الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾. ﴿الشَّيْطَانُ﴾ مبتدأ وخبره جملة: ﴿يَعِدُكُمُ﴾، و﴿وَيَأْمُرُكُمْ﴾ فيها قراءتان: الضم والسكون ﴿وَيَأْمُرْكُمْ﴾ ، أما قراءة الضم فلا إشكال فيها؛ لأنه معطوف على مرفوع ﴿يَعِدُكُمُ﴾ ﴿وَيَأْمُرُكُمْ﴾.
وأما قراءة الجزم ففيها إشكال؛ لأن المعروف في قواعد النحو أن الفعل المضارع إذا لم يدخل عليه جازم ولا ناصب يكون مرفوعًا، وهنا كان مجزومًا قالوا: إن جزمه هنا للتخفيف لتخفيف النطق؛ لأن قوله: ﴿وَيَأْمُرْكُمْ﴾ أخف على اللسان من قوله: ﴿وَيَأْمُرُكُمْ﴾.
لكن هذه قاعدة غير متعدية، إنما يُعلَّل بها ما ثبت، هذه عِلَّة غير متعدية، وإنما يُعلّل بها ما ثبت، وأيش الفرق بين يعني لماذا قلنا غير متعدية؟
لأننا لو قلنا متعدية لكان قياس ذلك أن كل لفظة في القرآن يكون فيها ثقل على اللسان تُسكّن، وليس كذلك؛ لأن القرآن مبني على السماع، لكن إذا وردت قراءة فيها خِفّة وتُخالف القواعد العربية المعروفة فنحن نقول: خُولفت القاعدة للتخفيف.
وقوله: ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾ هذه أيضًا جملة مكونة من مبتدأ وخبر، المبتدأ ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾؟ المبتدأ؟
* الطالب: ﴿وَيَأْمُرْكُمْ﴾ الراء ساكنة.
* الشيخ: إي فيها قراءة قلت لكم، فيها قراءة سبعية نعم الراء، فيها قراءة سبعية ﴿وَيَأْمُرْكُمْ﴾ وفيها قراءة: ﴿يَأْمُرُكُمْ﴾ فيها قراءتان.
﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ﴾ أيضًا جملة مكونة من مبتدأ وخبر، المبتدأ ﴿اللَّهُ﴾، والخبر جملة ﴿يَعِدُكُمْ﴾. ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ جملة خبرية أيضًا مكونة من مبتدأ وهو ﴿اللَّهُ﴾، ﴿وَاسِعٌ﴾ خبر، و﴿عَلِيمٌ﴾ خبر ثانٍ.
يقول الله عز وجل: إن ﴿الشَّيْطَانُ﴾ والشيطان اسم من أسماء إبليس قيل: إنه مشتق من (شطَن) إذا بعُد، وعلى هذا فالنون أصلية. وقيل: إنه مشتق من (شاطَ) إذا تغيظ وغضب؛ لأنه هو صفته التغيظ والغضب والحمق والجهل، ولكن الأول أقرب إنه من (شطن) إذا بعد بدليل أنه مصروف، قال الله تعالى: ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ [الحجر ١٧]
وصرفه دليل على أن النون؟ أصلية ولا زائدة؟
* الطلبة: أصلية.
* الشيخ: أصلية، وإنما كان كذلك؛ لأن الله أبعده في قوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الحجر ٣٥].
يقول: إن الشيطان يعد بني آدم الفقر ويأمره بالفحشاء، يعده الفقر يقول: لا تُنفق، لا تُنفق؛ لأنك إن أنفقت افتقرت، إذا كان عندك مئة ريال وأنفقت عشرة كم بقي؟
* الطلبة: تسعين.
* الشيخ: تسعين، أنفقت عشرة أخرى بقي ثمانين، أنفقت خمسين بقي ثلاثين، أنفقت عشرين بقي عشرة، أنفقت عشرة صرت فقيرًا، فهو يقول لك: لا تنفق؛ فإنك إن أنفقت صرت فقيرًا، فهو يعدكم الفقر، ولكن هذا صحيح ولَّا لا؟
* الطلبة: لا، غير صحيح.
* الشيخ: لا، قال النبي ﷺ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ»[[أخرجه مسلم (2588) من حديث أبي هريرة.]] الصدقات ما تُنقص الأموال.
وقال الله تعالى: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ [الروم ٣٩] يعني هم الذين نالوا درجة التضعيف.
قال: ﴿يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ والفقر هو الخلو، ويوافقه في الاشتقاق الأكبر (القفر) وهي الأرض الخالية، يعني خلو ذات اليد. ﴿وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ فهو يعد ويخوف من الفقر ويأمر بالفحشاء، ما المراد بالفحشاء هنا؟
الفحشاء هو البخل؛ لأن الفحشاء في كل موضع بحسبه، والموضع الذي هنا هو موضع إنفاق، والذي يُستفحش فيه هو البخل، فالشيطان يأمر بالبخل، والبخل الذي يأمر به الشيطان قسمان: بخل بواجب كالبخل بالزكاة، والبخل بواجب النفقة للزوجة والأقارب، وبخل بمستحب، هذا هو الذي يأمر به الشيطان، أما البخل بالمباح فالشيطان لا يأمر به؛ لأنه لا يفيد المرء، إذا أنفق أو لم يُنفق بل قد يكون عدم إنفاقه في المباح أوْلى.
قال الله تعالى: الفحشاء قلت: إن المراد به هنا البخل، وتأتي لغير البخل؟ نعم، تأتي لما يُستفحش من الذنوب عمومًا مثل قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾ [النجم ٣٢] وتأتي للزنا واللواط ونكاح ذوات المحارم.
قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [الإسراء ٣٢].
وقال الله تعالى في نكاح ذوات المحارم: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾ [النساء ٢٢]، وقال في اللواط قال عن لوط: ﴿أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ [الأعراف ٨٠]. ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾ شوف فرق بين هذا وهذا.
﴿يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً﴾ لأن الصدقات تُكفَّر بها الخطايا، قال النبي ﷺ: «الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ» »[[أخرجه الترمذي (2616) من حديث معاذ بلفظ: «وصَلَاة الرّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ».]].
﴿وَفَضْلًا﴾ يعني زيادة، فالصدقة تزيد المغفرة ضد يأمركم.
﴿يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لا تتابعوني حتى تيقنوا.
* الطلبة: الفضل ضد الفقر.
* الشيخ: الفضل ضد الفقر، والمغفرة ضد الفحشاء؛ لأن الفحشاء تُكسب الذنوب والمغفرة تمحو الذنوب، ففرق بين هذا وهذا.
وقوله ﴿وَفَضْلًا﴾ إذا قال قائل: كيف تكون الصدقة أو الإنفاق من المال فضلًا ونحن نشاهد أنه ينقص؟ فالعشرة إذا أنفق منها درهمًا صارت تسعة، فما وجه الزيادة؟ أو على الأقل ما وجه عدم النقص؟
* طالب: على وجهين؛ الوجه الأول: أن هذا البركة والزيادة في الآخرة والله سيجزيه حسنات، الشيء الثاني: أن البركة التي تُعطى بركة قد تكون معنوية، وقد تكون حسية في بعض الأحيان فيزيد ماله، فما المعقول في هذا؟
* الشيخ: نقول: الزيادة! أما بالنسبة لزيادة الأجر في الآخرة فالأمر ظاهِر، إذا أنفقت درهمًا جاءك في الآخرة عشر دراهم إلى سبعمئة درهم، هذه زيادة، لكن إذا أردنا الزيادة الحسية في الدنيا كيف تكون الزيادة؟ قلنا: الزيادة من عدة أوجه:
الوجه الأول: أن الإنسان قد يفتح الله له باب رزق فيتكسَّب ويزيد المال، أليس كذلك؟
* الطالب: بلى.
* الشيخ: ثانيًا: أن هذا المال ربما يقيه الله تعالى آفات لولا الصدقة لوقعت فيه، وهذا مشاهَد، ولهذا عند العامة الآن إذا ضاع للإنسان شيء ثم وجده بعد يقولون: هذا مال مُزكّى، يعني عند العامة إن المال إذا زُكِّي فالزكاة تقيه الآفات، واضح.
الشيء الثالث مما يزيده: هو البركة، البركة في الإنفاق، إذا نُزعت البركة من الإنفاق فقد يُنفق الإنسان عشرين درهمًا في أمور ما تنفعه، وإذا حلت البركة صار الإنفاق اليسير يقضي به الإنسان حاجات كثيرة، وهذا شيء مشاهَد، وأظن أني قد حكيت عليكم قصة وقعت مع رجلين اقتسما ثمر نخل، وكان ذلك في رمضان، أما أحدهما فقال: سأجذ الثمرة في رمضان نهارًا من أجل أن لا يحضر الفقراء فيأكلوا منه.
* الطلبة: بالليل؟
* الشيخ: لا، نهارًا، بالليل يجيون يأكلون.
أما الثاني فقال: أؤجل جذاذ النخل إلى الفطر وأجذ في النهار حتى يأتي الناس ويأكلون، شوف، وقُسم الثمر وقال أحدهما للآخر: تخيّر، خذ الذي تريد، فأخذ ما يرى أنه الأكثر، الذي أخذه مَن؟ البخيل، أخذ النصيب الذي يرى أنه الأكثر (...) لما جذوا النخل صار سهم الكريم الذي جذه بعد الفطر وأكل الفقراء منه كثيرًا صار أكثر من ذاك، فتخاصم الرجلان إلى القاضي، وادعى البخيل أن القسمة غلط مع أن الكريم كان قد خيّره، لما ترافعا إلى لقاضي قال: طيب، خيّرك؟ قال: نعم، قال له: اخترت سهمك؟ قال: نعم، لماذا؟ قال: لأني رأيته أكثر. قال: أقررت على نفسك الآن، كيف تطالب؟ ثم قال الكريم: إن القصة كذا وكذا وكذا، هو جذه في النهار في رمضان ولم يحضره فقير يأكل، وأنا أخّرته، ولما صار يوم العيد قلت للناس: إننا سنجذ النخل في اليوم الفلاني فمن شاء منكم أن يحضر فليحضر، وحضر المساكين كثيرًا وأكلوا، فقال له الشيخ: هذا مصداق قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ»[[أخرجه مسلم (2588) من حديث أبي هريرة.]] شوف سبحان الله العظيم، هذا الشيء يعني مشهور عندنا في البلد (...) ﴿يُؤْتِي﴾ بمعنى يعطي، وهي في هذه الحال تنصب مفعولين، أصلهما المبتدأ والخبر أو لا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: ليس أصلهما المبتدأ والخبر. ويقال: يأتي ويأتي بمعنى يجيء، وهي في هذه الحال تنصب مفعولًا واحدًا ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ﴾ [يونس ٥٠]. أما إذا كانت من (آتى) بمعنى أعطى فهي تنصب مفعولين؛ المفعول الأول هنا ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ الحكمة، والثاني: (مَنْ) في قوله: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾.
وقوله: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ﴾ ربما نقول: إن هذه الجملة الثانية تدل على أن المفعول الأول ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ﴾ هو (مَنْ ) و﴿الْحِكْمَةَ﴾ هي المفعول الثاني؛ لأنه جعل المؤتى في قوله: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾ هو اسم الشرط ﴿مَنْ يُؤْتَ﴾. وقوله: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾. ﴿يُؤْتَ﴾: فعل مضارع مبني لأيش؟
* الطلبة: للمجهول.
* الشيخ: للمفعول، ونائب الفاعل فيه هو المفعول الأول، و﴿الْحِكْمَةَ﴾ هي المفعول الثاني، وجملة ﴿فَقَدْ أُوتِيَ﴾ هي جواب الشرط. و﴿أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ نقول فيها كما قلنا في ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
قال: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ ﴿أُولُو﴾ في هذا التركيب.
﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو﴾؟ ﴿أُولُو﴾ وأيش إعرابها؟
* الطالب: فاعل.
* الشيخ: (أولو) فاعل لـ﴿يَذَّكَّرُ﴾ لأن الاستثناء هنا مفرغ، و﴿أُولُو﴾ بمعنى أصحاب وهي ملحقة بجمع المذكر السالم، ولهذا رُفعت بالواو.
يقول الله عز وجل في هذه الآية: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ يعني أن الله تعالى يُعطي الحكمة من يشاء من عباده، وذلك لأن الأمر كله بيده سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران ٢٦].
الحكمة بيد الله عز وجل يؤتيها من يشاء من عباده، وقد مر علينا كثيرًا بأن فعل الله المقيَّد بمشيئته يُردّ إلى الحكمة على ما تقتضيه الحكمة، واستدللنا لذلك بقوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠]، فالله سبحانه وتعالى يُعطي الحكمة من يعلم أنه أهل لها، كما يُعطي الرسالة من يعلم أنه أهل لها ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام ١٢٤]
وليس فعل الله عز وجل لمجرد مشيئة أنه يُعطي هذا ويمنع هذا بس بمجرد أنه شاء هذا أو شاء هذا، ولكنه لحكمة.
وقوله: ﴿الْحِكْمَةَ﴾ ما هي؟ الحكمة فِعلة من أحكم يُحكم إحكامًا؛ بمعنى أتقن، ولا إتقان إلا بأمرين: بالعلم، والرشد، لا يمكن أن يحصل إحكام لأي شيء من الأشياء إلا بأمرين هما: العلم والرُّشد؛ لأن من فاته العلم كيف يُحكِم الشيء وهو لا يعلم؟
لو قيل لك: إن هذا الرجل سوف يصنع ساعة، ويتقنها ويحسنها وهو لم يتعلم كيف يصنع؟ هل يمكن أن يصنعها أو لا؟
* الطلبة: لا، مستحيل.
* الشيخ: لا يمكن. لو قيل لك: إن هذا الرجل سوف يبني بناء وهو عالم بالبناء، ولكنه سفيه ما يحسن أن يتصرفن لا يحسن أن يضع الأعمدة ولا الجسور ولا المسطحات ولا شيء من هذا، يعني هو جيد وعنده عِلم، لكن ما عنده حسن تصرف، ليس عنده حسن التصرف، هل يمكن أن يُحكِم ولَّا لا؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: لا يمكن، إذن فالحكمة تعود إلى شيئين؛ العلم والرشد؛ ولهذا قال الله عز وجل لنبيه محمد ﷺ: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء ١١٣]. فبالكتاب العلم، وبالحكمة الرشد، وإن شئت فقل: إن الحكمة تشمل العلم والرشد أيضًا وهي السنة.
على كل حال الله عز وجل يهب الحكمة من يشاء، فتجد بعض الناس يهبه الله علمًا ورشدًا، عنده علم عنده رشد، ينزل الأشياء في منازلها، يُعطي عند كون العطاء أنفع، ويمنع عند كون المنع أنفع، ويتكلم إذا كان الكلام أنفع، ويسكت إذا كان السكوت خيرًا، وهكذا، نقول هذا أيش؟ هذا حكمة، ورشد، علم لأنه علم أن هذا أنفع ورشد؛ لأنه سلك النافع،
فإذا مَنَّ الله على الإنسان بهذا الأمر بالحكمة فإن الله يقول: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ يعني من يهبه الله الحكمة والعلم والرشد فإنه يؤتى خيرًا كثيرًا؛ لأن لديه العلم والرشد فلا يفوته شيء ولا يُضيّع فرصة وهو عالم بأمور الخير وأمور الشر.
وقوله: ﴿فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ ولم يقل سبحانه وتعالى: فقد أوتي الخير كله؛ لأنه مهما كان الإنسان فهو ناقص مهما كان، مهما بلغ في العلم وفي الرشد فإنه ناقص يرد عليه الجهل ويرد عليه سوء التصرف، ولهذا ينبغي للإنسان أن يكون دائمًا يسأل الله تعالى التوفيق والرشاد والسداد؛ لأنه مهما كان ناقص، أحيانًا يتكلم الإنسان وهو حين يتكلم بالشيء يرى أنه على صواب، ثم بدأ يتبين له أنه خطأ، لماذا؟
لأنه فاته إما العلم وإما الرشد، بل حتى الإنسان المجتهد أحيانًا يجتهد في طلب الحق ويتحرى ويدرس النصوص، ثم يقول: الحكم كذا، وبعد مُضي مدة يتغير اجتهاده، ويرى أن الحكم خلاف الحكم الأول، وهذا نقص ولَّا كمال؟
* الطلبة: نقص.
* الشيخ: هذا نقص، ولكنه يكون كمالًا إذا رجع إلى الحق، ولم ينتصر لنفسه ويبقى على خطئه. يقول: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ قد تقول: لماذا اختلف الأسلوب في قوله: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ﴾ ثم قال: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾؟ لماذا لم يقل: ومن يؤته الحكمة؟ لأنه قال في الأول: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾، فلماذا قال: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾؟
الجواب والله أعلم: أن الحكمة قد تكون غريزة وقد تكون مكتسبة بمعنى أن الإنسان قد يحصل له مع المران ومخالطة الناس من الحكمة وحسن التصرف ما لا يحصل له لو كان منعزلًا عن الناس، ولهذا أتى بالفعل المضارع المبني للمفعول ليعُم كل طرق الحكمة التي تأتي منها سواء أُوتي الحكمة من قِبل الله عز وجل أو من قِبل الممارسة والتجارب على أن ما يحصل من الحكمة بالممارسة والتجارب هو من الله عز وجل، هو الذي قيض لك من يفتح لك أبواب الحكمة وأبواب الخير.
يقول: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ ﴿مَا يَذَّكَّرُ﴾ التذكر بمعنى الاتعاظ والاعتبار بالأمور ومجاريها ونتائجها وثمراتها. ﴿مَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو﴾ أي أصحاب ﴿الْأَلْبَابِ﴾ أي العقول؛ لأن الألباب جمع (لُبّ) وهو العقل. أصحاب العقول هم الذين يتذكرون سواء كان ذلك فيما أجرى الله على عباده من السنن السابقة في تعذيب المكذِّبين وإهلاك المجرمين، أو كان فيما يحصل من تجارب الحياة في زمانهم فإنه كما قيل: العاقل من اتعظ بغيره، كل إنسان عاقل يأخذ من الأمور عِبرًا ودروسًا، ولذلك تجده ينظر ويفكر ويقيس الماضي بالحاضر ويقيس المستقبل بالحاضر ليصل إلى نتيجة، أما من ليس عنده عقل فهو غافل، غافل لا يتذكر ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس ١٠١].
إذا قال قائل: هل اللب هو الذكاء أو شيء آخر؟
* طالب: هو الذكاء.
* الشيخ: لا، اللب قلنا: إنه العقل، والعقل غير الذكاء، قد يكون من الكفار من هو غاية في الذكاء، لكنه غاية في السفه، ولهذا وصف الله الكفار بأنهم ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ١٧١].
﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة ١٧١].
إذن مهما رأينا من سياسات الأمم الكافرة وذكائها لا ينبغي أبدًا أن نقول إنهم عقلاء، كيف الله يقول ﴿فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ وأنت تقول إنهم عقلاء؟! ولكن نقول: إنهم أذكياء، ولا يلزم من الذكاء العقل؛ العقل حُسن التصرف، ولهذا سمي العقل عقلًا؛ لأنه يعقل صاحبه عما يضره، أما الذكاء فهو حِدة الإدراك والفهم قد يُحمد وقد لا يحمد، ولهذا قال شيخ الإسلام رحمه الله في الفتوى الحموية عن المتكلمين قال: إنهم أوتوا ذَكاء ولم يُؤتوا ذَكاء، هذا جناس تام ولّا غير تام؟
* الطلبة: غير تام.
* الشيخ: جناس غير تام. الظاهر أنكم ما تعرفون بعد الجناس..
ولا علوم سمعية، وهم الذين يدعون أنهم؟ أنهم العقلاء، وأنهم أصحاب العقل، المهم أن ﴿الْأَلْبَابِ﴾ جمع لب وهو العقل، والعقل شيء غير الذكاء ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم، غيره.
* الشيخ: غير الذكاء، ولهذا أقول لكم إن العباقرة في الذكاء من الكفار لا يصح أن نسميهم عقلاء أبدًا، وأيش نسميهم؟
* الطلبة: أذكياء.
* الشيخ: أذكياء، أما عقلاء فلا.
يستفاد من هذه الآية الكريمة: عدة فوائد.
* طالب: الآية الماضية.
* الشيخ: طيب الآية التي قبلها ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة ٢٦٨] إلى أخره.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: إثبات الشياطين؛ لقوله: ﴿الشَّيْطَانُ﴾، وقد سبق أن المراد بالشيطان هنا الجنس، ما هو بشيطان معين بشخصه، معين بأيش؟ بجنسه،، يعني: جنس الشياطين.
* ومن فوائد الآية: أن للشيطان تأثيرًا على بني آدم إقدامًا أو إحجامًا، فإذا وعدنا الفقر وأمرنا بالبخل فإن مقتضى ذلك الإحجام، وعدم البذل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن أبواب التشاؤم لا يفتحها إلا الشياطين؛ لقوله: ﴿يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ فالشيطان هو الذي، يفتح لك باب التشاؤم، يقول: إذا أنفقت، أنت الآن عندك عشرين ريال، أنفقت عشرة اليوم، واليوم الثاني خمسة، كم بقي؟ خمسة، وبكرة ثلاثة، بقي ريالين، وبعده ريالين أصبحت فقيرًا، لا تنفق، الإنسان بشر ربما ما ينفق، ربما ينسى قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ [سبأ ٣٩] وقول رسوله ﷺ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ»[[أخرجه مسلم (٢٥٨٨ / ٦٩) من حديث أبي هريرة.]].
* من فوائد الآية الكريمة: بيان عداوة الشيطان للإنسان؛ لأنه في الواقع عدو له في الخبر، وعدو له في الطلب، في الخبر يعده أيش؟ الفقر، في الطلب يأمره بالفحشاء، فهو عدو مخبرًا وطالبًا، والعياذ بالله.
* من فوائد الآية الكريمة: أن البخل من الفواحش، صح؟ لأيش؟ لأن المقام مقام إنفاق، فيكون الذين يأمرنا به الشيطان عدم الإنفاق، لكن هل إن البخل هو الفاحشة أو أنه من الفاحشة؟ من الفاحشة، نحن ذكرنا في أثناء التفسير أن الفاحشة جاءت لغير هذا المعنى في عدة آيات.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الشيطان يأمر بعد الوسوسة والتهويل والتشاؤم يأمر يقول: لا تنفق، ولَّا يقول أمسك؟
* طالب: لا تنفق.
* طالب: أمسك.
* الشيخ: افطن.
* طالب: نفس الشيء.
* الشيخ: واحدة ثنتين، هل نقول: أمسك ولَّا لا تنفق؟
* طلبة: أمسك.
* طلبة: لا تنفق.
* طالب: يقول لا تنفق ياشيخ.
* الشيخ: ﴿يَأْمُرُكُمْ﴾؟
* الطلبة: أمسك؟
* الشيخ: أمسك أيه، أمسك؛ لأننا إذا قلنا: لا تنفق فهو نهي، فهو يصير الأمر من باب اللازم، لكن إذا قلنا أمسك؟
* طالب: صار مطابق
* الشيخ: صار مطابق، ثم كلمة أمسك أشد من كلمة لا تنفق، كأنه يقول: لا تنفق وشدِّد في الحفظ أمسك.
هل هناك أحد يأمر بهذا غير الشيطان؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: وأيش هو؟
* طالب: النفس.
* الشيخ: النفس ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾ [يوسف ٥٣].
هل يمكن أن نقول: إنه يستفاد من الآية أن من أمر شخصًا بالإمساك عن الإنفاق فهو شبيه بالشيطان؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: كذا؟ صحيح، الذي يأمر الناس بالإمساك عن الإنفاق المشروع ما هو الإنفاق الغير المشروع شبيه بمن؟ بالشيطان. الذي يأمر غيره بالإنفاق المبذر؟
* طالب: من إخوان الشيطان.
* الشيخ: المبذر أخو الشيطان ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء ٢٧] والآمر له بالتبذير؟ الظاهر أنه شيطان؛ لأنه كل من يأمر بالسوء يأمر بالفحشاء فهو شيطان.
* ومن فوائد الآية الكريمة: شوف هذا الوعد، الوعد الكريم اللذيذ ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾ الله أكبر، شتان ما بين الوعدين، الشيطان يعدكم الفقر ﴿وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾.
قد يقول قائل: هل في الآيتين تطابق؟ أو بالأصح تقابل؟ ﴿يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾، لكن الله يقول: ﴿يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾، زاد ولَّا ما زاد؟
* الطلبة: زاد.
* الشيخ: يعني يعدنا بشيئين: بالمغفرة والفضل، المغفرة للذنوب والفضل لزيادة المال في بركته ونمائه، واضح ولَّا لا؟ إذن نكتسب بالإنفاق هذين الأمرين الذين وعد الله تعالى بهما وهما: المغفرة والفضل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن هذه المغفرة التي يعدنا الله بها مغفرة عظيمة. ﴿مِنْهُ﴾ لأيش؟ لأن عظم العطاء من عظم المعطي، ولهذا جاء في الحديث الذي وصى به النبي ﷺ أبا بكر قال: «فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٨٣٤)، ومسلم (٢٧٠٥ / ٤٨) من حديث أبي بكر الصديق.]]. ومعلوم أن العطية بحسب المعطي، ﴿مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن التفاؤل من الله، من أين؟
* الطلبة: يعدكم الله.
* الشيخ: ﴿يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا﴾ فإذا تفاءل الإنسان على ربه إذا أنفق، وهو يحسن الظن بالله عز وجل أن الله يغفر له الذنوب، ويزيده من فضله كان هذا من خير ما تنطوي عليه السريرة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات اسمين من أسماء الله، وهما: واسع وعليم، وإثبات صفتين من صفاته: السعة والعلم، إذا قال قائل: من أين أثبتَّ السعة؟
* الطلبة: من واسع.
* الشيخ: من واسع، والاسم يدل على الصفة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: أكيد؟
* طلبة: نعم، أكيد.
* الشيخ: ما أدري، أكيد؟ أكيد؟
* الطلبة: يا شيخ، أكيد يا شيخ.
* الشيخ: السميع يدل على السمع؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: والعليم؟
* الطلبة: يدل على العلم.
* الشيخ: يدل على العلم، وكل اسم من أسماء الله فهو دال على صفة لا بد، وقد مر علينا أنه لا يتم الإيمان بالاسم حتى تؤمن بأنه اسم من أسماء الله، وأنه متضمن لصفة من صفاته دل عليها ذلك الاسم، وتؤمن بالأثر إذا كان من وصف متعد، واضح؟ ولا حاجة يا إخوان نقول: جيب دليل على إثبات الصفة؛ لأن اللغة العربية هي الدليل، القرآن نزل بأي لغة؟ بلغة العربية، اللغة العربية ما يمكن تقول السميع لمن لا سمع له، ولا الواسع لمن لا سعة له، ولا الحكيم لمن لا حكمة له، ومن ادعى أن العربية تأتي بمثل هذه الأسماء بدون إثبات للمعنى التي تضمنته فهو إما كاذب على اللغة العربية وإما جاهل بها، صح؟ إما كاذب وإما جاهل، أما رجل يعلم اللغة العربية ويصدق فيما يقول عنها فلا بد أن يقول إن كل اسم مشتق دال على الصفة التي تضمنها ولا بد، لو أنني رأيت رجلًا أعمى، ما شاء الله هذا الرجل البصير، وأيش تقولون؟
* الطلبة: تفاؤل.
* الشيخ: لا، بدون تفاؤل حقيقة.
* الطلبة: خطأ.
* الشيخ: تقول هذا كيف هذا رجل البصير، أعمى ما يشوف تقول عليه بصير؟!
رجل لو صارت عنده المدافع ما سمع ما شاء الله، جاءني الرجل السميع، أيش تقولون أنتم؟ تقولون: هذا الكلام جنون، كيف سميع وهو ما له سمع؟! واضح؟ إي نعم، أنا قال لي بعض الإخوة الحاضرين الآن قال لي إن واحد يقول: وأيش الدليل على أن الله له سمع؟ وأيش تقول لهذا؟ نقول: هات الدليل على أن لك عقلًا قبل أن نعطيك الدليل على أن الله له سمع، هل يمكن عقلا أو لغة أو عرفًا أن يقال السميع لمن لا سمع له؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: أبدًا، ما يمكن، لكن بعض الناس انفتح عليهم باب الاجتهاد، وأنا أقول: أنا أشكر وأحمد الله أن الله سبحانه وتعالى سخر أو فتح علينا طلب الدليل، لكن طلب الدليل في كل شيء حتى فيما الدليل فيه نقول: وأيش الدليل؟ صحيح هذا؟ هذا إسراف، هذا إسراف ما هو طلب دليل.
* طالب: الصفة الثالثة يا شيخ؟
* الشيخ: نعم؟
* طالب: سعة العلم.
* الشيخ: إيه، فيه أيضًا يستفاد من الاسمين والصفتين: إثبات صفة ثالثة باجتماعهما؛ لأننا قلنا فيما سبق، القاعدة أن الاسم من أسماء الله قد يتضمن إذا جمع إلى غيره صفة أخرى ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا﴾ [النساء ٤٣] شوف الجمع بين العفو والقدرة، لها ميزة أن عفوه غير مشوب بعجز إطلاقًا، لأيش؟ لأن بعض الناس قد يعفو لعجزه، واحد خطف غترة إنسان، وهرب بها واشتد المخطوف غترته وراءه سعيًا ولما عجز ليدركه قال: أنا مسامحك، أيش هذا العفو؟
* الطلبة: عجز.
* الشيخ: محمود هذا العفو ولَّا لا؟
* الطلبة: لا، غير محمود.
* الشيخ: الله أعلم، على كل حال، هو ضعيف، ربما يستفيد ذلك في الآخرة ما يطالبه فيه لكن هو ضعيف بلا شك، لكن إن الله كان عفوًَّا قديرًا، هذا كمال.
إذن ﴿وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ ما هي الصفة الثالثة التي تتولد من ذلك؟ أن علمه واسع، وكل صفاته واسعة، وهذا مأخوذ من اسمه الواسع، علمه، سمعه، بصره، قدرته كل صفاته.
ثم قال: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ [البقرة ٢٦٩] إلى آخره.
* من فوائد الآية الكريمة: إثبات أفعال الله المتعلقة بمشيئته؟
* طالب: في قوله: ﴿وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ أن سعة الله سبحانه وتعالى (...)
* الشيخ: لا، كل شيء.
* طالب: أن الصدقة تزيد المال.
* الشيخ: وأيش تقولون؟ الصدقة تزيد في المال، يؤخذ من قوله: ﴿وَفَضْلًا﴾.
يؤخذ من الآية الثانية: إثبات أفعال الله عز وجل التي تتعلق بمشيئته؛ لقوله: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ﴾ وهذه من الصفات، أيش؟
* الطلبة: الفعلية.
* الشيخ: الفعلية، من الصفات الفعلية.
* ومن فوائدها: أن ما في الإنسان من العلم والرشد فهو فضل من الله عز وجل لقوله: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ فأنت إذا من الله عليك بعلم ورشد وقوة وقدرة وسمع وبصر، لا تترفع هي من الله عز وجل ولو شاء الله لسلبها عنك بعد أن أعطاك إياها، قد يسلب الله سبحانه وتعالى العلم من الإنسان بعد أن أعطاه إياه، نعوذ بالله من ذلك، وربما يسلب منه الحكمة، تكون كل تصرفاته طيشًا وضلالًا وهدرًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات المشيئة، من أين نأخذها؟
* طالب: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾.
* الشيخ: ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾، طيب. وهل نقول فيها إثبات الحكمة لله؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: نعم فيها إثبات الحكمة لله عز وجل؛ لأن الحكمة كمال ومعطي الكمال أولى به، معطي الكمال أولى به عز وجل، فنأخذ من الآية: إثبات الحكمة لله بهذا الطريق.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الفخر العظيم لمن آتاه الله الحكمة؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾.
* ومن فوائدها: وجوب الشكر على من آتاه الله تعالى الحكمة؛ لأن هذا الخير الكثير يستوجب أيش؟ الشكر.
ومن فوائدها أيضًا: أن الحكمة قد تكون معلومة الطرق، يعني قد تتعدد طرق الحكمة؛ لقوله: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾ وهذا أمر مشاهد، فالإنسان يكتسب الحكمة بمقتضى غريزته، ويكتسبها بالتجارب والممارسات ولَّا لا؟ ولهذا أحيانًا تصاحب رجلًا ذا أخلاق فاضلة فتكتسب من أخلاقه دون أن يعلمك، أحيانًا تكتسب الأخلاق من جاهل وأنت أعلم منه، صحيح؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: نعم، هذا صحيح واقع؛ لأن الأخلاق غير العلم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: فضيلة العقل؛ لقوله: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾؛ لأن التذكر بلا شك يحمد عليه الإنسان، فإذا كان لا يقع إلا من صاحب العقل دل ذلك على فضيلة العقل.
ومن فوائدها أيضًا: أن عدم التذكر سفه، أو لا؟ الذي لا يتذكر ولا يعتبر بما مضى، وما حضر هذا في الحقيقة ليس بعاقل، أو لا؟ بل نقول: إنه ميت كما قال المتنبي:
؎مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الْهَوَانُ عَلَيْهِ ∗∗∗ مَــــا لِـــجُــــرْحٍ بِـــمَــــيِّـــــتٍإِيِــــــلَامُ
وهذا صحيح، فالإنسان الذي لا يعتبر ولا يتذكر هذا في الحقيقة ميت لا يستفيد شيئًا.
* من فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان بلا عقل، قشور، من أين نأخذها؟ من قوله: ﴿إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ حيث سمى العقل لبًّا.
تقدم لنا أن الله سبحانه تعالى بين أنه يؤتي الحكمة من يشاء، فهل هذه المشيئة مشيئة مطلقة مجردة، أم ماذا؟
* طالب: مشيئة مقرونة بالحكمة.
* الشيخ: مشيئة مقرونة بالحكمة؟ طيب، هل نطرد هذا في كل شيء؟ كلما جاءت المشيئة نقول: إنها مقرونة بالحكمة؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: طيب الدليل؟
* طالب: الدليل قوله سبحانه وتعالى في سورة الإنسان: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [الإنسان ٣٠]
* الشيخ: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ طيب أحسنت.
يقول: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ ما هي الحكمة؟
* طالب: هي وضع الشيء في موضعه.
* الشيخ: إي، بس؟
* طالب: العلم والرشد.
* الشيخ: العلم والرشد، طيب. الدليل على أن الحكمة بمعنى العلم؟ فـ(ما) هنا شرطية، والدليل على أنها شرطية؟
* طالب: تلزمه.
* الشيخ: أنها مركبة من شرط وجواب ﴿مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ [البقرة ٢٧٠] هذا الجواب ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾.
ثانيًا: يقول: ﴿مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ﴾ من هذه زائدة زائدة، أيش معنى زائدة زائدة؟ أي: زائدة إعرابًا، زائدة معنًى، فهي حرف جر زائد من حيث الإعراب؛ ولهذا نعرب ﴿مِنْ نَفَقَةٍ﴾ على أنها مفعول به، يعني: ما أنفقتم نفقة أو نذرتم نذرًا فإن الله يعلمه.
ويجوز أن تكون من بيانية ل ما في قوله: ﴿مَا أَنْفَقْتُمْ﴾، لأن ما الشرطية مبهمة والمبهم يحتاج إلى بيان.
وقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ جملة جواب الشرط، والفاء هنا واقعة في جواب الشرط وجوبًا، الشاهد لذلك من كلام ابن مالك قوله:
؎وَاقْرِنْ بِفَا حَتْمًا جَوَابًا لَوْ جُعِلْ ∗∗∗ شًرْطًا لِإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْيَنْجَعِلْ
واقرن بفاء حتمًا يعني وجوبًا، جوابًا لو جُعل شرطا لإن أو غيرها لم ينجعل، وإن هنا لو جعلت شرطًا لإن ما صحت؛ فلهذا وجب اقترانها بالفاء وهي في سبعة مواضع، مجموعة في بيت من ينشده لنا؟
* طالب: قوله:
؎اسْــمِــيِّــةٌ طَــلــَبِــيَّــةٌوَبِــجَــامِــدٍ ∗∗∗ وَبِــمَــا وَقَــدْ وَبِــلَــنْوَبِــالـتَّـنْـفِيـسِ
* الشيخ:
؎اسْــمِــيِّــةٌ طَــلــَبِــيَّــةٌوَبِــجَــامِــدٍ ∗∗∗ وَبِــمَــا وَقَــدْ وَبِــلَــنْوَبِــالـتَّـنْـفِيـسِ
يعني: إذا جاءت جملة شرط أحد هذه الأمور السبعة وجب اقترانها بالفاء.
طيب، ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ جملة ثبوتية أو سلبية؟
* طالب: سلبية.
* الشيخ: سلبية؛ يعني جملة نفي، والمبتدأ فيها قوله: ﴿مِنْ أَنْصَارٍ﴾ و من فيها زائدة، زائدة إعرابًا زائدة معنى، يعني تزيد المعنى وإن كان في الإعراب زائدة، ولهذا نعرب ﴿أَنْصَارٍ﴾ على أنها مبتدأ مؤخر مرفوع بالابتداء، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد.
يقول الله عز وجل مخاطبًا عباده: أي نفقة نفقتموها وأي نذر نذرتموه فإن الله يعلمه، والمقصود من الإخبار بالعلم بيان ما يترتب على العلم من المجازاة، فقوله: ﴿مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ﴾ يشمل النفقات الواجبة وعلى رأسها الزكاة، وسمي الإنفاق إنفاقًا؛ لأنه يخرج، فالإنسان يخرِج هذا المنفق عن ملكه، ويشمل الإنفاق المستحب مثل الصدقات والإنفاق في وجوه البر من أعمال خيرية وغيرها، أي نفقة ينفقها الإنسان فإن الله يعلمها، وهذه النفقة إن أنفقها لله يبتغي بها وجه الله أثيب عليها، حتى وإن كانت على نفسه أو على أهله، قال النبي عليه الصلاة والسلام لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «وَاعْلَمْ أَنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً» نفقة نكرة في سياق النفي فتعُمّ «نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُهُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٥٦)، ومسلم (١٦٢٨ / ٥) من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ: «... حتى ما تجعل في في امرأتك».]] مع أن إنفاق الإنسان على امرأته واجب على أنه معاوضة يجبر عليها، كيف على أنه معاوضة؟ لأنها في مقابلة الاستمتاع بالزوجة حتى هذا الشيء الواجب الذي أنا أستفيد من عوضه إذا فعلته لله أجرت عليه، الإنفاق الآن يشمل الواجب وعلى رأسه الزكاة، والمستحب وهو كل ما أنفقه الإنسان لله عز وجل من غير إلزام عليه بذلك من أعمال الخير.
﴿أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ﴾ النذر بمعنى الإلزام، والمراد به ما نذره الإنسان على نفسه من طاعة فإن الله يعلمه، والنذر قسمه العلماء إلى خمسة أقسام، وأصل عقده مكروه؛ لأن النبي ﷺ نهى عنه[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٦٦٠٨)، ومسلم (١٦٣٩ / ٤) من حديث عبد الله بن عمر.]] سواء عقده الإنسان ابتداء أو بشرط فإنه يكره، ولهذا تجد كثيرًا من الناس الناذرين تجدهم يتندمون، وأحيانًا يذهبون إلى أهل العلم؛ لعلهم يجدون رخصة أو فكاكًا من هذا النذر، وما دام الإنسان في عافية فإنه لا ينبغي له أن يلزم نفسه بما لم يلزمه الله به، ووظيفتكم أنتم أن تبينوا للناس أن عقد النذر مكروه حتى لا يلزموا أنفسهم به، ثم إن التخلف عن الوفاء به خطير جدًّا، فإن الله يقول: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [التوبة ٧٥، ٧٦] فما العقوبة؟ ﴿أَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة ٧٧] لكن إذا نذر فإن كان نذر طاعة وجب عليه الوفاء به سواء كان ابتدائيًّا أو معلقًا بشرط لقول النبي ﷺ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ»[[أخرجه البخاري (٦٦٩٦) من حديث عائشة.]].
﴿أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ﴾ هل يدخل في النذر الدخول في العبادات الواجبة؟
الظاهر أنه يدخل فيه؛ لأن الإنسان إذا شرع في عبادة واجبة لزمه إتمامها، حتى وإن كانت قضاء، فلو أن رجلًا صام يومًا من قضاء رمضان، فهل له أن يفطر؟ لا؛ لأنه شرع في واجب، والشروع في واجب دخول في هذا الواجب على أنه لازم له وواجب عليه، ولهذا قال العلماء: كل من شرع في فرض سواء كان موسعًا أو مضيقًا لزمه إتمامه.
طيب، يدخل في ذلك أيضًا الشروط (...) فقد فرضه على نفسه، ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج ٢٩]
ثم قال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ [البقرة ٢٧٠] يعلمه؛ أي يعلم ما أنفقتموه أو ما نذرتموه سواء كان ذلك الشيء ظاهرًا علنًا أو خفيًّا مستورًا؛ لماذا قلنا: سواء كان هكذا أو هكذا؟
لعموم قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ ولم يقل يعلم الظاهر منه، بل يعلم الظاهر والخفي، وعموم يعلمه
يشمل علمه على وجه الإجمال وعلى وجه التفصيل، والفائدة من ذكر علم الله به، الفائدة من ذلك الإشارة إلى ما يترتب على ذلك العلم من المجازاة، وإلا مجرد أن نعلم أن الله يعلمه بدون أن نشعر بما يستلزم ذلك العلم لا فائدة منه.
ثم قال عز وجل: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ يعني ليس للظالمين أحد ينصرهم، لا من قبل الله عز وجل ولا من قبل المخلوق، هذا ظاهر الآية، ولكن قد يورد علينا مورد أن الظالمين قد يجدون من ينصرهم من الظلمة، أليس كذلك؟ فنقول: نعم، يوجد من ينصرهم من الظَّلَمة، لكن مآلهم جميعًا إلى الخذلان؛ لقول الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ [الأنعام ٢١] فالظالم لا يفلح أبدًا مهما علت به الدنيا فسوف ينزل، ومهما كثر أنصاره فسوف يخذل، لا يمكن أن يقدر له الفلاح، لكن الله عز وجل قد يمكنه أحيانًا من أجل أن يمحقه، كما ذكر الله تعالى ذلك في فوائد الهزيمة يوم أحد، فإن الله ذكر من جملة فوائدها أن يمحق الكافرين؛ لأن الكافر إذا شعر بالنصر استعلى وزاد طغيانه، إذا زاد طغيانه فقد قرب هلاكه وإتلافه، فإذن نرد على هذا الإشكال أو على هذا الإيراد بأن الظالمين وأنصارهم مآلهم الخذلان، وإن تناصروا فإنهم لن يفلحوا.
هذه الآية اشتملت على فوائد كثيرة، الفائدة الأولى: أن الإنفاق قليله وكثيره يثاب عليه المرء، من أين يؤخذ؟
* طالب: (...).
* الشيخ: في سياق النفي؟
* طالب: أو الشرط.
* الشيخ: الشرط.
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: أحسن من قولك: أو الشرط أن تقول: بل الشرط. زين، يشمل القليل والكثير.
اشتراط الإخلاص في النفقة، هل يمكن أن يؤخذ من الآية؟ لأن النفقة بدون إخلاص لا تنفع، كيف يؤخذ؟
* طالب: من قول الله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ فإن هذا يستلزم الجزاء عليه ولا جزاء على شيء لا إخلاص فيه.
من فوائد الآية: أنه ينبغي للإنسان إذا أنفق نفقة أن يحتسب الأجر على الله، من أين يؤخذ؟ أن الإنسان إذا نفق نفقة ينبغي له أن يحتسب الأجر على الله عز وجل؟
* طالب: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾؛ لأنك إذا أنفقت وأنت تشعر أن الله يعلم هذا الإنفاق فسوف تحتسب الأجر على الله.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز النذر؟
* طالب: ما فيها جواز.
* الشيخ: ما فيها، كيف؟
* الطالب: لأن قال الله تعالى: ﴿أَوْ نَذَرْتُمْ﴾ هذا قيد قيد بالشرط إذا نذرتم..
* الشيخ: يعني ما يعطي بيان حكم النذر؟
* الطالب: ما يعطي.
* الشيخ: ولكن يعطي بأن الله يعلمه، ثم قد يعاقب عليه الإنسان وقد لا يعاقب، وأيش تقولون؟ صحيح الآية لا تدل على الجواز، كما لو قال قائل مثلًا: إذا سرقت فإن الله يعلم سرقتك، هل هذا يعطي أن السرقة جائزة؟ لا؛ ولهذا لا نقول: إن الآية تعارض الحديث وهو نهي النبي ﷺ عن النذر؛ لأنها لا تدل على جوازه، لكن إذا نذر وجب عليه الوفاء إذا كان نذره طاعة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: عموم علم الله عز وجل، من أين تؤخذ؟
* طالب: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾.
* الشيخ: وجه العموم؟
* الطالب: كل نفقة أو نذر فإن الله يعلم.
* الشيخ: أن ﴿مَا أَنْفَقْتُمْ﴾ هذه عامة؛ لأن أدوات الشرط تفيد العموم.
* ومن فوائد الآية: الرد على غلاة القدرية؟
* طالب: أنهم يقولون إن الله سبحانه وتعالى لا يعلم الشيء (...)
* الشيخ: إن الله لا يعلم الشيء، وبعضهم يقول ما يعلم بالأشياء أيضًا، أن الإنسان مستقل بعمله، وليس لله فيه تدخل إطلاقًا، لكن الآية ترد عليهم، أما من يقول منهم إن الله يعلم الشيء بعد وقوعه فلا ترد عليه؛ لأن الآية صريحة في أن الله يعلمه بعد وقوعه.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى لا ينصر الظالم.
* طالب: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾.
* الشيخ: طيب، ولكن يَرِد على هذا ما وقع في أحد أن الله سبحانه وتعالى نصر الكافرين.
* طالب: نقول: إن نصرهم لحكمة من الله سبحانه وتعالى هو أن يؤدب المؤمنين لمعصية الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد أذن في المعركة ألا يُلاحقوا النبي ﷺ، وهذا ما (...)
* الشيخ: نقول في هذا بأن نصر الله لهؤلاء الكافرين ليس من أجل أن ينتصروا على المسلمين، ولكن من أجل العقوبة لما حصل ﴿حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ﴾ [آل عمران ١٥٢]، ثم هذا النصر أيضًا هل هو نصر مؤبد؟ لا؛ لأن الله ذكر أن هذا لإغراء الكافرين على كفرهم وطغيانهم حتى يمحقهم نهائيًّا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن من دعا على أخيه وهو ظالم له فإن الله لا يجيب دعاءه.
* طالب: أقول: إن هذا طالب، وقد دعا على أخيه وهو ظالم له لا يسر الله على أخيه من دونه.
* الشيخ: نعم؛ لأنه لو أجيب لكان نصرًا له، وعلى هذا فإذا شهدت على شخص بحق، ودعا عليك، وقال: الله لا يربح فلانًا اللي علم علي، هل يقبل دعاؤه أو لا؟ لا؛ لأنه ظالم، والله عز وجل لا ينصر الظالمين أبدًا ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾، والله سبحانه وتعالى أحكم وأعدل من أن ينصر الظالم، كثير من الناس الآن يخشون من دعوة الإنسان حتى وإن كان ظالمًا، ولكن نقول: كن مطمئنَّا فإن الظالم لن ينصره الله عز وجل وليجيب دعاءه، لكن فكر في نفسك أنت، هل أنت ظالم أم لا؟ لأنه ربما يكون منك ظلم فتجاب دعوته لأيش؟ لظلمك، وأنت لا تشعر، وأما إذا كان ظالمًا ظلمًا محضًا فإنه لن يجاب.
فيه أيضًا الثواب على القليل والكثير؟
* طالب: يقول سبحانه: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ﴾ النفقة تشمل القليل والكثير.
* الشيخ: طيب، هل في القرآن ما يشهد لذلك؟
* طالب: ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً﴾ [التوبة ١٢١]
* الشيخ: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ﴾ [الكهف ٤٩]
* طالب: لا، في النفقة.
* الشيخ: ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً﴾ طيب، فيه أيضًا غيرها؟
* طالب: الآية التي في سورة الكهف، قول الله تعالى: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف ٤٩]
* الشيخ: طيب، وفي آخر سورة الزلزلة ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ﴾ [الزلزلة ٧، ٨].
{"ayahs_start":268,"ayahs":["ٱلشَّیۡطَـٰنُ یَعِدُكُمُ ٱلۡفَقۡرَ وَیَأۡمُرُكُم بِٱلۡفَحۡشَاۤءِۖ وَٱللَّهُ یَعِدُكُم مَّغۡفِرَةࣰ مِّنۡهُ وَفَضۡلࣰاۗ وَٱللَّهُ وَ ٰسِعٌ عَلِیمࣱ","یُؤۡتِی ٱلۡحِكۡمَةَ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِیَ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ","وَمَاۤ أَنفَقۡتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوۡ نَذَرۡتُم مِّن نَّذۡرࣲ فَإِنَّ ٱللَّهَ یَعۡلَمُهُۥۗ وَمَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ أَنصَارٍ"],"ayah":"یُؤۡتِی ٱلۡحِكۡمَةَ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِیَ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق