الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى مسليًا لرسوله ﷺ: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ فيها قراءة: ﴿وَبِالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ أي زيادة الباء.
يقول عز وجل: ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ﴾ الخطاب للرسول ﷺ، والفاعل قريش وأهل الكتاب، كل من كذّب الرسول، ﴿فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ﴾ هذه (فقد): الفاء واقعة في جواب الشرط؛ لأنه مقرون بـ (قد)، وقوله: ﴿كُذِّبَ رُسُلٌ﴾، في آية أخرى: ﴿فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ﴾ [فاطر ٤]، فلماذا جاء التذكير والتأنيث؟ نقول: لأن الرسل جمع تكسير، وجمع التكسير يجوز فيه ثبوت التاء وحذفها، قال ابن مالك رحمه الله:
؎وَالتَّاءُ مَعْ جَمْعٍ سِوَى السَّالِـــــــــمِمِنْ ∗∗∗ مُذَكَّرٍ كَالتَّاءِ مَعَ إِحْدَىاللَّبِنْ
اللبن إحداها لبنة، فاللبنة تذكر وتؤنث، وجميع الجموع تذكر وتؤنث ما عدا جمع المذكر السالم على رأي ابن مالك، ويضاف إليها على رأي ابن هشام جمع المؤنث السالم، ويقابله من قال بأن جميع الجموع يجوز تذكيرها وتأنيثها حتى السالم من مذكر أو مؤنث، ومنه قول الزمخشري يرد به على أعدائه يقول: لا أبالي بجمعِهم، كلُّ جمعٍ مؤنثٌ.
المؤنث لا يقابل الرجال، الشاهد قوله: كل جمع مؤنث، والذي يظهر -والله أعلم- أن الرأي الصحيح رأي ابن هشام؛ أن السالم من الجمع المذكر يجب تذكيره، ومن الجمع المؤنث يجب تأنيثه، أما جمع التكسير فيجوز فيها التذكير والتأنيث، هنا: ﴿فَقَدْ كُذِّبَ﴾، وفي آية أخرى: ﴿فَقَدْ كُذِّبَتْ﴾.
وقوله: ﴿رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ الرسول كما مر علينا كثيرًا هو الذي أوحي إليه بالشرع وأُمر بتبليغه، هؤلاء الرسل جاؤوا بالبينات، جملة ﴿جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ يجوز أن تكون صفة لـ﴿رُسُلٌ﴾، ويجوز أن تكون حالًا، أما جواز أن تكون صفة فظاهر؛ لأن (رسل) منكر فالذي يأتي من بعده يكون صفة، وأما جواز كونها حالًا مع أن الذي قبلها منكر فلأن هذه النكرة وُصِفت، وإذا وصفت النكرة جاز وقوع الحال منها؛ لأنها إذا وُصفت تخصصت.
﴿جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ﴾ البينات هي الآيات، البينات الشرعية والكونية، فالآيات الشرعية هي الكتب التي جاؤوا بها، والآيات الكونية هي ما يسمى بالمعجزات الحسية.
﴿وَالزُّبُرِ﴾ جمع زبور، والمراد به ما اشتمل على المواعظ والزواجر، هذا الزبر، ولهذا كان الزبور الذي أوتيه داود أكثره مواعظ وزواجر.
﴿وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ الكتاب بمعنى المكتوب، والمنير بمعنى المنير للظلمات، وهذا العطف ﴿وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ هذا من باب عطف الصفة على الصفة الأخرى؛ لأن الزبر تتضمن الكتاب المنير، وعطف الصفات بعضها على بعض موجود في القرآن، ومنه قوله تعالى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ [الأعلى ١-٤]، فقوله: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ﴾ هذا من باب عطف الصفات، ﴿وَالَّذِي أَخْرَجَ﴾ أيضًا من باب عطف الصفات، فالتغاير هنا تغاير صفة وليس تغاير أداة.
* في هذه الآية من الفوائد: تسلية الرسول عليه الصلاة والسلام.
* ويتفرع عليها: أن يتسلى الإنسان بكل ما أصاب غيره، فمثلًا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يؤذَى فليتسلَّ، بأيش؟ بأذية غيره؛ لأن الإنسان إذا علم أن غيره أصيب بمثل ما أصيب به لا شك أنه ينسى الحزن، كما قالت الخنساء ترثي أخاها صخرًا تقول:
؎وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَحَوْلِــــــــــــــــي ∗∗∗ عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي؎وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ ∗∗∗ أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُبِالتَّأَسِّـــــــي
الشاهد هنا قولها: أسلي النفس عنه بالتأسي، فالإنسان إذا نظر يمينًا وشمالًا، وإذا هذا مصاب بعقله، وهذا مصاب ببدنه، وهذا مصاب بأهله، وهذا مصاب بماله يتسلى، كذلك الرسول عليه الصلاة والسلام إذا قال الله له: قد كُذِّب رسل من قبلك، لا شك أنه تهون عليه المصيبة وأنه يتسلى بذلك؛ لأنه بشر يلحقه من أحكام البشرية ما يلحق غيره.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الرسل عليهم الصلاة والسلام يؤذَون بالتكذيب، ولا أظن أن شيئًا أشق على النفس من التكذيب فيمن جاء بالصدق، أليس كذلك؟ الإنسان يكاد يتقطع إذا أخبر بشيء صدق ثم قيل له: كذبت، فكيف وهم من عند الله عز وجل مؤيَّدون بآياته يكذَّبون، لا شك أنها شديدة عليهم، ولكنهم يصبرون عليهم الصلاة والسلام، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا﴾ [الأنعام ٣٤]، يعني: وعلى ما أوذوا، (أو) معطوفة على ﴿كُذِّبَتْ﴾، أي: وحصل لهم الأذية أيضًا فصبروا على ما كُذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا.
* من فوائد هذه الآية الكريمة، وانظروا هل يستفاد منها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام آخر الرسل؟ هل يمكن أن يستفاد؟
* طالب: (...) يمكن.
* الشيخ: يمكن ولكنه ضعيف؛ لأنك لو قلت مثلًا: زارني رجل قبلك أو من قبلك، هل معناه أنه لا يزورني أحد بعده؟ لا، فالظاهر أنها لا تفيد.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الرسل لا بد أن يؤيَّدوا بالبينات؛ لقوله: ﴿جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الرسل السابقين كلهم جاؤوا بكتاب، ما من رسول إلا ومعه كتاب، ويؤيد هذا قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد ٢٥]، وذلك لأنه لا بد لكل رسول من شريعة، والشريعة بماذا تكون؟ تكون بما يُكتب، سواء نزلت وحيًا ثم كُتبت أو نزلت مكتوبة كالتوراة، فإن الله كتبها بيده وأنزلها عز وجل.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن الكتب السابقة ككتابنا كلها تنير الطريق لمن أراد المسير، ولكن أعظمها إنارة هو هذا القرآن الكريم، ولهذا كان مهيمنًا على ما سبقه من الكتب، كل الكتب اللي سبقه منسوخة به.
{"ayah":"فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَ جَاۤءُو بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُنِیرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق