الباحث القرآني
* (لطيفة)
وقال لأهل بيت رسوله ﷺ: ﴿واذْكُرْنَ ما يُتْلى فِى بُيُوتِكُنَّ مِن آياتِ اللهِ والحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب: ٣٣].
فالحكمة التي جاءت بها الرسل: هى الحكمة الحق المتضمنة للعلم النافع والعمل الصالح للهدى ودين الحق، لإصابة الحق اعتقادا وقولا وعملا.
وهذه الحكمة فرقها الله سبحانه بين أنبيائه ورسله، وجمعها لمحمد صلى الله تعالى عليه وسلم، كما جمع له من المحاسن ما فرقه في الأنبياء قبله، وجمع في كتابه من العلوم والأعمال ما فرقه في الكتب قبله.
فلو جمعت كل حكمة صحيحة في العالم من كل طائفة لكانت في الحكمة التي أوتيها صلوات الله وسلامه عليه جزاء يسيرا جدا لا يدرك البشر نسبته.
* [فَصْلٌ مَنزِلَةُ الحِكْمَةِ]
وَمِن مَنازِلِ ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ مَنزِلَةُ الحِكْمَةِ.
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشاءُ ومَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾
وَقالَ تَعالى: ﴿وَأنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتابَ والحِكْمَةَ وعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: ١١٣]
وَقالَ عَنِ المَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الكِتابَ والحِكْمَةَ والتَّوْراةَ والإنْجِيلَ﴾ [آل عمران: ٤٨].
الحِكْمَةُ في كِتابِ اللَّهِ نَوْعانِ: مُفْرَدَةٌ. ومُقْتَرِنَةٌ بِالكِتابِ. فالمُفْرَدَةُ: فُسِّرَتْ بِالنُّبُوَّةِ، وفُسِّرَتْ بِعِلْمِ القُرْآنِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: هي عِلْمُ القُرْآنِ: ناسِخِهِ ومَنسُوخِهِ، ومُحْكَمِهِ ومُتَشابِهِهِ. ومُقَدَّمِهِ ومُؤَخَّرِهِ. وحَلالِهِ وحَرامِهِ. وأمْثالِهِ.
وَقالَ الضَّحّاكُ: هي القُرْآنُ والفَهْمُ فِيهِ. وقالَ مُجاهِدٌ: هي القُرْآنُ والعِلْمُ والفِقْهُ. وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ: هي الإصابَةُ في القَوْلِ والفِعْلِ.
وَقالَ النَّخَعِيُّ: هي مَعانِي الأشْياءِ وفَهْمُها.
وَقالَ الحَسَنُ: الوَرَعُ في دِينِ اللَّهِ. كَأنَّهُ فَسَّرَها بِثَمَرَتِها ومُقْتَضاها.
وَأمّا الحِكْمَةُ المَقْرُونَةُ بِالكِتابِ: فَهي السُّنَّةُ. وكَذَلِكَ قالَ الشّافِعِيُّ وغَيْرُهُ مِنَ الأئِمَّةِ.
وَقِيلَ: هي القَضاءُ بِالوَحْيِ. وتَفْسِيرُها بِالسُّنَّةِ أعَمُّ وأشْهَرُ.
وَأحْسَنُ ما قِيلَ في الحِكْمَةِ. قَوْلُ مُجاهِدٍ، ومالِكٍ: إنَّها مَعْرِفَةُ الحَقِّ والعَمَلُ بِهِ. والإصابَةُ في القَوْلِ والعَمَلِ.
وَهَذا لا يَكُونُ إلّا بِفَهْمِ القُرْآنِ، والفِقْهِ، في شَرائِعِ الإسْلامِ، وحَقائِقِ الإيمانِ.
والحِكْمَةُ حِكْمَتانِ: عِلْمِيَّةٌ، وعَمَلِيَّةٌ. فالعِلْمِيَّةُ: الِاطِّلاعُ عَلى بَواطِنِ الأشْياءِ. ومَعْرِفَةُ ارْتِباطِ الأسْبابِ بِمُسَبِّباتِها، خَلْقًا وأمْرًا. قَدَرًا وشَرْعًا.
والعِلْمِيَّةُ كَما قالَ صاحِبُ " المَنازِلِ " وهي وضْعُ الشَّيْءِ في مَوْضِعِهِ.
* (فصل)
التَّذَكُّرُ والتَّفَكُّرُ مَنزِلانِ يُثْمِرانِ أنْواعَ المَعارِفِ، وحَقائِقَ الإيمانِ والإحْسانِ، والعارِفُ لا يَزالُ يَعُودُ بِتَفَكُّرِهِ عَلى تَذَكُّرِهِ، وبِتَذَكُّرِهِ عَلى تَفَكُّرِهِ، حَتّى يُفْتَحَ قُفْلُ قَلْبِهِ بِإذْنِ الفَتّاحِ العَلِيمِ، قالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: ما زالَ أهْلُ العِلْمِ يَعُودُونَ بِالتَّذَكُّرِ عَلى التَّفَكُّرِ، وبِالتَّفَكُّرِ عَلى التَّذَكُّرِ، ويُناطِقُونَ القُلُوبَ حَتّى نَطَقَتْ.
قالَ صاحِبُ المَنازِلِ: التَّذَكُّرُ فَوْقَ التَّفَكُّرِ، لِأنَّ التَّفَكُّرَ طَلَبٌ، والتَّذَكُّرَ وُجُودٌ.
يُرِيدُ أنَّ التَّفَكُّرَ التِماسُ الغاياتِ مِن مَبادِيها، كَما قالَ: التَّفَكُّرُ تَلَمُّسُ البَصِيرَةِ لِاسْتِدْراكِ البُغْيَةِ.
وَأمّا قَوْلُهُ: التَّذَكُّرُ وُجُودٌ، فَلِأنَّهُ يَكُونُ فِيما قَدْ حَصَلَ بِالتَّفَكُّرِ، ثُمَّ غابَ عَنْهُ بِالنِّسْيانِ، فَإذا تَذَكَّرَهُ وجَدَهُ فَظَفِرَ بِهِ.
والتَّذَكُّرُ تَفَعُّلٌ مِنَ الذِّكْرِ، وهو ضِدُّ النِّسْيانِ، وهو حُضُورُ صُورَةِ المَذْكُورِ العِلْمِيَّةِ في القَلْبِ، واخْتِيرَ لَهُ بِناءُ التَّفَعُّلِ لِحُصُولِهِ بَعْدَ مُهْلَةٍ وتَدَرُّجٍ، كالتَّبَصُّرِ والتَّفَهُّمِ والتَّعَلُّمِ.
فَمَنزِلَةُ التَّذَكُّرِ مِنَ التَّفَكُّرِ مَنزِلَةُ حُصُولِ الشَّيْءِ المَطْلُوبِ بَعْدَ التَّفْتِيشِ عَلَيْهِ، ولِهَذا كانَتْ آياتُ اللَّهِ المَتْلُوَّةُ والمَشْهُودَةُ ذِكْرى، كَما قالَ في المَتْلُوَّةِ ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى الهُدى وأوْرَثْنا بَنِي إسْرائِيلَ الكِتابَ هُدًى وذِكْرى لِأُولِي الألْبابِ﴾ [غافر: ٥٣] وقالَ عَنِ القُرْآنِ ﴿وَإنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الحاقة: ٤٨] وقالَ في آياتِهِ المَشْهُودَةِ ﴿أفَلَمْ يَنْظُرُوا إلى السَّماءِ فَوْقَهم كَيْفَ بَنَيْناها وزَيَّنّاها وما لَها مِن فُرُوجٍ والأرْضَ مَدَدْناها وألْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وأنْبَتْنا فِيها مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: ٦].
فالتَّبْصِرَةُ آلَةُ البَصَرِ، والتَّذْكِرَةُ آلَةُ الذِّكْرِ، وقَرَنَ بَيْنَهُما وجَعَلَهُما لِأهْلِ الإنابَةِ، لِأنَّ العَبْدَ إذا أنابَ إلى اللَّهِ أبْصَرَ مَواقِعَ الآياتِ والعِبَرَ، فاسْتَدَلَّ بِها عَلى ما هي آياتٌ لَهُ، فَزالَ عَنْهُ الإعْراضُ بِالإنابَةِ، والعَمى بِالتَّبْصِرَةِ، والغَفْلَةُ بِالتَّذْكِرَةِ، لِأنَّ التَّبْصِرَةَ تُوجِبُ لَهُ حُصُولَ صُورَةِ المَدْلُولِ في القَلْبِ بَعْدَ غَفْلَتِهِ عَنْها، فَتَرْتِيبُ المَنازِلِ الثَّلاثَةِ أحْسَنُ تَرْتِيبٍ، ثُمَّ إنَّ كُلًّا مِنها يَمُدُّ صاحِبَهُ ويُقَوِّيهِ ويُثَمِّرُهُ.
وَقالَ تَعالى في آياتِهِ المَشْهُودَةِ ﴿وَكَمْ أهْلَكْنا قَبْلَهم مِن قَرْنٍ هم أشَدُّ مِنهم بَطْشًا فَنَقَّبُوا في البِلادِ هَلْ مِن مَحِيصٍ إنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرى لِمَن كانَ لَهُ قَلْبٌ أوْ ألْقى السَّمْعَ وهو شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٦].
والنّاسُ ثَلاثَةٌ: رَجُلٌ قَلْبُهُ مَيِّتٌ، فَذَلِكَ الَّذِي لا قَلْبَ لَهُ، فَهَذا لَيْسَتْ هَذِهِ الآيَةُ ذِكْرى في حَقِّهِ.
الثّانِي: رَجُلٌ لَهُ قَلْبٌ حَيٌّ مُسْتَعِدٌّ، لَكِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَمِعٍ لِلْآياتِ المَتْلُوَّةِ الَّتِي يُخْبِرُ بِها اللَّهُ عَنِ الآياتِ المَشْهُودَةِ إمّا لِعَدَمِ وُرُودِها، أوْ لِوُصُولِها إلَيْهِ ولَكِنَّ قَلْبَهُ مَشْغُولٌ عَنْها بِغَيْرِها، فَهو غائِبُ القَلْبِ، لَيْسَ حاضِرًا، فَهَذا أيْضًا لا تَحْصُلُ لَهُ الذِّكْرى مَعَ اسْتِعْدادِهِ ووُجُودِ قَلْبِهِ.
الثّالِثُ: رَجُلٌ حَيُّ القَلْبِ مُسْتَعِدٌّ، تُلِيَتْ عَلَيْهِ الآياتُ، فَأصْغى بِسَمْعِهِ، وألْقى السَّمْعَ وأحْضَرَ قَلْبَهُ، ولَمْ يَشْغَلْهُ بِغَيْرِ فَهْمِ ما يَسْمَعُهُ، فَهو شاهِدُ القَلْبِ، مُلْقٍ السَّمْعَ، فَهَذا القِسْمُ هو الَّذِي يَنْتَفِعُ بِالآياتِ المَتْلُوَّةِ والمَشْهُودَةِ.
فالأوَّلُ: بِمَنزِلَةِ الأعْمى الَّذِي لا يُبْصِرُ.
والثّانِي: بِمَنزِلَةِ البَصِيرِ الطّامِحِ بِبَصَرِهِ إلى غَيْرِ جِهَةِ المَنظُورِ إلَيْهِ، فَكِلاهُما لا يَراهُ.
والثّالِثُ: بِمَنزِلَةِ البَصِيرِ الَّذِي قَدْ حَدَّقَ إلى جِهَةِ المَنظُورِ، وأتْبَعَهُ بَصَرَهُ، وقابَلَهُ عَلى تَوَسُّطٍ مِنَ البُعْدِ والقُرْبِ، فَهَذا هو الَّذِي يَراهُ.
فَسُبْحانَ مَن جَعَلَ كَلامَهُ شِفاءً لِما في الصُّدُورِ.
فَإنْ قِيلَ: فَما مَوْقِعُ " أوْ " مِن هَذا النَّظْمِ عَلى ما قَرَّرْتَ؟
قِيلَ: فِيها سِرٌّ لَطِيفٌ، ولَسْنا نَقُولُ: إنَّها بِمَعْنى الواوِ، كَما يَقُولُهُ ظاهِرِيَّةُ النُّحاةِ.
فاعْلَمْ أنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكُونُ لَهُ قَلْبٌ وقّادٌ، مَلِيءٌ بِاسْتِخْراجِ العِبَرِ، واسْتِنْباطِ الحِكَمِ، فَهَذا قَلْبُهُ يُوقِعُهُ عَلى التَّذَكُّرِ والِاعْتِبارِ، فَإذا سَمِعَ الآياتِ كانَتْ لَهُ نُورًا عَلى نُورٍ، وهَؤُلاءِ أكْمَلُ خَلْقِ اللَّهِ، وأعْظَمُهم إيمانًا وبَصِيرَةً، حَتّى كَأنَّ الَّذِي أخْبَرَهم بِهِ الرَّسُولُ مُشاهَدٌ لَهُمْ، لَكِنْ لَمْ يَشْعُرُوا بِتَفاصِيلِهِ وأنْواعِهِ، حَتّى قِيلَ: إنَّ مَثَلَ حالِ الصِّدِّيقِ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، كَمَثَلِ رَجُلَيْنِ دَخَلا دارًا، فَرَأى أحَدُهُما تَفاصِيلَ ما فِيها وجُزْئِيّاتِهِ، والآخَرُ وقَعَتْ يَدُهُ عَلى ما في الدّارِ ولَمْ يَرَ تَفاصِيلَهُ ولا جُزْئِيّاتِهِ، لَكِنْ عَلِمَ أنَّ فِيها أُمُورًا عَظِيمَةً، لَمْ يُدْرِكْ بَصَرُهُ تَفاصِيلَها، ثُمَّ خَرَجا، فَسَألَهُ عَمّا رَأى في الدّارِ؟ فَجَعَلَ كُلَّما أخْبَرَهُ بِشَيْءٍ صَدَّقَهُ، لِما عِنْدَهُ مِن شَواهِدِهِ، وهَذِهِ أعْلى دَرَجاتِ الصِّدِّيقِيَّةِ، ولا تَسْتَبْعِدْ أنْ يَمُنَّ اللَّهُ المَنّانُ عَلى عَبْدٍ بِمِثْلِ هَذا الإيمانِ، فَإنَّ فَضْلَ اللَّهِ لا يَدْخُلُ تَحْتَ حَصْرٍ ولا حُسْبانٍ.
فَصاحِبُ هَذا القَلْبِ إذا سَمِعَ الآياتِ وفي قَلْبِهِ نُورٌ مِنَ البَصِيرَةِ ازْدادَ بِها نُورًا إلى نُورِهِ، فَإنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مِثْلُ هَذا القَلْبِ فَألْقى السَّمْعَ وشَهِدَ قَلْبُهُ ولَمْ يَغِبْ حَصَلَ لَهُ التَّذَكُّرُ أيْضًا ﴿فَإنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ﴾ [البقرة: ٢٦٥] والوابِلُ والطَّلُّ في جَمِيعِ الأعْمالِ وآثارِها ومُوجَباتِها. وأهْلُ الجَنَّةِ سابِقُونَ مُقَرَّبُونَ، وأصْحابُ يَمِينٍ، وبَيْنَهُما في دَرَجاتِ التَّفْضِيلِ ما بَيْنَهُما، حَتّى إنَّ شَرابَ أحَدِ النَّوْعَيْنِ الصِّرْفَ يَطِيبُ بِهِ شَرابُ النَّوْعِ الآخَرِ ويُمْزَجُ بِهِ مَزْجًا، قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿وَيَرى الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ هو الحَقَّ ويَهْدِي إلى صِراطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ﴾ [سبأ: ٦] فَكُلُّ مُؤْمِنٍ يَرى هَذا، ولَكِنَّ رُؤْيَةَ أهْلِ العِلْمِ لَهُ لَوْنٌ، ورُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ لَهُ لَوْنٌ آخَرُ.
قالَ صاحِبُ المَنازِلِ: أبْنِيَةُ التَّذَكُّرِ ثَلاثَةٌ: الِانْتِفاعُ بِالعِظَةِ، والِاسْتِبْصارُ بِالعِبْرَةِ، والظَّفَرُ بِثَمَرَةِ الفِكْرَةِ.
الِانْتِفاعُ بِالعِظَةِ: هو أنْ يَقْدَحَ في القَلْبِ قادِحُ الخَوْفِ والرَّجاءِ، فَيَتَحَرَّكَ لِلْعَمَلِ، طَلَبًا لِلْخَلاصِ مِنَ الخَوْفِ، ورَغْبَةً في حُصُولِ المَرْجُوِّ.
والعِظَةُ هي الأمْرُ والنَّهْيُ، المَقْرُونُ بِالتَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ.
والعِظَةُ نَوْعانِ: عِظَةٌ بِالمَسْمُوعِ، وعِظَةٌ بِالمَشْهُودِ، فالعِظَةُ بِالمَسْمُوعِ الِانْتِفاعُ بِما يَسْمَعُهُ مِنَ الهُدى والرُّشْدِ، والنَّصائِحِ الَّتِي جاءَتْ عَلى لِسانِ الرُّسُلِ وما أُوحِيَ إلَيْهِمْ، وكَذَلِكَ الِانْتِفاعُ بِالعِظَةِ مِن كُلِّ ناصِحٍ ومُرْشِدٍ في مَصالِحِ الدِّينِ والدُّنْيا.
والعِظَةُ بِالمَشْهُودِ الِانْتِفاعُ بِما يَراهُ ويَشْهَدُهُ في العالَمِ مِن مَواقِعِ العِبَرِ، وأحْكامِ القَدَرِ، ومَجارِيهِ، وما يُشاهِدُهُ مِن آياتِ اللَّهِ الدّالَّةِ عَلى صِدْقِ رُسُلِهِ.
وَأمّا اسْتِبْصارُ العِبْرَةِ فَهو زِيادَةُ البَصِيرَةِ عَمّا كانَتْ عَلَيْهِ في مَنزِلِ التَّفَكُّرِ بِقُوَّةِ الِاسْتِحْضارِ، لِأنَّ التَّذَكُّرَ يَعْتَقِلُ المَعانِي الَّتِي حَصَلَتْ بِالتَّفَكُّرِ في مَواقِعِ الآياتِ والعِبَرِ، فَهو يَظْفَرُ بِها بِالتَّفَكُّرِ، وتَنْصَقِلُ لَهُ وتَنْجَلِي بِالتَّذَكُّرِ، فَيَقْوى العَزْمُ عَلى السَّيْرِ بِحَسَبِ قُوَّةِ الِاسْتِبْصارِ، لِأنَّهُ يُوجِبُ تَحْدِيدَ النَّظَرِ فِيما يُحَرِّكُ المَطْلَبَ إذِ الطَّلَبُ فَرْعُ الشُّعُورِ، فَكُلَّما قَوِيَ الشُّعُورُ بِالمَحْبُوبِ اشْتَدَّ سَفَرُ القَلْبِ إلَيْهِ، وكُلَّما اشْتَغَلَ الفِكْرُ بِهِ ازْدادَ الشُّعُورُ بِهِ والبَصِيرَةُ فِيهِ، والتَّذَكُّرُ لَهُ.
وَأمّا الظَّفَرُ بِثَمَرَةِ الفِكْرَةِ فَهَذا مَوْضِعٌ لَطِيفٌ.
وَلِلْفِكْرَةِ ثَمَرَتانِ: حُصُولُ المَطْلُوبِ تامًّا بِحَسَبِ الإمْكانِ، والعَمَلُ بِمَوْجِبِهِ رِعايَةً لِحَقِّهِ، فَإنَّ القَلْبَ حالَ التَّفَكُّرِ كانَ قَدْ كَلَّ بِأعْمالِهِ في تَحْصِيلِ المَطْلُوبِ، فَلَمّا حَصَلَتْ لَهُ المَعانِي وتَخَمَّرَتْ في القَلْبِ، واسْتَراحَ العَقْلُ عادَ فَتَذَكَّرَ ما كانَ حَصَّلَهُ وطالَعَهُ، فابْتَهَجَ بِهِ وفَرِحَ بِهِ، وصَحَّحَ في هَذا المَنزِلِ ما كانَ فاتَهُ في مَنزِلِ التَّفَكُّرِ، لِأنَّهُ قَدْ أشْرَفَ عَلَيْهِ في مَقامِ التَّذَكُّرِ، الَّذِي هو أعْلى مِنهُ، فَأخَذَ حِينَئِذٍ في الثَّمَرَةِ المَقْصُودَةِ، وهي العَمَلُ بِمُوجَبِهِ مُراعاةً لِحَقِّهِ، فَإنَّ العَمَلَ الصّالِحَ هو ثَمَرَةُ العِلْمِ النّافِعِ، الَّذِي هو ثَمَرَةُ التَّفَكُّرِ.
وَإذا أرَدْتَ فَهْمَ هَذا بِمِثالٍ حِسِّيٍّ. فَطالِبُ المالِ ما دامَ جادًّا في طَلَبِهِ، فَهو في كَلالٍ وتَعَبٍ، حَتّى إذا ظَفِرَ بِهِ اسْتَراحَ مِن كَدِّ الطَّلَبِ، وقَدِمَ مِن سَفَرِ التِّجارَةِ، فَطالَعَ ما حَصَّلَهُ وأبْصَرَهُ، وصَحَّحَ في هَذا الحالِ ما عَساهُ غَلِطَ فِيهِ في حالِ اشْتِغالِهِ بِالطَّلَبِ، فَإذا صَحَّ لَهُ وبَرَدَتْ غَنِيمَتُهُ لَهُ أخَذَ في صَرْفِ المالِ في وُجُوهِ الِانْتِفاعِ المَطْلُوبَةِ مِنهُ، واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"یُؤۡتِی ٱلۡحِكۡمَةَ مَن یَشَاۤءُۚ وَمَن یُؤۡتَ ٱلۡحِكۡمَةَ فَقَدۡ أُوتِیَ خَیۡرࣰا كَثِیرࣰاۗ وَمَا یَذَّكَّرُ إِلَّاۤ أُو۟لُوا۟ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق