الباحث القرآني
هَذا يَعُمُّ جَمِيعَ الأُمَّةِ وجَمِيعَ الأمْوالِ، لا يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ إلّا ما ورَدَ دَلِيلُ الشَّرْعِ بِأنَّهُ يَجُوزُ أخْذُهُ، فَإنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالحَقِّ لا بِالباطِلِ، ومَأْكُولٌ بِالحِلِّ لا بِالإثْمِ، وإنْ كانَ صاحِبُهُ كارِهًا كَقَضاءِ الدَّيْنِ إذا امْتَنَعَ مِنهُ مَن هو عَلَيْهِ، وتَسْلِيمُ ما أوْجَبَهُ اللَّهُ مِنَ الزَّكاةِ ونَحْوِها، ونَفَقَةُ مَن أوْجَبَ الشَّرْعُ نَفَقَتَهُ.
والحاصِلُ أنَّ ما لَمْ يُبِحِ الشَّرْعُ أخْذَهُ مِن مالِكِهِ، فَهو مَأْكُولٌ بِالباطِلِ وإنْ طابَتْ بِهِ نَفْسُ مالِكِهِ: كَمَهْرِ البَغِيِّ وحُلْوانِ الكاهِنِ، وثَمَنِ الخَمْرِ.
والباطِلُ في اللُّغَةِ: الذّاهِبُ الزّائِلُ.
قَوْلُهُ: وتُدْلُوا مَجْزُومٌ عَطْفًا عَلى تَأْكُلُوا فَهو مِن جُمْلَةِ النَّهْيِ عَنْهُ، يُقالُ: أدْلى الرَّجُلُ بِحُجَّتِهِ أوْ بِالأمْرِ الَّذِي يَرْجُو النَّجاحَ بِهِ تَشْبِيهًا بِالَّذِي يُرْسِلُ الدَّلْوَ في البِئْرِ، يُقالُ أدْلى دَلْوَهُ: أرْسَلَها، والمَعْنى أنَّكم لا تَجْمَعُوا بَيْنَ أكْلِ الأمْوالِ بِالباطِلِ وبَيْنَ الإدْلاءِ بِها إلى الحُكّامِ بِالحُجَجِ الباطِلَةِ، وفي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلٌ أنَّ حُكْمَ الحاكِمُ لا يُحَلِّلُ الحَرامَ ولا يُحَرِّمُ الحَلالَ مِن غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الأمْوالِ والفُرُوجِ، فَمَن يَحْكُمُ لَهُ القاضِي بِشَيْءٍ مُسْتَنِدًا في حُكْمِهِ إلى شَهادَةِ زُورٍ أوْ يَمِينِ فُجُورٍ فَلا يَحِلُّ لَهُ أكْلُهُ، فَإنَّ ذَلِكَ مِن أكْلِ أمْوالِ النّاسِ بِالباطِلِ، وهَكَذا إذا أرْشى الحاكِمَ فَحَكَمَ لَهُ بِغَيْرِ الحَقِّ فَإنَّهُ مِن أكْلِ أمْوالِ النّاسِ بِالباطِلِ، ولا خِلافَ بَيْنَ أهْلِ العِلْمِ أنَّ حُكْمَ الحاكِمِ لا يُحَلِّلُ الحَرامَ ولا يُحَرِّمُ الحَلالَ.
وقَدْ رُوِيَ عَنْ أبِي حَنِيفَةَ ما يُخالِفُ ذَلِكَ، وهو مَرْدُودٌ بِكِتابِ اللَّهِ تَعالى وبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَما في حَدِيثِ أمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «إنَّكم تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ ولَعَلَّ بَعْضَكم أنْ يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ فَأقْضِيَ لَهُ عَلى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فَمَن قَضَيْتُ لَهُ مِن حَقِّ أخِيهِ بِشَيْءٍ فَلا يَأْخُذْهُ فَإنَّما أقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النّارِ» وهو في الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما.
وقَوْلُهُ: ﴿فَرِيقًا﴾ أيْ قِطْعَةً أوْ جُزْءًا أوْ طائِفَةً، فَعَبَّرَ بِالفَرِيقِ عَنْ ذَلِكَ، وأصْلُ الفَرِيقِ: القِطْعَةُ مِنَ الغَنَمِ تَشِذُّ عَنْ مُعْظَمِها.
وقِيلَ: في الكَلامِ تَقْدِيمٌ وتَأْخِيرٌ، والتَّقْدِيرُ: لِتَأْكُلُوا أمْوالَ فَرِيقٍ مِنَ النّاسِ بِالإثْمِ، وسُمِّيَ الظُّلْمُ والعُدْوانُ إثْمًا بِاعْتِبارِ تَعَلُّقِهِ بِفاعِلِهِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أيْ حالَ كَوْنِكم عالِمِينَ أنَّ ذَلِكَ باطِلٌ لَيْسَ مِنَ الحَقِّ في شَيْءٍ، وهَذا أشَدُّ لِعِقابِهِمْ وأعْظَمُ لِجُرْمِهِمْ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿ولا تَأْكُلُوا أمْوالَكم﴾ الآيَةَ، قالَ: هَذا في الرَّجُلِ يَكُونُ عَلَيْهِ مالٌ ولَيْسَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَيَجْحَدُ المالَ ويُخاصِمُ إلى الحُكّامِ وهو يَعْرِفُ أنَّ الحَقَّ عَلَيْهِ.
ورَوى سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ: مَعْناها لا تُخاصِمْ وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّكَ ظالِمٌ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ نَحْوَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أنَّ امْرَأ القَيْسِ بْنَ عابِسٍ وعَبْدانَ بْنَ أشْوَعَ الحَضْرَمِيَّ اخْتَصَما في أرْضٍ، وأرادَ امْرُؤُ القَيْسِ أنْ يَحْلِفَ، فَنَزَلَتْ: ﴿ولا تَأْكُلُوا أمْوالَكم﴾ الآيَةَ.
{"ayah":"وَلَا تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰلَكُم بَیۡنَكُم بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتُدۡلُوا۟ بِهَاۤ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُوا۟ فَرِیقࣰا مِّنۡ أَمۡوَ ٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق