الباحث القرآني

ولَمّا كانَ السُّكّانُ قَدْ يَكُونُونَ غائِبِينَ، والإنْسانُ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً لا يُحِبُّ أنْ يُطْلِعَ غَيْرَهُ عَلى جَمِيعِ أُمُورِهِ، قالَ: ﴿فَإنْ لَمْ تَجِدُوا فِيها﴾ أيِ البُيُوتِ الَّتِي لَيْسَ بِها سُكْناكم ﴿أحَدًا﴾ قَدْ يَمْنَعُكُمْ، فاللَّهُ يَمْنَعُكم مِنها، تَقْدِيمًا لِدَرْءِ المَفاسِدِ ﴿فَلا تَدْخُلُوها﴾ أيْ أبَدًا (p-٢٥١)﴿حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ مِن آذِنٍ ما بِإذْنٍ شَرْعِيٍّ مِنَ السّاكِنِ أوْ غَيْرِهِ، لِأنَّ الدُّخُولَ تَصَرُّفٌ في مِلْكِ الغَيْرِ أوْ حَقِّهِ فَلا يَحِلُّ بِدُونِهِ إذْنُهُ. ولَمّا كانَ كَأنَّهُ قِيلَ: فَإنْ أُذِنَ لَكم في شَيْءٍ ما اسْتَأْذَنْتُمْ فِيهِ فادْخُلُوا، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وإنْ قِيلَ لَكُمُ﴾ مِن قائِلٍ ما إذا اسْتَأْذَنْتُمْ في بَيْتٍ فَكانَ خالِيًا أوْ فِيهِ أحَدٌ: ﴿ارْجِعُوا فارْجِعُوا﴾ أيْ ولا تَسْتَنْكِفُوا مِن أنْ تُواجَهُوا بِما تَكْرَهُونَ مِن صَرِيحِ المَنعِ، فَإنَّ الحَقَّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ، ولِلنّاسِ عَوْراتٌ وأُمُورٌ لا يُحِبُّونَ اطِّلاعَ غَيْرِهِمْ عَلَيْها. ولَمّا كانَ في المَنعِ نَقْصٌ يُوجِبُ غَضاضَةً ووَحَرًا في الصَّدْرِ، وعَدَ سُبْحانَهُ عَلَيْهِ بِما يَجْبُرُ ذَلِكَ، فَقالَ عَلى طَرِيقِ الِاسْتِئْنافِ: ﴿هُوَ﴾ أيِ الرُّجُوعُ المُعَيَّنُ ﴿أزْكى﴾ أيْ أطْهَرُ وأنْمى ﴿لَكُمْ﴾ فَإنَّ فِيهِ طَهارَةً مِن غَضاضَةِ الوُقُوفِ عَلى بابِ الغَيْرِ، ونَماءٍ بِما يَلْحَقُ صاحِبِ البَيْتِ مِنَ الِاسْتِحْياءِ عِنْدَ امْتِثال أمْرِهِ في الرُّجُوعِ مَعَ ما في ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ. ولَمّا كانَ التَّقْدِيرُ: فاللَّهُ يُجازِيكم عَلى امْتِثالِ أمْرِهِ، وكانَ الإنْسانُ قَدْ يَفْعَلُ في البُيُوتِ الخالِيَةِ وغَيْرِها مِنَ الأُمُورِ الخَفِيَّةِ ما يُخالِفُ ما أدَّبَ بِهِ سُبْحانَهُ مِمّا صُورَتُهُ مَصْلَحَةٌ وهو مَفْسَدَةٌ، عَطَفَ عَلى ذَلِكَ المُقَدَّرِ قَوْلَهُ: ﴿واللَّهُ﴾ أيِ المَلِكُ الأعْلى. ولَمّا كانَ المُرادُ المُبالَغَةَ في العِلْمِ، قَدَّمَ الجارَّ لِيَصِيرَ كَما إذا سَألْتَ شَخْصًا عَنْ عِلْمِ شَيْءٍ فَقالَ لَكَ: ما (p-٢٥٢)أعْلَمُ غَيْرَهُ، فَقالَ: ﴿بِما تَعْمَلُونَ﴾ أيْ وإنِ التَبَسَ أمْرُهُ عَلى أحَذَقِ الخَلْقِ ﴿عَلِيمٌ﴾ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنهُ وإنَّ دَقَّ، فَإيّاكم ومُشْتَبِهاتِ الأُمُورِ، فَإذا وقَفْتُمْ لِلِاسْتِئْذانِ فَلا تَقِفُوا تُجاهَ البابِ، ولَكِنْ عَلى يَمِينِهِ أوْ يَسارِهِ، لِأنَّ الِاسْتِئْذانَ إنَّما جُعِلَ مِن أجْلِ البَصَرِ، وتَحامُوا النَّظَرَ إلى الكُوى الَّتِي قَدْ يَنْظُرُ مِنها أحَدٌ مِن أهْلِ البَيْتِ لِيَعْرِفَ مَن عَلى البابِ: هَلْ هو مِمَّنْ يُؤْنَسُ بِهِ فَيُؤْذَنَ لَهُ، أوْ لا فَيُرَدَّ، ونَحْوُ هَذا مِن أشْكالِهِ مِمّا لا يَخْفى عَلى مُتَشَرِّعٍ فَطِنٍ، يَطِيرُ طائِرُ فِكْرِهِ في فَسِيحِ ما أشارَ إلَيْهِ مِثْلُ قَوْلِهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: «إذا حَدَّثَ الرَّجُلُ فالتَفَتَ فَهي أمانَةٌ» رَواهُ أحْمَدُ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ عَنْ جابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب