الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ أي: لا يأكل [[في (أ): (لأكل).]] بعضكم مالَ بعضٍ. فأضافَ الأموالَ إليهم؛ لأن المؤمنين كجسد واحدٍ في توادِّهم وتعاطفِهم وتَرَاحمِهم، كذا قال رسول الله ﷺ [[عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله ﷺ: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أخرجه البخاري في الأدب باب: رحمة الناس والبهائم (6011)، ومسلم في: البر والصلة، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم، وتعاضدهم (2586) (6011) كتاب الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم، ومسلم (2586) كتاب البر والصلة، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم.]]. ومثله قوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 29] [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 183، "تفسير الثعلبي" 2/ 383، "تفسير البغوي" 1/ 210، "التفسير الكبير" 1/ 116. وقال: اعلم أنهم مثلوا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ﴾، بقوله: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، وهذا مخالف لها؛ لأن أكله لمال نفسه بالباطل يصح كما يصح أكله مال غيره.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ معنى الباطل في اللغة: الذاهب الزائل، يقال: بَطَلَ الشيء يبطُل بُطْلًا وبُطولًا فهو باطل، ويجمع الباطل: بَوَاطل، وأَبَاطِيل جمع أُبْطُولَة، ويقال: بَطَل الأجيرُ يَبْطُلُ بِطَالَة، إذا تَعَطَّل واتبع اللهو، ومثله: تبطّل [[ينظر: "تهذيب اللغة" 1/ 350 بطل، "تفسير الثعلبي" 2/ 383، "الصحاح" 4/ 1635، "المفردات" ص61، "اللسان" 1/ 302 بطل.]].
قال ابن عباس: يعني: بغير طاعة الله عز وجل، واليمين الكاذبة يقتطع الرجل بها مال أخيه المسلم [[هذا من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة.]].
قال أهل المعاني: الأكلُ بالباطل على وجهين:
أحدهما: أن يكون على جهة الظلم، من نحو: الغَصْب والخيانة والسرقة، والثاني: على جهة اللهو واللعب، كالذي يُؤْخَذُ في القمار والملاهي ونحوها، كلُّ ذلك من أكل المال الباطل [[ينظر. "تفسير القرطبي" 2/ 317، "زاد المسير" 1/ 194، ونقل عن القاضي يعلى أن الباطل على وجهين: أحدهما: أن يأخذه بغير طيب نفس من مالكه كالسرقة. والثاني: أن يأخذه بطيب نفسه كالقمار والغناء وثمن الخمر.]].
وقوله تعالى: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ في محل ﴿وَتُدْلُوا﴾ من الإعراب قولان [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 184، "معاني القرآن" للفراء 1/ 115، "تفسير القرطبي" 2/ 319، "التبيان" للعكبري 1/ 120، وذكر الوجهين، وهما: الجزم عطفًا على لا تأكلوا، والنصب على معنى الجمع أي: لا تجمعوا بين أن تأكلوا وتدلوا، وقيل: نصب بإضمار أن الخفيفة، وقال الأخفش: نصب على الجواب بالواو. ينظر: "تفسير الثعلبي" 2/ 386، "معاني القرآن" للأخفش 1/ 353.]] ذكر في قوله: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: 42]. وأصل الإدلاء في اللغة: إرسال الدلو وإلقاؤها في البئر، قال الله تعالى: ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾ [يوسف: 19]، ثم جعل كل إلقاء قول أو فعل إدلاءً، ومنه يقال للمحتج: أدلى بحجته، كأنه يرسلها ليصل إلى مراده إدلاءَ المستقى الدلوَ ليصل إلى مطلوبه من الماء، ويقال: فلان يُدلي إلى الميت بقرابة ورَحِم، إذا كان يَمت إليه من هذا؛ لأنه يطلب الميراث بتلك القرابة طلب المستقي الماء بالدلو [[ينظر: "تفسير الطبري" 2/ 184، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 258، "تهذيب اللغة" 2/ 1214 (دلو)، "تفسير الثعلبي" 2/ 384، "المفردات" ص 178، "التفسير الكبير" 5/ 118.]].
ومعنى قوله: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ أي: تلقون أمورَ تلك الأموال بينكم وبين أربابها إلى الحكام.
قال ابن عباس: نزلت في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال، ويخاصم فيه إلى الحكام، وهو يعرف أن الحقَّ عليه، ولعلم أنه آثمٌ آكلُ حرامٍ [[رواه الطبري في "تفسيره" عنه 2/ 183، وابن أبي حاتم 1/ 321، وعزاه السيوطي في "الدر" 1/ 366 إلى ابن المنذر.]].
وقال الحسن: هو أن يكون على الرجل لصاحبه حَقٌّ، فإذا طالبه به دعاه إلى الحاكم فيحلف له، ولذهب بحقه [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 387، وذكر ابن أبي حاتم 1/ 321، عن الحسن أنه قال: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم.]]. وعلى هذا المعنى تفسير لفظ الآية ما ذكره الزجاج، وهو أنه قال: معنى أدلى فلان بحجته: إذا أرسلها، وأتى بها على صحة. قال: فمعنى قوله: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ أي: تعملون على ما يوجبه ظاهر الحكم والإدلاء بالحجة، وتتركون ما قد علمتم [[من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 258.]]، وقد قال ﷺ: "إنما أنا بشر، ولعل بعضَكُم أن يكون أَلْحَنَ بِحُجَّتِه من بعض" الحديث [[أخرجه البخاري (7169) كتاب الشهادات، باب: موعظة الإمام للخصوم، ومسلم (1713) كتاب الأفضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة.]].
والمختار في هذه الآية ما ذكره الفراء، وهو أنه قال: المعنى: لا تصانعوا بأموالكم الحكام، ليقتطعوا لكم حقًّا لغيركم وأنتم تعلمون أنه لا يحل لكم [[نقله عنه الأزهري في "تهذيب اللغة" 2/ 1214 (دلو).]].
قال الأزهري: وهذا عندي أصح القولين؛ لأن الهاء في قوله ﴿بِهَا﴾ للأموال، وهي على قول الزجاج للحجة، ولا ذكر لها في الكلام [["تهذيب اللغة" 2/ 1214 (دلو).]]. واختار ابن قتيبة أيضًا قول الفراء، فقال: يقول: لا تُدْلِ بمالِ أخيك إلى الحاكم ليَحكمَ لك به وأنت تعلم أنك ظالم له [["تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص 75.]].
وقوله تعالى: ﴿لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا﴾ أي: طائفة [["تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 322، "تفسير الثعلبي" 2/ 386، "البحر المحيط" 2/ 57.]]. ﴿مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ﴾ قال ابن عباس: يريد باليمين الكاذبة [[هذا من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في المقدمة.]].
وقال غيرُه: بالباطل [["تفسيرالثعلبي" 2/ 386.]]، يعني: بأن يرشو الحاكم ليقضي له ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنكم مبطلون وأنه لا يحلُّ لَكم [["تفسير الطبري" 2/ 183، "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 322، "تفسير الثعلبي" 2/ 386، "البحر المحيط" 2/ 52.]].
{"ayah":"وَلَا تَأۡكُلُوۤا۟ أَمۡوَ ٰلَكُم بَیۡنَكُم بِٱلۡبَـٰطِلِ وَتُدۡلُوا۟ بِهَاۤ إِلَى ٱلۡحُكَّامِ لِتَأۡكُلُوا۟ فَرِیقࣰا مِّنۡ أَمۡوَ ٰلِ ٱلنَّاسِ بِٱلۡإِثۡمِ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق