صَبَرُوا لِأجْلِ اللَّهِ تَعالى عَلى ما نالَهم ﴿بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ أيْ:يُعْطَوْنَ عَطاءً كَثِيرًا أوْسَعَ مِن أنْ يُحْسَبَ وأعْظَمَ مِن أنْ يُحاطَ بِهِ، لا عَلى قَدْرِ أعْمالِهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب