الباحث القرآني
﴿فَإنْ كَذَّبُوكَ﴾ فِيما جِئْتَهم بِهِ (p-145)﴿فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ﴾ جاءُوا بِمِثْلِ ما جِئْتَ بِهِ والجُمْلَةُ جَوابٌ لِلشَّرْطِ، لَكِنْ بِاعْتِبارِ لازِمِها الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ المَقامُ، فَإنَّهُ لِتَسْلِيَتِهِ مِن تَكْذِيبِ قَوْمِهِ واليَهُودِ لَهُ، واقْتَصَرَ مُجاهِدٌ عَلى الثّانِي، كَأنَّهُ قِيلَ: فَإنْ كَذَّبُوكَ فَلا تَحْزَنْ وتَسَلْ، وجَعَلَ بَعْضُهُمُ الجَوابَ مَحْذُوفًا، وهَذا تَعْلِيلًا لَهُ، ومَثَلُهُ كَثِيرٌ في الكَلامِ.
وقالَ عِصامُ المِلَّةِ: لا حاجَةَ إلى التَّأْوِيلِ والقَوْلِ بِالحَذْفِ إذِ المَعْنى إنْ يُكَذِّبُوكَ فَتَكْذِيبُكُ تَكْذِيبُ رُسُلٍ مِن قَبْلِكَ حَيْثُ أخْبَرُوا بِبَعْثَتِكَ وفي ذَلِكَ كَمالُ تَوْبِيخِهِمْ وتَوْضِيحُ صِدْقِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وتَسْلِيَةٌ لَهُ لَيْسَ فَوْقَها تَسْلِيَةٌ، ونُظِرَ فِيهِ بِأنَّ التَّسْلِيَةَ -عَلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ الجُمْهُورُ- أتَمُّ إذْ عَلَيْهِ تَكُونُ المُشارَكَةُ بَيْنَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وبَيْنَ إخْوانِهِ المُرْسَلِينَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ في تَكْذِيبِ المُكَذِّبِينَ شِفاهًا وصَرِيحًا، وعَلى الثّانِي لا شَرِكَةَ إلّا في التَّكْذِيبِ، لَكِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ شِفاهِيٌّ وصَرِيحٌ، وبِالنِّسْبَةِ إلى المُرْسَلِينَ لَيْسَ كَذَلِكَ، ولا شَكَّ لِذِي ذَوْقٍ أنَّ الأوَّلَ أبْلَغُ في التَّسْلِيَةِ، وعَلَيْهِ يَجُوزُ في (مِن) أنْ تَتَعَلَّقَ -بِكُذِّبَ- وأنْ تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً –لِرُسِلٍ- أيْ كائِنَةً مِن قَبْلِكَ.
وعَلى الثّانِي يَتَعَيَّنُ الثّانِي، ويُشْعِرُ بِالأوَّلِ الَّذِي عَلَيْهِ الجُمْهُورُ وصْفُ الرُّسُلِ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿جاءُوا بِالبَيِّناتِ﴾ أيِ المُعْجِزاتِ الواضِحاتِ الباهِراتِ ﴿والزُّبُرِ﴾ جَمْعُ زَبُورٍ، كالرَّسُولِ والرُّسُلِ، وهو الكِتابُ المَقْصُورُ عَلى الحُكْمِ مِن زَبَرْتُهُ بِمَعْنى حَسَّنْتُهُ قالَهُ الزَّجّاجُ، وقِيلَ: الزُّبُرُ المَواعِظُ والزَّواجِرُ مِن زَبَرْتُهُ إذا زَجَرْتُهُ، ﴿والكِتابِ المُنِيرِ﴾ أيِ المُوَضِّحِ أوِ الواضِحِ المُسْتَنِيرِ.
أخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ السُّدِّيِّ أنَّهُ القُرْآنُ، ومَعْنى مَجِيءُ الرُّسُلِ بِهِ مَجِيئُهم بِما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِن أُصُولِ الدِّينِ عَلى ما يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى فِيهِ: ﴿وإنَّهُ لَفي زُبُرِ الأوَّلِينَ﴾ عَلى وجْهٍ، وعَنْ قَتادَةَ أنَّ المُرادَ بِهِ الزُّبُرُ والشَّيْءُ يُضاعَفُ بِالِاعْتِبارِ، وهو واحِدٌ، وقِيلَ: المُرادُ بِهِ التَّوْراةُ والإنْجِيلُ، والزَّبُورُ وهو في عُرْفِ القُرْآنُ ما يَتَضَمَّنُ الشَّرائِعَ والأحْكامَ، ولِذَلِكَ جاءَ هو والحِكْمَةُ مُتَعاطِفَيْنِ في عامَّةِ المَواقِعِ، ووَجْهُ إفْرادِ الكِتابِ بِناءً عَلى القَوْلِ الأوَّلِ ظاهِرٌ، ولَعَلَّ وجْهَ إفْرادِهِ بِناءً عَلى القَوْلِ الثّانِي والثّالِثِ، وإنْ أُرِيدَ مِنهُ الجِنْسُ الصّادِقُ بِالواحِدِ والمُتَعَدِّدِ الرَّمْزُ إلى أنَّ الكُتُبَ السَّماوِيَّةَ وإنْ تَعَدَّدَتْ فَهي مِن بَعْضِ الحَيْثِيّاتِ كَشَيْءٍ واحِدٍ.
وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ (وبِالزُّبُرِ) بِإعادَةِ الجارِّ؛ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّها مُغايِرَةٌ لِلْبَيِّناتِ بِالذّاتِ بِأنْ يُرادَ بِها المُعْجِزاتِ غَيْرِ الكُتُبِ؛ لِأنَّ إعادَةَ العامِلِ تَقْتَضِي المُغايِرَةَ ولَوْلاها لَجازَ أنْ يَكُونَ مِن عَطْفِ الخاصِّ عَلى العامِّ.
ومِنَ الغَرِيبِ القَوْلُ بِأنَّ المُرادَ بِالبَيِّناتِ الحُرُوفُ بِاعْتِبارِ أسْمائِها كَألِفٍ ولامٍ، وبِالزُّبُرِ الحُرُوفُ بِاعْتِبارِ مُسَمَّياتِها ورَسْمِها، كَأبٍ، وبِالكُتّابِ الحُرُوفُ المُجْتَمِعَةُ المُتَلَفَّظُ بِها كَلِمَةً وكَلامًا.
وادَّعى أهْلُ هَذا القَوْلِ: إنَّ لِكُلٍّ مِن ذَلِكَ مَعانِيَ وأسْرارًا لا يَعْقِلُها إلّا العالِمُونَ، فَهم يَبْحَثُونَ عَنِ الكَلِمَةِ بِاعْتِبارِ لَفْظِها، وبِاعْتِبارِ كُلِّ حَرْفٍ مِن حُرُوفِها المَرْسُومَةِ، وبِاعْتِبارِ اسْمِ كُلِّ حَرْفٍ مِنها الَّذِي هو عِبارَةٌ عَنْ ثَلاثَةِ حُرُوفٍ، ولا يَخْفى أنَّ هَذا اصْطِلاحٌ لا يَنْبَغِي تَخْرِيجُ كَلامِ اللَّهِ تَعالى عَلَيْهِ.
والظّاهِرُ مِن تَتَبُّعِ الآثارِ الصَّحِيحَةِ أنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ عَنِ الشّارِعِ الأعْظَمِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَيْءٌ، ودُونَ إثْباتِ ذَلِكَ المَوْتُ الأحْمَرُ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ المَوْتِ﴾ أيْ نازِلٌ بِها لا مَحالَةَ، فَكَأنَّها ذائِقَتُهُ وهو وعْدٌ ووَعِيدٌ لِلْمُصَدِّقِ والمُكَذِّبِ، وفِيهِ تَأْكِيدٌ لِلتَّسْلِيَةِ لَهُ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ؛ لِأنَّ تَذَكُّرَ المَوْتِ واسْتِحْضارَهُ مِمّا يُزِيلُ (p-146)الهُمُومَ والأشْجانَ الدُّنْيَوِيَّةَ.
وفِي الخَبَرِ: «أكْثِرُوا ذِكْرُ هاذِمِ اللَّذّاتِ فَإنَّهُ ما ذُكِرَ في كَثِيرٍ إلّا وقَلَّلَهُ، ولا في قَلِيلٍ إلّا وكَثَّرَهُ» . وكَذا العِلْمُ بِأنَّ وراءَ هَذِهِ الدّارِ دارًا أُخْرى يَتَمَيَّزُ فِيها المُحْسِنُ عَنِ المُسِيءِ، ويَرى كُلٌّ مِنهُما جَزاءَ عَمَلِهِ، وهَذِهِ القَضِيَّةُ الكُلِّيَّةُ لا يُمْكِنُ إجْراؤُها عَلى عُمُومِها لِظاهِرِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَصَعِقَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلا مَن شاءَ اللَّهُ﴾ وإذا أُرِيدَ بِالنَّفْسِ الذّاتُ كَثُرَتِ المُسْتَثْنَياتُ جِدًّا، وهَلْ تَدْخُلُ المَلائِكَةُ في هَذا العُمُومِ ؟ قَوْلانِ، والجُمْهُورُ عَلى دُخُولِهِمْ.
فَعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ: لَمّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كُلُّ مَن عَلَيْها فانٍ﴾ قالَتِ المَلائِكَةُ: ماتَ أهْلُ الأرْضِ فَلَمّا نَزَلَ.
{"ayah":"فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَ رُسُلࣱ مِّن قَبۡلِكَ جَاۤءُو بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلۡكِتَـٰبِ ٱلۡمُنِیرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق