الباحث القرآني
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: ١٨٦] الخطاب في قوله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ﴾ يعود إلى من؟
* طالب: إلى الرسول.
* الشيخ: إلى الرسول ﷺ؛ لأنه هو الواسطة بيننا وبين الله تعالى في إبلاغ الوحي، وليس عائدًا إلى كل أحد، ما هو عائد إلى كل أحد، وقد سبق لنا أن الخطاب الموجه من الله عز وجل قد يكون خاصًّا بالرسول، وقد يكون عامًّا له وللأمة حسب السياق.
﴿إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ (عباد) مضاف، والياء مضاف إليه، والمراد بالعباد هنا: العباد المؤمنون، بدليل قوله: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾، والكفار ما يدعون الله يدعون معه غيره.
وقوله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ عن أي شيء؟ عن ذات الله، عن صفاته، عن قربه، عن كرمه؟ الجواب هو الذي يحدد معنى السؤال، الجواب هو الذي يحدد معناه، نشوف الجواب: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾ إذن هم يسألون عن أيش؟ عن القرب والإجابة؛ لأن كلمة: ﴿عَنِّي﴾ تحتمل معاني كثيرة لكن يحددها الجواب، وكما يقال: إن الجواب على قدر السؤال.
﴿إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي﴾ هل هذا يدل على أنهم سألوه، أو أنهم سيسألونه، أو أنه على تقدير هذا الأمر وفرضه؟ عندنا ثلاثة أشياء: هل تدل الآية على أنهم سألوه، أو أنهم سيسألونه، أو أنهم إن سألوك فقل كذا؟
* طالب: الثالث.
* طالب آخر: الثاني والثالث.
* طالب آخر: تشمل الجميع.
* الشيخ: الثالث، الثاني والثالث، لكن أنا ذكرت لكم هذه الاحتمالات الثلاث؛ لأنه ذكر في هذا الموضع حديث:« أن الصحابة قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقَرِيبٌ رَبُّنَا فَنُنَاجِيهِ، أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيهِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ »[[أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة (٥٢٢)، من حديث عيينة بن أبي عمران مرسلًا.]]، وهذا الحديث تكلم فيه العلماء وضعفوه، ولكن بعضهم يذكره محتجًّا به، وممن يذكره محتجًّا به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وإذا ذكره في هذا الموضع محتجًّا به دل هذا على أنه عنده حجة، وأقل أحواله أن يكون حسنًا، لكن كثير من المحدثين ضعفوا هذا الحديث، وسياق الآية لا يدل على أنه سببها؛ لأنه لو كان سبب نزول الآية هذا القول لقال كما يعبر في آيات كثيرة: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ﴾ [البقرة ٢٢٠]، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ﴾ [البقرة ٢٢٢]، ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ﴾ [المائدة ٤] وما أشبه ذلك، فيأتي بصيغة المضارع الدالة على الوقوع، لا بصيغة الماضي المعلق بالشرط فإن الماضي المعلق بالشرط يدل على عدم وقوع ذلك الشيء.
لكن هل يدل على أنه سيقع، أو على فرض أن يقع؟ قال علماء البلاغة: إن (إذا) و(إن) كلاهما شرطيتان، لكن (إن) لا تدل على الوقوع، قد تعلق بأمر ممتنع غاية الامتناع، بخلاف (إذا) فإنها تدل على الوقوع.
مثال ذلك: قلت لك: إذا جاء زيد فأكرمه، وأيش معنى هذا؟ أنه يبغي يجي وليكن إكرامك إياه عند مجيئه، فإذا قلت: إن جاء زيد فأكرمه، هذا يدل على أنه قد يأتي وقد لا يأتي.
فهذه الآية: ﴿إِذَا سَأَلَكَ﴾ ظاهرها أن السؤال منهم متوقع، وعلى هذا فيكون الله عز وجل أفتاه بأمر قد يكون، وهو للكون أقرب، أما (إن) فقلت لكم: إنها لا تدل على وقوع الشيء بل إنها قد تدخل على الشيء الممتنع غاية الامتناع، كقوله تعالى عن نفسه: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [الزخرف ٨١] هذا الشرط ممكن؟
* الطلبة: لا.
* الشيخ: غير ممكن، وقوله عن الرسول ﷺ: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر ٦٥] يمكن، يمكن هذا؟ ما يمكن، إي نعم.
وأما قوله: ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ﴾ [النساء ١٢] (إن) هذه دالة على شيء لا يمكن وقوعه، بل يمكن وقوعه..
إن هذا السؤال عن أيش؟ عن قربه وإجابته ﴿عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾.
من يسأل؟
* طالب: (إنْ) إذا قلنا: إنها بعيدة الوقوع (...)؟
* الشيخ: لا، قد تدخل ما هي مستحيلة ولا بعيدة، لكن الفرق أن (إذا) تدل على أن الأمر سيقع بخلاف (إنْ).
* طالب: (...)؟
* الشيخ: هو لا بد يكون له ولد؟ ما هو لا بد يكون.
* الطالب: قد يكون.
* الشيخ: قد يكون وقد لا يكون، لكن (إذا) تدل على أن هذا الشيء سيكون.
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ شوف ﴿سَأَلَكَ عِبَادِي﴾ الياء تعود على الله، ﴿عَنِّي﴾ على الله، ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ ما قال: فقل: إني قريب، فبعضهم قال: إنه على تقدير (قل)، إذا سألك عبادي عني فقل: إني قريب، فيكون الجواب محذوف، جواب (إذا)، و﴿إِنِّي قَرِيبٌ﴾ مقول هذا المحذوف، معموله، يعني: مقول القول، فقل: إني قريب، ولكن الصحيح أنها لا تحتاج إلى تقدير؛ لوجهين:
الأول: أن الأصل عدمه، وما دام الكلام يستقيم بدون التقدير فهو أولى.
ثانيًا: أن الله عز وجل قال: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ كأن الأمر أبين من أن يحتاج إلى السؤال، ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾، ﴿إِذَا سَأَلَكَ﴾ ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾، فهذا أبلغ من قوله: فقل: إني قريب.
وقوله تعالى: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ الياء نقول: إنها تعود إلى الله عز وجل، فأخبر الله أنه قريب هو بنفسه ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾؛ لأن الضمير يعود على الله عز وجل، ولكن ما معنى القرب الذي أثبته الله لنفسه؟ هل المراد أنه حال في المكان؟ ويش الجواب؟ لا، هذا شيء مستحيل، ولا يمكن أن تنزل الآية على شيء مستحيل، ولكنها تنزل على معنى يليق به سبحانه وتعالى، وهو كما قال شيخ الإسلام: قريب مع علوه، مع علوه على عرشه؛ لأنه محيط بكل شيء، والمحيط بكل شيء هو قريب وإن كان بعيدًا في علوه سبحانه وتعالى.
وهذا القرب لا يستلزم النقص، بل هو دليل على الكمال، ووجه ذلك: أنه إذا كان فوق السماوات العلا مستويًا على عرشه وهو قريب ويش يدل عليه؟ على كمال عظمته وإحاطته سبحانه وتعالى، وإلا فإن الإنسان بالنسبة للمخلوقات لا يتصور أن شيئًا بهذا البعد يكون قريبًا؛ لأن الله فوق كل شيء، فلكماله سبحانه وتعالى وكمال عظمته يكون قريبًا مع علوه؛ ولهذا في «حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ذكر أنهم كانوا إذا علوا شرفًا أو هبطوا واديًا كبروا ورفعوا أصواتهم، فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: «أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، وَإِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ، إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٩٩٢)، ومسلم (٢٧٠٤ / ٤)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.]]، فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أنه لا حاجة إلى أن الإنسان يتعب نفسه برفع الصوت بالدعاء والتكبير؛ لأن الله جل وعلا قريب، قريب وإن كان فوق عرشه.
واعلم أن بعض بل الحلولية من الجهمية وغيرهم يستدلون بمثل هذه النصوص المتشابهة على باطلهم، فلا تكون قلوبهم متسعة للجمع بين الأدلة، ولا تكون قلوبهم متسعة للفرق بين الخالق والمخلوق، فيأخذون بنصوص ويدعون مثلها، ومن الغريب أن الشيطان لبَّس عليهم -والعياذ بالله- فأخذوا بالنصوص التي هي نقص في حق الخالق، وتركوا النصوص التي هي كمال في حق الخالق، تركوا نصوص العلو وهو كمال، وأخذوا بهذه النصوص المتشابهة، وهي -على ما قالوه- تقتضي النقص، وأن الله سبحانه وتعالى تحيط به مخلوقاته، وأنه لا ينزه عن الأماكن التي ينزه عنها عامة الخلق.
فالحاصل أننا نقول: إن هذا القرب لا يجوز لنا أن نتوهم أنه سبحانه وتعالى في الأماكن التي نكون فيها، وكل ما جاءك من هذه النصوص فاعلم أنه دال على عظمة الله عز وجل وإحاطته، ومنه ما جاء في الحديث: «عَبْدِي، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، فَقَالَ: كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ، فَإِنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ»[[أخرجه مسلم (٢٥٦٩ / ٤٣)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] «لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ»، هذا يفرح به الحلولية ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: يطبِّلون له، هذا واضح جدًّا عندهم، فيقال: أنتم نظرتم بعين أعور، عندكم نظر إلى النصوص من وجه، وطرف لها من وجه آخر، أهملتم الأدلة العقلية الفطرية السمعية على أن الله تعالى فوق عرشه مستوٍ عليه وأخذتم بمثل هذه النصوص المتشابهة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ﴾ »[[متفق عليه؛ البخاري (٤٥٤٧)، ومسلم (٢٦٦٥ / ١)، من حديث عائشة رضي الله عنها. ]]. هؤلاء هم الذين سمى الله.
فنحن نعلم علم اليقين أن الرسول عليه الصلاة والسلام فيما نقل عن ربه في قوله: «لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ» ما أراد أنه وجده في الحجرة التي فيها المريض، ولكن لما كان المريض في الغالب -ولا سيما المؤمن- يكون عنده من الانكسار، من انكسار القلب والإنابة إلى الله عز وجل والخضوع ما لا يكون عنده في حال الصحة، فإن الله تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله، صح أن يعبر بهذا التعبير.
فهذه النصوص يا إخواني لا تظنوا أنها تنافي نصوص العلم؛ لأنه -كما قلت لكم- تدل على عظمة الخالق جل وعلا، وأنه مع علوه بذاته على عرشه قريب من خلقه، يقرب من خلقه كما يشاء، ولا منافاة، هذا صحيح بالنسبة للمخلوق، ما يمكن يكون في أعلى شيء ويقال: إنه قريب، لكن الله تعالى ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى ١١].
ومثله كذلك أيضًا قوله تعالى في الحديث القدسي: «مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥ / ٢)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، وما أشبه ذلك من الأحاديث التي قد يعجز أو تعجز عقول بعض الناس عن إدراكها، فيحاولون أن يؤلوها، فنحن نقول: إن الله عز وجل يقرب من خلقه كما شاء، كما قال السلف، ولا نكيف، نقول: الله أعلم بهذه الكيفية، لكن نعلم أنه سبحانه وتعالى وإن قرب من خلقه وإن نزل إلى السماء الدنيا نعلم أنه لا يزال عاليًا، لا يزال عاليًا سبحانه وتعالى.
* طالب: شيخ، هل نقول: وجدت عنده ثواب أو مغفرة؟
* الشيخ: لا، ما يستقيم؛ لأنه في الإطعام لما قال: «اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فَلَمْ تُطْعِمْهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي»[[سبق تخريجه. ]]، ففرق الله عز وجل بين الإطعام وبين عيادة المريض.
* طالب: «يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ»[[أخرجه أحمد في المسند (١٢٧٨٢)، من حديث أنس رضي الله عنه، بلفظ: «أَيُّمَا رَجُلٍ يَعُودُ مَرِيضًا فَإِنَّمَا يَخُوضُ فِي الرَّحْمَةِ، فَإِذَا قَعَدَ عِنْدَ الْمَرِيضِ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ». ]] نقول: نحمله عليها؟
* الشيخ: نعم، نحن نحمله على الحقيقة، «يَخُوضُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ» بمعنى ينغمر فيها.
* الطالب: نعم، يعني في الأجر والثواب؟
* الشيخ: في الأجر والثواب، إي نعم، ما في إشكال.
* طالب: لكن كيف نقول: «وَجَدْتَنِي عِنْدَهُ» (...) ما نحمله على (...)؟
* الشيخ: ما نحمله؛ لأن هذا حديث واحد فرق فيهم الرسول عليه الصلاة والسلام فيما روى عن ربه.
* الطالب: نحن ما نتصور (...)؟
* الشيخ: لا، نحن نتصور، يتصور، العندية لا تنافي العلو بالنسبة لله عز وجل، أما بالنسبة للمخلوق نعم ما يكون عندك وهو بالسطح، لكن بالنسبة لله عز وجل ما هو صفاته كصفاتنا، فالحديث الذي ورد ذكر في الطعام قال: «أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي» بهذا اللفظ، وفي العيادة قال: «لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ» ففرق بينهما.
* طالب: شيخ، الفطرة في الدعاء ما تحبذ هذا القول؛ لأن الله عز وجل ليس قريب لا بذاته ولا يعني الكيفية، أو الفطرة تقول: إن الله بعيد ليس بقريب؟
* الشيخ: إن الله في السماء لكن مع علوه هو قريب.
* الطالب: بس الفطرة تقول: ليس بقريب؟
* الشيخ: لا، ما يمكن.
* طالب: إيه، أن الله عز وجل..
* الشيخ: لا، إذا قلت: ليس بقريب بمعنى أن الله سبحانه وتعالى أنه هو في المكان هنا (...)، لكنه قريب قربًا يليق به، ما نعرف حقيقة كيف يكون قريبًا، نثبت أنه قريب، ولكن ما نعلم كيف هذا القرب.
(...) لم يلزم أن يكون ذلك في حق الخالق؛ لأنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في جميع نعوته، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: فهو علي في دنوه قريب في علوه. فلا يقاس بخلقه.
قوله تعالى: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾، قال: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ ﴿قَرِيبٌ﴾ هذه خبر (إن)، ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ أنتم فهمتم الآن أنه قريب مع علوه، وأنه لا تناقض بينهما؛ لأن الله لا يقاس بالمخلوقات، فهو قريب في علوه، عليٌّ في دنوه، سبحانه وتعالى.
﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾ قوله: ﴿أُجِيبُ﴾ هذه الجملة خبر ثانٍ لـ(إن)، فيكون خبرها اسما وجملة، يعني خبرها مفرد، والخبر الثاني جملة، ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ الدعاء بمعنى الطلب، وقوله: ﴿دَعْوَةَ الدَّاعِ﴾ أصلها: الداعي بالياء، كالقاضي والهادي لكن حذفت الياء للتخفيف، نظيرها قوله تعالى: ﴿الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد ٩] وأصلها: المتعالي، هذا في ما فيه (أل)، وقد تحذف في الذي ليس فيه (أل)، قد تحذف في شيء ليس فيه (أل)، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ﴾ [الرعد ١١] أصلها: من والي، وكل ذلك للتخفيف.
﴿دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ شوف قال: ﴿إِذَا دَعَانِ﴾، مع أنه لا يكون داعيًا إلا إذا دعا، وحينئذٍ قد يقول قائل: ما فائدة الشرط؟ الداعي هو ما كان داعيًا إلا لما دعا، وحينئذٍ فما فائدة الشرط في قوله: ﴿إِذَا دَعَانِ﴾؟
نقول فائدته: الإشارة إلى أمرين، بل إلى ثلاثة أمور:
الأمر الأول: الإخلاص، بأن يدعو الله تعالى نفسه ما يتخذ بينه وبينه وسائط، فيقول: يا رسول الله، ادع الله لي، بعد ممات الرسول ﷺ، أو يا أيها الولي الفلاني -بعد موت الولي- ادع الله لي، أو ما أشبه ذلك، ففائدتها الإخلاص أن يكون مخلصًا لله في الدعوة.
الفائدة الثانية: اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى محقق له ما دعا؛ لأنك ما تدعو أحدًا بصدق إلا وأنت واثق من إجابته؛ ولهذا جاء في الحديث: «ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ»[[أخرجه الترمذي (٣٤٧٩)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]، فيكون فائدتها: ﴿إِذَا دَعَانِ﴾ أي: حقًّا، دعاني حقًّا يعلم أنني سأوتيه دعوته.
الشيء الثالث: تفيد صحة افتقاره إلى الله، وأنه حقيقة مفتقر له؛ إذ إنه لا يدعى إلا من كان مفتقرًا إليه، فيكون فائدة ذلك تحقيق هذا الدعاء على الوجوه الثلاثة، وهي: الإخلاص ويش بعد؟ الإيقان بالإجابة، والثقة بالله عز وجل، والثالث: صحة الافتقار إلى الله، بحيث إنه ما دعا إلا وهو مفتقر؛ لأن المستغني ما يدعو، المستغني لا يدعو.
وقوله: ﴿إِذَا دَعَانِ﴾ أصلها: دعاني بالياء، فحذفت الياء تخفيفًا.
وقوله: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ شوف ما قال: أجيب مسألته، قال: أجيب دعوته، وإجابة الدعوة لا يلزم منها تحقيق المسألة؛ إذ قد لا يجيب الله تعالى مسألته، ولكن يجيبه إما بأن يصرف عنه من السوء ما هو أعظم، وإما بأن يدخرها له، فإذا لم يجب ما سأله بعينه وادخره له أو صرف عنه من السوء ما هو أعظم، فهل يقال: إنه أجاب الدعاء ولَّا لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: أجاب الدعاء لا شك، لكنه لحكمته ولرحمته بهذا الداعي اختار له ما اختار، قد يكون من مصلحة الداعي أن تجاب دعوته، قصدي أن تجاب مسألته التي سأل، وقد لا يكون من المصلحة.
وقوله: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ قال بعدها: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ أي: فليجيبوا لي؛ لأن استجاب بمعنى أجاب، كما قال الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ [آل عمران ١٩٥] أي: أجاب، وكما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ﴾ [الشورى ٣٨] بمعنى أجابوا له، وقوله: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ هنا ما قال: فليستجيبوني، (...) أجاب يقال: أجابه، لكن هنا عداها باللام: استجاب له؛ لأنه ضُمن معنى الانقياد، وإلا لكانت (أجاب) تتعدى بنفسها، نظيرها قوله ﷺ في حديث معاذ: «فَإِنْ هُمْ أَجَابُوا لَكَ بِذَلِكَ[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٢٣٤٦)، ومسلم (١٩ / ٢٩) بلفظ: «فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ»، وفي رواية في ابن خزيمة (٢٣٤٦) بلفظ: «فَإِنْ هُمْ أَجَابُوا لِذَلِكَ».]]، (أَجَابُوا لَكَ) » ولم يقل: أجابوك، فضمن الإجابة معنى الانقياد.
﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ يعني: فلينقادوا لي إجابة، مبنية على ما بعدها ﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ مبنية على الإيمان، وهنا قال: ﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ دون وليؤمنوا لي؛ لأن الإيمان بالله متضمن للاطمئنان والاعتراف التام وليس مجرد تصديق، بل هو تصديق باطمئنان قلب؛ ولهذا يقال: اطمأن قلبه به، فصدَّق واطمأن، وقوله: ﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ اللام هذه في الفعلين لام الأمر؛ ولهذا سكنت بعد حرف العطف.
﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ لعل؟
* طالب: للتعليل.
* الشيخ: للتعليل نعم، كلما جاءت لعل في كتاب الله فإنها للتعليل؛ إذ إن الترجي لا تكون إلا فيمن يحتاج ويؤمل كشف ما نزل به عن قرب، أما الرب عز وجل فإنه يستحيل في حقه هذا، فيكون ما جاء في القرآن من مثل هذا التعبير يكون معناه التعليل لأجل الرشد.
والرشد يطلق بمعنى حسن التصرف، وبمعنى الغنيمة؛ ولهذا يقال: يا راشد، يعني: يا غانم، وأما الرشد بمعنى حسن التصرف فهو كثير، كما في قوله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ [النساء ٦] ويش معنى ﴿رُشْدًا﴾؟ أي: حسن تصرف، وقال تعالى: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ [الحجرات ٧] أي: الغانمون، فهي قريبة من معنى المفلحين، وفي هذه الآية: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ تحتمل المعنيين: الرشد بمعنى حسن التصرف، والثاني: بمعنى الغنيمة التي رشدوا بها، ولا شك أن من آمن بالله واستجاب له، فإنه أحسن الناس تصرفًا ويوفق ويهدى وتيسر له الأمور، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق ٤]، ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ [الليل ٥ - ٧]، ولا شك أيضًا أن من آمن بالله واستجاب له، فإنه غانم رابح، ولا أحد أربح منه.
إذا قال قائل: إذا حملتم الرشد هنا على المعنيين جميعًا، فمعنى ذلك أنكم استعملتم المشترك في معنيين فماذا نقول؟ نقول: ما فيه مانع، نقول: الصحيح أنه جائز، إذا كان المعنيان لا يتنافيان، وأي مانع من أن يكون المتكلم قصد ما يدل عليه الكلام هذا وهذا.
* طالب: المعنيين يكونون أبلغ بهذا؟
* الشيخ: نعم، رجل قال: دخل اللصوص على بيت فلان فأتلفوا عينه، ويش المراد بالعين؟
* طالب: المتاع.
* طالب: المال.
* الشيخ: المال، وعينه أيضًا اللي تجري، الماء، أو لا؟ وعينه الباصرة، كلٌّ يمكن، فإذا علمنا أن هؤلاء اللصوص أفسدوا كل الثلاثة، فلا مانع أن نقول: إنهم دخلوا على بيته فأتلفوا عينه، ويش المانع؟ الكلام بس أن يكون هناك دليل على أن هذا اللفظ المشترك مستعمل في المعنيين، فإذا دل الدليل فلا مانع.
* طالب: الشوكاني يقول: بمعنى الهداية؟
* الشيخ: نعم، الهداية من حسن التصرف.
* طالب: شيخ، قوله ﴿إِذَا دَعَانِ﴾ ما في فائدة أن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء (...) مسألة ودعاء عبادة، (...) نص على دعاء المسألة بخصوصها؟
* الشيخ: لا، ما فيه هذا الدليل؛ لأن هذه أيضًا -سيأتينا إن شاء الله في الفوائد- أنها صالحة للأمرين.
* طالب: في قوله تعالى في آية أخرى ﴿فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ﴾ [الأنعام ٤١] هنا تقيد النص؟
* الشيخ: بيجينا إن شاء الله تعالى في الفوائد.
* طالب: بالنسبة لـ(لعل) ما تكون للترجي تكون للمخلوق؟
* الشيخ: لا، بالنسبة لله ما يكون.
* الطالب: لا، بالنسبة..
* الشيخ: للمخلوق تكون للترجي وللتعليل وللتوقع وللإشفاق، وتأتي أيضًا -كما مر علينا في البلاغة- تأتي للتمني.
* طالب: شيخ، (...) لعل (...)؟
* الشيخ: لأن ما هناك شيء معلل من قبل.
* طالب: بالنسبة ها الآية بالنسبة لكلام الله؟
* الشيخ: لأن مقصود هذه للتعليل، نقول: للتعليل.
* طالب: هذه في حق المخلوقين ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾؟
* الشيخ: إيه، لكن من اللي قال: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾؟
* الطالب: إيه، الله سبحانه وتعالى هو اللي قاله، جميع القرآن من كلام الله.
* الشيخ: يعني معناه: أترجى أن يرشدوا؟
* الطالب: لا، هو بحق (...) يختلف.
* الشيخ: لا، ما يصلح، هذا ما دام أن الله علل فعلًا من أفعاله..
* طالب: يعني نقول: إن العباد متفاوتون، منهم من يرشد ومنهم من لا..
* الشيخ: أبدًا، إذا استجابوا لله وآمنوا رشدوا لا شك، لا بد، إذا استجابوا لله وآمنوا به لا بد أن يرشدوا.
ثم قال تعالى ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ كلمة ﴿أُحِلَّ﴾ مبنية للمجهول؛ لأنه معلوم من الذي بيده الإحلال والتحريم وهو الله، وقوله: ﴿أُحِلَّ﴾ تدل على أن الأمر كان محرمًا من قبل، وإلا لما احتيج إلى النص على الإحلال؛ لأن الأصل الحل، بخلاف ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ﴾ [المائدة ٣]، فلا يدل على أن ذلك كان حلالًا، مثلًا؛ لأنه ليس الأصل التحريم، فهنا نقول: ﴿أُحِلَّ﴾ يدل على أنه كان قبل ذلك حرامًا، وهو كذلك.
وقوله: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ﴾ أي صيام؟ الصيام المنعوت السابق وهو صيام رمضان.
وقوله: ﴿الرَّفَثُ﴾ (الرفث) نائب الفاعل فاعل ﴿أُحِلَّ﴾ ولهذا رفع، والرفث يطلق على الجماع، ويطلق على الكلمات التي تقع بين الزوج وزوجته حين الجماع؛ لأنه يقع بين الزوج وزوجته حين الجماع من الكلمات ما يستحيى منه، ويسمى رفثًا، ولكنه هنا يراد به الجماع، بدليل أنه عُدِّي بـ(إلى)، ﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ أي: الإفضاء إلى نسائكم، والإفضاء بمعنى الجماع؛ لقوله تعالى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [النساء ٢١].
فقال: ﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ (النساء) جمع (نسوة)، ونسوة اسم جمع لا مفرد له، ومفرده امرأة، مثل (إبل) اسم جمع لا مفرد له، ومفرده بعير.
قوله: ﴿إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ المراد: زوجاتكم وإمائكم، وهذا واضح؛ لأن غيرهما لا يحل مطلقًا لا في ليل الصيام ولا غيره ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون ٥ - ٦].
﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ الجملة هذه استئنافية للتعليل، تعليل الحل، يعني: أحل لكم ذلك لأنكم لا تستغنون عنهن ولا يستغنين عنكم، فأنتم لهن لباس وهن لكم لباس، وانظر إلى التعبير بـ(اللباس) لما فيه من حفظ الفرج، فاللباس يستر العورة، والزواج يحصل به تحصين الفرج، ثم ما فيه من الستر والصيانة والحماية، ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾ [النحل ٨١].
ويشمل ذلك أيضًا معنى اللباس أوسع من كونه سترًا وحماية وصيانة، يشمل التقارب بين الزوج وزوجته، كما قال الشاعر:
؎إِذَا مَا الضَّجِيعُ ثَنَى عِطْفَهُ ∗∗∗ تَثَنَّتْ فَكَانَتْ عَلَيْهِ لِبَاسَا
فالحاصل أن هذا التعبير بـ(لباس) يعطي أقوى دليل على ما بين الزوجين من أيش؟ من التقارب ومن الحفظ والحماية، وأنه لا يستغني أحدهما عن الآخر، وهذا شيء من حكمة الله عز وجل ورحمته ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم ٢١]. هذا الذي جعله الله تعالى بين الزوجين من رحمته أنه أحل لنا الرفث إلى نسائنا في ليالي الصيام.
ثم بين الله عز وجل حكمة أخرى موجبة لهذا الحل، وهي قوله: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ -الحمد لله- ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ بماذا؟ بإتيانهن بحيث لا تصبرون فتختانون أنفسكم، والظاهر -والله أعلم- أن هذا الاختيان بكون الإنسان يفتي نفسه بأن الأمر هين، أو بأنه صار في حالة لا تحرم عليه زوجته وما أشبه ذلك، وأصل هذا أنهم كانوا في أول الأمر إذا صلى الإنسان العشاء الآخرة أو إذا نام قبل العشاء الآخرة، فإنه يحرم عليه الاستمتاع بالمرأة والأكل والشرب إلى غروب الشمس من اليوم التالي، فشق عليهم ذلك مشقة عظيمة حتى إن بعضهم ما صبر، فبين الله عز وجل حكمته ورحمته بنا حيث أحل لنا هذا الأمر؛ ولهذا قال: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ﴾ ولم يقل: تخونون؛ لما في قوله ﴿تَخْتَانُونَ﴾ من زيادة الحروف الدالة على زيادة المعنى؛ لأنهم يقولون: إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، وهذا صحيح ولَّا لا؟ صحيح، لكنه غالبي ما هو دائمًا، فـ(بقرة) و(بقر) أيهم أكثر حروف؟ بقرة، وهي أقل معنى، أيهن أكثر البقرة الواحدة ولَّا البقر؟ البقر أكثر، إي نعم، فالمسألة أغلبية.
قال: ﴿تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ تاب عليكم، هل المعنى: فتاب عليكم قبل أن تتوبوا، أو أن الله نسخ هذا الأمر والنسخ توبة؛ لأنه لولا النسخ لكان الوقوع فيه إثمًا؟ أيهما المعنى؟
* طالب: الأخير.
* الشيخ: لكن هذا المعنى الأخير هو الأصح، ونظيرها قوله تعالى في سورة المزمل: ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ [المزمل ٢٠]، بعد أن أوجب علينا القيام سبحانه وتعالى ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾ [المزمل ٢ - ٤]، قال: ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ بنسخ الوجوب؛ لأنه لولا النسخ لكان تركه تركًا للواجب، فيكون إثمًا، فيعبر الله عز وجل عن النسخ بالتوبة، إشارة إلى أنه لولا النسخ لكان الإنسان آثمًا إما بفعل المحرم أو بترك الواجب.
* طالب: شيخ، زياد المبنى ما تطرد في المشتقات؟
* الشيخ: ما نقدر نحكم بشيء، نحن نقول: أغلبية، ما نقدر؛ لأن حصر ها المسائل هذا صعب، يمكن يجي واحد ينقض عليك المثال، ثم تضطر إلى أن تقول: أغلبية، (...).
* طالب: قلت: إنه لقد أحل، فدل على أنه كان محرمًا من قبل، عام في القرآن؟
* الشيخ: لكن هنا في هذه الآية دليل.
* الطالب: وليست عامة؟
* الشيخ: في القرآن..
* الطالب: ﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ [المائدة ٥].
* الشيخ: في القرآن إما أن يكون هذا توطئة لما بعده، أو إزالة وهم، أو ما أشبه ذلك، أو بيان امتنان، ما نضبطها، إنما في هذه الآية تدل على أنه محرم من قبل.
* طالب: ﴿تَخْتَانُونَ﴾ معناها يعني: بين اثنين، يعني الفعل في التكاثر، يعني ما هو الإنسان يخون نفسه، يعني يحصل بينه، هذا المقصود به المعنى؟
* الشيخ: نعم، هذا من المقصود بلا شك، أن كل واحد منكم يخون الثاني قصدك؟
* الطالب: إي نعم.
* الشيخ: مثل تقاتلون؟ لا، بس كلمة اختان مثل اختار، يعني ما هي بتدل على المفاعلة، لكن قد يكون هذا من جملة ما يستفاد من زيادة المبنى، قد يكون هذا من جملته، إنما أن نقول: هذا هو الفائدة، ما نقدر نقول: هذا هو الفائدة؛ لأن كلمة (افتعل) ما تدل على المشاركة.
قال: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ بماذا تاب؟ قلنا: بالنسخ؛ لأنه لولا النسخ لكان فعله محرمًا مقتضيًا للإثم.
﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ العفو يكون في مقابلة إساءة، كما قال الله تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾ [النساء ١٤٩]، فما هي الإساءة اللي حصلت؟ هي ما حصل من بعض الصحابة رضي الله عنهم من إتيان أهلهم في ليالي الصيام قبل أن ينسخ التحريم؛ ولهذا قال: ﴿وَعَفَا عَنْكُمْ﴾، وأصل العفو هو ترك المؤاخذة على الذنب، ومن أسماء الله تعالى العفو، ويطلق العفو على معنى الزيادة كما في قوله تعالى: ﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف ٩٥] يعني: كثروا، ومنه قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «أَعْفُوا اللِّحَى»[[أخرجه النسائي في المجتبى (٥٠٤٦)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه.]] يعني: وفروها وأكثروها.
﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ إلى آخره، ﴿فَالْآنَ﴾ الفاء حرف عطف تقتضي الترتيب، يعني: فالآن بعد التحريم وبعد تحقق التوبة والعفو باشروهن، وكلمة الآن -تقدم لنا- أنها اسم إشارة إلى الزمن الحاضر وأنها مبنية على الفتح في محل نصب، وقوله: ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ المراد بالمباشرة الجماع، وسميت مباشرة لالتقاء البشرتين فيها: بشرة المرأة وبشرة الرجل، وقوله: ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ هو -كما نعلم جميعًا- فعل أمر، فما المراد بهذا الأمر؟
* طالب: الإباحة.
* الشيخ: الإباحة أو رفع التحريم؟
* الطالب: أو كذلك.
* الشيخ: أو كذلك لا، بينهما فرق.
* طالب: هو الإباحة.
* الشيخ: لا لا، بينهما فرق؛ ولهذا اختلف الأصوليون في الأمر بعد الحظر هل هو للإباحة أو رفع للتحريم؟ فمنهم من قال: إنه للإباحة، ومنهم من قال: إنه رفع للتحريم، وبينهما فرق، فإذا قلنا: للإباحة، فمعناه أن هذا الفعل بعد التحريم صار مباحًا فقط، وإذا قلنا: إنه رفع للتحريم، فمعناه أن هذا الشيء عاد إلى حكمه قبل التحريم، فإن كان واجبًا فهو واجب، وإن كان مستحبًّا فهو مستحب، وإن كان مباحًا فهو مباح، فالآن ظهر الفرق بين القولين، أو لا؟
* طالب: نعم.
* الشيخ: حجة الذين يقولون: إنه للإباحة، يقولون: إنه لما ورد التحريم على الحكم الأول نسخه وصار كأن لم يكن، مفهوم؟ فإذا جاء الأمر بعده فمعناه أنه صار مباحًا، بعدما كان حرامًا صار مباحًا، وهذه حجة قوية.
والذين قالوا بأنه رفع للتحريم، قالوا: لأن الحكم الأول لما ورد عليه التحريم صار محرمًا، فلما زال التحريم عاد إلى ما كان عليه، كأن التحريم ستر وضع على مغطى، فإذا رفع هذا الستر فكيف يكون المغطى؟ يكون كما كان عليه، ومن ثم قالوا في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة ٢] هل الاصطياد مباح أو أنه يكون حسب حكمه بالأول؟ حسب الحكم الأول، وهذا هو الذي يبدو راجحًا، وإن كان المسألة ما هي عندي بذاك المتميزة كثيرًا؛ لأن كلا التعليلين قوي، لكن الذي يبدو أنه أقرب: أن الأمر بعد الحظر هو رفع للتحريم.
﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة ١٠]، هذا أمر بعد الحظر؛ لأنه قال: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ [الجمعة ٩]، ثم قال: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ هل نقول الآن: إن البيع بعدما كان محرمًا صار مباحًا الآن أو صار مستحبًّا أم ماذا؟ نقول: عاد على ما كان عليه، والبيع -كما هو معلوم- قد يكون واجبًا، وقد يكون مستحبًّا، وقد يكون مباحًا.
* طالب: نقول: دل على الإباحة، لكن الدليل الآخر في هذه الآية ما هي الإباحة لكن هناك أدلة أخرى؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: ففي الآية مثلًا هذه.
* الشيخ: لا، إحنا كلامنا على القاعدة العامة، هل نسخ التحريم رفعٌ له أو أنه مقتضٍ للإباحة، الأمر بعد التحريم؟
* الطالب: أظن يقتضي الإباحة مثلًا، لكن دلت أدلة أخرى (...) في غيرها.
* الشيخ: لا، بينهم فرق.
* طالب: على قولنا: بأن المباح تجري فيه الأحكام الخمسة، يكون فيه فرق التعبيرين؟
* الشيخ: إيه؛ لأنه إذا قلنا: بأنه يعود إلى ما كان عليه أو رفع للتحريم، ننظر هذا الشيء الذي نهي عنه الآن هل هو قبل النهي مستحب، فيكون مستحبًا، قد يكون قبل الأمر مستحبًا، فيكون مستحبًا يبقى على استحبابه.
* الطالب: لكن مثل البيع يا شيخ، ويش حكم يعني..؟
* الشيخ: لا، البيع حكمه الإباحة، لا شك.
* طالب: يا شيخ، (...) كل الأمرين يصير إلى الإباحة؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: إعادة إلقاء الله على..
* الشيخ: إيه؛ لأن الصيد في الأصل مباح، لكن إذا كان الشيء مما يطلب مثل أنا لو قلت لك: لا تزر فلانًا، وهو قريب لك مثلًا، ثم قلت لك: إذا طلعت الشمس فزره، هذا الأمر ما هو معناه الإباحة، إذا قلنا: بأنه رفع للنهي، صار عادت الزيارة مستحبة، وإذا قلنا: إنه للإباحة، بقيت الزيارة مباحة، هذا المعنى.
* طالب: قوله: ﴿وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ (...)؟
* الشيخ: ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ قلت: المراد به الجماع، وما دونه من باب أولى ليس محرمًا.
﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ ﴿ابْتَغُوا﴾: اطلبوا، ﴿مَا﴾: الذي، ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ كتب لكم كتابة الكونية أو كتابة الشرعية، يعني: بمعنى ما قدر الله لكم، أو ما شرع الله لكم؟ نقول: تحتمل المعنيين، وشمولها لهما أولى، فالمعنى: ابتغوا ما شرع الله لكم، أي: اطلبوا ما شرع لكم من الاستمتاع بالنساء وإباحته، أو ما شرع لكم من التهجد في ليالي رمضان، أو ما شرع لكم من السحور، كل هذا داخل، أو ابتغوا ما كتب الله لكم تقديرًا كتابة قدرية من طلب الولد بهذا الجماع، كما قاله بعض المفسرين قال: ابتغوا الولد، يعني لا يكن مباشرتكم من أجل نيل الشهوة فقط، ولكن من أجل حصول الولد والذرية، فأقول: إن الآية تشمل الأمرين ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾، والفوائد إن شاء الله تأتينا.
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ معطوفة على ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ على الأول على ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾، ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ ما معنى الأكل والشرب؟ ويش في الأكل والشرب؟
* طلبة: (...).
* الشيخ: ولكن ما يتبين لنا، وهو كذلك، أول ما يظهر الفجر لا شك أنه ما هو على طول بيتبين، بيظهر شيئًا فشيئًا، ولكننا نحن مكلفون بما نستطيع حتى يتبين لنا ويتضح.
وقوله: ﴿الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ﴾ عرفنا لما قال سبحانه وتعالى: ﴿مِنَ الْخَيْطِ﴾ أن ﴿يَتَبَيَّنَ﴾ بمعنى يتميز، يتميز هذا من هذا، كما قال تعالى: ﴿حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران ١٧٩]، فـ(مِن) ما تدخل على ﴿يَتَبَيَّنَ﴾ من هذا إلا إذا قصد به التمييز، يعني: حتى يتميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ بينت المراد بالخيط، خيط أيش؟ بياض النهار، والخيط الأسود؟ سواد الليل، وفي التعبير بكونهما خيطين دليل على أنهما يتعاقبان، وأن هذا قد يكون في جهة، وهذا قد يكون في جهة؛ لأنهما خيطان، والخيطان لا بد أن يتعاقبان، وإلا لكانا خيطًا واحدًا فقط.
وقوله: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ بين الرسول ﷺ أن الفجر فجران: صادق وكاذب، وبين أن الصادق هو الذي يكون معترضًا في الأفق، مستطيرًا كالطير أو كجناح الطير من الشمال إلى الجنوب، وأما الكاذب فهو الذي يكون مستطيلًا -باللام- في الأفق كذنب السرحان، يعني: كذنب الذئب.
وذكر أهل العلم أن بينهما ثلاثة فروق، الفرق الأول: أن الصادق هو مستطير معترض وأما ذاك فهو مستطيل، والثاني: أن الصادق لا ظلمة بعده وذاك يظلم، والثالث: أن الصادق متصل بالأفق وهذا بينه وبين الأفق ظلمة (...).
﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ قلنا: إن ﴿يَتَبَيَّنَ﴾ بمعنى يظهر، ولكنه مضمن معنى الظهور والتمييز منين؟ من قوله: ﴿الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ﴾ يعني: يتميز هذا من هذا.
وقوله: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ هذه بيان لقوله: ﴿الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ﴾، ولم يقل: في الخيط الأسود من الليل، اكتفاء بالأول، كما في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل ٨١] يعني: والبرد؛ لأن السرابيل تقي الحر والبرد ﴿وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾ [النحل ٨١] كالدروع، فالمهم أن هذا من باب الاكتفاء بذكر أحد المتقابلين عن المقابل الآخر، يعني: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الفجر من الخيط الأسود من الليل، فهمتم؟ لكن حذف (من الليل) اكتفاءً بقوله: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾؛ لأن الشيء يتبين بذكر مقابله، ونظير ذلك؟ ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ يعني: والبرد.
وقوله: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾: ثم إذا تبين، وهذه من سعة رحمة الله عز وجل أنه أتى بـ(ثم) بعد التبين للتوسعة على العباد؛ ولهذا روى الإمام أحمد بسند لا بأس به «أنه إذا أذن الفجر والإناء في يدك، فإنك لا تضعه من يدك حتى تقضي حاجتك[[أخرجه أحمد في المسند (١٠٦٢٩)، من مسند أبي هريرة رضي الله عنه.]] »، تيسيرًا على المكلفين؛ ولهذا «كان ابن أم مكتوم لا يُؤذّن حتى يطلعَ الفجر ويُقال له: أصبحتَ أصبحتَ[[متفق عليه؛ البخاري (٦١٧)، ومسلم (١٠٩٢ / ٣٦)، من حديث عبد الله بن عمر، واللفظ للبخاري.]] ».
وقوله: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ ﴿أَتِمُّوا﴾ بمعنى أنهوا، أنهوه على وجه التمام، وقوله: ﴿الصِّيَامَ﴾ تقدم أنه في اللغة؟ الإمساك، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم ٢٦] أي: إمساكًا عن الكلام بدليل قوله: ﴿فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا﴾. والمراد بالصيام شرعًا: هو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس.
وقوله تعالى: ﴿إِلَى اللَّيْلِ﴾ ما المراد بالليل؟ غسقه؟ الجواب: لا، ولكن أوله، وقد بين ذلك رسول الله ﷺ حين قال: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا» وأشار إلى المشرق، «وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا» وأشار إلى المغرب، «وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٩٤١)، ومسلم (١١٠٠ / ٥١)، من حديث عمر بن الخطاب، وعبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما.]]. وبمجرد غروب الشمس -أي: غروب قرصها- يكون الإفطار، وليس بشرط أن تزول الحمرة كما يظنه بعض العوام.
﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ إذن الصوم محدد (من) و(إلى)، فلا تزيد فيه ولا تنقص، وسيأتي إن شاء الله في الفوائد حكم الوصال.
وقوله: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ لما قال: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ استثنى من هذا حالة واحدة وهي: إذا كان الإنسان عاكفًا في المساجد وهو صائم، فإنه لا يباشر الزوجة؛ ولهذا قال: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ فالضمير في قوله: (هن) يعود على النساء، وجملة: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ﴾ حال من الواو في قوله: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ﴾، وقوله: ﴿عَاكِفُونَ﴾ اسم فاعل من: عَكَفَ يَعْكُف، والعكوف على الشيء: ملازمته والمداومة عليه، ومنه قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام لقومه: ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ [الأنبياء ٥٢] أي: مديمون ملازمون؛ ولهذا نقول: الاعتكاف في اللغة: لزوم الشيء، وأما في الشرع فهو: التعبد لله سبحانه وتعالى بلزوم المساجد طاعة له، بلزوم المساجد لطاعة الله، هذا هو الاعتكاف.
والاعتكاف معروف في الجاهلية ومعروف في الإسلام، قال عمر للنبي ﷺ:« إِنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: «أَوْفِ بِنَذْرِكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٣٢)، ومسلم (١٦٥٦ / ٢٧)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ]]، وهو مشروع في رمضان، وكان الرسول ﷺ يعتكف طلبًا لليلة القدر؛ ولهذا اعتكف في العشر الأول، ثم قيل له: ليست الليلة في هذا العشر، فاعتكف في الأوسط، ثم أريها في العشر الأواخر، حتى خرج إلى الناس وقال: «إِنِّي أُرِيتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، فَمَنْ كَانَ مُعْتَكِفًا، فَلْيَعْتَكِفِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠١٦)، ومسلم (١١٦٧ / ٢١٦)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.]]، فكان الاعتكاف في رمضان طلبًا لليلة القدر، ثم إنه سيأتينا إن شاء الله في الفوائد حكم الاعتكاف هل هو سنة؟ هل هو يشترط له الصوم أو لا يشترط؟
وفي ذكر الاعتكاف بعد آيات الصوم استنبط بعض العلماء أن الاعتكاف لا يكون إلا في رمضان وفي آخره؛ لأن الله ذكره تابعًا لآيات الصوم بعد أن ختم الكلام على الصوم، والله أعلم هل يستقيم هذا الاستدلال أولا يستقيم.
ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ (تلك) ويش (تي)؟ ويش معناها؟ (تي) تلك؟
* طالب: اسم إشارة.
* الشيخ: (تي) اسم إشارة، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب، وقد تقدم أن الكاف هذه تكون باعتبار المخاطب، واسم الإشارة باعتبار المشار إليه، وأن الأفصح فيها أن تكون الكاف حسب المخاطب فيقال في المذكر المفرد: ذلكَ، وفي المؤنث: ذلكِ، وفي المثنى: ذلكما، وفي جماعة الذكور: ذلكم، وفي جماعة الإناث: ذلكن، قال الله تعالى: ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ﴾ [فصلت ٢٣]، ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا﴾ [الأعراف ٤٣]، وقال تعالى: ﴿فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ [يوسف ٣٢]، وفي المثنى قال الله تعالى: ﴿ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾، وفي المفرد: (ذلك)، وهو كثير، وهذه اللغة المشهورة الفصحى، وفيها لغة ثانية: أنها -أي الكاف- تكون مفردة مفتوحة دائمًا، على تأويل المخاطب بالمفرد، وفيها لغة ثالثة: فتحها للمذكر مطلقًا، وكسرها للمؤنث مطلقًا.
وهنا (تلك) للمفرد المذكر، أو لا؟ فالمعنى: تلك أيها المخاطب وإن كان يخاطب جميع الناس؛ لأن الناس جنس، فيصح أن يعبر عنها بالمخاطب.
* طالب: شيخ، في قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ﴾ [آل عمران ١٤٠] مع مراعاة المخاطب في الكاف يعني ما جمع الضمير؟
* الشيخ: إيه، كثيرًا ما يترك الجمع، في القرآن الأغلب الإفراد، كأنه يخاطب الإنسان عمومًا بالقرآن، يخاطب الإنسان، يعني: تلك أيها الإنسان حدود الله، وهذا كثير حتى الخطابات بغير الكاف في اسم الإشارة تجدها في المفرد.
قال: و﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ حدود الله جمع حد، (حدود) جمع (حد).
* طالب: قلت: بالواو.
* الشيخ: إي نعم، ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ ما فيها واو، ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ الحدود جمع حد، والحد في اللغة: المنع، ومنه: حدود الدار؛ لأنها تمنع من دخول غيرها فيها، فمعنى ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ أي: موانعه.
واعلم أن حدود الله نوعان: حدود موانع، أي: تمنع من كان خارجها من الدخول فيها، وهذه موانع الدخول، وهي في المحرمات، وموانع أخرى تمنع من فيها من الخروج منها، وهذه حدود الأوامر، حدود الله تعالى نواهٍ وأوامر، النواهي ما شأنها؟ تمنع من كان خارجها من الدخول فيها، والأوامر تمنع من كان فيها من الخروج منها؛ ولهذا إذا جاءت الأوامر قال الله فيها: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾ [البقرة ٢٢٩] يعني: لا تخرجوا منها، وإذا جاءت النواهي قال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ [البقرة ١٨٧]. فهذا هو الفرق، والكل منها يسمى حدودًا؛ لأن الأوامر لها حد لا تخرج منها، والنواهي لها حد لا تدخل فيها.
وقوله: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ من باب إضافة المشروع إلى مشرِّعه، ﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ الفاء للتفريع، و(لا) ناهية، الدليل؟
* طالب: حذف النون.
* الشيخ: مجزومة بحذف النون، ﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ ما قال: فلا تفعلوها، وإنما نهى عن قربانها، حتى نبعد عن المحرم وعن وسائل المحرم؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، وكم من إنسان حام حول الحمى فوقع فيه؛ ولهذا قال: ﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾، فالمحرمات ينبغي البعد عنها وعدم قربها.
﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ﴾ هذا ترد في القرآن كثيرًا، وقد أشرنا فيما مضى إلى إعرابها، وقلنا: إن الكاف اسم بمعنى مثل، وإنها منصوبة على المفعولية المطلقة، أي: مثل ذلك البيان يبين الله، وهي في القرآن كثيرًا، وهذا إعرابها: أن نقول: إن الكاف اسم بمعنى (مثل)، وهي منصوبة على أنها مفعول مطلق، وعاملها ما بعدها، وقوله: ﴿كَذَلِكَ﴾ المشار إليه ما سبق من البيان، وأظنه كثير البيان في هذه الآيات، أو لا؟ البيان كثير: فبين الله سبحانه وتعالى حكم الأكل والشرب في الليل، حكم مباشرة النساء، حكم الاعتكاف، موضعه، ما يحرم فيه، إلى آخره المهم أنها عدة أحكام بينها الله.
وقوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ﴾ آيات جمع آية، وهي في اللغة: العلامة، والمراد بها في الشرع: البراهين الدالة على ما تقتضيه من صفات الله سبحانه وتعالى، فمنها ما يقتضي الحكمة، ومنها ما يقتضي الرحمة، ومنها ما يقتضي العلم، ومنها ما يقتضي الإحاطة، المهم أنها متنوعة، الآيات جمع آية، وهي في اللغة: العلامة، والمراد بها هنا شرعًا: البراهين التي تدل على ما تقتضيه من صفات الله.
وذكر أهل العلم أن الآيات تنقسم إلى قسمين: كونية، وشرعية، وأن الآيات الكونية هي المخلوقات، كل المخلوقات ذواتها وصفاتها وأحوالها من الآيات الكونية، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ [فصلت ٣٧]، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [الشورى ٢٩]، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [الروم ٢١]، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ [الروم ٢٠]، إلى آخره، فكل المخلوقات ذواتها وصفاتها وأحوالها كلها من آيات الله الكونية، وكانت آية لله؛ لأنه لا أحد من المخلوق يصنع مثلها، وآية الشيء هي: العلامة عليه، فلا أحد من المخلوقين يصنع مثل هذه الآيات أبدا، أو لا؟
القسم الثاني من الآيات: الآيات الشرعية، وهي: ما أنزله الله تعالى على رسله وأنبيائه من الوحي، فإنها آيات شرعية تدل على منزلها سبحانه وتعالى، وجه ذلك؟ أنك إذا تأملت أخبارها وجدتها في غاية الصدق والبيان والمصلحة ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ﴾ [يوسف ٣]، فأحسن الأخبار أخبار القرآن، أخبار الوحي: القرآن وغيره، إذا تأملت أحكامها وجدتها أحسن الأحكام، ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة ٥٠]، لو اجتمع الخلق على أن يأتوا بمثل الأحكام التي أنزلها الله على رسله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا، بهذا تكون آية ولَّا لا؟ تكون آية على ما تقتضيه من صفات الله سبحانه وتعالى، وقولنا: على ما تقتضيه؛ لأن الآيات تختلف بعضها تقتضي العظمة، تدل على العظمة بعضها، تدل على الرحمة، وبعضها تدل على العلم، وبعضها تدل على الكبرياء، المهم تختلف.
وقوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ هذه (لعل) للتعليل، يتقون من؟ يتقون الله عز وجل، وتقوى الله سبحانه وتعالى هي: اتخاذ الوقاية من عذابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، هذه التقوى: اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه، وهذا أجمع ما قيل في التقوى، وبعضهم يقول: إن التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله، وبعضهم يقول: إن التقوى ترك المعاصي، ولكن أجمع ما قيل فيها ما ذكرناه في الأول وهي: اتخاذ وقاية من عذابه بفعل أوامره واجتناب نواهيه، صحيح أنها إذا قرنت بالبر مثل: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ [المائدة ٢] صار المراد بالتقوى: اتقاء المعاصي، والمراد بالبر: فعل الطاعات، يقول الشاعر:
؎خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا ∗∗∗ وَكَبِيرَهَـا ذَاكَ التُّقَــى
هذا التقوى
؎وَاعْمَلْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ ∗∗∗ ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى
اللي يمشي على أرض الشوك ويش يسوي؟ يخبط برجله ولا يهمه؟ لا.
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم
؎لا تَحْـقِـرَنَّ صَـغِيرَةً ∗∗∗ إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَى
هذا صحيح، والنبي عليه الصلاة والسلام شبه المحقرات من الذنوب بجماعة نزلوا أرضًا، وأرادوا أن يوقدوا نارًا، فذهبوا فجاء واحد بعود، وواحد بعود، وواحد بعود، حتى جمعوا حطبًا كثيرًا، وأضرموا نارًا كثيرة، وهم أي شيء يجيبون؟ على عود عود، ما هو بشيء، إي نعم، إذن نقول التقوى أجمع ما قيل فيها: اتخاذ وقاية من عذاب الله تعالى بفعل أوامره واجتناب نواهيه.
* طالب: قد تكون هذه درجة قريبة من التقوى يعني ما تكون التقوى شيئًا أعلى من فعل الأوامر بل فعل المستحبات؟
* الشيخ: الأوامر مستحبات، المستحب أمر؛ لأن الأمر قد يكون للوجوب، وقد يكون للاستحباب، والنهي قد يكون للكراهة، وقد يكون للتحريم.
* طالب: ما نقول: إن الآية: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ﴾ تشمل من أول السورة وليس مختص بأحكام الصيام؟
* الشيخ: لا، ما هو بالظاهر؛ لأنك تعرف الآيات مقطعات.
* الطالب: إي بس السورة متصلة؟
* الشيخ: لا، ولو كانت متصلة، ما يمكن إلا أنها تكون في الموضوع الذي فيه البحث، وأيضًا فيما سبق فيه كذلك (...) آيات فيه من قبل.
* طالب: (...) الصيام يا شيخ؟
* الشيخ: يشمل -والله أعلم- هم بعض العلماء قال: يشمل الأحكام الأربعة التي تلي هذا من قوله: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ﴾ إلى آخره بس، ولو قيل: إنه من قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة ١٨٣] لكان طيب، ثم اعلم أن قوله: ﴿آياته﴾ جمع مضاف، فيعم، يعني أن مثل هذا البيان الذي بيناه لكم في هذه الآيات تكون بيان جميع الآيات.
* طالب: عرفت الحد لغةً ما عرفته شرعًا؟
* الشيخ: إي عرفته.
* الطالب: لا.
* الشيخ: قلنا: الحدود شرعًا هي: أوامر الله ونواهيه، أما الحد عند المنطقيين غير هذا، الحد عند المنطقيين تقدمنا في شرح العقيدة السفارينية.
* الطالب: يعني يختلف ما كان عند..
* الشيخ: إيه يختلف، بحسب الاصطلاحات.
* طالب: شيخ، لو قال قائل: يعني تبيين الآيات كأنه يتراءى للإنسان أن فائدته الإيمان؟
* الشيخ: الإيمان؟
* الطالب: الإيمان، لعلكم مثلًا تؤمنون؛ لأن ثم إذا آمن يتقي.
* الشيخ: لا، أصله ما فيه تقوى إلا بعد الإيمان، فالإنسان إذا تبينت له الآيات اتقى الله عز وجل فحصل أولًا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: ما فيه تقوى يا أخي إلا بعد الإيمان، وهل الإنسان بيتقي شيئًا لا يؤمن به؟ ما يكون.
ثم قال: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ مناسبة هذه الآية لما سبق مناسبة واضحة؛ لأن ما سبق في آيات الصيام تحريم لأشياء خاصة في زمان خاص، الآية اللي بعدها ﴿وَلَا تَأْكُلُوا﴾ هذا تحريم عام، عام في ما يحكم، وفي زمانه، وفي مكانه، هذا وجه المناسبة أنه لما ذكر التحريم الخاص الذي يحصل بالصيام بيَّن التحريم العام الذي يحصل في الصيام وفي غير الصيام، فقال: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ ﴿لَا تَأْكُلُوا﴾ المراد بالأكل ما هو أعم منه، لكنه خص الأكل؛ لأنه أقوى وجوه الانتفاع، أقوى وجوه الانتفاع هو الأكل، الإنسان ينتفع في المال ببناء مسكن له، بناء المسكن متصل به ولَّا لا؟ لكن ما هو مثل اتصال الثوب أولا؟ أيهما ألصق به؟
* الطلبة: الثوب.
* الشيخ: الثوب، كذلك أيضًا يصرف المال في الثياب، قبل يصرفها في الفرش، والفراش أخص من البيت أو لا؟ لأن الفراش هو الذي يليه عند النوم وعند الجلوس وما أشبه ذلك، يصرفها في اللباس وهو أخص من الفراش، يصرفها في الأكل والشرب وهو أخص الأشياء ما عاد بعده شيء؛ ولهذا ذكر بعض أهل العلم رحمهم الله أن الإنسان إذا كان عنده مال مشتبه ينبغي أن يصرفه في الوقود، ما يصرفه في الأكل والشرب؛ لأن الأكل والشرب يتغذى بهما البدن، وهما أخص انتفاع بالمال.
فإذا كان الله يقول: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾ وهو أخص الانتفاع والذي قد يكون الإنسان لو لم يفعل لهلك، لو لم يأكل لمات، فكيف عاد بغيره؟
وقوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ﴾ كيف يقول: ﴿أَمْوَالَكُمْ﴾ ﴿أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ﴾ (...)، فنقول: عندنا آكلٌ ومأكولٌ منه، فإذا كنت أنت أيها الآكل لا ترضى أن يؤكل مالك، فكيف ترضى أن تأكل مال غيرك؟! فاعتبر مال غيرك بمنزلة مالك، ويش هو لأجل؟ لأجل أن لا تأكله، كما لا ترضى أن أحدًا يظلمك ويأكل مالك، فإن هذا يجب أن تنزل مال أخيك بمنزلة مالك. فعليه نقول: فائدة إضافة الأموال المأكولة للغير إلى آكلها هو: أن يعتبر بأن مال غيره يجب أن يحميه كما يحمي مال نفسه.
وقوله: ﴿بَيْنَكُمْ﴾ أي: في العقود من إجارات وبيوع ورهون وغيرها؛ لأن هذه تقع بين اثنين، ومن باب أولى أن تأكلها بالانتهاب والاغتصاب اللي ما هناك بينية بينك وبين شخص آخر، يعني: فإذا نهيت أن تأكلها في العقود، فمن باب أولى أن تأكلها في الغصب والإكراه وما أشبه ذلك.
وقوله: ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ كلمة ﴿بِالْبَاطِلِ﴾ الباء هذه حرف جر، ولكن ما معناها؟ هل معناها المصاحبة يعني: أكلًا مصحوبًا بالباطل؟ أو معناها التعدية بأن يجعل الباطل كالآلة يأكل بها يعني: كما تقول ذبحت بالسكين مثلًا، ورميته بالحجر؟ نقول: إن الباء صالحة لهما جميعًا، فلا يجوز أن تتناول غيرك بالباطل بأن تجعل الباطل وسيلة لأخذ المال، ولا أن تأكل المال أكلًا مصحوبًا بالباطل، فيشمل ما كان محرمًا لذاته وما كان محرمًا لوصفه.
وقوله: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ ﴿تُدْلُوا بِهَا﴾ الضمير يعود إما على الأموال، وإما أن يعود على المحاكمة، والإدلاء أصلها مأخوذة من: أَدْلَى دَلْوَهُ، ومعلوم أن الذي يدلي دلوه يريد التوصل إلى الماء، فمعنى ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ أي: تتوصلوا بها إلى الحكام لتجعلوا الحكام وسيلة لأكلها، كيف يكون وسيلة لأكلها؟ تجحد الحق الذي عليك وليس به بينة، ثم تخاصمه عند القاضي، ماذا يقول القاضي للمدعي عليك؟ يقول: هات بينة، إذا لم يكن لك بينة، إذا لم يكن للمدعي بينة توجهت عليك اليمين، فإذا حلفت برئت، أفهمتم؟ الآن أنا أدليت بها إلى الحكام، بمعنى أني جعلت الحاكم وسيلة لأكل المال، هذا قول في المسألة، والقول الثاني: أن معنى ﴿تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ أي: توصلوها إليهم بأن ترشوا الحكام ليحكموا لكم، فمعنى ﴿تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ توصلوها إليهم لأجل، ويش لأجله؟ أن يحكموا لكم، وكلا المعنيين صحيح.
* طالب: ألا يدخل فيها يا شيخ الفلاسة؟
* الشيخ: الفلاسة؟
* الطالب: إيه، يفلس الحكام علشان يأخد المال هذا بغير حق.
* الشيخ: إيه، ما تكون أنت الذي أكلتها.
* الطالب: إيه، لكن أدليت بها إلى الحكام؟
* الشيخ: إيه، بس الآية تقول: ﴿لَا تَأْكُلُوا﴾ ﴿وَتُدْلُوا﴾، أما إن جعلنا الجملتين منفصلًا بعضها عن بعض، فهي نعم، تدخل مثل ما قلت أنت، ويصير النهي عن شيئين: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ هذه جملة مستقلة، ولا تدلوا بها إلى الحكام هذه جملة مستقلة، لكن ظاهر النظم -يعني ظاهر الكلام- أن الجملتين واحدة؛ ولهذا قال: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا﴾ ولم يقل: ولا تدلوا بها، فجعلها معطوفة على قوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا﴾ فهي مبنية عليها.
* طالب: وين يعود الضمير؟
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: على القول الثاني، ترشون؟
* الشيخ: إيه، يعود على الأموال.
* الطالب: المال اللي أرشي به القاضي غير المال الذي..؟
* الشيخ: إيه، ما خالف، لكن معناه يكون معناه: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بأموالكم لتأكلوا هذه.
* الطالب: يعني أموال ثانية؟
* الشيخ: أموال ثانية لأجل أن تأكلوا بها أموال الغير يحكمون لكم بها.
* طالب: شيخ، هذه الفلاسة اللي ذكرناها ما تدخل في الرشوة؟
* الشيخ: لا لا، الفلاسة ما هي بهذا، الفلاسة يخبر الحاكم بأن فلان عنده مال لأجل يأخذه منه.
* الطالب: عندنا في (...) نقول: عليها (...) يعني يرشي، فالتبس عليه الأمر؟
* الشيخ: لا، يدل الحكام على أموال الناس ليأكلوها.
* طالب: الحكام القضاة ولَّا الحكام..؟
* الشيخ: الحكام الأمراء، إذا قلنا: إن المراد مثل ما قال غانم، أما إذا قلنا: إن المعنى عند المحاكمة فهو يشمل الأمراء ويشمل الحكام القضاة.
قال: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ قوله: ﴿لِتَأْكُلُوا﴾ قد يقول قائل: إن فيها إشكالًا؛ لأن قوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا﴾ ثم قال: ﴿لِتَأْكُلُوا﴾، كيف يعلل الحكم بنفس الحكم؟ فنقول: إن اللام هنا ليست للتعليل، بل اللام هنا للعاقبة، يعني: أنكم إذا فعلتم حصل لكم الأكل، أكل فريق من أموال الناس، فاللام هنا للعاقبة، وتأتي اللام للعاقبة كما في قوله تعالى: ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ [القصص ٨]، هل آل فرعون التقطوه لهذه العلة، أو كانت العاقبة كذلك؟ كانت العاقبة كذلك، فاللام في قوله: ﴿لِتَأْكُلُوا﴾ اللام لام العاقبة.
وقوله: ﴿لِتَأْكُلُوا﴾ لماذا حذفت النون؟
* طالب: منصوب.
* الشيخ: منصوب بأن المضمرة بعد اللام على قول، أو باللام نفسها على قول من؟
* طالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، صح، ﴿لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ ﴿فَرِيقًا﴾ الفريق بمعنى الطائفة، وسمي فريقًا؛ لأنه يفرق عن غيره، فهذا فريق من الناس، يعني: طائفة منهم افترقت وانفصلت.
وقوله: ﴿فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ لو قال قائل: قد يأكل كل مال المدعى عليه؟
* طالب: من باب أولى.
* الشيخ: من باب أولى؟ نعم، من باب أولى، أو نقول: إن مال المدعى عليه فريق من أموال الناس على سبيل العموم؛ لأن الإنسان مهما بلغ عنده من الملايين، فإن غيره عنده مال، إي نعم.
﴿مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ﴾ ﴿لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ﴾ الباء هنا للمصاحبة، يعني: أكلًا مصحوبًا بالإثم وهو الذنب؛ وذلك لأنه باطل، ومن هنا نعلم أن الباطل يعني: الإثم، ولكن هل هو في كل مكان الباطل هو الإثم؟ لا، قد يراد بالباطل ما لا منفعة فيه، كما في قوله عليه الصلاة والسلام: «كُلُّ لَهْوٍ يَلْهُو بِهِ ابْنُ آدَمَ فَهُوَ بَاطِلٌ إِلَّا لَعِبَهُ بِقَوْسِهِ أَوْ مُدَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ أَوْ تَأْدِبيَهُ لِفَرَسِهِ»[[أخرجه الترمذي (١٦٣٧)، وأحمد في المسند (١٧٣٠٠)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.]].
* * *
﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
* يستفاد من هذه الآية فوائد، أولًا: أن الصيام مظنة إجابة الدعاء؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر هذه الآية في أثناء آيات الصيام، ولا سيما أنه ذكرها في آخر الكلام على آيات الصيام، قال بعض أهل العلم: فيستفاد منها فائدة أخرى: أنه ينبغي الدعاء في آخر يوم الصيام.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم؛ لأنها ذكرت بعدما تكلمنا عن الصيام والإمساك.
* الطالب: قد يقال: هي في العيد أولى؟
* الشيخ: لا، لكن كل يوم يعتبر عبادة واحدة.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى عنده علم الغيب؛ لأن قوله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ﴾ في المستقبل.
* ومن فوائد الآية: رأفة الله عز وجل في قوله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي﴾ حيث أضافهم إلى نفسه تشريفًا وتعطفًا عليهم.
* ومن فوائد الآية: إثبات قرب الله سبحانه وتعالى؛ لقوله: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾، والضمائر كلها تعود إلى الله: ﴿إِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ﴾ ﴿إِذَا دَعَانِ﴾ ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ ست ضمائر كلها تعود إلى الله عز وجل، فيستفاد من هذه الآية الكريمة: قربه سبحانه وتعالى.
هل قرب الله تعالى عام أو خاص؟ تقدم لنا الكلام في هذه المسألة، وبيَّنا أن قرب الله تعالى لا يكون إلا خاصًّا، وأن قوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ [ق ١٦] المراد: بملائكتنا، وكذلك قوله: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ﴾ [الواقعة ٨٣ - ٨٥]، المراد أيضًا: بملائكتنا.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: ولم يرد القرب عامًّا كما ورد في المعية، المعية وردت عامة وخاصة، وأما القرب فذكره شيخ الإسلام أنه لم يرد إلا خاصًّا، خاصًّا بمن يدعوه أو بمن يعبده، فمن يدعوه كما في هذه الآية: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾، وكما في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «أَيُّهَا النَّاسُ، ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، إِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، وَإِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وَهُوَ مَعَكُمْ»[[سبق تخريجه.]] وأما قربه من العابد فمثل قوله ﷺ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ»[[أخرجه مسلم (٤٨٢ / ٢١٥)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]]؛ لأن هذا عبادة، وسبق لنا أيضًا أن قربه من عباده لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته؛ لأنه سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته، المخلوق لا يكون قريبًا مع بعده، لكن الخالق يكون قريبًا مع بعده، وعلى هذا فلا تدل هذه الآية على أن الله سبحانه وتعالى ليس في العلو؛ لأنه لا تناقض بينهما في حق الخالق.
* طالب: المعية (...) أخص من القرب أو القرب أخص (...)؟
* الشيخ: لا، الظاهر أن القرب أخص، أخص منها؛ ولهذا ما جاء عامًّا بخلاف المعية.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات سمع الله، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿أُجِيبُ﴾؛ لأنه لا يجاب إلا بعد أن يسمع ما دعا به.
* ومنها: قدرة الله، إثبات القدرة؛ لأن إجابة الداعي تحتاج إلى قدرة.
* ومنها: إثبات كرم الله؛ لقوله: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾.
* ومن فوائد الآية أيضًا: أن من شرط إجابة الدعاء أن يكون الداعي صادق الدعوة في دعوة الله عز وجل، بحيث يكون مخلصًا مشعرًا نفسه بالافتقار إلى ربه، ومشعرًا نفسه بكرم الله وجوده، من أين تؤخذ؟ من أين تؤخذ هذه الفائدة؟
* طالب: (...).
* الشيخ: لا.
* الطالب: (...).
* الشيخ: من قوله: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ إلى قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾، أو لا؟ نبغي الكلمة المعينة الخاصة؟
* طالب: ﴿إِذَا دَعَانِ﴾.
* الشيخ: ﴿إِذَا دَعَانِ﴾؛ لأن نحن نبهنا على هذا في التفسير، فإذن يشترط لإجابة الدعوة أيش؟ أن يكون صادقًا في دعوته، بحيث يكون مخلصًا لله، وأن يكون عنده شعور بافتقاره إلى الله عز وجل؛ لأن الإنسان ما يدعو إلا وهو يشعر بالافتقار، وأن يكون لديه شعور بأيش؟ بغنى الله عز وجل وإجابته؛ لقوله: ﴿إِذَا دَعَانِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنابة إلى الله عز وجل والقيام بطاعته سبب للرشد؛ لقوله: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾.
* ومن فوائدها أيضًا: أن الاستجابة لا بد أن يصحبها إيمان؛ لأن الله قرن بينهما، فمن تعبد لله وهو ضعيف الإيمان، يعني: بأن يكون عنده تردد -والعياذ بالله- أو شك، فإنه لا ينفعه، أو يكون عنده أيضًا إنكار كما يفعل المنافقون فإنهم يتعبدون لله عز وجل ظاهرًا لكنهم ما عندهم إيمان فلا ينفعهم.
* ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الأسباب والعلل.
الجهمية جبرية، وعلى الأشاعرة أيضًا، يعني سبق لنا أن الأشاعرة ما يثبتون الأسباب إلا أسبابًا صورية، حيث يقولون: إن الأسباب لا تؤثر بنفسها، لكن يكون الفعل عندها.
ثم قال سبحانه وتعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ [البقرة ١٨٧] إلى آخره.
إذا عرفنا سبب النزول استفدنا من هذه الآية الكريمة، استفدنا رحمة الله تعالى بعباده، كيف ذلك؟
* طالب: بالنسخ، يعني نسخ الحكم الأول.
* الشيخ: بالنسخ، الحكم الأول بالتخفيف، حيث كانوا بالأول إذا ناموا أو صلوا العشاء حرمت عليهم النساء والطعام والشراب.
* ويستفاد من هذه الآية: جواز الكلام بين الزوج وزوجته فيما يستحيا منه، من أين يؤخذ؟
* طالب: من ﴿الرَّفَثُ﴾.
* الشيخ: ﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾؛ لأنه متضمن لمعنى الإفضاء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز استمتاع الرجل بزوجته من حين العقد، من أين تؤخذ؟
* طلبة: ﴿إِلَى نِسَائِكُمْ﴾.
* الشيخ: ﴿إِلَى نِسَائِكُمْ﴾.
وقد سئلت عدة مرات عن الإنسان يعقد على امرأة ولكن يكون الدخول بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة فهل يجوز أن يستمتع بها ولّا ما يجوز؟
* طلبة: يجوز.
* الشيخ: يجوز، لكن عند الناس، يعني بعض الناس الجهال أنه ما يجوز حتى يعلن النكاح، حتى يعلن، يكون ليلة الزواج، لكن هنا شيء يخشى منه، وهو أنه ربما يحصل حمل، وإذا حصل حمل، ولا سيما إن تأخر الدخول، ربما يحصل في ذلك ريبة، فإذا خشي الإنسان من هذا الأمر فالحمد لله يملك نفسه، يستمتع بدون الجماع؛ لئلا يحصل ريبة عند العامة، وأما طلبة العلم ما يحصل عندهم ريبة؛ لأن الإنسان بمجرد العقد تكون المرأة فراشًا له ويلحقه الولد على المذهب، حتى وإن لم يجتمع بها، مع إمكان الاجتماع، لا ما علمنا أنه اجتمع، فالولد ولده وهذا أظن مرت علينا: بماذا تكون المرأة فراشًا. فالمسألة ما فيها إشكال عند طلبة العلم، لكن عند العامة فيها إشكال، لكنه من الناحية الشرعية لا بأس تكون امرأته من يوم يعقد عليها.
* طالب: بناء على وجوب إعلان النكاح.
* الشيخ: لا، ما هم يقصدون هذا، لكن يقصدون العادة فقط وإلا ما يعرفون وجوب النكاح ولا عدم وجوب النكاح.
* طالب: (...) الحياء عند المرأة؟
* الشيخ: لا لا، الحياء من النساء اليوم بدأ يخف.
* طالب: ما عاد لوم على العوام في هذا، من باب (...) الحياء وكذا.
* الشيخ: لكن الآن راح..
* طالب: بالنسبة للمهر ياشيخ، ما دفع المهر، عندهم..
* الشيخ: لا، المهر عندنا يدفع قبل العقد، في عرفنا عندنا هنا يدفع قبل العقد.
* طالب: ما أخذوا المهر، فيه ناس عقدوا وما أخذوا المهر.
* الشيخ: يمكن يمكن يوجد ناس..
* طالب: يرفضون.
* الشيخ: ما هو بلازم.
* طالب: لكن ما فيه شيء يعني لو خلى المهر عند الزواج.. عند يعني.
* الشيخ: الدخول.
* الطالب: الدخول.
* الشيخ: إي ما فيه شيء.
* الطالب: لو دخل..
* الشيخ: مر علينا في الصداق أنه يجوز تأجيله أو تأجيل بعضه.
* طالب: (...).
* الشيخ: هي عادة الناس.
* طالب: مكتوب في العقد.
* الشيخ: ما فيه شيء.
* طالب: (...) لو قدم المهر كعادتنا نحن هل يكون مسمى.
* الشيخ: لا ما يصح (...).
* الطالب: سلم هذا.
* الشيخ: إي ولو سلمناه لأنه ما بيسمى عند القعد، عندنا ما يسمى عند العقد.
* طالب: يعني لو مات مثلا أو طلقها هل يتأثر؟
* الشيخ: لو طلقها قبل الدخول؟
* طالب: نعم، إذا سلم (...).
* الشيخ: ولو سلمها.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: (...) لأنه معلوم بينهم.
* من فوائد الآية الكريمة هذا المعنى الذي يستفاد من قوله: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾، وهو أن المرأة ستر لعورة الرجل كما أن الرجل ستر لعورة المرأة.
* ثانيًا: أن بينهما من القرب كما بين الثياب ولابسيها ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾.
فيها أيضًا من التحصين للفروج (...).
* وفيها يستفاد من قوله: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ﴾ إثبات العلة في الأحكام؛ لأن الجملة هذه للتعليل، تعليل التحليل.
* ويستفاد من الآية الكريمة: علم الله عز وجل، يستفاد منها ثبوت علم الله بما في النفوس؛ لقوله: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: أن الإنسان كما يخون غيره قد يخون نفسه، وذلك إذا أوقعها في معاصي الله فإن هذا خيانة، وعلى هذا فنفس الإنسان أمانة عنده.
* وهذه فائدة تتفرع على قوله: ﴿أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ أن نفس الإنسان عنده أمانة يجب عليه رعايتها، ويؤكد ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [البقرة ٥٧] فالإنسان كما يظلم غيره يظلم نفسه أيضًا.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: ثبوت التوبة من الله؛ وصف الله بالتوبة، لقوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ وهل هي من الصفات الذاتية أو الفعلية؟
* طالب: الفعلية
* الشيخ: الفعلية نعم.
* طالب: نقول في صفته: التوبة، ولّا الصحيح تواب؟
* الشيخ: لا، التوبة، من صفاته التوبة واسمه التواب.
* ومن فوائد الآية: إثبات عفو الله؛ لقوله: ﴿وَعَفَا عَنْكُمْ﴾.
* ومن فوائدها: جواز النسخ، أو ثبوت النسخ؛ خلافًا لمن أنكره، وهو في هذه الآية صريح، من أين يؤخذ؟ من قوله: ﴿فَالْآنَ﴾، ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ يعني وقبل الآن ما هو بحلال.
ومن فوائده: جواز مباشرة الزوجة على الإطلاق بدون تقييد، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ لكن هذا الإطلاق مقيد في حالات ومقيد في أمكنة، فهو مقيد في حالات في حال الحيض ما يمكن تجامعها؛ لقوله تعالى: ﴿فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة ٢٢٢]، ومقيد أيضًا في حال الدبر، في مكان الدبر، فإنه لا يحل للإنسان أن يطأ امرأة في دبرها.
وقد ذُكر عن الإمام الشافعي رحمه الله مناظرة كنت أستغرب يعني أن تقع منه في محاورة جواز وطء المرأة في دبرها، ولكن مر علي أن هذه لا تصح عن الشافعي، وأن الشافعي نص على تحريم الوطء في الدبر، وهذا هو الأليق به، ولا شك أن تحريم الوطء في الدبر أنه وإن كانت الأحاديث التي وردت فيه يعني فيها شيء وفيها مقال، لكن مجموعها يقتضي على الأقل أن تكون حسنة، يحتج بها، ثم إننا إذا تأملنا قوله تعالى: ﴿فِي الْمَحِيضِ﴾، ﴿قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة ٢٢٢]، ﴿أَذًى فَاعْتَزِلُوا﴾ وجدنا أن الأذى والخبث في الدبر أشد وأعظم، فتكون الآية دالة بإيمائها على تحريم الوطء في الدبر، على أن قوله: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ [البقرة ٢٢٣] يدل على أن محل الاستمتاع أنه محل الحرث، وهو الفرج، أما الدبر فلا. لكن مع ذلك يجوز للإنسان أن يستمتع بزوجته بغير الحرث كما لو استمتع بين الفخذين، هذا لا بأس به.
* طالب: مثلًا باشر (...).
* الشيخ: أيهم.
* الطالب: الاستمتاع.
* الشيخ: بين الفخذين؟
* الطالب: إي.
* الشيخ: إي نعم مباشرة، قالت عائشة رضي الله عنها: «كان الرسولُ عليه الصلاة والسلام يأمُرُني فأَتّزِرُ فيباشرُني وأنا حائض[[أخرجه البخاري (٣٠٠).]] ».
* طالب: قلنا: ما دام إنها حائض ما تجوز مباشرتها.
* الشيخ: المباشرة المراد الجماع.
إذن قوله: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ هذا الفعل المطلق مقيد ولّا لا؟ مقيد بما ثبت الشرع بمنعه في حال أو مكان.
* طالب: هل صحيح ما نسب إلى ابن عمر وآخرين أنهم يجيزوا هذا الإتيان؟
* الشيخ: والله ما أدري هل يصح عنهم أو ما يصح، ما أظنه يصح، بعيد هذا.
* الطالب: ذكرها الشيخين (...) البخاري مثلًا إذا كان يجيز هذا الشيء.
* الشيخ: حققها لنا، وهي عليك إن شاء الله.
* طالب: إي، يعني من الدبر في القبل في بعض الأحاديث؟
* الشيخ: إي، ها هدي، هي هكذا هي السنة، من دبرها في قبلها، هذا جائز، يعني يمكن يحمل على هذا، إن فيه شبهة والله نشوف صحته عنهم.
* ومن فوائد الآية: أنه ينبغي أن يكون الإنسان قاصدًا بوطئه طلب الولد؛ لقوله: ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾.
«وذكروا عن عمر رضي الله عنه أنه لا يجامعُ إلا إذا اشتهى الولدَ[[أخرجه ابن أبي شيبة (١٩٤٧٩)، وابن أبي الدنيا في العيال (٣٩٠) وفيه: فلولا الوَلَدُ ما أَردتُهُن من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.]] »، ولكن مع ذلك ما يمنع الإنسان أن يفعل لمجرد الشهوة، هذا ليس فيه منع.
* ومن فوائد الآية: أنه لا ينبغي للإنسان أن يلهو بالمتعة عن عمل الطاعة، من أين تؤخذ؟
* طلبة: ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [البقرة ١٨٧].
* الشيخ: على أحد التفسيرين، حيث فسر «بأن المراد ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ من طلب ليلة القدر والقيام[[ينظر ما أخرجه الطبري في التفسير (٣ / ٢٤٦)، وابن أبي حاتم في التفسير (١٦٨٣) (١ / ٣١٧) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.]] ».
* طالب: هل يصح عن عمر (...).
* الشيخ: يمكن يكون، يمكن يصح.
* ومنها، من فوائد الآية: جواز الأكل والشرب في ليالي الصيام؛ لقوله: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾.
أخذ بعض أهل العلم من هذا استحباب السَّحور، أو السُّحور بالضم، فما رأيكم؟
* طالب: ما (...) عين الآية.
* الشيخ: من هذه الآية فيه، ما فيه؟
* طالب: لأن اللام للتوكيد؟
* الشيخ: ما فيه لام.
* طالب: حتى للغاية.
* الشيخ: للغاية.
* طالب: (...).
* الشيخ: هذه بعض العلماء استنبط من هذا وعندي هذا الاستنباط له غور، ويش وجهه؟ لأنه يقول: إنما أبيح الأكل والشرب ليلة الصيام رفقًا بالمكلف، أليس كذلك؟ وكلما تأخر إلى قرب طلوع الفجر كان أرفق به، موافقون على هذا؟
* طلبة: نعم.
* الشيخ: ما يحتاج إلى توقف، كلما تأخرت بالأكل إلى عند طلوع الفجر صار أرفق لك، ولّا لا؟ قالوا: فما دام نص التحريم من أجل الرفق بالمكلف فإنه يقتضي أن يكون عند طلوع الفجر أفضل منه قبل ذلك؛ لأنه أرفق.
وهذا استنباط جيد تعضده أيضًا الأحاديث، وهو قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُور» أو: «فِي السُّحُورِ»[[أخرجه البخاري (٣٠٠) من حديث عائشة.]]؟ بالضم الفعل، وبالفتح ما يؤكل، يجوز الوجهان، السَّحور فيه بركة، ولهذا طعام واحد يغني الإنسان عن طعامين في النهار، شراب واحد يغنيه عن كم؟ عن ست شرابات، الواحد إذا أفطر في أيام الصيف يمكن يشرب في النهار ست مرات.
* طالب: (...) إذا كان سهران مثلًا، يكون تأخر بالنوم يكون تسحر في أول الليل أو في (...) الليل وينام هذا أرفق به؟
* الشيخ: لا لا، ما هو أرفق به من جهة الاستعانة على الصيام أبدًا ولا أرفق، أرفق من جهة القيام، أي راحة البدن، هذا خارج (...) لكن من حيث الصيام لا شك أن هذا أعون على الصيام.
على كل حال الآن هذا الاستنباط أنا عرضته عليكم لأجل أن نعرف أن بعض العلماء رحمهم الله لهم غور في استنباط المسائل، فبادئ الأمر تقول: ما قال: كلوا واشربوا في وقت السحر.
* طالب: يا شيخ، فين نأخذ (...) الإباحة، لأنه كان منهي عنه وأباحه؟
* الشيخ: كيف الإباحة لأي شيء، لأي شيء أبيح؟
* الطالب: هذا خير ليحصل..
* الشيخ: لا لا، أبيح للتيسير، والله يحب اليسر، كما في قوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة ١٨٥]
* الطالب: فكيف نقول: إن العلماء يأخذون استحباب..
* الشيخ: هذا السبب، قلنا: استحبابه؛ لأنه إنما أبيح من أجل التيسير على المكلف -بارك الله فيك- لكن ما دام أنه من أجل التيسير، والتيسير في حقه أن يأكل قرب طلوع الفجر يكون مستحبًا.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: جواز الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر أو لا؟ زين، ولّا لا، ولّا إلى أذان الفجر؟
* طلبة: إلى طلوع الفجر.
* الشيخ: إلى طلوع الفجر؛ لقوله: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ﴾ حتى يتبين.
* طالب: (...) أذن يا شيخ (...) طلع.
* الشيخ: لا (...) قبل الفجر، وبعضهم يتأخر بعد الفجر، ولهذا نعلق الحكم بتبين الفجر لا بأذان الفجر، إلا من علم أنه يؤذن على الوقت، فكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩١٩) واللفظ له، ومسلم (١٠٩٢ / ٣٦) من حديث عائشة.]].
* طالب: أنت تعرف المكلف مثلًا ما يعرف يعني ما يستطيع إنه..
* الشيخ: إي نعم يعرفون هذا بأن يسألوا المؤذن، إذا كان المؤذن ممن عرف بالتحري والدقة اتبعوه.
* ويستفاد من هذه الآية الكريمة: مسألة اختلف فيها أهل العلم وهي: لو أنه طلع الفجر وهو يجامع زوجته، إن بقي حرم عليه، وإن قام لزمته الكفارة، يكفر، فما رأيكم المذهب عندنا مذهب الحنابلة أنه لو طلع الإنسان الفجر وهو يجامع ثم نزع لزمته الكفارة؛ أن يصوم شهرين متتابعين، يعني يعتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا، فما رأيكم بهذا الرأي هل تؤيده الآية الكريمة، أو أنها تضعفه؟
* طالب: تضعفه.
* الشيخ: الآية تضعفه لا شك، الآية تضعفه؛ لأن الله أباح لنا ذلك إلى متى؟
* طلبة: حتى يتبين.
* الشيخ: حتى يتبين لنا، حتى يتبين، فإذا جامع الإنسان زوجته وهو لم يرَ الفجر فإنه قد فعل مأذونًا فيه، ومن فعل مأذونًا فيه لا يمكن أن يعاقب.
* ومن فوائد الآية الكريمة: جواز الصيام مع الجنابة، أي جواز أن يصبح الصائم جنبًا، أنه يجوز أن يصبح الصائم جنبًا. من أين تؤخذ؟ إباحة الجماع حتى يتبين، يعني معناه أنه لك أن تجامع إلى أدنى وقت، من لازم ذلك أنك تصبح وأنت على جنابة ولّا لا؟ إي نعم، وقد ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه «كان يُصبح جُنُبًا من جماع أهله وهو صائم»[[أخرجه مسلم (١١٠٩ / ٧٥) من حديث عائشة وأم سلمة. ]]، واضح؟
* طالب: نقول: إنه من أصبح جنبًا فلا شيء عليه فما دليل جوازه؟
* الشيخ: لا، نقول: جواز؛ لأن بعض العلماء يقول: إذا أصبح جنبًا فإنه يبطل صومه.
* من فوائد الآية: جواز الأكل مع الشك في طلوع الفجر، جواز الأكل والشرب مع الشك في طلوع الفجر، إذا قال: والله أنا الآن أنا أشك ما أدري والله هذا اللي نشوفه هو الفجر ولّا لا، عندي شك. نقول: تأكل؛ لقوله: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: رد قول من قال: إنه يجوز أن يأكل الصائم ويشرب إلى طلوع الشمس؛ لقوله: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾. وكذلك رد من قال: إنه يجوز أن يأكل ويشرب إلى الغلس (...).
* طالب: من قال هذا؟
* الشيخ: ذكروا هذا.
* طالب: يا شيخ ثبت في حديث عن النبي (...).
* الشيخ: هذا ضعيف (...).
* الطالب: حسن.
* الشيخ: في القراءة صحيح ولكن في (...) ضعيف.
* الطالب: حسن (...).
* الشيخ: ما يصح أبدا، كل شيء يخالف القرآن ليس بصحيح أبدا.
بقينا في لو أذن المؤذن الذي يؤذن على الفجر وفي يده الإناء يشرب، هل يجب عليه أن ينزل الإناء ويمسك أو له أن يقضي نهمته منه؟
* الطلبة: (...)
* الشيخ: لا ما يجوز على مذهب الإمام أحمد، على مذهب الإمام أحمد ما يجوز، يجب لو كان في فمه ماء لفظه. * الطالب: (...) إذا تبين تركه.
* الشيخ: وكذلك الطعام وهذا هو ظاهر القرآن، لكن ورد في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة بإسناد صححه أحمد شاكر «بأنه إذا أذن المؤذن والإناء في يدك فلا تضعه حتى تقضي حاجتك منه[[أخرجه أبو داود (٢٣٥٠) من حديث أبي هريرة. ]] »، فإن كان هذا الحديث صحيحا فإنه يحمل على أن المؤذن لا يؤذن حتى.. يعني معناه أنه قد يحتاط، يعني ما يدع الأذان إلا أن يطلع الفجر، يكون هذا لأنه قد يؤذن وهو لم يتبين له كثيرا فسومح الإنسان، وإلا فإنه يخالف الأحاديث الصحيحة والقرآن أيضًا، فإن القرآن يقول الله فيه: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾ والرسول ﷺ يقول: «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩١٩) واللفظ له، ومسلم (١٠٩٢ / ٣٦) من حديث عائشة.]].
* طالب: من يفعل من العوام (...) الفجر (...) قبل الفجر (...) ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾؟
* الشيخ: لا، هذا تلاعب (...) التبين، لا هذا تلاعب، كذلك ما روى عن بعض العامة يروون عن الرسول ﷺ أنه كان يستتر بناقته عن الفجر، هذا كذب تلاعب.
* طالب: قول الحنابلة بأنه إذا أذن الفجر وهو يجامع فإذا نزع فعليه الكفارة مفرع على أي شيء؟
* الشيخ: مفرع على أن النزع جماع، يرون النزع جماعا، كابتداء الجماع وهذا ليس بصحيح هذا (...) ليفعل.
* طالب: (...).
* الشيخ: لا، أنا أرى أنه بالنسبة للمؤذنين الآن ما يمكن يؤذنون بالدقة الحقيقة، ما يؤذنون بالدقة، لكننا ما نفتي به نخشى من التلاعب، ما نفتي به.
* طالب: يتقدم (...).
* الشيخ: والله غالبهم يتقدم.
* من فوائد الآية الكريمة: أنه لا ينبغي الاحتياط في أذان الفجر في حال الصوم، بمعنى أن بعض الناس الآن ولا سيما الجهال يقولون: نؤذن قبل الفجر احتياطا، علشان الناس يمسكون، نقول: هذا الاحتياط في غير محله؛ لأن الاحتياط الحقيقي هو اتباع الشرع، عرفتم؟ نعم لو تعارضت الأدلة لكن هنا الأدلة واضحة، حتى في الآية: ﴿يَتَبَيَّنَ﴾، ما فيه احتياط، فالاحتياط للزوم الشرع أن تأكل وتشرب حتى يتبين، وأنتم أيضًا إذا احتطتم من ناحية الصيام فرطتم من ناحية ما هو أهم من الصيام، وهو الصلاة؛ لأن بعض الناس إذا سمع المؤذن أذان الفجر تعالوا نصلي على طول، فحينئذ نكون غررنا الناس في مسألة الصلاة وهي أهم.
* طالب: الفائدة (...)
* الشيخ: أيهم؟
* الطالب: الآخرة.
* الشيخ: الأخيرة؟ أنه لا ينبغي الاحتياط في أذان الفجر في أيام الصيام بتقديمه على الفجر.
* طالب: (...) خمس دقائق.
* الشيخ: من؟
* الطالب: (...) شخص (...) الوقت (...).
* الشيخ: لا، لا تحتاط؛ لأنك إذا احتطت منعت عباد الله مما أحل الله لهم.
* الطالب: (...).
* الشيخ: والله ما أدري، أنا أرى أن الاحتياط باتباع الشرع، لا تشدد على نفسك.
* طالب: حتى يتبين.
* الشيخ: حتى يتبين.
* طالب: طب إذا كنت في مكان وعلمت أن الناس يتبعون الفجر الكاذب ليس الفجر الصادق، بعض الناس يؤذنون على الفجر الكاذب.
* الشيخ: لا أدراك بهم، لا تعتد بهم.
* من فوائد الآية الكريمة: أنه لو أكل الإنسان على أنه لم يتبين له الفجر ثم تبين أنه بعد طلوع الفجر فإنه لا قضاء عليه.
* طالب: يعني يقول: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾.
* الشيخ: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾ فإذن أكله مأذون فيه ولّا لا؟ مأذون فيه، وما كان مأذونا فيه فإنه لا يُرتب عليه إثم ولا ضمان ولا شيء. وقد مر علينا في قواعد الفقه: ما ترتب على المأذون فهو غير مضمون.
إذن نقول: من أكل وهو لم يتبين له طلوع الفجر، ثم تبين بعد أنه بعد طلوع الفجر فلا قضاء عليه.
وهذا هو ما تؤيده العمومات، مثل قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ [البقرة ٢٨٦]، ومثل قوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب ٥]، ويؤيده أيضًا نصوص خاصة في هذه المسألة نفسها، ورفع لعدي بن حاتم رضي الله عنه، حيث كان يضع عنده عقالين، أحدهما أسود والثاني أبيض، ويأكل حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فأخبر بذلك النبي ﷺ ولم يأمره بالقضاء[[متفق عليه؛ البخاري (٤٥٠٩)، ومسلم (١٠٩٠ / ٣٣) من حديث عدي بن حاتم، ولفظه: أَخَذَ عَدِيٌّ عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ، حَتَّى كَانَ بَعْضُ اللَّيْلِ نَظَرَ، فَلَمْ يَسْتَبِينَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلْتُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ. قَالَ: «إِنَّ وِسَادَكَ إِذَنْ لَعَرِيضٌ أَنْ كَانَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ تَحْتَ وِسَادَتِكَ».]].
فعندنا أدلة خاصة وأدلة عامة، والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أنه إذا أكل ثم تبين أن الفجر قد طلع فإنه يلزمه القضاء، يلزمه القضاء؛ لأنه أكل بعد أن طلع الفجر، ولكن هذا القول ضعيف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الصيام الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لقوله: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾.
خدتوا بالكم يا إخواني في المسألة، في الجملة التي قبلها نسينا فائدة وهي: الإيماء إلى كراهة الوصال، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾.
والوصال معناه أن يقرن الإنسان صوم يومين جميعا، ما يفطر بينهما، وقد كان الوصال مباحا، ثم نهاهم الرسول عليه الصلاة والسلام عنه وقال: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إِلَى السَّحَرِ»[[أخرجه البخاري (١٩٦٣) من حديث أبي سعيد الخدري.]] فقط، مع أنه يرغب في تعجيل الفطر.
وهذا من المسائل التي كنت نبهت عليها سابقا، بأن الشيء قد يكون مأذونا فيه وليس بمشروع، أو لا؟ فالوصال إلى السحر مأذون فيه، لكنه ليس بمشروع، ومر علينا مثال آخر مثل؟
* طالب: هي التعبد للميت.
* الشيخ: إي، مثل الصدقة على الميت، مأذون فيه وليس بمشروع، ومثل؟
* طالب: ختم الصلاة.
* طالب: ختم الصلاة بقراءة سورة الإخلاص.
* الشيخ: قراءة سورة الإخلاص ختم الصلاة بها فهذا جائز وليس بمشروع.
* من فوائد الآية قلنا: إن الصيام الشرعي ينتهي.
* طالب: بغروب الشمس.
* الشيخ: بغروب الشمس.. لا بالليل؛ لأنه قال: ﴿إِلَى اللَّيْلِ﴾، كلمة ﴿إِلَى اللَّيْلِ﴾ الآن نشوف نبحثها، هل المراد إلى أن يكسو الليل الأرض، أو المراد ﴿إِلَى اللَّيْلِ﴾ إلى أن يتبين الليل؟ أو أن المراد شيء آخر وراء ذلك؟
نقول: لا شك أن أصح التفسير بعد تفسير الله عز وجل تفسير الرسول عليه الصلاة والسلام، وقد ثبت عنه أنه قال: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَاهُنَا -وَأَشَارَ إِلَى الْمَشْرِقِ- وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَاهُنَا -وَأَشَارَ إِلَى الْمَغْرِبِ- وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٩٥٤)، ومسلم (١١٠٠ / ٥١) من حديث عمر بن الخطاب. ]]، هذا الحديث حكم فاصل يبين هذا المجمل من قوله: ﴿إِلَى اللَّيْلِ﴾ ولذلك ذهبت الرافضة إلى أن الفطر ما يكون حتى يكسو الليل الأرض، ولهذا ما يفطرون إلا إذا بانت النجوم؛ تمسكا بظاهر الآية، ولكن يقال: إن الرسول ﷺ بينها وهو المبين للقرآن ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل ٤٤]، ما من أحد من البشر يُرجع إلى تفسيره ويجب الرجوع إليه مثلما يجب الرجوع إلى تفسير الرسول ﷺ.
فإذن إن علقنا الحكم بإقبال الليل المجرد ما صح، (...) ما يصح.
* طالب: (...).
* الشيخ: أقول: (...) ما يصح؟
* طالب: لأنه قال: ﴿إِلَى اللَّيْلِ﴾.
* الشيخ: إي طيب أقبل لأن نشوفه أسود. نقول: لأن ابتداء الليل -حسب ما نرى ونشاهد الآن- ابتداء الليل يكون والشمس ما غربت، أو لا؟ ما عمركم تشوفوه؟ الآن شوف الجو من المشرق بدأ به، بدأ فيه الظلام والشمس ما غربت.
كوننا نقول: ﴿إِلَى اللَّيْلِ﴾ إلى امتداد الليل إلى آخر الأفق، هذا أيضًا لا يصح، ليس مرادا من الآية، المراد من الآية ما بينه الرسول ﷺ: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ»،
لو قال قائل: إذا غربت الشمس قبل أن يقبل الليل؟
* طلبة: ما يمكن.
* الشيخ: نقول: هذا ما يمكن إلا على رأي شيخ أبي حنيفة، نعم يقولون: إن أبا حنيفة.. وإن كان أنا والله أنا ما ودي أجيب الأشياء التي يكون فيها ضحك في قراءة القرآن أو تفسير القرآن أو إعراب القرآن، لكن يقولون: إن أبا حنيفة جالس مع أصحابه فجاء رجل ذو هيئة، وكان قد مد رجله مع إخوانه وأصحابه، فجاء هذا الرجل فعظمه أبو حنيفة، وكف رجله وجعل يحدث أصحابه، كان يحدثهم أظن في أوقات النهي، وقال: أوقات النهي من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، المهم قال له: يا سيدي أرأيت لو طلعت الشمس قبل أن يطلع الفجر، قال: (...)، المهم لا يمكن أن تغرب الشمس قبل أن يتبين الليل هذا شيء من المستحيل، في أفق (...).
* من فوائد الآية الكريمة: الإشارة إلى مشروعية الاعتكاف.
* ومنها: أن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد؛ لقوله: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ [البقرة ١٨٧].
لو قال قائل: ﴿وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ يدل على أن هناك اعتكافا في غيرها فما الجواب؟
الجواب: أنه لما جعل للاعتكاف في المساجد حكما، دل هذا على أنه لو كان الاعتكاف في غيرها مشروعا لكان الحكم عاما، وأيضًا فإن الله يقول في آية أخرى: ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ﴾ [البقرة ١٢٥].
* ومن فوائد الآية: أن الجماع مفسد للاعتكاف، نحن ذكرنا النهي عن المباشرة؟ ما ذكرناه؟ طيب إذن خلِّ قبله: النهي عن مباشرة النساء حال الاعتكاف؛ أن مباشرة النساء مبطلة للاعتكاف، أو أن الاعتكاف يبطل بذلك، ما وجهه؟ ما وجه كونه مبطلا؟
* طالب: النهي.
* الشيخ: النهي؛ لأنه نهي عنه بخصوصه، والشيء إذا نهي عنه بخصوصه في العبادة كان من مبطلاتها، وذكرنا أثناء التفسير أن بعض العلماء استنبط منها أن الاعتكاف إنما يكون في الصيام وفي آخر الشهر؛ لأن الله ذكرها عقب آية الصيام.
* ومن فوائدها: ما استنبطه بعض أهل العلم من أن الاعتكاف يكون في آخر شهر رمضان.
ثم قال تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ [البقرة ١٨٧].
* طالب: إذا اعتكف في الأوسط.
* الشيخ: كله ينتظر ليلة القدر، حتى قيل له: إنه في العشر الأواخر، فاستقر على ذلك في العشر الأواخر.
* طالب: اعتكف مرة في العشر الأولى من شوال؟
* الشيخ: قضاء، هذه اعتكفها قضاء؛ لأنه لما خرج في صباح يوم اعتكافه وجد أن نساءه ضربن أخبية فقال «آلْبِرَّ يُرِدْنَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٤١)، ومسلم (١١٧٣ / ٦) واللفظ له، من حديث عائشة.]] ثم أمر عليه الصلاة والسلام بنقض هذه الأخبية وترك الاعتكاف هذا العام، ثم قضاه في شوال.
* طالب: (...) خلاف ما اشترطه بعض العلماء أن يكون جامع، أطلق..
* الشيخ: نعم نعم، إنه ما يشترط أن يكون جامع نعم.
* طالب: ولو كان يصلى فيه بعض الصلوات.
* الشيخ: لا، لا بد أن يصلى فيه الصلوات الخمس؛ لأجل ألا يخرج ولا يتكرر خروجه؛ لأنه إما أن يدع الجماعة وهذا حرام وإما أن يكثر الخروج وهو في الحقيقة كأنه غير معتكف.
* طالب: شيخ، الاعتكاف بغير رمضان؟
* الشيخ: أما إنا قلنا: إنه جائز وليس بمشروع، جائز وليس بمشروع.
* طالب: بعض المساجد لا يصلى فيها الصلوات الخمس أصلا (...).
* الشيخ: حديث عمر يوم أو ليلة[[متفق عليه؛ البخاري (٢٠٣٢) وفيه لفظ: ليلة، ومسلم (١٦٥٦ / ٢٨) وفيه لفظ: يوم، من حديث ابن عمر.]].
* طالب: كونه في العشر الأواخر ما وجهه من الآية (...).
* الشيخ: ﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [البقرة ١٨٧]
* من فوائد الآية الكريمة: أن أوامر الله تعالى حدود له، وكذلك نواهيه، الدليل: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾، لكن إن كان حدا عن الخروج فهي أوامر، وإن كان حدا عن الفعل فهي النواهي، ولهذا يقال في النواهي: ﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾، وفي الأوامر: ﴿فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾ [البقرة ٢٢٩].
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه ينبغي البعد عن المحارم، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله سبحانه وتعالى يبين للناس الآيات الكونية والشرعية؛ لقوله: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: الرد على أهل التعطيل الذين يحرفون الكلم عن مواضعه في أسماء الله وصفاته، ما وجه ذلك؟
لأنهم مثلا إذا قالوا: المراد باليد النعمة أو القوة، والمراد بالاستواء الاستيلاء، والمراد بكذا كذا، وهو خلاف ظاهر اللفظ ولا دليل عليه، صار القرآن بيانا للناس ولّا غير بيان؟ غير بيان؛ لأنه ما دام أن البيان خلاف ما ظهر فلا بيان.
فيستفاد من الآية الكريمة: الرد على أهل التعطيل وغيرهم ممن يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون: إن الله أراد بكذا كذا بدون دليل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن العلم سبب للتقوى، من أين تؤخذ؟
* طلبة: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾.
* الشيخ: ما وجهه؟ لأنه أعقبه، يعني جعله عقب قوله: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ﴾، فدل هذا على أنه كلما تبينت الآيات حصلت التقوى، ويؤيد ذلك قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر ٢٨]. فكلما ازداد الإنسان علما بآيات الله ازداد تقى، ولهذا يقال: من كان بالله أعرف كان منه أخوف.
* ومن فوائد الآية الكريمة: علو مرتبة التقوى، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾، فلولا أن التقوى مرتبة عالية تبيَّن من أجلها الآيات للوصول إليها، ما بين الله الآيات لأجلها، ولأجل أن يتقي الناس ربهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ [البقرة ١٨٨].
أولا: ارتباط هذه الآية بالتي قبلها ظاهر جدا؛ لأنه لما ذكر المحرمات بسبب الصيام ذكر المحرمات بسبب القضاء، المحرمات بسبب الصيام تقدم لنا الأكل والشرب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، أعقب ذلك بالنهي عن أكل المال مطلقا بسبب القضاء.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تحريم أكل المال بالباطل. ما معنى الباطل؟ الباطل كل شيء ليس لك فيه حق شرعا فهو باطل، كل ما لا حق لك فيه شرعا فهو باطل.
* ومن فوائد الآية الكريمة: حرص الشارع على حفظ الأموال؛ لقوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾.
ومن فوائدها أيضًا: تحريم الرشوة، على أحد التفسيرين كما سبق؛ لقوله: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ تدلوا بالأموال للحكام يعني: تعطونهم من أموالكم ليحكموا لكم بالباطل.
* ومن فوائدها: أن الحاكم يحكم بما ظهر، يعني يقضي بما سمع، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ»[[متفق عليه؛ البخاري (٦٩٦٧)، ومسلم (١٧١٣ / ٤) من حديث أم سلمة.]] من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾
وهذه فيمن يدعي ما ليس له ويخاصم ويقيم بينة كذبا، أو يجحد ما عليه ويخاصم ويحلف كاذبا، كل هذا من الإدلاء بها إلى الحكام.
* ومن فوائد الآية الكريمة: تيسير الله سبحانه وتعالى على الحكام بين الناس حيث لا يعاقبهم على الأمور الباطنة، ولّا لا؟ تيسير الله تعالى على الحكام حيث لا يؤثّمهم في الأمور الباطنة، ولا يلحقهم إثم بها، وإلا لكان الناس في حرج ومشقة.
* طالب: وجه ذلك؟
* الشيخ: وجه ذلك من الآية أن الحاكم إذا حكم بما ظهر له وإن كان خلاف الواقع فلا إثم عليه؛ لأنه إذا كان هؤلاء يدعون ما ليس لهم ويدلون بها إلى الحكام وحكموا بها فالإثم على المحكوم له.
* الطالب: يعني تؤخذ من ﴿وَتُدْلُوا بِهَا﴾ أيضًا؟
* الشيخ: تؤخذ من: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ ومما بعدها: ﴿لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ﴾ فجعل الإثم على الآكل لا على القاضي.
* طالب: والرشوة يا شيخ؟
* الشيخ: والرشوة محرمة.
* الطالب: لكن لو صار القاضي يأخذ الرشوة؟
* الشيخ: فهو آثم، ما هي مسألتنا؛ لأن الآية فيها قولين، وهي تشملهم كلهم، فإن كان القاضي يأخذ الرشوة فهو حرام عليه، وأما إذا كان ما يأخذ الرشوة ولكنه حوكم الخصم عند القاضي لأجل أن ينكر فالقاضي ما عليه شيء.
* طالب: ما يؤيد أنها غير الرشوة؟ يعني قال: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ لو كان الرشوة يمكن يصير على الحكام؟
* الشيخ: لا، حتى الإدلاء بها، أي بالرشوة بالأموال إلى الحكام، الإدلاء بها إلى الحكام لا شك أنه ظاهر بالرشوة، أدلى بها إلى الحكام؛ لأنه مأخوذ من أدلى دلوه، أدلى بدلوه إلى البئر معناه أنزله فيها، كذلك ﴿تُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ يعني تدلوا (...).
لا إثم بدون علم، من أين تؤخذ؟ من قوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، ﴿لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾.
فلو فرض أن الإنسان لا يعلم فإنه لا إثم عليه، مثل لو فرض أن غريمه أوفاه ولكن هو ناسٍ، وحلف أنه ما أوفاه، وحُكم له، فلا إثم عليه، لكن متى ذكر أنه قد أُوفي وجب عليه رد المال إلى صاحبه (...).
وهو القمر أول ما يكون شهرا، وسمي هلالا لظهوره، ومنه الاستهلال والإهلال، وهو رفع الصوت كما في حديث خلاد بن السائب عن أبيه أن النبي ﷺ قال: «أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ»[[أخرجه أبو داود (١٨١٤)، وابن ماجه (٢٩٢٢) من حديث السائب بن خلاد.]]، يعني بالتلبية.
ومنه قولهم: استهل المولود، إذا صرخ بعد وضعه، ولهذا سمي الهلال هلالا لظهوره، والهلال هو القمر إذا ظهر أول ليلة.
{"ayahs_start":186,"ayahs":["وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِی عَنِّی فَإِنِّی قَرِیبٌۖ أُجِیبُ دَعۡوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِۖ فَلۡیَسۡتَجِیبُوا۟ لِی وَلۡیُؤۡمِنُوا۟ بِی لَعَلَّهُمۡ یَرۡشُدُونَ","أُحِلَّ لَكُمۡ لَیۡلَةَ ٱلصِّیَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَاۤىِٕكُمۡۚ هُنَّ لِبَاسࣱ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسࣱ لَّهُنَّۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَكُمۡ فَتَابَ عَلَیۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡۖ فَٱلۡـَٔـٰنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُوا۟ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡۚ وَكُلُوا۟ وَٱشۡرَبُوا۟ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَیۡطُ ٱلۡأَبۡیَضُ مِنَ ٱلۡخَیۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِۖ ثُمَّ أَتِمُّوا۟ ٱلصِّیَامَ إِلَى ٱلَّیۡلِۚ وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِی ٱلۡمَسَـٰجِدِۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَاۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ ءَایَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ","وَلَا تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰلَكُم بَیۡنَكُم بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتُدۡلُوا۟ بِهَاۤ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُوا۟ فَرِیقࣰا مِّنۡ أَمۡوَ ٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"],"ayah":"وَلَا تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰلَكُم بَیۡنَكُم بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتُدۡلُوا۟ بِهَاۤ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُوا۟ فَرِیقࣰا مِّنۡ أَمۡوَ ٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق