الباحث القرآني
قوله عزّ وجلّ:
﴿يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِن مَحارِيبَ وتَماثِيلَ وجِفانٍ كالجَوابِ وقُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْرًا وقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَكُورُ﴾
المَحارِيبُ: الأبْنِيَةُ العالِيَةُ الشَرِيفَةُ، قالَ قَتادَةُ: القُصُورُ والمَساجِدُ، وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: المَساكِنُ، والمِحْرابُ أشْرَفُ مَوْضِعٍ في البَيْتِ، والمِحْرابُ مَوْضِعُ العِبادَةِ أشْرَفُ ما يَكُونُ مِنهُ، وغَلَبَ عُرْفُ الِاسْتِعْمالِ في مَوْضِعِ وُقُوفِ الإمامِ لِشَرَفِهِ، ومِن هَذِهِ اللَفْظَةِ قَوْلُ عَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ:
؎ كَدُمى العاجِ في المَحارِيبِ أو كال ∗∗∗ بَيْضِ في الرَوْضِ زَهْرُهُ مُسْتَنِيرُ
والتَماثِيلُ، قِيلَ: كانَتْ مِن زُجاجٍ ونُحاسٍ، تَماثِيلُ أشْياءَ لَيْسَتْ بِحَيَوانٍ، وقالَ الضَحّاكُ: كانَتْ تَماثِيلَ حَيَوانٍ، وكانَ هَذا مِنَ الجائِزِ في ذَلِكَ الشَرْعِ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
ونُسِخَ بِشَرْعِ مُحَمَّدٍ ﷺ.
وقالَ قَوْمٌ: حُرِّمَ التَصْوِيرُ لِأنَّ الصُوَرَ كانَتْ تُعْبَدُ، وحَكى في الهِدايَةِ أنَّ فِرْقَةً كانَتْ تُجَوِّزُ التَصْوِيرَ وتَحْتَجُّ بِهَذِهِ الآيَةِ، وذَلِكَ خَطَأٌ، وما أحْفَظُ مِن أئِمَّةِ العِلْمِ مَن يُجَوِّزُهُ.
والجَوابِي جَمْعُ جابِيَةٍ، وهي البِرْكَةُ الَّتِي يَجِيءُ إلَيْها الماءُ الَّذِي يَجْتَمِعُ، قالَ الراجِزُ:
؎ فَصَبَّحْتُ جابِيَةً صُهارِجا ∗∗∗ ∗∗∗ كَأنَّهُ جِلْدُ السَماءِ خارِجا
(p-١٦٧)وَقالَ مُجاهِدٌ: هي جَمْعُ جَوْبَةٍ، وهي الحُفْرَةُ العَظِيمَةُ في الأرْضِ، وفي هَذا نَظَرٌ، ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى:
؎ نَفى الذَمَّ عن آلِ المُحَلَّقِ جَفْنَةٌ ∗∗∗ ∗∗∗ كَجابِيَةِ الشَيْخِ العِراقِيِّ تَفْهَقُ
وأنْشَدَهُ الطَبَرِيُّ: "تَرُوحُ عَلى آلِ المُحَلَّقِ"، ويُرْوى: "السَيْحُ" بِالسِينِ المُهْمَلَةِ، وهو الماءُ الجارِي عَلى وجْهِ الأرْضِ ويُرْوى بِالشِينِ والخاءِ مَنقُوطَتَيْنِ فَيُقالُ أرادَ كِسْرى ويُقالُ أرادَ شَيْخًا مِن فَلّاحِي سَوادِ العِراقِ غَيْرَ مُعَيَّنٍ وذَلِكَ أنَّهُ لِضَعْفِهِ يَدَّخِرُ الماءَ في جابِيَةٍ فَهي تَفْهَقُ أبَدًا فَشُبِّهَتِ الجَفْنَةُ بِها لِعِظَمِها وقالَ مُجاهِدٌ وقَتادَةُ والضَحّاكُ وابْنُ زَيْدٍ: الجَوابِي الحِياضُ وقَرَأ نافِعٌ وابْنُ عامِرٍ وعاصِمٌ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ كالجَوابِ بَغَيْرِ ياءٍ في الوَصْلِ والوَقْفِ، وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وعِيسى بِغَيْرِ ياءٍ في الوَقْفِ وياءٍ في الوَصْلِ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ بِياءٍ فِيهِما. ووَجْهُ حَذْفِ الياءِ التَخْفِيفُ والإيجازُ، وهَذا كَحَذْفِهِمْ ذَلِكَ مِنَ "القاضِ، والغازِ، والهادِ"، وأيْضًا فَلَمّا كانَتِ الألِفُ واللامُ تُعاقِبُ التَنْوِينَ وكانَتِ الياءُ تُحْذَفُ مَعَ التَنْوِينِ وجَبَ أنْ تُحْذَفَ مَعَ ما عاقَبَتْهُ، كَما يُعْمِلُونَ الشَيْءَ أبَدًا عَمَلَ نَقِيضِهِ.
و"راسِياتٍ" مَعْناهُ: ثابِتاتٍ لِكِبَرِها، لَيْسَتْ مِمّا يُنْقُلُ ولا يُحْمَلُ، ولا يَسْتَطِيعُ عَمَلَهُ (p-١٦٨)إلّا الجِنُّ، وبِالثُبُوتِ فَسَّرَها الناسُ. ثُمَّ أُمِرُوا مَعَ هَذِهِ النِعَمِ بِأنْ يَعْمَلُوا بِالطاعاتِ.
وقَوْلُهُ: ﴿ "شُكْرًا"﴾ يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ نَصْبُهُ عَلى الحالِ، أيِ: اعْمَلُوا بِالطاعاتِ في حالِ شُكْرٍ مِنكم لِلَّهِ عَلى هَذِهِ النِعَمِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَكُونَ نَصْبُهُ عَلى جِهَةِ المَفْعُولِ، أيِ: اعْمَلُوا عَمَلًا هو الشُكْرُ، كَأنَّ الصَلاةَ والصِيامَ والعِباداتِ كُلَّها هي نَفْسُها الشُكْرُ إذْ سَدَّتْ مَسَدَّهُ، وفي الحَدِيثِ «أنَّ النَبِيَّ ﷺ صَعِدَ المِنبَرَ فَتَلا هَذِهِ الآيَةَ، ثُمَّ قالَ: "ثَلاثٌ مَن أُوَتِيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ العَمَلَ شُكْرًا: العَدْلُ في الغَضَبِ والرِضى، والقَصْدُ في الفَقْرِ والغِنى، وخَشْيَةُ اللهِ في السِرِّ والعَلانِيَةِ"،» ورُوِيَ «أنَّ داوُدَ عَلَيْهِ السَلامُ قالَ: يا رَبِّ كَيْفَ أُطِيقُ شُكْرَكَ عَلى نِعَمِكَ وإلْهامِي وقُدْرَتِي عَلى شُكْرِكَ نِعْمَةٌ لَكَ؟ فَقالَ: الآنَ يا داوُدُ عَرَفْتَنِي حَقَّ مَعْرِفَتِي،» وقالَ ثابِتٌ: رُوِيَ أنَّ مُصَلّى آلِ داوُدَ لَمْ يَخْلُ قَطُّ مِن قائِمٍ يُصَلِّي لَيْلًا ونَهارًا، كانُوا يَتَناوَبُونَهُ دائِمًا، وكانَ سُلَيْمانُ عَلَيْهِ السَلامُ - فِيما رُوِيَ يَأْكُلُ الشَعِيرَ، ويُطْعِمُ أهْلَهُ الخُشْكارَ، ويُطْعِمُ المَساكِينَ الدَرْمَكَ. ورُوِيَ أنَّهُ ما شَبِعَ قَطُّ، فَقِيلَ لَهُ في ذَلِكَ فَقالَ: أخافُ أنْ أنْسى الجِياعَ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَكُورُ﴾ يَحْتَمِلُ أنْ تَكُونَ مُخاطَبَةً لِآلِ داوُدَ، ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ مُخاطَبَةً لِآلِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وعَلى كُلِّ حالٍ فَفِيها تَنْبِيهٌ وتَحْرِيضٌ، وسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللهُ عنهُ رَجُلًا يَقُولُ: اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ القَلِيلِ، فَقالَ لَهُ: ما هَذا الدُعاءُ؟ فَقالَ: أرَدْتُ قَوْلَهُ تَعالى: ﴿وَقَلِيلٌ مِن عِبادِيَ الشَكُورُ﴾، فَقالَ عُمَرُ: كُلُّ الناسِ أعْلَمُ مِن عُمَرَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿وَقَلِيلٌ ما هُمْ﴾ [ص: ٢٤]، والقِلَّةُ أيْضًا بِمَعْنى الخُمُولِ مِنحَةٌ مِنَ اللهِ تَبارَكَ وتَعالى، فَلِهَذا الدُعاءِ مَحاسِنُ.
{"ayah":"یَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا یَشَاۤءُ مِن مَّحَـٰرِیبَ وَتَمَـٰثِیلَ وَجِفَانࣲ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورࣲ رَّاسِیَـٰتٍۚ ٱعۡمَلُوۤا۟ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرࣰاۚ وَقَلِیلࣱ مِّنۡ عِبَادِیَ ٱلشَّكُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق