الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾ الآية، نزلت في اليهود حين قالوا للنبي صلى الله وسلم: ألست تعلم أن يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية؟ فأنزل الله قوله: ﴿أَمْ كُنْتُمْ﴾ [[ذكره مقاتل في "تفسيره" 1/ 140، والثعلبي 1/ 1210، والواحدي في "أسباب النزول" ص 44، وفي "الوسيط" 1/ 216، والبغوي 1/ 154 وابن الجوزي في "زاد المسير" 1/ 148، وابن حجر في "العجاب" 1/ 397، والمناوي في "الفتح السماوي" 1/ 183، ونقله عنه السيوطي، قوله: لم أقف عليه.]]، ومعناه: بل أكنتم، كأنه ترك الكلام الأول واستفهم، قاله أبو إسحاق [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 212، وينظر: "البحر المحيط" 1/ 400.]]. وقال أبو عبيدة: أم ههنا بمعنى: هل، واحتج بقول الأخطل: كذَبَتْكَ عَيْنُكَ أم رأيتَ بواسِطٍ [[وعجز البيت: غَلَسَ الظلام من الرَّباب خيالا ينظر: "ديوان الأخطل" ص 385، "مجاز القرآن" 1/ 65، "الخزانة" 2/ 411، 4/ 452، "لسان العرب" 6/ 3281، 7/ 3841، "المعجم المفصل" 6/ 79.]] بمعنى: هل رأيت [["مجاز القرآن" 1/ 57.]]. ويجوز أن يتقدمه استفهام مضمر، كأنه قيل لليهود: أبلغكم ما تقولون وتنسبون إلى [[في (ش): (عن).]] يعقوب، أم كنتم شهداء حضرتم وصيته [[قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" 1/ 497 - 498: وقال لهم على جهة التقريع والتوبيخ: أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدلون عن علم، أي: لم تشهدوا بل أنتم تفترون، وأم، تكون بمعى ألف الاستفهام في صدر الكلام لغة يمانية، وحكى الطبري أن أم يستفهم بها في وسط كلام قد تقدم صدره، وهذا منه.، وينظر: "البحر المحيط" 1/ 400 - 401.]]؟ وقد شرحنا معنى (أم) عند قوله: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا﴾ [البقرة: 108]. وقوله تعا لى: ﴿شُهَدَاءَ﴾ أراد: حضورًا [["تفسير الثعلبي" 1/ 1210.]]. وقوله تعالى: ﴿إِذْ حَضَرَ﴾ موضع إذ نصب؛ لأنه بمعنى وقت حضر، والحضور خلاف الغيبة، وحَضْرة الرجل: فناؤه [[في (ش): (حضر الرجل فتاه).]] [["تهذيب اللغة "1/ 848، "البحر المحيط" 1/ 397.]]. وقوله: ﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ﴾: إذ هذه الثانية موضعها نصب، كموضع الأولى، وهو بدل مؤكد [[كذا قال الزجاج في: "معاني القرآن" 1/ 212.]]. وقوله تعالى: ﴿وَإِلَهَ آبَائِكَ﴾ الآباء: جمع أب، وفي الأب لغاتٌ، يقال: هذا أبُكَ، وهذا أباك، وهذا أبوكَ، فمن قال: أَبُكَ، قال في التثنية: أَبَان وأبُونَ وأَبِينَ، ومن قال: أباك وأبوك، فتثنيتهما أَبَوَان. أنشد أحمد بن يحيى [[في: "اللسان" 1/ 16 (أبى).]]: سوى أبِكَ الأدنى وأنَّ محمدًا ... علا كلَّ عالٍ يا ابنَ عمِّ محمدِ [[البيت بلا نسبة في "لسان العرب" 1/ 16 (أبى)، "المعجم المفصل" 2/ 436.]] وأنشد سيبويه [[في: "الكتاب" 3/ 406، وهو في "اللسان" 1/ 15 (أبى).]]: فلما تَبَيَّنَّ أصواتَنا ... بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَنَا بالأبِينَا [[البيت لزياد بن واصل السلمي، في "خزانة الأدب" 4/ 474 - 477، "شرح أبيات سيبويه" 2/ 284، وبلا نسبة في "الأشباه والنظائر" 4/ 286، "خزانة الأدب" 4/ 108، 468، "الخصائص" 1/ 356، "شرح المفصل" 3/ 37، "الكتاب" 3/ 406، "لسان العرب" 1/ 15 (أبى)، "المقتضب" 2/ 174، "البحر المحيط" 1/ 402، "المعجم المفصل" 8/ 75.]] ويقال: ما كنت أبًا ولقد أَبَوْتَ أُبُوَّةً، وماله أبٌ يأبُوه. الليث: فلان يأبو تيمًا إباوة بكسر الألف، أي: يغذوه [[نقله عنه في "تهذيب اللغة" 1/ 103، "اللسان" 1/ 16 (أبي).]]، وتأبىّ فلان [[في (أ) (م): (تأبى فلانًا).]] فلانًا، أي: اتخذه أبًا، كما تقول: تبنَّى من الابن [[في "اللسان" 1/ 17 (أبي). "تهذيب اللغة" 1/ 396.]]. وقال في تصغير الأب: أُبَيّ، وتصغير الآباء على وجهين: أجودهما: أُبيُّون، والآخر: أُبيَّاء؛ لأن كل جماعة كانت على أفعال فإنها تصغّر على حدها [[في (ش): (أحدها).]]، كما تقول في تصغير الأجمال: أجيمال. وقوله تعالى: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ﴾ أدخله في جملة الأباء، وهو كان عمَّ يعقوب؛ لأن العرب تُسَمِّي العمَّ أبًا [[يروى عن أبي العالية، كما أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 24، وينظر: "مجاز القرآن"، "معاني القرآن" للفراء، "تفسير الطبري" 1/ 563، "تفسير الثعلبي".]]، وقد روي أنه لما كان يوم فتح مكة قال رسول الله ﷺ للعباس [[العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي أبو الفضل، عم رسول الله ﷺ، وكان إليه في الجاهلية السقاية والعمارة، هاجر قبل الفتح، وثبت يوم حنين، وقال النبي ﷺ: "من آذى العباس فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه"، ولد قبل النبي ﷺ بسنتين، وتوفي بالمدينة سنة 32. ينظر: "فضائل الصحابة" للإمام أحمد 2/ 1159، "الاستيعاب" 2/ 358.]]: "امض إلى قومك، أهل مكة، فادعهم إلى الله قبل القتال"، فركب العباس بغلة رسول الله ﷺ الشهباء، فانطلق، فلما مضى فأبعد، قال رسول الله ﷺ: "رُدُّوا عليَّ أبي، ردوا عليَّ أبي، لا تقتلْه قريش كما قتلت ثقيفٌ عُروةَ بن مسعود [[هو عروة بن مسعود بن معتب الثقفي، صحابي مشهور، كان كبيرًا في قومه بالطائف، استأذن رسول الله ﷺ في دعوته قومه فخافهم عليه أن يقتلوه فرجع ودعاهم فقتلوه سنة 9 هـ. ينظر: "أسد الغابة" 4/ 31 - 32، "الاستيعاب" 3/ 176.]] "، فلما رجع قال: يا رسول الله ﷺ دَعْني أمضِي لأمرك، فقال: "يا عم، أما علمتَ أنَّ عمَّ الرجل صِنْوُ أبيه [[رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 14/ 484 عن عكرمة مرفوعًا، وينظر أيضًا: "كنز العمال" 14/ 584 (39654).]] "، وقال أيضًا يعني العباس: "هذا بقيةُ آبائي [[أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" 11/ 80 عن ابن عباس مرفوعًا ولفظه: "استوصوا بعمي العباس خيرًا فإنه بقية آبائي، وإنما عم الرجل صنو أبيه" قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/ 269: رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن خراش، وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان، وقال: ربما أخطاه، وبقية رجاله وُثَّقُوا، ورواه الطبراني في "الصغير" 1/ 344 من حديث الحسن بن علي مرفوعًا بلفظ "احفظوا في العباس فإنه بقية آبائي" قال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم وضعفه الألباني كما في "ضعيف الجامع الصغير" برقم 213، وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" 10/ 68 من حديث عبد المطلب بن ربيعة، وقد ضعفه الألباني كما في "السلسلة الضعيفة" 4/ 415، وروي عم مجاهد مرسلًا كما عند ابن أبي شيبة في "المصنف" 12/ 109 وعبد الرزاق في "تفسيره" 2/ 331.]] ". وفي بعض القراءات: "وإله أبيك إبراهيم" [[كذا قرأ ابن عباس والحسن وابن يعمر والجحدري وأبو رجاء، كما في "مختصر شواذ القرآن" لابن خالويه ص 9، "شواذ القراءة" للكرماني ص 32، "تفسير الثعلبي" 1/ 1211، "البحر المحيط" 1/ 402، وقال الطبري في "تفسيره" 1/ 563: وقرأ بعض المتقدمين (وإله أبيك إبراهيم) ظنا منه أن إسماعيل إذ كان عمًّا ليعقوب، فلا يجوز أن يكون فيمن ترجم به عن الآباء وداخلا في عدادهم، وذلك من قارئه كذلك قلة علم منه بمجاري كلام العرب، والعرب لا تمنع من أن == تجعل الأعمام بمعنى الآباء، والأخوال بمعنى الأمهات، فلذلك دخل إسماعيل فيمن ترجم به عن الآباء، وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ترجمة عن الآباء في موضع جر، ولكنهم نصبوا بأنهم لا يجرون.]] وله وجهان: أحدهما: أنه جمع الأب على أَبِينَ كما ذكرنا. والثاني: أنه كره أن يجعل إسماعيل من جملة الآباء فوحَّد الأب، ويكونُ التقدير: إلهَ أبيك إبراهيمَ وإله إسماعيل وإسحاق، كما تقول: رأيتُ غلامَ زيد وعمرو أي: غلامهما [[ينظر: "البحر المحيط" 1/ 402 - 403، "تفسير القرطبي" 2/ 127.]]، قال عطاء عن ابن عباس: إن الله لم يقبض نبيًّا حتى يخيره بين الموت والحياة، فلما خيرَّ يعقوب قال: أنظِرْني حتى أسألَ ولدى وأوصيَهم، فجمع ولده، وهم اثنا عشر رجلًا، وهم الأسباطُ، وجميع أولادهم، فقال لهم: قد حَضَرَتْ وفاتي، وأنا أريدُ أن أسألكم وأوصيكم: ما تعبدون من بعدي قالوا: نعبد إلهك كما في الآية [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 3/ 1210، والبغوي في "تفسيره" 1/ 154، والحافظ في "العجاب" 1/ 380 من قول عطاء، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 1210 والرازي في "التفسير الكبير" 4/ 76، عن ابن عباس وذكره دون نسبة "الخازن" 1/ 114، وأبو حيان في "البحر المحيط" 1/ 402.]]. وقوله تعالى: ﴿إِلَهًا وَاحِدًا﴾ ينتصب على وجهين: إن شئت على الحال، كأنهم قالوا: نعبد إلهَكَ في حال وحدانية، وإن شئت على البدلِ، وتكون الفائدة في هذا البدل: ذكر التوحيد، فيكون المعنى: نعبد إلهًا واحدًا [[من "معاني القرآن" للزجاج 1/ 212، وذكره الأخفش في "معانيه" 1/ 150 على وجه الحال فقط.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب