قال الله تعالى: (﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا﴾ [النور ٢٨] يأذن لكم ﴿فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ﴾ بعد الاستئذان ﴿ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ﴾ أي الرجوع ﴿أَزْكَى﴾ أي: خير ﴿لَكُمْ﴾ من القعود على الباب).
إن لم تجدوا فيها أحدًا؛ أي في البيوت غير بيوتكم، مثلًا: افرض أنك تريد أن تذهب إلى صاحب لك، وجئت ولم تجد في البيت أحدًا، وعندنا علامة على عدم وجود أحد في البيت، إذا كان البيت مثلًا مغلقًا بـالقفلين عُلم أن صاحب البيت ليس فيه.
وقوله: ﴿لَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ كيف حتى يؤذن لنا ونحن لم نجد فيها أحدًا؟ يعني إذا كان ما فيها أحد هل يمكن يوجد إذن؟
* طالب: بإذن سابق.
* الشيخ: إذن سابق؟ كيف؟ يعني حتى يكون قد أذن لكم؟ ما يصح، ما يستقيم الكلام.
* طالب: صاحب البيت يمكن أذن لهذا وما هو موجود.
* الشيخ: وما هو موجود؟
* طالب: (...).
* الشيخ: يعني إذن سابق لكن هذا يمنعه أن.. ﴿حَتَّى يُؤْذَنَ﴾، ما قال: إلا إن أذن لكم، يعني: ينتظر.
المعنى أنه إذا لم تجد أحدًا مستحيل الدخول، فكما أنه لا إذن مع عدم وجود أحد، فلا دخول إذن، ولكن جاءت بهذه الصيغة -والله أعلم- إشارة إلى أن العلة في الدخول وعدمه هو الإذن ﴿فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ طبعًا أنا إذا علمت أن ما فيها أحد، ما فيه إذن، لكن معنى لا تدخلوها لأنه لا إذن، فإن انتظرتم حتى جاء صاحب البيت وأذن لكم فادخلوا، وإن انصرفتم فلا حرج.
واحتمال أن يكون الإذن مسبقًا، إذن سابق يعني احتمال هذا ذهنًا وارد، يعني: ممكن، لكن التعبير لا يساعده؛ لأنه قال: ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ﴾ لا تفعل كذا حتى يكون كذا، إذن فهذا الكون لا بد أن يكون بعدما ورد به النهي، وهذا ينفي أن يكون الإذن سابقًا.
* طالب: وكيل صاحب البيت؟
* الشيخ: إي، المعلوم إذا كان وكيل صاحب البيت فقد وجدنا أحدًا.
* طالب: يكون فيه ضرر على (...) فإذا أراد (...).
* الشيخ: ما يخالف؛ هذا ما نقول: إنه فيه إذن سابق، هذا نقول: وكيل عن صاحب البيت، فهو بمنزلته، لكن إن وجد إنسان أصلًا بيستأذن وما فيه أحد ما يدخل حتى يؤذن له ﴿فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا﴾.
لو استأذنت على صاحب البيت ويقول: والله ارجع يا أخي، ما أبغي جلوسًا، أو ما أبغي الفتح، فهل تقول: لا، وتأنف من كونه يردك تقول: والله أنا عديت ما يمكن لا تفتح، ويش الجواب؟
الجواب: يقول له: ﴿ارْجِعُوا﴾، ﴿إِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا﴾، وفي هذا دليل على أن الإسلام صريح، يعني لا بأس أن صاحب البيت يقول: ارجع ما أنا بفاتح البيت، ويجب على من قيل له ذلك أن يرجع، لا يأنف، (...) أنا ما يمكن إلا أدخل، يقول الله: ﴿ارْجِعُوا﴾.
ولما كان هذا الرجوع شاقًّا على النفوس رغب الله فيه بقوله: ﴿هُوَ أَزْكَى لَكُمْ﴾.
(﴿فَارْجِعُوا هُوَ﴾ أي: الرجوع ﴿أَزْكَى﴾ أي: خير ﴿لَكُمْ﴾ من القعود على الباب).
المهم، بين المفضل عليه وهو القعود على الباب، ولكن ينبغي أن نقول: إن الآية عامة ﴿أَزْكَى لَكُمْ﴾ مطلقًا، سواء قعدتم على الباب، أو لزّمتم وأحرجتم صاحب البيت، المهم أن هذه الجملة ترغيب وحث على الرجوع؛ لأن الرجوع في الحقيقة يشق على النفس؛ إن صاحب البيت يقول له: ارجع، ثم يرجع، لا سيما إذا كان قد أتى من بعيد فإنه يشق عليه، لكن بين الله سبحانه وتعالى أن هذا العمل الذي هو الرجوع أزكى للإنسان، يعني أشد زكاءً، والزكاء هو عبارة عن سمو الأخلاق وعلو الآداب، وكذلك من ناحية العبادة أيضًا، فزكاء الإنسان عبارة عن نماء أخلاقه وآدابه ودينه أيضًا، ودينه.
قال بعض السلف: لقد تمنيت أن أحصل على هذه مرة في عمري، ويش لأجله؟ لأجل أن يحصل الزكاء، ولكن قَلّ أن توجد هذه.
وفي هذه الآية من بيان صراحة الإسلام وآداب الإسلام ما فيه، وأن الإنسان ينبغي أن يكون صريحًا غير ملتوٍ.
يعني مثلًا: أرغب أن تدخل، أقول: ادخل، لا أرغب، أقول: ارجع، وهذه كثير من الناس لا يفعلها، ولكن الشرع يبيح لك أن تفعل، يبيح لك أن تقول لمن استأذن عليك: ارجع، لا تقول: والله هذا شيء صعب، شيء شاق، ولا أتمكن من أن أقوله، نقول: الشرع لا يحرجك، إذا كان غير مناسب أنه يدخل عندك، وعندك أشغال مهمة مثلًا، أو هذا الرجل مثلا يحتاج إلى ضيافة بينة كبيرة ولست مستعدًّا له، فلا حرج أن تقول: ارجع، وإذا رجع كان ذلك أزكى له وأطهر.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، هو يحدث في نفسه إذا كان ما قرأ هذه الآية، أما إذا كنت قرأت هذه الآية وقال لي: ارجع، ورجعت كل يريد الزكاء، كل إنسان يريد الزكاء، ولهذا نحن قلنا: الحكمة في أن الله قال: ﴿هُوَ أَزْكَى لَكُمْ﴾: الحث والإغراء على الرجوع وعدم الأنفة، وألا يكون في قلبه شيء، هذه آداب إسلامية ينبغي أن نتأدب بها وأن نكون صرحاء. أيما هذا أو أنه يأذن لي؟ يأذن لي على إغماض، وعلى إحراج، ويمكن أفوته مصالح كثيرة! أيهما أولى؟ الأول أولى.
وهذه يعني الظاهر أنها مرت عليكم، إنه مر عليكم أحيانًا يستأذن عليك إنسان وأنت ما ودك يدخل، ما ودك أبدًا يدخل، إما في الشغل ضروري، ولّا في حاجة ما يمكن يشاهدها في البيت، ولّا غير ذلك. على كل حال هذه المسألة هي الآداب الإسلامية، وأن الإنسان ينبغي أن يكون صريحًا، ليس في عمله ولا في قوله شيء من الالتواء.
قال: ﴿هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ (﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الدخول بإذن وبغير إذن، ﴿عَلِيمٌ﴾ فيجازيكم عليه).
﴿بِمَا تَعْمَلُونَ﴾: (ما) اسم موصول، توافقون على هذا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: أي بالذي تعملونه، واسم الموصول يفيد؟
* طالب: العموم.
* الشيخ: العموم، وتقييده بالدخول بإذن أو بغير إذن لا ينبغي في الحقيقة، وإن كان إنه في سياق ذلك، لكن العبرة شو به؟ بعموم اللفظ، فالله سبحانه وتعالى بكل ما نعمل من الدخول بإذن أو بغير إذن، والرجوع إذا قيل: ارجعوا، وعدم الرجوع، وغير ذلك أيضًا من أعمالنا ﴿عَلِيمٌ﴾، ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾، حتى الأعمال التي لا يطلع عليها أحد كأعمال القلوب فالله سبحانه وتعالى عليم بها.
ما هي الفائدة من كون الله سبحانه وتعالى يُعْلمنا بأنه عليم بعملنا؟
الفائدة واضحة هي الحذر، كما قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ [البقرة ٢٣٥]، الحذر منه تبارك وتعالى إذا كنا عملنا معصية، والرغبة فيما عنده إذا عملنا طاعة، يعني أنا عندما أُومن بأن الله عليم بما أعمل فهذا يوجب لي الحذر من مخالفته، ويوجب لي أيضًا: الرغبة في موافقة شرعه؛ لأنه سيعلم ذلك وسيجازيني على ما عملت.
فالحاصل أن إخبار الله عباده بأنه عليم بما يعملون يتضمن أمرين: تحذيرًا وترغيبًا. تحذيرًا منين؟
* طالب: من المخالفة.
* الشيخ: من المخالفة. وترغيبًا: في الموافقة، موافقة الشرع؛ لأن ذلك لا يضيع، فإنه معلوم عند الله سبحانه وتعالى.
{"ayah":"فَإِن لَّمۡ تَجِدُوا۟ فِیهَاۤ أَحَدࣰا فَلَا تَدۡخُلُوهَا حَتَّىٰ یُؤۡذَنَ لَكُمۡۖ وَإِن قِیلَ لَكُمُ ٱرۡجِعُوا۟ فَٱرۡجِعُوا۟ۖ هُوَ أَزۡكَىٰ لَكُمۡۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِیمࣱ"}