الباحث القرآني
ولَمّا قَرَّرَ سُبْحانَهُ لِبَنِي إسْرائِيلَ أنَّ أباهم يَعْقُوبَ مِمَّنْ أوْصى بَنِيهِ بِالإسْلامِ قالَ مُبَكِّتًا لَهم: ﴿أمْ﴾ فَعُلِمَ قَطْعًا مِن ذِكْرِ حَرْفِ العَطْفِ أنَّ المَعْطُوفَ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ كَما قالُوا في أحَدِ التَّقادِيرِ في هَذِهِ الآيَةِ وفي ﴿أمَّنْ هو قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ﴾ [الزمر: ٩] في سُورَةِ الزُّمُرِ فَكانَ التَّقْدِيرُ هُنا لِتَوْبِيخِهِمْ وتَقْرِيعِهِمْ بِأنَّ أيَّ: شِقٍّ اخْتارُوهُ لَزِمَهم بِهِ ما يَكْرَهُونَ: أكُنْتُمْ غائِبِينَ عَنْ هَذِهِ الوَصِيَّةِ مِن إبْراهِيمَ ويَعْقُوبَ عَلَيْهِما السَّلامُ أمْ حاضِرِينَ وكُنْتُمْ غائِبِينَ في أمْرِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلامُ خاصَّةً أمْ ﴿كُنْتُمْ شُهَداءَ﴾ الآيَةَ، أيْ: أكُنْتُمْ غائِبِينَ عَنْ عِلْمِ ذَلِكَ أمْ لا حِينَ حَكَمْتُمْ بِتَخْصِيصِ أنْفُسِكم بِالجَنَّةِ لِيَمْنَعَكم ذَلِكَ عَنْ مِثْلِ هَذا الحُكْمِ؛ وعَلى كُلِّ تَقْدِيرٍ لا يَضُرُّكم جَهْلُهُ، لِأنَّ عِنْدَكم في كِتابِ اللَّهِ المُنَزَّلِ عَلى نَبِيِّكم مِنَ الأمْرِ بِمِثْلِهِ عَنِ اللَّهِ ما يُغْنِيكم عَنْهُ، وهو مانِعٌ لَكم أيْضًا مِن هَذا الحُكْمِ عَلى وجْهٍ قَطْعِيٍّ؛ (p-١٨٠)وفِي ذَلِكَ إشارَةٌ إلى عَدَمِ وُجُوبِ التَّقَيُّدِ بِالآباءِ، وإرْشادٌ إلى تَوْسِيعِ الفِكْرِ إلى المُنْعِمِ الأوَّلِ وهو رَبُّ الآباءِ لِلتَّقَيُّدِ بِأوامِرِهِ والوُقُوفِ عِنْدَ زَواجِرِهِ سَواءٌ كانَ ذَلِكَ مُوافِقًا لِشَرْعِ الآباءِ أوْ مُخالِفًا؛ ولَمّا كانَ هَذا لازِمًا لِمَضْمُونِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ [البقرة: ١٣٤] أتْبَعَهُ بِها، أيْ: فَما لَكم ولِلسُّؤالِ عَنْها في ادِّعائِكم أنَّهم كانُوا هُودًا أوْ نَصارى ؟ كَما سَيَأْتِي النَّصُّ بِالتَّوْبِيخِ عَلى ذَلِكَ وإتْباعُهُ مِثْلُ هَذِهِ الآيَةِ، لِأنَّهُ إمّا أنْ يَكُونَ السُّؤالُ عَنِ النَّسَبِ أوْ عَنِ العَمَلِ ولا يَنْفَعُكم شَيْءٌ مِنهُما، لِأنَّهُ لَيْسَ لِلْإنْسانِ إلّا ما سَعى، فَلَيْسَ السُّؤالُ عَنْهم حِينَئِذٍ لِمَن عِنْدَهُ عِلْمُ ما يَأْتِي وما يَذَرُ إلّا فُضُولًا، وفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّهم قَطَعُوا أنْفُسَهم عَنْهم، لِأنَّهم لَمّا لَمْ يَتَّبِعُوهم في الإسْلامِ فَصَلُوا ما بَيْنَهم وبَيْنَهم مِنَ الوُصْلَةِ بِالنَّسَبِ وحَصَلَتْ بَراءَتُهم مِنهم، لِأنَّ نَسَبَ الدِّينِ أعْظَمُ مِن نَسَبِ الماءِ والطِّينِ، أوْ يُقالُ وهو أحْسَنُ: لَمّا ادَّعى أهْلُ الكِتابِ أنَّ الجَنَّةَ خاصَّةٌ بِهِمْ ورَدَّ ذَلِكَ سُبْحانَهُ عَلَيْهِمْ بِأنَّها لِمَن أسْلَمَ مُحْسِنًا وذَكَّرَهم بِأحْوالِ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلامُ حَتّى خَتَمَ بِأنَّهُ مِن رُؤُوسِ المُتَّصِفِينَ بِهَذا الوَصْفِ وأنَّهُ أوْصى بَنِيهِ بِهِ فَكانَ كَأنَّهُ قِيلَ إنْكارًا عَلَيْهِمْ في دَعْواهُمُ الِاخْتِصاصَ بِالجَنَّةِ وتَقْرِيرًا لَهم: أكُنْتُمْ شُهَداءَ لِذَلِكَ مِنهُ حَتّى تَكُونُوا مِمَّنِ ائْتَمَرَ بِأمْرِهِ في وصِيَّتِهِ فَتَكُونُوا أهْلًا لِلْجَنَّةِ أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ يا بَنِي يَعْقُوبَ ﴿إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ﴾ صاحِبُ (p-١٨١)نَسَبِكُمُ الأشْهَرِ ﴿المَوْتُ﴾ وهو [عَلى ] ما أوْصى بِهِ إبْراهِيمُ بَنِيهِ ﴿إذْ قالَ﴾ أيْ: يَعْقُوبُ ﴿لِبَنِيهِ﴾
ولَمّا كانَ مُرادُهُ ﷺ التَّعْمِيمَ في كُلِّ شَيْءٍ لِيَقَعَ التَّخْصِيصُ مَوْقِعَهُ فَلا يَحْتاجُ إلى سُؤالٍ آخَرَ عَبَّرَ بِما العامَّةِ لِلْعاقِلِ وغَيْرِهِ فَقالَ: ﴿ما تَعْبُدُونَ﴾ ولَوْ عَبَّرَ بِمَن لَمْ يُفِدْ جَوابُهم هَذا التَّصْرِيحَ بَنَفْيِ عِبادَةِ شَيْءٍ مِمّا لا يَعْقِلُ، وقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن بَعْدِي﴾ لِأنَّ الخَلِيفَةَ كَثِيرًا ما يَخْلُفُ الغائِبَ بِسُوءٍ وإنْ كانَ مُصْلِحًا في حُضُورِهِ، وأدْخَلَ الجارَّ لِأنَّ أعْمارَهم لا تَسْتَغْرِقُ الزَّمانَ ﴿قالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ﴾ الَّذِي خَلَقَكَ ﴿وإلَهَ آبائِكَ﴾ الَّذِي خَلَقَهم وبَقِيَ بَعْدَهم ويَبْقى بَعْدَ كُلِّ (p-١٨٢)شَيْءٍ ولا بَعْدَ لَهُ، كَما كانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ ولا قَبْلَ لَهُ؛ ثُمَّ بَيَّنُوا الآباءَ بِقَوْلِهِمْ: ﴿إبْراهِيمَ﴾ أيْ: جَدِّكَ ﴿وإسْماعِيلَ﴾ لِأنَّهُ عَمٌّ والعَمُّ صِنْوُ الأبِ فَهو أبٌ مَجازًا ﴿وإسْحاقَ﴾
ولَمّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الإلَهِ في إضافَتَيْنِ بَيَّنُوا أنَّ المُرادَ بِهِ فِيهِما واحِدٌ تَحْقِيقًا لِلْبَراءَةِ مِنَ الشِّرْكِ وتَسْجِيلًا عَلى أهْلِ الكِتابِ بِتَحَتُّمِ بُطْلانِ قَوْلِهِمْ فَقالُوا: ﴿إلَهًا واحِدًا﴾ ثُمَّ أخْبَرُوا بَعْدَ تَوْحِيدِهِمُ الَّذِي تَقَدَّمَ أنَّهُ مَعْنى الإحْسانِ في قَوْلِهِ: ﴿وهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [البقرة: ١١٢] بِإخْلاصِهِمْ في عِبادَتِهِمْ بِقَوْلِهِمْ ﴿ونَحْنُ لَهُ﴾ أيْ: وحْدَهُ لا لِلْأبِ ولا غَيْرِهِ ﴿مُسْلِمُونَ﴾ أيْ: لا اخْتِيارَ لَنا مَعَهُ بَلْ نَحْنُ لَهُ كالجَمَلِ الآنِفِ حَيْثُما قادَنا انْقَدْنا، أيْ: أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ لَهُ في هَذِهِ الوَصِيَّةِ لِنَشْهَدَ لَكم بِما شَهِدْنا لِبَنِيهِ المَوْجُودِينَ إذْ ذاكَ مِنَ الإسْلامِ فَتَكُونُوا مِن أهْلِ الجَنَّةِ.
{"ayah":"أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَاۤءَ إِذۡ حَضَرَ یَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِیۖ قَالُوا۟ نَعۡبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ ءَابَاۤىِٕكَ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدࣰا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق