الباحث القرآني
ثم قال الله عز وجل: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾ إلى آخره، ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ﴾ لمَنْ؟ لسليمان، وهذا كالتفصيل لقوله: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ كأنه قيل: ماذا يعملون؟ ففصَّل، وقال: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾، ﴿مِنْ﴾ بيانية مبينة للإبهام في الاسم الموصول وهو قوله: ﴿مَا يَشَاءُ﴾، لأن ﴿مَا﴾ اسم موصول، ونحن نعلم جميعًا أن الاسم الموصول من الأسماء المبهمة، فقوله: ﴿مِنْ مَحَارِيبَ﴾ بيان لـ﴿مَا﴾.
﴿مِنْ مَحَارِيبَ﴾ يقول المؤلف: (أبنية مرتفعة يُصْعَد إليها بدرج) هذه المحاريب، فالمحاريب عبارة عن أبنية مرتفعة ذاتِ أسوار مَنِيعة، قال الله تعالى في داود: ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ﴾ [ص ٢١]، هذا واحد. (﴿وَتَمَاثِيلَ﴾ جمع تمثال وهو كل شيء مَثَّلْتَه بشيء أو صور من نحاس وزجاج ورخام، ولم يكن اتخاذ الصور حرامًا في شريعته) التماثيل جمع تمثال، وهو ما صُوِّر عل مثال شيء آخر، فكل ما صُوِّرَ على مثال شيء آخر فإنه يقال: تمثال له، وعلى هذا فيمكن أن نقول: لمن صَوَّر صورة شجرة، ونَحَتَها من جسم، نقول له: إن هذا تمثال للشجرة، وكذلك نقول لمن نحت خشبًا أو حجرًا على صورة حيوان نقول: إن هذا تمثال.
والمؤلف جزم بأن المراد بالتماثيل (ما كان تمثالًا لحيوان)؛ ولهذا قال: (كل شيء مثلته بشيء -هذا أصل التمثال- أي صور نحاس وزجاج ورخام) النحاس معروف، والزجاج أيضًا معروف، والرخام كذلك.
يقول: (ولم يكن اتخاذ الصور حرامًا في شريعته) وهذا مبني على أن المراد بالتماثيل تماثيل ما يحرُم تصويره كالحيوان من إنسان وغيره، ولكن نقول: إن هذا لا يلزم؛ أي: لا يلزم أن يكون المراد بالتماثيل هي صور الحيوان؛ فمن الجائز أن ينحتوا له مما ذكر من النحاس والزجاج والرخام أن ينحتوا له أشياء على صور شجر، ويقال: إن هذا تمثال، فيه الآن مُجَسَّمات يجعلوها على صورة نخلة، على صورة سيف، على صورة قصر، وما أشبه ذلك، نقول: هذا تمثال ولَّا لا؟ تمثال، وفيه أيضًا مجسمات على صورة حيوان؛ أسد، أو جمل، أو بقر، أو ما أشبه ذلك، هذا أيضًا تمثال.
فنحن الآن نقول: إن كان قوله: ﴿مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ﴾ إنه عام لتمثال الحيوان والأشجار وغيرها فنحتاج حينئذ أن نجيب بما أجاب به المؤلف، وهو أن الصور في شريعته ليست حرامًا، ولكن ما دام الأمر غير لازم؛ إذ من الممكن أن تكون التماثيل التي يأمرهم بها تماثيل أشياء يجوز تصويرها فلا حاجة إلى هذا الجواب.
(﴿وَجِفَانٍ﴾ جمع جفنة ﴿كَالْجَوَابِ﴾ جمع جابية وهي حوض كبير)، ﴿جِفَانٍ كَالْجَوَابِ﴾ الجفان ما هي؟ الصَّحْفَة التي يوضع فيها الطعام، ﴿كَالْجَوَابِ﴾ جمع جابية، والجابية هي الحوض الكبير، ومنه البِرْكَة تسمى جابية حتى الآن يسمون البِرَك يسمونها جوابي، هذه الجفان على ما تقتضيه الآية الكريمة جفان كبيرة واسعة.
يقول المؤلف يبين لنا سعتها: (يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها)، وهذا قد يكون واقعًا، وقد يكون الأمر أكبر من هذا، وقد يكون دون هذا، المهم أن هذه الجفان لعظمها وسعتها وكِبَرِها مثل أيش؟ مثل الجوابي، وهي الأحواض الكبيرة يعني البرك.
(﴿وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ ثابتات لها قوائم لا تتحرك عن أماكنها تُتَّخَذ من الجبال باليمن يصعد إليها بالسلالم) ﴿قُدُورٍ رَاسِيَاتٍ﴾ قال العلماء: الراسي الثابت، والقدور جمع قِدر وهو ما يطبخ فيه الطعام، وإنما كانت راسية لكبرها، كبيرة راسية في الأرض، فهي لكبرها لا يستطيع أحد أن يتناولها ويقُلِّبها، والعادة أن القدور راسية ولَّا منقولة؟ منقولة مقلبة، لكن هذه لكبرها وسعتها (...) راسية ما تتحرك.
وقول المؤلف: (لها قوائم) ما المراد بالقوائم؟ المناصب التي تُنْصَب عليها، أرجل يعني، يقول رحمه الله: (تُتَّخذ من الجبال باليمن) هذا ليس بلازم أنها متخذة من الجبال، وإن كانت القدور قد تُتَّخذ من النحاس والحديد، وكذلك من الأحجار يمكن تُنْحَت وتكون قِدْرًا، ويمكن أن تُجْعَل طينًا ويتخذ منها الفخار، ولكن ليس بلازم، يعني تتخذ من الحديد والنحاس ومن الأحجار ومن غير ذلك.
(وقلنا: ﴿اعْمَلُوا﴾ يا﴿آلَ دَاوُودَ﴾ بطاعة الله ﴿شُكْرًا﴾ له على ما آتاكم) أفادنا المؤلف رحمه الله أن ﴿اعْمَلُوا﴾ جملة في محل نَصْبٍ لقول محذوف التقدير: قلنا: اعملوا آل داود، وأما ﴿آلَ دَاوُودَ﴾ فهي منصوبة بياء النداء المحذوفة أي: يا آل داود، وآل داود هنا ذريته وقرابته؛ لأن الله تعالى أنعم على هذه القبيلة -قبيلة داود- بنعم عظيمة أنعم على أبيهم وعلى ابنه سليمان.
وقوله: ﴿شُكْرًا﴾ أفادنا بتقدير الشكر لله على أن ﴿شُكْرًا﴾ مفعول من أجله، وأن مفعول ﴿اعْمَلُوا﴾ محذوف تقديره بطاعة الله، يعني: اعملوا بطاعة لأجل أيش؟ الشكر لله، ويحتمل أن تكون ﴿شُكْرًا﴾ مفعولًا به لـ﴿اعْمَلُوا﴾ يعني: اعملوا الشكر، والشكر هو الطاعة، ولكن هذا الوجه نَسْلَم فيه من التقدير، أما على الوجه الأول فإنه لا بد أن نُقَدِّر مفعول ﴿اعْمَلُوا﴾، الشكر عرفه العلماء بأنه: القيام بطاعة المنعم في القلب واللسان والجوارح، أما في القلب فأن تعتقد أن ما بك من نعمة فهي من الله، وأما في اللسان فأن تثني على الله بالنعمة؛ لا تذكر النعمة افتخارًا بها على الناس، وأما الجوراح فأن تقوم بطاعة الله سبحانه وتعالى فيما يختص بتلك النعمة أو بطاعته على سبيل العموم، والفرق بين هذا وهذا إذا قلنا: أن تقوم بطاعة الله فيما يختص بهذه النعمة، فإذا أنعم الله عليك بمال فشُكْرُه الزكاة والإنفاق وما أشبه ذلك، فإذا عصيت الله في غير ذلك لا يقال: إنك لن تقوم بشكر المال، أما إذا قلنا: إن الشكر أن تقوم بطاعة الله فيما يختص بهذه النعمة وفي غيرها، فإن الإنسان إذا أُنْعِم عليه بالمال وقام بحقه على الوجه الكامل، ولكنه يعصي الله سبحانه وتعالى في أمور أخرى يقال: إن هذا ليس بشاكر، ولكن قد نقول: إن الشكر نوعان:
شكر مطلق وهو الذي يقوم بطاعة المُنْعِم فيما أنعم به عليه فيه وفي غيره.
وشكر خاص مقيد بهذه النعمة المعينة، فيكون هذا الشاكر إذا قام بما يجب عليه في هذه النعمة المعينة شاكرًا، لكنه لا يُعْطَى وصف الشكور، ونظير ذلك ما سبق لنا في التوبة؛ أن التوبة تصح من الذنب مع الإصرار على غيره، لكن لا يستحق التائب وصف التوبة الملطلقة.
قال الله تعالى: (﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ العامل بطاعتي شكرًا لنعمتي) ﴿قَلِيلٌ﴾ خبر مقدم، والشكور مبتدأ مؤخر؛ لأن المقصود الإخبار عن الشكور بأنه قليل، يكون تقدير الآية (...)، والشكور من عبادي قليل، وقوله: ﴿مِنْ عِبَادِيَ﴾ هو متعلق بما بعده، فلمَّا قُدِّم عليه صار في موضع نصب على الحال؛ يعني الشكور حال كونه من عبادي قليل، وتعليل ذلك أن أكثر بني آدم أيش؟ غير شكور، بل هم ضالون، فبنو آدم يكون منهم تسع مئة وتسعة وتسعون في النار وواحد في الجنة، ولا شك أن واحدًا إذا نُسِبَ إلى المئة يكون قليلًا.
وقوله: ﴿مِنْ عِبَادِيَ﴾ المراد بالعبودية هنا العامة أو الخاصة؟ العامة الشاملة للكافرين وللمؤمنين.
(﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ﴾ أي على سليمان ﴿الْمَوْتَ﴾ أي مات) إلى آخره.
﴿قَضَيْنَا﴾ أي: قدَّرْنا عليه الموت فمات، والقضاء هنا قضاء قدري، وقضاء الله سبحانه وتعالى نوعان: قدري، وشرعي، فهنا ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ﴾ القضاء قدري، ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾ [الإسراء ٤] هذا أيضًا قضاء قدري؛ أي: قدرنا عليهم ذلك.
والثاني قضاء شرعي، وهذا إذا تعلَّق بما أمر الله به فإنه قضاء شرعي، كقوله تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء ٢٣] فالقضاء هنا قضاء شرعي، إذ لو كان قضاءً قدريًّا لوقع، ولعَبَدَ الناسُ اللهَ كلهم بدون إشراك، هنا القضاء قدري.
﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ﴾ أي: قدرناه عليه فمات، قال: (ومكثَ قائمًا على عصاه حولًا ميتًا، والجن تعمل تلك الأعمال الشاقة على عادتها لا تشعر بموته حتى أكلت الأرضة عصاه فخرَّ ميتًا) نعم، كل هذا الذي ذكره المؤلف واضح من الآية، لما قضى الله عليه الموت بَقِيَ مدة لا تَعْلَم الجن أنه مات، وهم يعملون ولَّا لا؟ يعملون، تاعبين؛ لأنه قد كلَّفَهم بذلك، فمات وبقيَ متكئًا على عصاه. أولًا: المؤلف رحمه الله يقول: (بقيَ حولًا) تَقْييد هذا البقاء بالحول ليس عليه دليل، لكن لا شك أنه بَقِي مدة وهم يعملون بين يديه، ولا يَدْرُون أنه ميت، أما نُقَيِّدَه بحول أو بأقل أو بأكثر هذا يحتاج إلى دليل.
وقولنا: إنه متكئ على عصاه فيه دليل من الآية؛ لأنه قال: ﴿فَلَمَّا خَرَّ﴾ وهذا لا يمكن إلا وهو متكئ.
يقول: (﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ مصدر أُرِضَت الخشبة بالبناء للمفعول: أكلتها الأَرْضَة) كلمة (الأرض) هل المراد بها الجنس أي: الدابة التي تكون في الأرض أو المراد بها المصدر؟ المؤلف يرى أن المراد بها المصدر مأخوذ من قوله: أرضت الخشبة؛ يعني: أكلتها الأرضة؛ يعني: ما دلهم على موته إلا الدابة التي (...) الخشب (...)، فعليه يكون كلمة (أرض) مصدر أيش؟ أرض يأرض أَرْضًا، مثل ضَرَبَ يَضْرِب ضربًا، هذا تقرير كلام المؤلف رحمه الله، وما قرره رحمه الله بعيد من مفهوم الآية؛ لأنك عندما تفهم إلا دابة الأرض ما تفهم الذي قرره المؤلف أبدًا، بل الذي يتبادر إلى الذهن أن المراد بالأرض الجنس؛ يعني إلا الدابة التي تخرج من الأرض.
﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ فيها إشكال هذه زيادة؛ وهي أن (من) حرف جر، وهنا ﴿مِنْسَأَتَهُ﴾ منصوبة، كيف يكون هذا؟* طالب: اسم لا ينصرف.
* الشيخ: اسم لا ينصرف، الاسم الذي لا ينصرف إذا أضيف انصرف وهنا ﴿مِنْسَأَتَهُ﴾ مضافة إلى الهاء.
* طالب: اسم (...).
* الشيخ: كيف اسم؟! منين اسم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: هذه كلمة واحدة يعني، صح، هل كتبت (مِنْ) وحدها؟! عندك في المصحف.
* الطالب: لا.
* الشيخ: طيب.
* الطالب: التصوير قيل الصور ليست محرمة (...)؟
* الشيخ: ما يلزم كونهم صوَّروا تماثيلهم وعَبَدوها ما يلزم أنها تكون محرمة.
* الطالب: (...) صوَّر تماثيلهم (...).
* الشيخ: صحيح هذا، لكن قد يكون مباحة لكن هم توصلوا بها إلى محرم، يعني: من أسباب الشرك لا شك، على كل حال إحنا نقول في كلام المؤلف كلمة (تماثيل) ما دام إنها معنى التمثال كل شيء صورته على غيره، فلا يلزم أن تكون صُوَر حيوان،يمكن صور أشجار، وقصور وما أشبه ذلك.
* الطالب: (...).
* الشيخ: على كلام المؤلف يعني؟ جوابًا على سؤال مُقَدَّر، كيف يُصَوِّرون الحيوان مثلًا أو الإنسان؟ أجاب بأن الصورة في عهده ليست محرمة.
* الطالب: المحاريب (...)؟
* الشيخ: لا محراب المسجد يسمى طاقًا.
* طالب: داود حينما مات كان (...) وهو متكئ على عصاه؟
* الشيخ: أو سليمان قصدك.
* الطالب: إي، سليمان (...).
* الشيخ: لا أبدًا، هو متكئ على عصاه هكذا ومات وبقي هكذا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما (...) إلا بعد مدة.
* طالب: الأنبياء لا تأكلهم الأرض؟
* الشيخ: نعم صح.
* الطالب: (...) الصالحون؟
* الشيخ: لا، الصالحون ما نجزم أنها لا تأكلهم لكن لكن قد يُعْثَر على بعضهم لم تأكله الأرض، وأما الجزم للأنبياء فقط.
* فوائد الآية التي مرت علينا:
قال الله تعالى: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ﴾ * في هذه الآية فوائد منها: أن الله سبحانه وتعالى سخَّر الجن لسليمان يعملون له ما يشاء، وهذا لا يتأتى لأحد من البشر، نعم ربما تعمل الجن لبعض البشر أشياء لكن لا تكون قائمة بما شاء.
* ومن فوائدها: جواز البناء العالي؛ لقوله: ﴿مِنْ مَحَارِيبَ﴾.
* ومن فوائدها: جواز التماثيل، وهل يشمل التماثيل للحيوانات والأشجار والبحار والأنهار؟
نعم على كلام المؤلف يشمل؛ لأنه قال: (هذا كان قبل تحريم الصور)، وعلى الاحتمال الثاني: لا يشمل؛ لأن التماثيل تُطلَق على كل ما كان مثالًا على غيره ولا يلزم أن تكون على صورة الحيوان، فعلى رأي المؤلف يكون الحكم منسوخًا لشريعة النبي ﷺ * فيستفاد منها فائدة وهي: جواز النسخ في الأحكام الشرعية، وعلى الاحتمال الثاني: لا يكون دالًّا على جواز تماثيل الحيوانات.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان كثرة جنود سليمان وكرمه؛ لأن الجفان كالجوابي والقدور راسيات.
* ومن فوائدها: وجوب القيام بشكر الله عز وجل؛ لقوله: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا﴾، والأمر في الأصل للوجوب.
* ومن فوائدها: أن الشاكر على النعمة قليل؛ لقوله: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾، والمراد بهذه الجملة الحث على الشكر.
* ومن فوائدها: إثبات العبودية العامة الشاملة؛ لقوله: ﴿مِنْ عِبَادِيَ﴾ فإن المراد بها العبودية العامة الشاملة.
* ومن فوائدها: أن داود عليه الصلاة والسلام أبٌ لفخذٍ كامل من بني إسرائيل؛ لقوله: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ﴾ كما يقال: بنو تميم، بنو زُهْرة، وما أشبه ذلك.
ثم قال: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ﴾ ما كملناها أظن نعم نخليها إن شاء الله في المستقبل.
قال الله تعالى: ﴿تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ﴾ بالهمز وتركه بألف؛ يعني فيها قراءتان ﴿مِنْسَأَتَهُ﴾، القراءة الثانية: اجعل الهمزة ألفًا أي: ﴿مِنْسَاتَهُ﴾ ، ولهذا قال: (بالهمز وتركه)، ولكن إذا تركناه يكون (بألف؛ لأنها يُنْسَأ: يُطْرَد ويزجر بها).
* الطالب: (...).
* الشيخ: لا، عندنا: (يزجر).
إي نعم، كأن المؤلف رحمه الله يريد أن يُبَيِّن اشتقاق هذه الكلمة، وأنها من النسأ أي الطرد والزجر؛ فإن الإنسان يزجر بعصاه بحزها على مَنْ يوجه إليه الخطاب، ويطرد بها بالضرب، وهذا يدل على أن الكلمة عربية، ولكن بعض المفسرين يقول: إن الكلمة غير عربية، وأنها من الكلام الذي عُرِّب، وإذا كانت الكلمة من الكلام المعرَّب فإن لا يُشْتَق لها من العربية، كل كلمة لها اشتقاق من العربية فإنها تكون عربية، وعلى كل حال (...) من هذا سهل، المهم أن المنسأة هي العصا يُطْرَد بها الشيء ويزجر بها.
(﴿فَلَمَّا خَرَّ﴾ ميِّتًا ﴿تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾ ) الجملة كما تشاهدون جملة شرطية، وأداة الشرط فيها ﴿لَمَّا﴾، وقد مر علينا أن (لما) تأتي لعدة معان: تكون شرطية، وتكون للنفي، وتكون بمعنى (إلا)، والرابع أن تكون ظرفًا بمعنى (حين).
هنا استُعملت شرطية بدليل أنه جاء بعدها شرط وجواب، ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ﴾.
نافية كقوله تعالى: ﴿بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ﴾ [ص ٨] أي: لم يذوقوا عذاب.
وتأتي بمعنى (إلا) كما في قوله تعالى: ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ [الطارق ٤] أي: إلا عليها حافظ.
وتأتي بمعنى (حين) أي: ظرفًا، مثل أن تقول: أكرمتني لمَّا زرتك، أي: حين زرتك، طيب، إذن تأتي على أربعة أوجه.
﴿تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾ ﴿تَبَيَّنَتِ﴾ أي: علمت وبان لها وفسرها المؤلف بقوله: (انكشف لهم ﴿أَنْ﴾ مخففة، أي: أنهم ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ﴾ ) ﴿أَنْ﴾ مخففة منين؟ من الثقيلة، وإذا خُفِّفَت الثقيلة وجب حذف اسمها، وكان خبرها جملة، فهنا الخبر ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾.
وإعرابها أن تقول: ﴿أَنْ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن مستتر، وجملة ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ﴾ في محل رفع رفع خبرها (...).
وفي قول المؤلف: (أنهم) إشارة إلى ما سبق؛ أن قلنا: إن ضمير الشأن ينبغي أن يكون مناسبًا للمقام؛ فقد يكون مفردًا، وقد يكون جمعًا، وقد يكون للغائب، وقد يكون للمخاطب، خلافًا لما عليه أكثر النحويين حيث يُقَدِّرونه مفردًا للغائب ويقولون: (أنه) أي: الحال.
﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا﴾ ﴿لَوْ﴾ شرطية وجوابها ﴿مَا لَبِثُوا﴾، و(لو) تأتي شرطية، وتأتي مصدرية، وتأتي بمعنى (وَدَّ كذا)؛ فتأتي شرطية مثل هذه الآية، ومثل أن تقول: لو زرتني لأكرمتك، وتأتي مصدرية إذا جاءت بعد (وَدَّ) كقوله تعالى: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم ٩] أي: أن تدهنوا، وهذا معنيان فقط.
طيب، هنا شرطية فعل الشرط فيها؟
* الطالب: ﴿مَا لَبِثُوا﴾.
* الشيخ: لا، فعل الشرط ﴿كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾، وجوابه ﴿مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾.
(﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ﴾ ومنه ما غاب عنهم من موت سليمان ﴿مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ العمل الشاق لهم لظنهم حياته خلاف ظنهم علم الغيب) وهذا واضح؛ لأنهم لو كانوا يعلمون الغيب لعلموا أنه مات قبل أن يَخِرَّ بسبب تَأَكُّل عصاه، ولعلهم كانوا يظنون أو يَدَّعون أنهم كانوا يعلمون الغيب، فأراد الله تعالى أن يُبَيِّنَ حالهم لهم ولغيرهم، وأنهم لا يعلمون الغيب، مع أن الغيب الذي حصل هنا ليس غيبًا مطلقًا، ولكنه غيب نِسْبِيٌّ؛ إذ إن مَنْ كان قريبًا جدًّا من سليمان فقد يعرف أنه مات.
يقول المؤلف: (ومنه ما غاب عنهم من موت سليمان ﴿مَا لَبِثُوا﴾ أي ما بقوا ﴿فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ الذي أَلْحَق بهم المهانة والذل) وقال المؤلف: (الشاق بظنهم حياته خلاف ظنهم علم الغيب) يعني: كانوا يظنون أنهم يعلمون الغيب، فلما خر ميتًا تبيَّن لهم أنهم لا يعلمون الغيب.
قال: (وعُلِمَ كونه سَنَةً بحساب ما أكلته الأَرْضَة من العصا بعد موته يومًا وليلة مثلًا) هذا جواب عما قيل: إنه بقي سنة وهو ميت ولم يُعْلَم به، يعني كأنه قال قائل: ما الذي أعلمكم بأنه سنة؟ قال: علمنا ذلك بالحساب؛ لأننا حسبنا ما أكلته الأرض يومًا وليلة من العصا فَقِسْنَا عليه ما مضى؛ فمثلًا إذا كانت تأكل في اليوم والليلة مثلًا سنتيمتر، عرفنا أنها تأكل في السنة ثلاث مئة وستين سنتيمتر، وعرفنا هذا من طول العصا، ولكن هذا في الحقيقة ليس متعينًا؛ إذ قد تأكل اليوم أكثر مما تأكله بالأمس أو بالعكس، وحتى نقول أيضًا: مَنِ الذي قال أنها أكلت في اليوم والليلة هذا المقدار حتى عُرِفَ به ما مضى؟ يحتاج إلى دليل؛ ولهذا الصواب أن ما سبق أن قلنا بأنه لا حاجة لنا إلى تقدير المدة التي لبثها سليمان، وأن مثل هذه الأمور لا يُرْكَن إليها ولا يُعْتَمد إلا إذا جاءت عن الشارع عن النبي ﷺ أو جاءت في كتاب الله، وأما ما يأتي عن بني إسرائيل في مثل هذه الأمور فإننا نقول: نقف فيه، لا نصدق ولا نكذب.
ثم قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ﴾ [سبأ ١٥] إلى آخره.
الجملة هذه كما تعلمون مؤكدة بثلاثة مُؤَكِّدَات؟
* طالب: قد.
* الشيخ: هذه قد.
* الطالب: وكان.
* الشيخ: لا، كان ما من أدوات التأكيد، مُؤَكَّدة بثلاثة مؤكدات.
* الطالب: اللام، و(قد).
* الطالب: والقسم المقدر.
* الشيخ: والقسم المقدر، نعم، صح؛ لأن هذه على تقدير قسم أي: والله لقد كان لسبأ، و(كان) هنا تدل على مجرد الحدوث أي أنها مسلوبة الدلالة على الزمن؛ فإن هذه الآية باقية حتى الآن، كل من قرأ خبرها (...).
(﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ﴾ بالصرف وعدمه: قبيلة سُمِّيَت باسم جَدٍّ لهم من العرب) سبأ اسم رجل يُسَمَّى سَبأً وكان من قحطان، واختلف المؤرخون النسَّابون في قحطان هل هو من العرب العاربة أو من العرب المستعربة؟ والمشهور أنهم من العرب العاربة الذين قبل إبراهيم، لكن روى البخاري «أن النبي ﷺ مَرَّ على قبيلتين من الأنصار كانوا يَتَرامَوْن بالنَّبْل فقال لهم النبي ﷺ: «ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا»[[أخرجه البخاري (٢٨٩٩) من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.]]، وهذا يدل على أنهم عرب مستعربة؛ لأن الأنصار معروف أنهم -الأوس والخزرج- كلهم من قبائل اليمن من قحطان، نزلوا تفرقوا في البلاد بعد الغرق ونزلوا المدينة، وعلى هذا فيكون ظاهر حديث البخاري أن قحطان كلهم من بني إسماعيل.
والحاصل أن العلماء في النَّسَب يُقَسِّمون العرب إلى قسمين: ما كان قبل إبراهيم فهم عرب عاربة، وما كان بعده من ذريته فهم عرب مُستعرِبة.
المهم أن سبأ اسم لرجل كان له أولاد كثيرون جاء في الحديث أنهم عشرة، بقي منهم ستة في اليمن، وأربعة في الشام، وانتشروا في الأرض وكثروا.
وفيها قراءتان يقول المؤلف: (بالصرف وعدمه) ﴿لِسَبَإٍ﴾ هذا الصرف، وعدمه ﴿لِسَبَأَ﴾ .
يقول: (﴿فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ باليمن ﴿آيَةٌ﴾ )، المؤلف يقول: ﴿فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ أتى بالقراءة؛ قراءة الجمع، ولم أره ذكَر قراءة الإفراد، وفيها قراءتان سَبْعِيَّتان: قراءة الإفراد: ﴿فِي مَسْكَنِهِمْ﴾، وقراءة الجمع: ﴿فِي مَسَاكِنِهِمْ﴾ ، ولا خلاف بينهما في المعنى؛ لأن (مسكن) مفرد، والمفرد المضاف يَعُمُّ يشمل كل ما يدخل تحت هذا المعنى، ألم تروا إلى قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم ٣٤]؟ فهنا (نعمة) مفرد وقال فيها: ﴿لَا تُحْصُوهَا﴾ إذن هي كثيرة، فـ(مسكن) من حيث المعنى بمعنى مساكن؛ لأنه مفرد مضاف، والمفرد المضاف يَعُمُّ.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا أنا عندي: ﴿مَسَاكِنِهِمْ﴾ عندكم في المصحف.
* طلبة: (...).
* الشيخ: لا اللي عندي هي اللي عليها خط المؤلف ﴿مَسْكَنِهِمْ﴾.
على كل حال ﴿مَسَاكِنِهِمْ﴾ قراءة سبعية، و﴿مَسْكَنِهِمْ﴾ قراءة سبعية أيضًا، والمسكن ما يَسْكُنُه الإنسان فيسكن فيه ويطمئن؛ كالبيوت والحدائق والبساتين وما إلى ذلك.
﴿آيَةٌ﴾ (آية) بمعنى علامة قال الله تعالى: ﴿وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ [يس ٤١]، ﴿أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الشعراء ١٩٧]؛ فالآية بمعنى العلامة الدالة على الشيء، هذه الآية دالة على أي شيء؟ دالة على قدرة الله عز وجل، وعلى نعمته، وعلى حكمته في النهاية.
و﴿آيَةٌ﴾ من ناحية الإعراب اسم (كان) مؤخر و﴿لِسَبَإٍ﴾ خبرها مقدم.
قال المؤلف: (آية دالة على قدرة الله)، وقلت أنا زيادة: وعلى إحسانه وإنعامه، وعلى حكمته في النهاية؛ لأن هذه المساكن -كما سيأتي- دَمَرَتْ بسبب إعراضهم.
قال: (﴿جَنَّتَانِ﴾ بدل) منين؟ بدل من ﴿آيَةٌ﴾، ويجوز أن تكون عطف بيان؛ لأنها بيَّنت الآية ووضَّحَتْها، والجنة هي البستان الكثير الأشجار؛ سميت بذلك لأنها تُجِنُّ مَنْ فيها أي: تَسْتُرُه، وقد علمنا سابقًا أن هذه المادة وهي الجيم والنون تدور على معنى الاستتار والخفاء.
﴿جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ يقول: (عن يمين واديهم وشماله) وكان هذا الوادي بين جبال، وكان على أطراف هذا الوادي هذه الجنان العظيمة من الأشجار المتنوعة الكثيرة الثمار، وكانوا في أحسن ما يكون من الرغد والهنا والأمن.
يقول: ﴿عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ﴾ يعني: إذا كانت على يمين الوادي وشماله صار لها أيضًا منظر بديع رهيب جذَّاب، يقول الله عز وجل: (﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ على ما رزقكم من النعمة في أرض سبأ) إلى آخره؛ يعني أن الله سبحانه وتعالى جعل في هذه الجنتين جعل فيها خيرًا كثيرًا، وجعل تناولُها مُيَسَّرًا؛ ولهذا قال: ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ﴾ مما يدل على أن الأمر صعب ولَّا ميسر؟ ميسر، كما لو قدمت لك طعامًا وقلت: كُلْ، إذن فهذه الجنات تعطي ثمارها بدون مشقة، بل باليسر والسهولة.
وقوله: ﴿مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ﴾ الرزق بمعنى العطاء، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ﴾ [النساء ٨].
وقوله: ﴿مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ﴾ الرَّبُّ تقدم لنا أن معناه الخالق المالك المُدَبِّر، والربوبية هنا ربوبية خاصة لعنايته سبحانه وتعالى بهم بما أعطاهم في هذه الجنات.
﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ هذا هو الذي يُطالَبون به جزاءً أو إظهارًا لنعمة الله سبحانه وتعالى عليهم، والشكر تقدَّم أنه يتعلق بالقلب واللسان والجوارح؛ يعني: فاعترفوا بأن هذه النعمة من أين؟ من الله، وأَثْنُوا على الله تعالى بها، وقوموا بجوارحكم بطاعته حتى تؤدوا الشكر على الوجه المطلوب منكم.
(﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ على ما رزقكم من النعمة في أرض سبأ) ﴿اشْكُرُوا لَهُ﴾ أحيانًا تتعدى (شكر) بنفسها فيقال: شكرت الله، ويقال: شكرت له، فهي من الأفعال التي جاءت في اللغة العربية لازمة ومتعدية، متى تكون لازمة؟ ﴿لَهُ﴾، تكون لازمة إذا جاء حرف الجر ﴿لَهُ﴾، وتكون متعدية إذا لم يأت حرف الجر، فإذا قلت: شكرت الله صارت متعدية، وإذا قلت: شكرت لله صارت لازمة.
قال: ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ ويش إعراب ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ﴾؟
* الطالب: خبر لمبتدأ محذوف.
* الشيخ: ويش التقدير؟
* الطالب: هذه البلدة.
* الشيخ: أو هي بلدة، نعم.
(﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ﴾ ليس فيها سباخ ولا بعوضة ولا ذبابة ولا برغوث ولا عقرب ولا حية، ويمر الغريب فيها وفي ثيابه قمل فيموت لطيب هوائها) هذا (...)! إنما نقول: هي بلدة طيبة، أما كونه غريب يأتي من البر وفي ثيابه القمل فيموت القمل لطيب الهواء، فالله أعلم، لكن نقول: لا شك أن وصف الله إياها بالطيبة أنها من أحسن البلاد في هوائها، وفي قَرِّها وفي حرها، ليس فيها الحر الشديد ولا القَرّ القارص، وليس فيها عفونة الهواء والماء وما أشبه ذلك، فخُذْ بما شئت من طيب المسكن في كل ما يُسَمَّى طيبًا.
﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ يعني يقول: واللهُ ربٌّ غفور، غفور لماذا؟ غفور للذنوب، فمنَّ الله عليهم بنعمتين: نعمة السكن وطيبه، ونعمة المغفرة، فيكون في نعمة المغفرة السلامة من الآثام وعقوباتها في الآخرة، وفي البلدة الطيبة السلامة من الآفات في الدنيا.
والغفور صيغة مبالغة، واسم الفاعل منها غافر، وهي مأخوذة من الغَفر بمعنى الستر مع الوقاية، ومنه قولهم: المِغْفَر الذي يلبسه الإنسان ليتقي به السهام في الحرب، ففيه تغطية وستر وفيه أيضًا وقاية، وهكذا مغفرة الذنوب فإن معناها أن الله يستر عليك الذنب ويقيك عقوبته.
(﴿وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾ ﴿فَأَعْرَضُوا﴾ عن شكره وكفروا ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ﴾ ) إلى آخره.
الفاء هنا عاطفة يعني أنهم مع هذه النعم -جنات بساتين عظيمة، وبلد طيب، مغفرة للذنوب إذا قاموا بطاعة الله- قال: ﴿فَأَعْرَضُوا﴾ أعرضوا عن أيش؟ يقول: أعرضوا عن شكر الله وكفروا، فأعرضوا عن الشكر، وقابلوا هذه النعمة بالكفر، فماذا كانت عاقبتهم؟ قال: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ الفاء هنا عاطفة وتفيد السببة أيضًا أي: فبسبب إعراضهم أرسلنا عليهم سيل العرم، وهذه سُنَّة الله سبحانه وتعالى في خلقه كما قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل ١١٢]، هؤلاء أعرضوا فدمَّر الله ديارهم.
(﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ جمع عرمة، وهو ما يُمْسِك الماء من بناء وغيره إلى وقت حاجتهم أي: سيل واديهم الممسوك بما ذُكِر، فأغلق جَنَّتَيْهم وأموالهم).
﴿سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ ﴿الْعَرِمِ﴾ بمعنى السد؛ يعني أن هذا السيل منسوب إلى السد، أو بمعنى سيل العرم من باب إضافة الشيء إلى صفته؛ أي: السيل العارم الجارف الذي يُتْلِف كل ما مَرَّ عليه، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى أرسل عليهم سيلًا عظيمًا؛ وذلك بفساد السد الذي جعلوه بين هذه الجبال، وكان هذا السد المنيع تجتمع فيه السيول وتمتصها الأرض وتخرج في العيون فلما تصدَّع هذا السد جرت المياه بغير تقدير، وذلك بقدرة الله سبحانه وتعالى فقال: ﴿أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ يقول: ﴿وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ﴾ الجنان السابقة أو الجنتان السابقتان كلها ثمار طيب يُؤكَل ويُنتَفع به بالبيع والشراء، وغير ذلك. أما البدل فيقول: (﴿وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ﴾ تثنية ذوات مفرد) كذا عندكم؟ مفرد على الأصح، عندكم تثنية ذوات ولَّا ذات؟
* طلبة: ذوات.
* الشيخ: طيب، هو في الأصل (ذات) المفرد، و(ذوات) للجمع، فثُنِّيَ الجمع، وصارت ﴿ذَوَاتَيْ أُكُلٍ﴾، ويُمْكِن أن يُقال خلاف كلام المؤلف، فيقال: إن الأصل (ذات) لكن لما ثُنِّيَ عادت الواو، فصارت ﴿ذَوَاتَيْ﴾ أي: صاحبتي؛ لأن (ذات) بمعنى صاحبة؛ قال الله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ﴾ [البروج ١] أي: صاحبة البروج.
﴿ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ قال المؤلف: (مُرٍّ بَشِعٍ بإضافة أُكُل بمعنى: مأكول وتركها، ويعطف عليه ﴿وَأَثْلٍ﴾ ) يعني أن فيها قراءتين: ﴿ذَوَاتَيْ أُكُلِ خَمْطٍ﴾ هذه الإضافة، وتركها ﴿ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ﴾، أما الإضافة واضحة ﴿ذَوَاتَيْ أُكُلِ خَمْطٍ﴾ يعني: أنها الأُكُل يُخْمَط خمطًا وهو شجر الأراك كما فسَّره بذلك ابن عباس رضي الله عنهما، والأراك هي المساويك هذه، لها أوراق بسيطة جدًّا، وليست بذاك اللذيذة؛ ولهذا يقول المؤلف: (مُرٍّ بَشِع) بدل الفواكه والخُضَر والزروع وغيرها، ويقول: ﴿أُكُلٍ﴾ بمعنى مأكول؛ يعني: ذواتي مأكول يُخْمَطُ خَمْطًا، ﴿وَأَثْلٍ﴾ أثل بدل الأشجار المُثْمِرة البهيجة صار بدلها أثل، والأثل بعضهم قال: هو الطرفة، والصحيح أنه غير الطرفة؛ لأن الطرفة تكون صغيرة ما تكبر، والأثل معروف يقول.
* الطالب: الأراك هل هو الأكل ولَّا الخمط؟
* الشيخ: لا، الخمط.
* الطالب: والأكل؟
* الشيخ: لا، أكل يعني معناه أنه يُؤْكَل خَمْطًا.
قال: ﴿وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ هنا قال: ﴿وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ﴾، وهناك قال: ﴿خَمْطٍ وَأَثْلٍ﴾؛ لأن السدر أحسن هذه الأنواع الثلاثة، ولم يُعْطَوا منه إلا الشيء القليل، ﴿شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ﴾ وأيضًا قليل، مع أن كلمة ﴿شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ﴾ تدل على القلة لكنها أُكِّدَت هذه القلة بقوله: ﴿قَلِيلٍ﴾.
الخلاصة الآن أن هؤلاء لما أعرضوا ولم يقوموا بشكر الله عز وجل أرسل الله عليهم السيل فأغرق أموالهم وهدَّم بناءهم وأبدلهم بهاتين الجنتين جنتين لا يساويان ولا يُقارِبان ما سبق؛ ﴿ذَوَاتَيْ أُكُلٍ﴾ ليس بالكثير، ﴿أُكُلٍ خَمْطٍ﴾ والمؤلف قال: (إنه مُرٌّ بشع)، ﴿وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ﴾ بدل تلك الجنات العظيمة المفيدة النافعة.
﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا﴾ (﴿ذَلِكَ﴾ التبديل ﴿جَزَيْنَاهُمْ﴾ ) ولو قال: المؤلف ذلك التبديل وإرسال السيل لكان أعمَّ وأشملَ، أو لو قال: ذلك المذكور لكان أشمل، (﴿جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا﴾ بكفرهم ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ )؛ ﴿جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا﴾ قال المؤلف: (بكفرهم) فأفادنا أن (ما) مصدرية وأما الباء فهي للسببية؛ أي: جزيناهم هذا الجزاء بإغراق أموالهم وهدم بنائهم وإبدال الجنتين بهاتين الجنتين.
﴿بِمَا كَفَرُوا﴾ أي: بسبب كفرهم، ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ ﴿وَهَلْ يُجَازَى إِلَّا الْكَفُورُ﴾ (بالياء والنون مع كسر الزاي ونصب الكفور أي: ما يُناقَش إلا هو).
في قوله: ﴿هَلْ نُجَازِي﴾ قراءتان ﴿نُجَازِي﴾ وعلى هذه القراءة يجب نصب ﴿الْكَفُورَ﴾، على أنها مفعول به، القراءة الثانية: ﴿يُجَازَى﴾ وعليه تُرْفَع الكفور على أنها نائب فاعل، والاستفهام هنا بمعنى؛ النفي لأنه عُقِّب بـ﴿إِلَّا﴾ فيكون ﴿هَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ أي: ما نجازي إلا كفور، والمجازاة هنا بمعنى المناقشة، أو بمعنى المكافئة على الفعل، و﴿الْكَفُورَ﴾ صيغة مبالغة أي: ذو الكفر بالله سبحانه وتعالى، والله أعلم.
* طالب: (...).
* الشيخ: عام يشمل هذا وهذا، يعني: ما نجازي بالعقوبات إلا مَنْ كفر بالله سواء كان كفرَ نعمةٍ فيُجازى على قَدْرِ ذنبه أو كفرًا مخرجًا عن الملة، ليس المراد جَنَّتَيْنِ يعني بستانَيْنِ واحد يمين وواحد يسار، المراد بساتين لكن قال العلماء: لما كانت هذه البساتين متصلة صارت كأنها بستان واحد، ولَّا معلوم لو كان بستان وبستان ما هي بآية يعني بسيطة هذه، لكنها بساتين متصل بعضها ببعض على يمين الوادي وشمال الوادي، فلما كان متصلًا بعضها ببعض صارت كأنها واحدة، كأنها جنة واحدة عن اليمين وجنة واحدة عن الشمال.
﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية: أولًا: أن الموت غاية كل حي وإن عظم ملكُه، فإن سليمان كان من أعظم الملوك ملكًا، ومع ذلك لم ينقذه ملكه من الموت.
* ومنها: أن الأمور كلها إلى الله؛ لقوله: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ﴾.
* ومنها: أن الله سبحانه وتعالى موصوف بالعظمة والجلال والكمال؛ لأن (نَا) هنا ليست للتعدد ولكنها للتعظيم، لأن كلمة (...) تدل إما على التعدد، وإما على التعظيم، والتعدد هنا ممتنع فيتعين أن تكون للتعظيم.
* ومنها: أن الشيئ الحقير قد يفعل شيئًا عظيمًا كبيرًا؛ يؤخذ من قوله: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾، وهذا شيء جرت به سنة الله عز وجل أن الشيء قد يكون حقيرًا لكن يترتب عليه أمر عظيم، فنحن الآن لا نعرف كيف نَقْبُر موتانا إلا بدلالة الغراب، أليس كذلك؟ أيضًا جميع المباني الهندسية الفخمة الجميلة عُرِفَت من صنيع النحل، أيضًا كل ما حدث من الآلات التي يُحْدِثها الناس الآن تجدهم يشبهونها بمخلوقات الله عز وجل كالطائرات وغيرها، بهذا نعرف أن الأشياء الحقيرة قد تكون مفيدة للإنسان فائدة عظيمة ويترتب عليها أمور خطيرة.
* ومنها: أن إضافة الشيء إلى سببه المعلوم جائزة؛ لقوله: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ فأضاف الدلالة إلى دابة الأرض، مع أن الدابة هل هي أكلت العصا لأجل أن تدل الجن على موت سليمان؟ لا، لكنها سبب، فإضافة الشيء إلى سببه المعلوم شرعًا أو حسًّا جائزة حتى وإن لم يُذْكَر فيها لفظ الجلالة، فمثلًا إذا قلت: لولا فلانٌ لهلكت، وصحيح أن فلانًا هو الذي أنقذك فهذا جائز إذا لم تعتقد أن هذا السبب هو الفاعل الوحيد، والممنوع أن تضيف الشيء إلى سببه مع الله مقرونًا بالواو أو تضيف الشيء إلى سبب غير معلوم سببيته لا من الشرع ولا من الحس؛ لأن هذا يكون من باب الأوهام والتخييلات.
* ومن فوائد الآية: الحذر أو التحذير من دابة الأرض ولَّا لا؟ إي نعم، ما دام تأكل الأخشاب وتأكل هذه الأشياء فاحذر منها، وكم من إنسان أفسدت عليه دابة الأرض مكتبته القيِّمَة التي تساوي شيئًا كثيرًا؛ ولهذا انتبهوا، لا تأكل الأرضة عليكم كتبَكم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إضافة الفعل أو إضافة الشيء إلى مَنْ لم يقم به باختياره؛ لقوله: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾، فالخرور قد يُضاف إلى الفاعل بالاختيار، وقد يضاف إلى الفاعل بغير الاختيار، فتقول: خرَّ الماء، وتقول: خَرَّ ميِّتًا، وقال الله عز وجل: ﴿خَرُّوا سُجَّدًا﴾ [السجدة ١٥]، ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ﴾ [الإسراء ١٠٩]، هذا بالاختيار.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجن لا يعلمون الغيب، والدلالة على ذلك واضحة؛ ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾.
* ومنها: أن الأمور الحسية الواقعة أدلة برهانيَّة، وهذه الفائدة معناها الاستدلال بالأمور..
ليس المراد جَنَّتَيْنِ يعني بستانَيْنِ واحد يمين وواحد يسار، المراد بساتين، لكن قال العلماء: لما كانت هذه البساتين متصلة صارت كأنها بستان واحد، ولَّا معلوم لو كان بستان وبستان ما هي بآية، يعني بسيطة هذه، لكنها بساتين متصل بعضها ببعض على يمين الوادي وشمال الوادي، فلما كان متصلًا بعضها ببعض صارت كأنها واحدة، كأنها جنة واحدة عن اليمين وجنة واحدة عن الشمال.
* الفوائد:
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ﴾ إلى آخره.
* من فوائد هذه الآية: أولًا: أن الموت غاية كل حي وإن عظم ملكُه، فإن سليمان كان من أعظم الملوك ملكًا، ومع ذلك لم ينقذه ملكه من الموت.
* ومنها: أن الأمور كلها إلى الله؛ لقوله: ﴿فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ﴾.
* ومنها: أن الله سبحانه وتعالى موصوف بالعظمة والجلال والكمال؛ لأن (نَا) هنا ليست للتعدد ولكنها للتعظيم، لأن كلمة (نا) تدل إمَّا على التعدد، وإما على التعظيم، والتعدد هنا ممتنع فيتعيَّن أن تكون للتعظيم.
* ومنها: أن الشيئ الحقير قد يَفْعَل شيئًا عظيمًا كبيرًا؛ يؤخذ من قوله: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾، وهذا شيء جرت به سنة الله عز وجل أن الشيء قد يكون حقيرًا لكن يترتب عليه أمر عظيم، فنحن الآن لا نعرف كيف نَقْبِر موتانا إلا بدلالة الغراب، أليس كذلك؟ أيضًا جميع المباني الهندسية الفخمة الجميلة عُرِفَت من صنيع النحل، أيضًا كل ما حدث من الآلات التي يُحْدِثها الناس الآن تجدهم يشبهونها بمخلوقات الله عز وجل كالطائرات وغيرها، بهذا نعرف أن الأشياء الحقيرة قد تكون مفيدة للإنسان فائدة عظيمة ويترتب عليها أمور خطيرة.
* ومنها: أن إضافة الشيء إلى سببه المعلوم جائزة؛ لقوله: ﴿مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ﴾ فأضاف الدلالة إلى دابة الأرض، مع أن الدابة هل هي أكلت العصا لأجل أن تدل الجن على موت سليمان؟ لا، لكنها سبب، فإضافة الشيء إلى سببه المعلوم شرعًا أو حسًّا جائزة حتى وإن لم يُذْكَر فيها لفظ الجلالة، فمثلًا إذا قلت: لولا فلانٌ لهلكت، وصحيح أن فلانًا هو الذي أنقذك، فهذا جائز إذا لم تعتقد أن هذا السبب هو الفاعل الوحيد، والممنوع أن تضيف الشيء إلى سببه مع الله مقرونًا بالواو أو تضيف الشيء إلى سبب غير معلوم سببيته لا من الشرع ولا من الحس؛ لأن هذا يكون من باب الأوهام والتخييلات.
* ومن فوائد الآية: الحذر أو التحذير من دابة الأرض ولَّا لا؟ إي نعم، ما دام تأكل الأخشاب وتأكل هذه الأشياء فاحذر منها، وكم من إنسان أفسدت عليه دابة الأرض مكتبته القيِّمَة التي تساوي شيئًا كثيرًا؛ ولهذا انتبهوا، لا تأكل الأرضة عليكم كتبَكم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إضافة الفعل أو إضافة الشيء إلى مَنْ لم يقم به باختياره؛ لقوله: ﴿فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾، فالخرور قد يُضاف إلى الفاعل بالاختيار، وقد يضاف إلى الفاعل بغير الاختيار، فتقول: خرَّ الماء، وتقول: خَرَّ ميِّتًا، وقال الله عز وجل: ﴿خَرُّوا سُجَّدًا﴾ [السجدة ١٥]، ﴿وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ﴾ [الإسراء ١٠٩]، هذا بالاختيار.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الجن لا يعلمون الغيب، والدلالة على ذلك واضحة؛ ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾.
* ومنها: أن الأمور الحسية الواقعة أدلة برهانيَّة، وهذه الفائدة معناها الاستدلال بالأمور الحسية؛ لأن الله استدل على كونهم لا يعلمون الغيب بأنهم بقوا مُعَذَّبين مما يعملونه من الأعمال الشاقة، فلك أن تستدل على الأمور المعقولة بالأمور المحسوسة، وهذا شيء معروف.
* ومن فوائد الآية: أن الجن ذو عقول؛ لقوله: ﴿تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ﴾ وهو كذلك، لأن الله تعالى أعطاهم عقولًا يهتدون بها إلى مصالح دينهم ودنياهم.
* ومنها: تسمية الأعمال الشاقة عذابًا؛ لقوله: ﴿مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ﴾ مع أن سليمان عليه الصلاة والسلام لم يجعلهم يعملون له ما يشاء عقوبة لهم ولكنه تكليف، وبهذا نعرف أن العذاب قد يُطْلَق على ما ليس بعقوبة، كما في قوله ﷺ: «إِنَّ السَّفَرَ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٨٠٤)، ومسلم (١٩٢٧/١٧٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]].
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ﴾ إلى آخره فيها دليل على استعمال التأكيد في الأمور الهامة، وإن لم يكن المخاطب مُنْكِرًا أو مترددًا، تؤخذ من تأكيد هذه القصة في قوله: ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ﴾؛ لأن التأكيد -كما نعلم- إنما يجب في مخاطبة المنكر، ويحسُن في مخاطبة المتردد، ويكون على خلاف البلاغة فيما عدا ذلك، هذا هو المعروف عند علماء البلاغة، ولكن بتأمل ما ورد في القرآن الكريم نجد أن الأمور الهامة -وإن خوطب بها من لا ينكرها أو يتردد فيها- نجد أن الله تعالى يؤكدها كما في هذه القصة وغيرها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: هذه الآية العظيمة الدالة على قدرة الله وحكمته، وهي قصتهم على سبيل العموم أنهم مُنَعَّمُون في ديارهم وبساتينهم وقصورهم وغير ذلك، فلما أعرضوا انقلبت الحال، ففيها عبرة، فيها آية من وجوه كثيرة آية دالة على قدرة الله، آية يعني: عبرة لمن عصى الله عز وجل، عبرة لمن أطاع الله، أية دالة على حكمة الله، فبالتأمل لهذه الآية تجد فيها أصنافًا وأنواعًا من الآيات، طيب الآن شرحنا هذه الآيات قلنا: آية دالة على قدرة الله؛ حيث خلق لهم هذه البساتين العظيمة ثم أبدلها بأخرى لا تساويها بشيء، دالة على أيش؟ على حكمته عز وجل؛ حيث أعطاهم ذلك الخير حين كانوا مُقْبِلين على الله، وسلَبَهُم إياه حين أعرضوا واستكبروا عن طاعته، آية للمعتبرين من أهل المعاصي؛ فإن فيها تحذيرًا لهم من أن تزول نعمة الله عليهم بسبب معاصيهم، آية للطائعين حيث يعتبرون بها بأنهم ما داموا على طاعة الله فإن نعمة الله تدور عليهم، هذه أربعة أوجه من كونها آية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذه الجنات تُؤْتِي أُكُلَها على وجه واسع؛ لقوله: ﴿كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: وجوب الشكر لله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾، والشكر واجب عقلًا كما هو واجب شرعًا؛ أما وجوبه الشرعي فالآيات في الأمر به كثيرة، وأما وجوبه العقلي فلأن العقل الصريح يقتضي أن كل من أحسن إليك فإنك تشكره على ذلك، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، يعني: كل أحد يرى أنه من الخطأ أن يسدي إليك إنسان ما يسدى من الخير، ثم تَتَنكر له ولا تقوم بشكره كل يعرف أن هذا خطأ، وأن الواجب أن تشكر.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن بلاد الله تنقسم إلى طيب وخبيث؛ لقوله: ﴿بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ﴾، وما نوع الطيب في هذه البلدة؟ هل هو طيب الأرض، أو طيب الهوى، أو طيب الثمار؟ الجواب: يَعُمُّ كل ذلك؛ قال الله تعالى: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف ٥٨].
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات ربوبية الله عز وجل ومغفرته؛ في قوله: ﴿وَرَبٌّ غَفُورٌ﴾.
ثم قال الله عز وجل ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ﴾ [سبأ ١٦] إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة: بيان حال هؤلاء القوم أنهم بدَّلوا نعمة الله كفرًا، وكان الله عليهم أن أنعم الله عليهم بهذه النعم أن يشكروه ويقوموا بطاعة الله، لكنهم أعرضوا.
* ومن فوائدها: عقوبة المعرضين بما تقتضيه حكمة الله، وقد قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ﴾ [العنكبوت ٤٠]، فالعقوبات دائمًا تكون من جنس العمل، فهؤلاء لما بطروا نعمة الله وكفروا به بسبب هذه الجنات أُبْدِلُوا بجنات سيئة بالنسبة لما نُعِّمُوا به من قبل.
* ومن فوائد الآية الكريمة أيضًا: إثبات الأسباب، من أين تؤخذ؟ ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا﴾، فجعل الله تعالى سبب الإرسال إعراضهم.
* ومن فوائدها: أن المعاصي سبب لزوال النعم؛ لقوله: ﴿فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا﴾، بينما كانوا مُنَعَّمين، لما أعرضوا أرسل الله عليهم هذا السيل المدمر، وهذا له شواهد في القرآن كثيرة؛ منها قوله: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [النحل ١١٢]، ومنها قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ [الأعراف ٩٦ - ٩٩].
* ومن فوائدها: أن المطر الذي هو نعمة ورحمة قد يكون نِقْمَة وعذابًا؛ لقوله هنا: ﴿سَيْلَ الْعَرِمِ﴾، فإن السيل في الأصل -الذي هو إجتماع المطر حتى يتدفق- الأصل أنه خير، كما قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ﴾ [السجدة ٢٧] وهذا خير ولَّا لا؟ خير، ولكن أحيانًا يكون عذابًا.
* ومن فوائدها: بيان ضلال أولئك القوم الذين إذا أصابتهم مثل هذه المصائب من الفيضانات وما أشبهها لم يتأثروا لذلك، ويقولون: هذا مقتضى الطبيعة، فإن هذه الفيضانات التي تُدَمِّر إنما هي عقوبة من الله عز وجل عقوبة ليبتلي بها أولئك المعذبين ويرتدع بها من كان على شاكلتهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان قدرة الله عز وجل بإرسال هذه السيول الجارفة التي أغرقت ثمارهم وزروعهم ونبت بعد هذه الثمار والزروع نبت ﴿خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ﴾، ما هو سدر، شيء من سدر قليل، فبدل تلك الجنات العظيمة صار هذا حل محلها.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الحكمة في أن الله عز وجل جعل بدل الجنتين جنتين أُخْرَيَيْنِ؛ لأن الطاعة نور وصلاح وفلاح فيناسبها الجزاء بالعطاء، والمعصية ظلمة وفساد فناسبها أن يكون فيها هذا البَدَل السيئ بالنسبة لما قبله.
ثم قال تعالى: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ [سبأ ١٧] ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا﴾ في هذا دليل على أن الله عز وجل لا يُجازِي أحدًا بعقوبة إلا بفعله؛ لقوله: ﴿بِمَا كَفَرُوا﴾.
* وفيها أيضًا: إثبات الأسباب؛ لأن الباء هنا للسببية.
* وفيها: الفرق بين (يجزي) و(يجازي)؛ فهنا قال: ﴿هَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾، لكن (نجزي) في الثواب، و(نجازي) في العقاب، هكذا قال بعض العلماء فتقول للكافر: جازاك الله، وتقول للمسلم: جزاك الله، ففي الخير نقول: جزى، وفي الشر نقول: جازى؛ ووجه ذلك أن الخير عطاء محض، وأما العقوبة فهي مجازاة ومكافأة؛ ولهذا نقول: جازاه، يصاغ الفعل على صيغة المفاعلة، والمفاعلة تكون في الأصل من طرفين.
{"ayahs_start":13,"ayahs":["یَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا یَشَاۤءُ مِن مَّحَـٰرِیبَ وَتَمَـٰثِیلَ وَجِفَانࣲ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورࣲ رَّاسِیَـٰتٍۚ ٱعۡمَلُوۤا۟ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرࣰاۚ وَقَلِیلࣱ مِّنۡ عِبَادِیَ ٱلشَّكُورُ","فَلَمَّا قَضَیۡنَا عَلَیۡهِ ٱلۡمَوۡتَ مَا دَلَّهُمۡ عَلَىٰ مَوۡتِهِۦۤ إِلَّا دَاۤبَّةُ ٱلۡأَرۡضِ تَأۡكُلُ مِنسَأَتَهُۥۖ فَلَمَّا خَرَّ تَبَیَّنَتِ ٱلۡجِنُّ أَن لَّوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ ٱلۡغَیۡبَ مَا لَبِثُوا۟ فِی ٱلۡعَذَابِ ٱلۡمُهِینِ","لَقَدۡ كَانَ لِسَبَإࣲ فِی مَسۡكَنِهِمۡ ءَایَةࣱۖ جَنَّتَانِ عَن یَمِینࣲ وَشِمَالࣲۖ كُلُوا۟ مِن رِّزۡقِ رَبِّكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لَهُۥۚ بَلۡدَةࣱ طَیِّبَةࣱ وَرَبٌّ غَفُورࣱ","فَأَعۡرَضُوا۟ فَأَرۡسَلۡنَا عَلَیۡهِمۡ سَیۡلَ ٱلۡعَرِمِ وَبَدَّلۡنَـٰهُم بِجَنَّتَیۡهِمۡ جَنَّتَیۡنِ ذَوَاتَیۡ أُكُلٍ خَمۡطࣲ وَأَثۡلࣲ وَشَیۡءࣲ مِّن سِدۡرࣲ قَلِیلࣲ","ذَ ٰلِكَ جَزَیۡنَـٰهُم بِمَا كَفَرُوا۟ۖ وَهَلۡ نُجَـٰزِیۤ إِلَّا ٱلۡكَفُورَ"],"ayah":"یَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا یَشَاۤءُ مِن مَّحَـٰرِیبَ وَتَمَـٰثِیلَ وَجِفَانࣲ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورࣲ رَّاسِیَـٰتٍۚ ٱعۡمَلُوۤا۟ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرࣰاۚ وَقَلِیلࣱ مِّنۡ عِبَادِیَ ٱلشَّكُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق