الباحث القرآني
وَقَوْلُه تَعَالَى: وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ المَعْنَى: ولسليمانَ سخَّرْنَا الريح، وغُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ.
قال قتادة: معناه: إنها كانت تُقْطَعُ بِه فِي الغُدُوِّ إلَى قُرْبِ الزوال مسيرة شهر، وَتَقْطَعُ فِي الرَّوَاحِ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ إلى الغُرُوبِ، مسيرةَ شَهْرٍ، وَكَانَ سليمانُ إذَا أرادَ قَوْماً لَمْ يَشْعُرُوا حَتَّى يُظِلَّهم في جَوِّ السَّمَاءِ [[أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (10/ 353) ، برقم (28740) بنحوه، وذكره ابن عطية في «في تفسيره» (4/ 408) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 427) بنحوه، وعزاه لعبد بن حميد عن قتادة.]] . وقوله تعالى: وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ:
قَال ابن عباس، وغيره: كانتْ تَسِيلُ لَهُ باليَمَنِ عَيْنٌ جَارِيَةٌ مِنْ نُحَاسٍ يُصْنَعُ لَهْ منها جميع ما أحبّ، والْقِطْرِ: النّحاس [[أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (10/ 353) برقم (28745) عن قتادة، ورقم (28746) عن ابن زيد، ورقم (28748) عن ابن عباس، وذكره البغوي في «تفسيره» (3/ 551) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 409) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 528) ، بنحوه، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 428) بنحوه، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس.]] ، ويَزِغْ: معناه: يَمِلْ، أي: يَنْحَرِفُ عاصياً، وقال: عَنْ أَمْرِنا ولم يقل: «أرادتنا» لأَنَّهُ لاَ يَقَعُ في العالِم شَيءٌ يخالفُ إرَادتَهُ سُبْحَانه تعالى ويقعُ ما يخالفُ الأَمر، وقوله: مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ قيل: عذابُ الآخرة.
وقيل: بل كان قد وكّل بهم مَلكٌ بيدِه سَوْطٌ مِن نَارٍ السَّعِيرِ فَمَنْ عَصَى ضَرَبَهُ فَأَحْرَقَهُ، و «الْمَحَارِيبُ» : الأَبْنِيَةُ العَالِيَةُ الشَّرِيفَةُ، قَالَ قَتَادَةُ: القصورُ والمسَاجِدُ والتَّمَاثِيلُ [[أخرجه الطبريّ في «تفسيره» (10/ 354) رقم (28751) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (4/ 409) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 528) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 429) ، وعزاه لعبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة.]] ، قِيلَ: كَانَتْ مِن زُجَاجٍ وَنُحَاسٍ تَمَاثِيلُ أَشْيَاءَ لَيْسَتْ بِحَيَوانٍ، «والجوابي» :
جَمْعُ جَابِيةٍ وَهِي البِرْكَةُ التي يجبى إليها الماء وراسِياتٍ مَعْنَاه: ثابتاتُ لِكِبَرهَا، ليستْ مِمَّا يُنْقَلُ أو يُحْمَل ولا يَسْتَطِيعُ عَلَى عَمَلِهِ إلاَّ الجنُّ ثُمَّ أُمرُوا مَعَ هذهِ النعمِ بأَنْ يَعْمَلُوا بالطّاعات، وشُكْراً يُحْتَمَلُ نَصْبُه عَلى الحَالِ، أوْ عَلَى جِهَةِ المَفْعُولِ، أي: اعملوا عَمَلاً هو الشكرُ كَأَنَّ العِبَادَاتِ كُلَّها هِي نَفْسُ الشُّكْرِ، وفي الحديث: أنّ النبيّ ﷺ صَعَدَ المنبرَ فَتَلا هذه الآيةَ، ثم قال: «ثَلاثٌ من أُوتِيهِنَّ فَقَدْ أُوتِي العَمَلَ شُكْراً: العدلُ في الرضَا والغَضَبِ، والقَصْدُ فِي الفَقْرِ والغِنَى، وخَشْيَةُ اللهِ فِي السِّرِّ والعَلانِيَة» [[ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (5/ 430- 431) ، وعزاه إلى ابن المنذر عن عطاء بن يسار مرسلا، وإلى ابن مردويه عن حفصة مرفوعا.
والحكيم الترمذيّ عن أبي هريرة مرفوعا.
وابن النجار في «تاريخه» عن أبي ذر.
وذكره الهندي في «كنز العمال» (43224) ، وعزاه للحكيم الترمذيّ عن أبي هريرة.]] ، وَهَكَذَا نقل ابن العَرَبِيِّ هَذَا الحَدِيثَ فِي «أحْكَامِهِ» وَعِبَارَةُ الدَّاوُوديِّ: وعن النبيّ ﷺ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى المِنْبَرِ:
اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً، وَقَالَ: ثَلاَثٌ مَنْ أُوتِيَهُنَّ فَقَدْ أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ آلُ دَاوُدَ: العَدْلُ فِي الغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالقَصْدُ فِي الفَقْرُ والغنى، وذِكْرُ الله تعالى/ في السرّ والعلانية» [[ينظر: الحديث السابق.]] 78 ب قَال القُرْطُبِي [[ينظر: «القرطبي» (4/ 177) .]] الشُّكْرُ تَقْوَى اللهِ وَالعَمَلُ بِطَاعَتِهِ. انتهى.
قالَ ثابتٌ: رُوِيَ أَنَّ دَاوُدَ كَانَ قَدْ جَزَّأَ سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ عَلَى أَهْلِهِ فَلَمْ تَكُنْ تَأْتِي سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ إلاَّ وَإنْسَانٌ مِنْ آل دَاودَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَتَنَاوَبُونَ دَائِماً [[ذكره البغوي في «تفسيره» (3/ 552) ، وابن عطية في «تفسيره» (4/ 410) ، وابن كثير في «تفسيره» (3/ 528) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (5/ 430) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وأحمد في «الزهد» ، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «شعب الإيمان» عن ثابت البناني.]] ، وَكانَ سُلَيْمَانُ- عَلَيْهِ السَّلاَم- فيما رُوِيَ- يَأْكُلُ الشَّعِيرَ وَيُطْعِمُ أَهْلَه الخُشْكَارَ، ويُطْعِمُ المسَاكِينَ الدَّرْمَكَ [[الدّرمك: هو الدقيق الحوّاري.
ينظر: «النهاية» (2/ 114) .]] ، وَرُوِيَ أَنَّه مَا شبِعَ قَطٍّ، فقيلَ له في ذلك فقال: أخَافُ إنْ شَبِعْتُ أَنْ أنْسَى الجِياعَ.
وقَولُه تَعَالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ يُحْتَمَلُ: أنْ تَكونَ مخَاطَبَةً لآلِ دَاوُدَ، ويحتمل: أنْ تكونَ مخاطبةً لنبيّنا محمد ﷺ وَعَلَى كُلٍّ وَجْهٍ فَفِيهَا تَحْرِيضٌ وَتَنْبِيهٌ، قال ابنُ عَطَاءِ اللهِ فِي «الحِكَم» : مَنْ لَمْ يَشْكُر النعمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوَالِها وَمَنْ شَكَرَهَا فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِها.
وقَالَ صَاحِبُ «الكَلِمِ الفَارِقية» : لاَ تَغْفَلْ عَنْ شُكْرِ الصَّنَائِعِ وَسُرْعَةِ استرجاع الوَدَائِعِ، وَقَالَ أيْضاً: يَا مَيِّتاً نُشِرَ مِنْ قَبْرِ العَدَمْ، بحُكْمِ الجُودِ والكَرَمِ، لاَ تَنْسَ سَوَالِفَ العُهُودِ والذِّمَمِ، اذكُرْ عَهْدَ الإيجَادِ، وَذِمَّةَ الإحْسَانِ والإرْفَادِ، وَحَالَ الإصْدَارِ والإيرَادِ، وفاتحة المَبْدَإِ وَخَاتِمَةَ المَعَادِ، وَقَالَ- رحمه الله-: يَا دَائِمَ الغَفْلَةِ عَنْ عَظَمَةِ رَبِّه، أيْن النَّظَرُ فِي عَجَائِبِ صُنْعِه، والتَّفَكُّرُ فِي غَرَائِبِ حِكْمَتِهِ، أيْنَ شُكْرُ مَا أَفَاضَ عَلَيْكَ مِنْ مَلاَبِسِ إحْسَانِه ونِعَمِهِ، يَا ذَا الفِطْنَةِ، اغْتَنِمْ نِعْمَةَ المُهْلَة، وَفُرْصَةَ المُكْنَةِ، وَخِلْسَةَ السَّلاَمَةِ، قَبْلَ حُلُولِ الحَسْرَةِ والنّدامة. انتهى.
{"ayahs_start":12,"ayahs":["وَلِسُلَیۡمَـٰنَ ٱلرِّیحَ غُدُوُّهَا شَهۡرࣱ وَرَوَاحُهَا شَهۡرࣱۖ وَأَسَلۡنَا لَهُۥ عَیۡنَ ٱلۡقِطۡرِۖ وَمِنَ ٱلۡجِنِّ مَن یَعۡمَلُ بَیۡنَ یَدَیۡهِ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَمَن یَزِغۡ مِنۡهُمۡ عَنۡ أَمۡرِنَا نُذِقۡهُ مِنۡ عَذَابِ ٱلسَّعِیرِ","یَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا یَشَاۤءُ مِن مَّحَـٰرِیبَ وَتَمَـٰثِیلَ وَجِفَانࣲ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورࣲ رَّاسِیَـٰتٍۚ ٱعۡمَلُوۤا۟ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرࣰاۚ وَقَلِیلࣱ مِّنۡ عِبَادِیَ ٱلشَّكُورُ"],"ayah":"یَعۡمَلُونَ لَهُۥ مَا یَشَاۤءُ مِن مَّحَـٰرِیبَ وَتَمَـٰثِیلَ وَجِفَانࣲ كَٱلۡجَوَابِ وَقُدُورࣲ رَّاسِیَـٰتٍۚ ٱعۡمَلُوۤا۟ ءَالَ دَاوُۥدَ شُكۡرࣰاۚ وَقَلِیلࣱ مِّنۡ عِبَادِیَ ٱلشَّكُورُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق