﴿أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَاۤءَ إِذۡ حَضَرَ یَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِیۖ قَالُوا۟ نَعۡبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ ءَابَاۤىِٕكَ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدࣰا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ ١٣٣ تِلۡكَ أُمَّةࣱ قَدۡ خَلَتۡۖ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَلَكُم مَّا كَسَبۡتُمۡۖ وَلَا تُسۡـَٔلُونَ عَمَّا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ ١٣٤ وَقَالُوا۟ كُونُوا۟ هُودًا أَوۡ نَصَـٰرَىٰ تَهۡتَدُوا۟ۗ قُلۡ بَلۡ مِلَّةَ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ حَنِیفࣰاۖ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ١٣٥﴾ [البقرة ١٣٣-١٣٥]
قال:
﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾ (أم) هنا متصلة ولّا منقطعة؟
* طالب: منقطعة.
* طالب آخر: متصلة.
* الشيخ: متصلة؟ المتصلة هي التي تأتي بين شيئين متعادلين، كما مرت علينا في البلاغة، وهنا لم تأت بين شيئين متعادلين، فهي إذن منقطعة، والمنقطعة يقول المعربون: إنها بمعنى (بل) والهمزة، (بل) وهمزة الاستفهام، الهمزة يعني: همزة الاستفهام، فمعنى ﴿أَمْ كُنْتُمْ﴾: بل أكنتم شهداء. وقوله:
﴿كُنْتُمْ﴾ الضمير يعود على اليهود، اليهود الذين ادعوا أنهم على الحق، وأن هذه وصية أبيهم يعقوب، والتزموا ما هم عليه، ويحتمل أن يكون عائدًا على جميع المخاطبين، ويكون المقصود بذلك الإعلام بما حصل من يعقوب حين حضره الموت، وهذا الاحتمال أولى؛ لأنه ما في هنا دليل على أنه يعود على اليهود، بل الآيات كلها عامة، وهي أيضًا منقطعة عن اليهود، من آيات سابقة كثيرة، فالمعنى تقرير ما وصى به يعقوب حين موته.
وقوله:
﴿شُهَدَاءَ﴾ جمع شهيد أو شاهد، بمعنى: حاضر.
وقوله:
﴿إِذْ حَضَرَ﴾ ﴿إذ﴾ هذه ظرف مبني على السكون في محل نصب، أي: وقت حضور يعقوب الموت، وقوله:
﴿حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾ لأيش إنها منصوبة وهي بعد الفعل؟ تقول: حضر يعقوبُ ولّا حضر يعقوبَ؟
* طالب: حضر يعقوبَ.
* الشيخ: أي هي منصوبة بعد الفعل؟ لو تقول مثلًا: حضر عبدُ الله؟
* الطالب: مفعول به.
* الشيخ: مفعول به؟ وين الفاعل؟
* طالب: الفاعل ﴿الْمَوْتُ﴾.
* الشيخ: جيد ما شاء الله، إي نعم، ﴿يَعْقُوبَ﴾ منصوب؛ لأنه مفعول مقدم، و﴿الْمَوْتُ﴾ فاعل مؤخر، فهمتم؟ لأن الحاضر الموت والمحضور يعقوب، فهو إذن مفعول به مقدم. ﴿إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ﴾ هذه
﴿إِذْ﴾ بدل من الأولى، بدل من
﴿إِذْ﴾ الأولى، يعني: إذ حضر إذ قال، يعني: أم كنتم أيضًا شهداء إذ قال.
﴿لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾ بنو يعقوب من هم؟ إسحاق؟ يوسف وإخوته، أحد عشر رجلًا، حضره الموت، فكان أولاده حاضرين أو أحضرهم، فقال لهم:
﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾.
قوله:
﴿مِنْ بَعْدِي﴾ أي: من بعد زمني، وليس من بعد ذاتي؛ لأنهم ما هم بيعبدونه، هم يعبدون الله، فالمراد
﴿مِنْ بَعْدِي﴾، أي: من بعد موتي، أي: من بعد الزمن الذي أنا حاضر فيه معكم، فأنتم الآن تعبدون الله، فماذا تعبدون من بعدي، فهمتم؟ وليس المعنى: ماذا تعبدون من بعدي، أي: أني أنا معبودكم الآن، فمن الذي تعبدونه من بعدي؟ هذا ليس المراد قطعًا.
﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ ﴿نَعْبُدُ إِلَهَكَ﴾ بدؤوا به؛ لأنهم يخاطبونه،
﴿وَإِلَهَ آبَائِكَ﴾ جمع أب، فمن هم؟ إبراهيم وهو بالنسبة إليه جد، أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: وإسماعيل وهو بالنسبة إليه عم، وإسحاق وهو بالنسبة إليه أب مباشر، أما إطلاق الأبوة على إبراهيم وعلى إسحاق، فالأمر فيها ظاهر، أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لأن إسحاق أبوه، وإبراهيم جده، والجد أب، بل قال الله لهذه الأمة -وهي بينها وبين إبراهيم عالم- قال: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ﴾ [الحج ٧٨]، لكن الإشكال في كون إسماعيل أبًا له مع أنه عمه، فيقال كما قال النبي عليه الصلاة والسلام لعمر: «أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ»(١)، والصنو: الغصن أو الغصنان أصلهما واحد، فذكر مع الآباء؛ لأنه صنو الأب؛ لأن العم صنو الأب، وكما قال الرسول ﷺ: «الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ»(٢)، كذلك نقول: العم بمنزلة الأب، مفهوم يا جماعة؟ وقيل: إن هذا من باب التغليب، وإن الأب ما يطلق حقيقة على العم إلا مقرونًا بغيره، بالأب الحقيقي، وعلى هذا إذا قلنا مثلًا ما فيها إشكال إطلاقًا؛ لأن التغليب سائغ في اللغة العربية، فيقال: القمران والمراد بهما؟
* الطلبة: الشمس والقمر.
* الشيخ: الشمس والقمر، ويقال: العمران، وهما؟
* طالب: أبو بكر وعمر.
* الشيخ: أبوبكر وعمر. وقوله:
﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ﴾، وأيش إعراب
﴿إِبْرَاهِيمَ﴾؟
* طالب: بدل.
* الشيخ: بدل من ﴿آبَائِكَ﴾، وفيها قراءة ﴿إِبْرَاهَامَ﴾ . ﴿إِلَهًا وَاحِدًا﴾ ﴿إِلَهًا﴾ هذه حال، حال يسمونها حال موطئة، ولكنها بناء على أن الإله غير مشتق، والصحيح أنه مشتق، وأنه بمعنى مألوه، وعليه فتكون حالًا مؤسسة حقيقية ما هي موطئة؛ لأن الحال الموطئة التي تكون تمهيدًا لمشتق، مثل
﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾ [يوسف ٢]، فإن (قرآنًا) ما هي مشتقة، والحال كما تقدم لنا تكون مشتقة، هذه قال بعضهم: إنها كذلك، وهو مبني على أن الله والإله غير مشتق، والصحيح أنه مشتق، وعلى هذا فيكون
﴿إِلَهًا﴾ منصوبًا على؟
* طالب: الحال.
* الشيخ: الحال، ﴿وَاحِدًا﴾ حال أخرى مكررة، ﴿إِلَهًا وَاحِدًا﴾: نعبده إلهًا واحدًا، وفي هذا دليل على أن العبادة والألوهية معناهما واحد، لكن العبادة باعتبار العابد، والألوهية باعتبار الإله؛ ولهذا يقول أهل العلم يسمون التوحيد: توحيد العبادة، وبعضهم يقول: توحيد الألوهية.
* طالب: وعلى كونها حالًا موطئة يكون إعراب ﴿وَاحِدًا﴾ أيش؟
* الشيخ: حال، على كل حال.
* طالب: ما تصير بدل، ياشيخ؟
* الشيخ: لا، ما تكون بدلًا.
* الطالب: بدل من ﴿إِلَهًا﴾.
* الشيخ: لا ما تكون بدلًا؛ لأن البدل معناه أنك إذا حذفت المبدل منه استقام الكلام، وهذا ما يستقيم الكلام.
* طالب: وأيش فائدة إذا قلنا: حال؛ لأن (واحد) مفهوم من قولك (إله)؟
* الشيخ: لا، (إلهًا) نكرة، والنكرة تفيد الإطلاق ولا تمنع الاشتراك، فلو قلت لك -مثلًا-: أكرم رجلًا، هل معناه: ولا تكرم غيره؟
* طالب: لا.
* الشيخ: لا، ما تفيده.
* طالب: ما تكون توكيد يا شيخ؟
* الشيخ: لا، ما تكون، لو قالوا: ما نعبد إلا إلهًا، فربما، لكن ما تدل على الوحدانية إلا إذا قالوا: (واحدًا). ﴿إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ﴿نَحْنُ﴾ مبتدأ، و
﴿مُسْلِمُونَ﴾ خبره، و
﴿لَهُ﴾ جار ومجرور متعلقة بـ
﴿مُسْلِمُونَ﴾، قدمت عليها لإفادة الحصر من حيث المعنى، ولمراعاة فواصل الآيات من حيث اللفظ،
﴿وَنَحْنُ لَهُ﴾ أي: لهذا الإله الواحد سبحانه وتعالى مسلمون، والإسلام بمعنى الانقياد والإخلاص،
﴿فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران ٢٠]، أي: جعلته خالصًا لله، فيطلق على الانقياد، وهو الإسلام الظاهر والباطن.
إي، الاستمرار والدوام بخلاف الجملة الفعلية، فهي تفيد الدوام والاستمرار.
ثم قال الله تعالى:
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ ﴿تِلْكَ﴾ الضمير يعود على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ومن سبق، وكان اليهود يجادلون النبي عليه الصلاة والسلام في هؤلاء، فبين الله تعالى أن هذه أمة، والأمة هنا بمعنى الطائفة، وتطلق في القرآن على عدة معان، المعنى الأول: الطائفة كما هنا، والمعنى الثاني؟
* طالب: المعنى الثاني: ما يكون على دين واحد.
* الشيخ: لا، هذه تابعة للطائفة، الطائفة على دين واحد هي الأمة.
* طالب: حقبة من الزمن.
* الشيخ: حقبة من الزمن، مثل؟
* الطالب: قوله تعالى: ﴿وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف ٤٥].
* الشيخ: ﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف ٤٥]، يعني: بعد حقبة من الزمن، الثالث؟
* طالب: الإمام.
* الشيخ: الإمام، مثل؟
* الطالب: قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل ١٢٠].
* الشيخ: لقوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ نعم، بعد؟
* طالب: (...) يعني؟
* الشيخ: إي نعم، بمعنى إمام ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾؟
* طالب: قدوة.
* الشيخ: ذكرناها.
* الطالب: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾ [الزخرف ٢٢].
* الشيخ: لا.
* طالب: الطريقة.
* الشيخ: إي، الطريقة والملة، ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ﴾، أي على طريقة وملة نتبعها، فصارت الأمة في القرآن الكريم لها أربعة معانٍ. ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ مضت،
﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ﴾ [البقرة ١٣٤] فلا تنالون مما كسبوا شيئًا، ولا ينالون مما كسبتم شيئًا، وما أحسن هذه الآية أن تكون في كل مقام يشبه هذا، فمثلًا إذا قال ناس: الصحابة جرى من بعضهم كذا وكذا؟ فلك أن تقول:
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ﴾ مثل ما يذكر عن
«أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه سئل عما جرى بين الصحابة، فقال لهم: هذه دماء طهر الله سيوفنا منها، فنحن نُطهرُ ألسنتَنا منها »(٣)، رحمه الله، هذه كلمة عظيمة، فعلى هذا النزاع فيمن سبق لا محل له، انتهوا، لهم ما كسبوا ولنا ما كسبنا، ولكن النزاع في الأمر الحاضر، هذا هو الذي يجب أن يبين فيه الحق وأن يبطل فيه الباطل،
﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ما أنتم مسؤولين، تسألون عما أيش؟
* الطلبة: عما تعملون.
* الشيخ: عما كنتم تعملون، أما عما كانوا يعملون فلا، فإنكم لا تسألون؛ لأن حسابهم على الله عز وجل ولا تسألون عنهم، ولهذا جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا تَسَبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا»(٤) وفي لفظ: «فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ»(٥) وقالوا.
* طالب: ما فيه قراءة ولا يسألون (...)؟
* الشيخ: اللي عندي ولا تسألون، ما فيها قراءة.
* الطالب: إذا كان فيه، ما يكون المعنى؟
* الشيخ: ما يصح، (ولا يسألون عما كانوا يعملون)، إزاي (ما يسألون) يعني، من يسألهم؟
* الطالب: ما يمشي؟
* الشيخ: ما يمشي. ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ (هود) جمع (هائد) كما مر علينا في البخاري مثل عوذ جمع عائذ،
﴿هُودًا﴾ يعني من اليهود، من اللي يقول:
﴿كُونُوا هُودًا﴾؟
* الطلبة: اليهود.
* الشيخ: اليهود، ﴿أَوْ نَصَارَى﴾ يقوله النصارى، ﴿تَهْتَدُوا﴾ لم يقل: تهتدون مع أنه فعل مضارع يرفع بثبوت النون، فلماذا حذفت النون؟ لأنها جواب الأمر، وقد سبق لنا -أظن البارحة أو قبل- هل إن جواب الأمر مجزوم به؟ أو مجزوم بشرط محذوف؟ على قولين لأهل النحو، والصحيح أنه مجزوم به؛ لأنه ما يحتاج إلى تقدير، الذين يقولون هذا: اليهود والنصارى، يخاطبون من؟ يخاطبون المسلمين، يقولون: إن كان تريدون الهداية فكونوا هودًا أو نصارى، مثل أهل البدع في هذه الأمة، يعني: أهل الأديان بالنسبة للأمة عامة يقولون: كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا، أهل البدع بالنسبة لأهل السنة والجماعة يقولون: كونوا كذا وكذا تهتدوا، الأشاعرة يقولون: كونوا أشاعرة تهتدوا، والمعتزلة يقولون: كونوا معتزلة تهتدوا، والقاديانية يقولون: كونوا قاديانية تهتدوا، والتيجانية يقولون: كونوا تيجانية تهتدوا، والصوفية يقولون: كونوا صوفية تهتدوا، وعلى هذا فقس. وَكُلٌّ يَدَّعِي وَصْلًا لِلَيْلَى ∗∗∗ وَلَيْلَى لَا تُقِرُّ لَهُمْ بِذَاكَ كل يقول: الحق معي، ولكن ﴿إِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء ٥٩]؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿قُلْ﴾ في جواب من يدعونكم إلى اليهودية من اليهود أو النصرانية من النصارى ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ﴾، بل هنا للإضراب الإبطالي أو الانتقالي؟
* الطلبة: الإبطالي.
* الشيخ: الإبطالي؛ لأنها تبطل ما سبق، يعني: بل لا نتبعه، ولا نكون هودًا ولا نصارى، ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾، وبهذا التقدير الذي ذكرت لكم يتبين لنا على أي وجه نصب ﴿مِلَّةَ﴾؟
* طالب: مفعول به.
* الشيخ: مفعول لفعل محذوف، تقديره: بل نتبع ملة إبراهيم، والملة بمعنى الدين كما سبق، وملة إبراهيم هي التوحيد، يعني نتبع توحيد الله عز وجل والإسلام له؛ لأن إبراهيم ﴿قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة ١٣١]. هذه الملة. ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ ﴿حَنِيفًا﴾ إعرابها حال من
﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، وهذا من الغرائب أن تكون حالًا من المضاف إليه، فهل في كلام ابن مالك ما يشير إلى هذا؟
* طالب: إي نعم، هو قوله: ولا يكون..
* الشيخ: اسم زمان..
* الطالب: ولا يجيء..، ما أعرف.
* طالب: قوله: أَوْ كَانَ جُزْءُ مَا لَهُ أُضِيْفَا ∗∗∗ أوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلاَ تَحِيْفَا * الشيخ: أيش (أَوْ كَانَ جُزْءُ مَالَهُ أُضِيفَا)؟
* الطالب:
وَلاَ تُجِزْ حَالًا مِنَ الْمُضَافِ لَهْ ∗∗∗ إِلَّا إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ* الشيخ: ؎أَوْ كَانَ جُزْءَ مَالَهُ أُضِيْفَا ∗∗∗ أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلاَ تَحِيْفَا هذا داخل في قوله: ؎..................... ∗∗∗ أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلاَ تَحِيْفَا قال: ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ حال من ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾، هذه الحال هل هي حال لازمة أو حال متنقلة؟
* الطالب: لازمة.
* الشيخ: لازمة، إذن لا مفهوم له، ليس معناه أن إبراهيم مرة حنيف ومرة مائل غير حنيف، لكنه حنيف صفة لازمة له عليه الصلاة والسلام حنيفًا، ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾، هذا تأكيد لقوله: ﴿حَنِيفًا﴾ لأن الحنيف هو المائل عما سوى التوحيد، مأخوذ من حَنَفِ الرِّجْل أي: ميلها، فهو مائل عن كل ما سوى التوحيد، إذن ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ تكون توكيدًا لهذه الحال توكيدًا معنويًّا لا إعرابيًّا، فليس توكيدًا إعرابيًّا؛ لأن التوكيد الإعرابي معروف، ما هو من هذا الصيغ، لكنه توكيد معنوي، يعني: أنه عليه الصلاة والسلام ما كان من المشركين، ما كان فيما مضى من المشركين أو فيما يستقبل؟
* طالب: فيما مضى.
* الشيخ: قلنا: إن كان ما تدل على الحدث، تدل على اتصاف اسمها بخبرها، مثل ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء ٩٦] هل معناه أن الله كان فيما سبق دون الآن؟ أو هو متصف بالمغفرة والرحمة؟ هو متصف، فقوله: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ ليس معناه أنه ما كان فيما مضى من عمره، ثم كان، بل هو ما كان أن هذا الوصف منتفٍ عنه. وقوله:
﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ يعم انتفاء الشرك الأصغر والأكبر عنه ولَّا لا؟ والشرك كما هو معروف عندنا أصغر وأكبر، هذه هي التي نحن نتبع، يتبعها الرسول ﷺ ونتبعها نحن إن شاء الله تعالى ونرجو الله أن نموت عليها، هذه هي الملة الحنيفية الحقيقية التي تُوصِل العبد إلى ربه
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام ١٥٣].
ثم قال الله تعالى آمرًا هذه الأمة أن يقولوا هذا المعتقد العظيم:
﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة ١٣٦] آمنا بالله، والإيمان هو التصديق بالقلب المستلزم للقبول والإذعان، هذا هو الإيمان عند أهل السنة والجماعة، أما عند المرجئة ومنهم الأشاعرة فالإيمان: هو التصديق بالقلب، وعندهم لا يزيد ولا ينقص، قاله ابن القيم وغيره من أهل السنة إذا قلتم: إن الإيمان التصديق بالقلب فإن إبليس مؤمن؛ لأنه مقر بالله يقول:
﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ﴾ [ص ٨٢] فعلى هذا يكون مؤمن.
* طالب: التصديق بالقلب المستلزم؟
* الشيخ: المستلزم للقبول والإذعان، وعلى هذا على رأيكم يكون أبو طالب مؤمنًا؛ لأنه مصدق، وهذا من أبطل الأقوال، هذا من أبطل الأقوال، فنقول: الإيمان: هو التصديق المستلزم للقبول والإذعان.
* الطالب: وما ردهم يا فضيلة الشيخ، ما ردهم على هذا الاعتراض القوي جدًّا؟ ما ردهم على هذا؟
* الشيخ: يعني: بماذا يردون على هذا؟
* الطالب: تعليقكم فعلًا يدخل إبليس ويدخل غيره؟
* الشيخ: إي نعم، هم يقولون كما حرفوا في آيات الصفات وأحاديثها حرفوا في هذا أيضًا، قالوا: إن استكباره عن السجود دليل على أنه غير مؤمن، فنقول لهم: كيف يكون دليلًا على أنه غير مؤمن وهو يقر، هل يلزم الإنسان بما لم يقر به؟ هل يلزم المتكلم، ما نقول: الإنسان؛ لأن الشيطان ما هو إنسان، هل يلزم المتكلم بخلاف نطقه؟
* الطالب: لا، وهو في آخر لحظة بيقول: يا رب بردو آخر دقيقة؟
* الشيخ: مَنْ؟
* الطالب: إبليس يقر في آخر دقيقة.
* الشيخ: نعم، نعم.
* الطالب: وهو نازل من الجنة، بردو بيقول:
* الشيخ: إي نعم.
* الطالب: ﴿رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ [الحجر ٣٦].
* الشيخ: نعم، نعم المهم على كل حال أهل الباطل يحرفون الكلم عن مواضعه، وطريقتهم في الأدلة أهل الباطل كلهم، أنما قدروا على إبطال سنده وصحته تيسر لهم ذلك، حتى لو هو في الصحيحين يقولون: هذا خبر آحاد ما يفيد في العقائد، هذه طريقتهم -والعياذ بالله- يعني كل رواة الصحيحين إذا لم يكن الحديث متواترًا كلهم طعنوا فيه، وقالوا: إن حديثهم ما يمكن أن يستدل به على شيء من العقائد إطلاقًا، هدموا نصف الشريعة أو أكثر، غالب الشريعة آحاد ولَّا لا؟
* الطلبة: آحاد.
* الشيخ: آحاد، غالب الشريعة آحاد، وفي الحقيقة أن هذا القول قول باطل حتى في الأمور العملية، الإنسان إذا عمل عملًا ما هو عقيدة هل يمكن يعمل إلا وهو يعتقد أنه من أمر الله؟
* طالب: لا بد يعتقد.
* الشيخ: لا بد يعتقد، إذن فالعمل نفس الأعمال البدنية مبنية على أيش؟
* الطلبة: على العقيدة.
* الشيخ: على العقيدة، فعلى رأيهم على هذا نقول: إذن، ولا نثبت الأحكام العملية؛ لأنه ما يمكن أن يعمل بحكم إلا وهو يعتقد أن الذي حكم به هو الله. فالمهم أننا نقول: إن هذه الأصول الباطلة في الإيمان أنه مجرد التصديق، وأنه لا يزيد ولا ينقص كما هو مذهب المرجئة عامة، من المرجئة مَنْ؟ الأشاعرة والجهمية، الجهمية أيضًا مرجئة، ولهذا الأشاعرة يوافقون الجهمية في مسألة الإرجاء، يوافقونهم، المعتزلة يوافقون الجهمية في مسألة الصفات وينكرونها.
* طالب: (...).
* الشيخ: الصفات، صفات الله.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: المعتزلة والجهمية يتوافقون في الصفات، لكن يختلفون في مسألة الإيمان، المعتزلة يقولون: الإيمان قول وعقيدة وعمل متماسك إذا فقد بعضه فقد الكل، ولهذا يرون فاعل الكبيرة خارجًا من الإيمان، المعتزلة، شوف أهل الباطل يكفر بعضهم بعضًا في بعض الأشياء، قصدي يضلل بعضهم بعضًا، وإن كانوا قد لا يحكمون بالكفر على هؤلاء لكن يقولون: هؤلاء ضالون، فإذن الإيمان في اللغة أيش؟
* الطلبة: التصديق.
* الشيخ: التصديق، وفي الشرع: (...)، وهذه دعوى (...). قال الله تعالى:
﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي﴾ [البقرة ١٣٣] إلى آخره.
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: أن التوحيد وصية الأنبياء؛ لقوله: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ﴾.
* ومن فوائدها: أن الموت حق حتى على الأنبياء، قال الله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران ١٤٤].
* ومنها: جواز الوصية عند حضور الأجل؛ لقوله: ﴿وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ﴾ قبل هذا، ﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ﴾ وهذا كالوصية لهم، ولكنه يشترط أن يكون الموصي يعي ما يقول، فإن كان لا يعي ما يقول فإنه لا يصح وصيته.
* ويستفاد من هذا: رجحان القول الصحيح بأن الجد أب، من أين تؤخذ؟
* الطلبة: ﴿آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ﴾.
* الشيخ: ﴿آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ﴾ فإن إبراهيم جده وليس أباه.
* ومن فوائد الآية: أنه يجوز إطلاق اسم الأب على العم تغليبًا، من أين تؤخذ؟
* الطلبة: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ﴾.
* الشيخ: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ﴾ فإن إسماعيل عم وليس أبًا.
* ومنها: أن أبناء يعقوب كانوا على التوحيد حيث قالوا: ﴿نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ﴾، وهذا لا شك أنه توحيد منهم.
* ومنها أيضًا؛ من فوائد الآية: اتباع الآباء، أن النفوس مجبولة على اتباع الآباء، لكن إن كان على حق فهو حق، وإن كان على باطل فهو باطل؛ لقولهم: ﴿وَإِلَهَ آبَائِكَ﴾ ولهذا الذين حضروا وفاة أبي طالب قالوا له: «أترغب عن ملة عبد المطلب»(٦)؟
* ومنها؛ من فوائد الآية: إخلاص الإسلام لله حيث قال: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ ﴿لَهُ﴾، وجه الإخلاص تقديم المعمول، في له؛ لأن ﴿لَهُ﴾ متعلق بـ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ فهو معمولٌ له، وقد علم أن تقديم المعمول يفيد الحصر.
* ومنها: إثبات الوحدانية لله سبحانه وتعالى في قوله: ﴿إِلَهًا وَاحِدًا﴾. ثم قال تعالى:
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
* يستفاد من هذه الآية: أنه لا ينبغي التشاغل بما كان عليه الآباء؛ لقوله: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ يعني فأنتم الآن هم مضوا وأسلموا لله، وأنتم أيها اليهود الموجودون في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام عليكم أن تنظروا ماذا كسبتم لأنفسكم، والتشاغل بما كان عليه الآباء تضييع للوقت وربما يضر.
* ومن فوائد الآية: أن فيه إشارة إلى أنه ينبغي لنا أن نسكت عما جرى بين الصحابة، أو لا؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: لأنا نقول كما قال الله لهؤلاء: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ﴾، فنحن معنيون الآن بأنفسنا، أما ما جرى بين معاوية وعلي بن أبي طالب أو بين علي وعائشة وما أشبه هذا فإن هذا أمر لا يعنينا الآن، نحن علينا أن نقول: ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [الحشر ١٠].
* الطالب: غير الصحابة يدخل فيها ولَّا لا؟
* الشيخ: وغير الصحابة أيضًا يدخل، ولا ينبغي للإنسان أن يتشاغل بمثل هذه الأمور، وعليه أن ينظر ما ينفعه في دينه ودنياه.
* ومنها: أن الإنسان وعمله؛ لقوله: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ﴾ فلا أحد يعطى من عمل أحد ولا يؤخذ منه، ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ [المدثر ٣٨].
* ومنها: أن الآخِر لا يسأل عن عمل الأول، أو لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: عكسه؟ الأول يسأل عن عمل الآخر؟
* طالب: يمكن.
* الشيخ: يمكن، الأول قد يسأل عن عمل الآخر كما قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ [القصص ٤١] فقد يكون الأول صاحب بدعة ويتبع على بدعته، فيكون دالًّا على ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، أفهمتم؟ لكن الآخر ما يسأل عن عمل الأول. فإذا قيل: هل آخر الآية ينقض أولها؟
﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فالجواب؟ لا؛ لأنهم إذا دعوا إلى ضلالة أو إلى حق واتبعناهم نحن الآخرين فهذا من كسبهم فلهم ما كسبوا.
* ومنها من فوائد الآية: إثبات عدل الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يؤاخذ أحدًا بما لم يعمله؛ لقوله: ﴿وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
* ومنها: إثبات السؤال، وأن الإنسان سيسأل، من أين تؤخذ؟
* الطلبة: ﴿وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
* الشيخ: ﴿وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ منطوق الآية واضح نفي السؤال عن عمل الغير ومفهومها ثبوت السؤال عن عمله، وأنك مسؤول عن العمل وهو كذلك. ثم قال الله تعالى:
﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ في هذه الآية دعوة وادعاء، وين الدعوة؟
* الطلبة: ﴿كُونُوا﴾.
* الشيخ: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ والادعاء ﴿تَهْتَدُوا﴾،* فيستفاد منها: أن أهل الباطل يدعون إلى ضلالهم ويدَّعون فيه الخير، ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ هذا دعوة إلى ضلال، ﴿تَهْتَدُوا﴾ ادعاء أن ذلك خير، وهكذا أيضًا ورث هؤلاء اليهود ورثهم من ضل من هذه الأمة، قال النبي ﷺ: «لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ»(٧). في الأمة أهل بدع ولَّا لا؟ يدعون إلى الضلالة، ويدَّعون أن هذا هو الخير، مثلًا المعتزلة يدعون إلى الاعتزال ويقولون: إن الخير فينا، نحن المنزِّهون لله عن النقائص، وأنتم أيها المثبتون للصفات أنتم مجسمة، أنتم مجسمة ممثلة، كذا ولَّا لا؟ والتنزيه عندنا، هؤلاء دعوا إلى ضلال، وادعوا أنه الحق والخير، فقالت الأشعرية: نحن جُذَيْلُها الْمُحَكَّك، نحن أصحاب الشأن أنتم من المعتزلة على خطأ والسلف مجسمة أو مفوضة، إن كانوا مفوضة فهم مسالمون لهم؛ لأن المفوض عند الأشعرية هو الذي لا يزيد على قراءة القرآن والحديث، هذا المفوض، تفويض المعنى والكيفية؛ ولهذا تجدهم الأشاعرة يقولون: مذهب السلف التفويض، ومذهب الخلف إثبات المعاني، فمذهبنا أعلم وأحكم من مذهبكم أيها السلف، وهو صحيح، لو كان مذهب السلف -كما يقولون- إنه مجرد أنك تقرأ وأنك كما قال الله تعالى:
﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ﴾ [البقرة ٧٨] إلا قراءة، لو كان هذا مذهب السلف لكنا نشهد الله أن مذهب الخلف خير؛ لأنه يثبت أن للقرآن حقيقة ومعنى، نزل لنتعبد بهذا المعنى لله.
لكن نقول: كذبتم على مذهب السلف، ما هو مذهب السلف حقيقة؟ التفويض فيما لا يدركون علمه وهو حقيقة هذه الصفات وكيفيتها، هذا ما يقدر أحد يتكلم عن هذه الكيفية أبدًا، لكن المعنى يفوضونه ولَّا لا؟ يثبتون المعنى اللائق بالله عز وجل، إذن فهم أعلم وأحكم وأسلم فهمتم؟ الأشاعرة يقولون: إحنا اللي معنا الحق، اتْبَعونا بس، الحق معنا، لا تثبتون لله إلا سبع صفات، وسبع أحوال على خلاف بيننا وبينهم في كيفية إثبات هذه الصفات، بأن نضرب مثلًا: الكلام عندنا ثابت وعندهم ثابت أيضًا، لكن وأيش هو الكلام عندهم؟
* طالب: المعنى القائم.
* الشيخ: الكلام هو المعنى القائم بالنفس، وهو معنى واحد سواء جاء بلفظ الاستفهام أو الخبر أو الأمر أو النهي، وسواء كان توراة أو إنجيلًا أو قرآنًا، لكن يعبر عنه بهذه التعبيرات ليكون إما خبرًا أو أمرًا أو نهيًا أو استفهامًا أو توراة أو إنجيلًا أو القرآن، وهذا ما هو إثبات بالحقيقة، فالمهم إني أقول يا إخواننا: كل داع إلى ضلال ففيه شبه من اليهود والنصارى، دعاة السفور الآن يقولون: خل المرأة تتحرر، خلها تبتهج بالحياة، لا تغطها بالغطاء، لا تعمي عيونها بالغطفر، خلها تمش مع الناس، هذا هو الحرية، أليس كذلك؟ ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا﴾ نفس الشيء، أطلِقوا لها العنان لأجل الحرية؛ لأن هذا هو الخير، ليس من العدل أنك أنت تروح تتفرج وتنزه وتقف على هذا الدكان، وعلى هذا الدكان وهي محبوسة في البيت، وهكذا كل داع إلى ضلالة فطبعًا سوف يقني هذه الضلالة بما يغر الغريب فهو شبيه بمن؟ باليهود والنصارى.
* من فوائد الآية: مقابلة الباطل بالحق، ﴿قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ لا بد أن الإنسان يسير على طريق، لكن هل هو حق ولَّا باطل؟ أثبت الله الباطل في قوله: ﴿بَلْ﴾، وقد ذكرنا في التفسير أن (بل) هنا للإضراب الإبطالي.
* من فوائد الآية: الثناء على إبراهيم عليه الصلاة والسلام؛ حيث كنا أتباعًا له في ملته، هذه واحدة، وجه آخر: وصفه بأنه حنيف، وجه ثالث: وصفه بأنه لم يك من المشركين، ففي هذا ثناء على إبراهيم عليه الصلاة والسلام من وجوه ثلاثة، أولًا: إمامته، وأيش وجه أنه إمام؟
* الطلبة: (...).
* الشيخ: حيث أمرنا باتباعه، والمتبوع هو الإمام، من ناحية أنه حنيف مائل عن كل دين سوى الإسلام، من ناحية ثالثة: ليس فيه شرك في عمله ﷺ.
* ومن فوائد الآية: أن الشرك ممتنع في حق الأنبياء؛ لقوله: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
* ومنها: أن اليهودية والنصرانية نوع من الشرك؛ لأن قوله: ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ في مقابل دعوتهم إلى اليهودية والنصرانية يدل على أنها نوع من الشرك، كل من كفر بالله ففيه نوع من الشرك، لكن إن اتخذ إلهًا فهو شرك حقيقة وواقعًا وإلا فإنه شرك باعتبار اتباع الهوى.
* طالب: في قوله تعالى: ﴿قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾ بعض المعربين يقول: إن ﴿إِسْمَاعِيلَ﴾ معطوف على ﴿إِلَهَ﴾ يعني: وإله إسماعيل وإسحاق؟
* الشيخ: لا، هذا بعيد، أقول هذا بعيد؛ لأنه يشتت النظم.
* الطالب: يتخلص منه يعني نسبة..
* الشيخ: لا، هذا معروف في اللغة العربية، الرسول قال عليه الصلاة والسلام: «عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ»(٨) ما في محذوف.
(١) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٤٦٨)، ومسلم (٩٨٣ / ١١) واللفظ له، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري (٢٦٩٩)، ومسلم (١٧٨٣ / ٩١)، من حديث البراء رضي الله عنه، واللفظ للبخاري.
(٣) أخرجه أبو نعيم في الحلية (٩ / ١١٤) بلفظ: تلك دماء طهر الله يدي منها فلا أحب أن أخضب لساني فيها.
(٤) أخرجه البخاري (٦٥١٦) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(٥) أخرجه الترمذي (١٩٨٢)، وأحمد في مسنده (١٨٢٠٩) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(٦) متفق عليه؛ أخرجه البخاري (١٣٦٠) ومسلم (٢٤ / ٣٩) من حديث المسيب بن حزن.
(٧) أخرجه أحمد في مسنده (٢١٨٩٧)، وابن حبان في صحيحه (٦٧٠٢) من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه.
(٨) أخرجه مسلم (٩٨٣ / ١١) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.