الباحث القرآني
﴿أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ﴾ الخِطابُ لِجِنْسِ اليَهُودِ، أوِ المَوْجُودِينَ في زَمانِهِ صَلّى اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِ وسَلَّمَ، عَلى ما يُشِيرُ إلَيْهِ سَبَبُ النُّزُولِ، فَقَدْ ذَكَرَ الواحِدِيُّ أنَّ الآيَةَ نَزَلَتْ في اليَهُودِ حِينَ قالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: ألَسْتَ تَعْلَمُ أنَّ يَعْقُوبَ لَمّا ماتَ أوْصى بَنِيهِ بِاليَهُودِيَّةِ، (وأمْ) إمّا مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنى بَلْ، وهَمْزَةِ الإنْكارِ، ومَعْنى بَلِ الإضْرابُ عَنِ الكَلامِ الأوَّلِ، وهو بَيانُ التَّوْصِيَةِ إلى تَوْبِيخِ اليَهُودِ عَلى ادِّعائِهِمُ اليَهُودِيَّةَ عَلى يَعْقُوبَ وأبْنائِهِ، وفائِدَتُهُ الِانْتِقالُ مِن جُمْلَةٍ إلى أُخْرى أهَمَّ مِنها، أيْ ما كُنْتُمْ حاضِرِينَ حِينَ احْتِضارِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وسُؤالِهِ بَنِيهِ عَنِ الدِّينِ، فَلِمَ تَدَّعُونَ ما تَدَّعُونَ؟! ولَكَ أنْ تَجْعَلَ الِاسْتِفْهامَ لِلتَّقْرِيرِ، أيْ كانَتْ أوائِلُكم حاضِرِينَ حِينَ وصّى بَنِيهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِالإسْلامِ والتَّوْحِيدِ، وأنْتُمْ عالِمُونَ بِذَلِكَ، فَما لَكم تَدَّعُونَ عَلَيْهِ خِلافَ ما تَعْلَمُونَ؟! فَيَكُونُ قَدْ نَزَلَ عِلْمُهم بِشَهادَةِ أوائِلِهِمْ مَنزِلَةَ الشَّهادَةِ، فَخُوطِبُوا بِما خُوطِبُوا، وإمّا مُتَّصِلَةٌ وفي الكَلامِ حَذْفٌ، والتَّقْدِيرُ: أكُنْتُمْ غائِبِينَ أمْ كُنْتُمْ شاهِدِينَ، ولَيْسَ الِاسْتِفْهامُ عَلى هَذا عَلى حَقِيقَتِهِ لِلْعِلْمِ بِتَحَقُّقِ الأوَّلِ، وانْتِفاءِ الثّانِي، بَلْ هو لِلْإلْزامِ، والتَّبْكِيتِ، أيْ أيُّ الأمْرَيْنِ كانَ فَمُدَّعاكم باطِلٌ، أمّا عَلى الأوَّلِ فَلِأنَّهُ رَجْمٌ بِالغَيْبِ، وأمّا عَلى الثّانِي فَلِأنَّهُ خِلافُ المَشْهُورِ، واعْتَرَضَ أبُو حَيّانَ عَلى هَذا الوَجْهِ: بِأنّا لا نَعْلَمُ أحَدًا أجازَ حَذْفَ الجُمْلَةِ المَعْطُوفِ عَلَيْها في (أمِ) المُتَّصِلَةِ، وإنَّما سُمِعَ حَذْفُ (أمْ) مَعَ المَعْطُوفِ، لِأنَّ الثَّوانِيَ تَحْتَمِلُ ما لا تَحْتَمِلُ الأوائِلُ، وقِيلَ: الخِطابُ لِلْمُؤْمِنِينَ، ومَعْنى بَلِ الإضْرابُ عَنِ الكَلامِ الأوَّلِ، والأخْذُ فِيما هو الأهَمُّ، وهو التَّحْرِيضُ عَلى اتِّباعِهِ ﷺ بِإثْباتِ بَعْضِ مُعْجِزاتِهِ، وهو الإخْبارُ عَنْ أحْوالِ الأنْبِياءِ السّابِقِينَ مِن غَيْرِ سَماعٍ مِن أحَدٍ، وقِراءَةٍ مِن كِتابٍ، كَأنَّهُ تَعالى بَعْدَ ذِكْرِ ما تَقَدَّمَ التَفَتَ إلى مُؤْمِنِي الأُمَّةِ، أما شَهِدْتُمْ ما جَرى، وأما عَلِمْتُمْ ذَلِكَ بِالوَحْيِ، وإخْبارِ الرَّسُولِ ﷺ، فَعَلَيْكم بِاتِّباعِهِ، إلّا أنَّهُ اكْتَفى بِذِكْرِ مُقاوَلَةِ يَعْقُوبَ وبَنِيهِ، لِيُعْلَمَ عَدَمُ حُضُورِهِمْ حِينَ تَوْصِيَةِ إبْراهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بِطَرِيقِ الأوْلى، ولا يَخْفى أنَّ هَذا القائِلَ لَمْ يَعْتَبِرْ سَبَبَ النُّزُولِ، ولَعَلَّهُ لِما فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ حَتّى قالَ الإمامُ السُّيُوطِيُّ: لَمْ أقِفْ عَلَيْهِ، (والشُّهَداءُ) جَمْعُ شَهِيدٍ أوْ شاهِدٍ، بِمَعْنى حاضِرٍ، وحَضَرَ مِن بابِ قَعَدَ، وقُرِئَ (حَضِرَ) بِالكَسْرِ ومُضارِعُهُ أيْضًا يَحْضُرُ بِالضَّمِّ، وهي لُغَةٌ شاذَّةٌ، وقِيلَ: إنَّها عَلى التَّداخُلِ ﴿إذْ قالَ لِبَنِيهِ﴾ بَدَلٌ مِن ﴿إذْ حَضَرَ﴾ بَدَلُ اشْتِمالٍ، وكِلاهُما مَقْصُودانِ، كَما هو المُقَرَّرُ في إبْدالِ الجُمَلِ، إلّا أنَّ في البَدَلِ زِيادَةَ بَيانٍ لَيْسَتْ في المُبْدَلِ مِنهُ، ولَوْ تَعَلَّقَتْ (إذْ) هُنا (بِقالُوا) لَمْ يَنْتَظِمِ الكَلامُ (p-391)﴿ما تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي﴾ أيْ أيُّ شَيْءٍ تَعْبُدُونَهُ بَعْدَ مَوْتِي، (ما) في مَحَلِّ رَفْعٍ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ، وكَوْنُهُ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى المَفْعُولِيَّةِ مُفَوِّتٌ لِلتَّقْوى المُناسِبِ لِمَقامِ: ويُسْألُ بِها عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، فَإذا عُرِّفَ خُصَّ العُقَلاءُ (بِمَن) إذا سُئِلَ عَنْ تَعَيُّنِهِ، فَيُجابُ بِما يُفِيدُهُ، وإذا سَألَ عَنْ وصْفِهِ قِيلَ: ما زَيْدٌ أكاتِبٌ أمْ شاعِرٌ، وفي السُّؤالِ عَنْ حالِهِمْ بَعْدَ مَوْتِهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الغَرَضَ حَثُّهم عَلى ما كانُوا عَلَيْهِ حالَ حَياتِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ والإسْلامِ وأخْذِ المِيثاقِ مِنهم عَلَيْهِ، فَلَيْسَ الِاسْتِفْهامُ حَقِيقِيًّا، وكانَ هَذا بَعْدَ أنْ دَخَلَ عَلَيْهِ السَّلامُ مِصْرَ ورَأى فِيها مَن يَعْبُدُ النّارَ، فَخافَ عَلى ولَدِهِ فَحَثَّهم عَلى ما حَثَّهُمْ، ﴿قالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وإلَهَ آبائِكَ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ﴾ اسْتِئْنافٌ وقَعَ جَوابًا لِسُؤالٍ نَشَأ عَنْ حِكايَةِ السُّؤالِ، وفي إضافَةِ الإلَهِ إلى المُتَعَدِّدِ إشارَةٌ إلى الِاتِّفاقِ عَلى وُجُودِهِ، وأُلُوهِيَّتِهِ، وقُدِّمَ إسْماعِيلُ في الذِّكْرِ عَلى إسْحاقَ لِكَوْنِهِ أسَنَّ مِنهُ، وعَدَّهُ مِن آباءِ يَعْقُوبَ مَعَ أنَّهُ عَمُّهُ تَغْلِيبًا لِلْأكْثَرِ عَلى الأقَلِّ، أوْ لِأنَّهُ شَبَّهَ العَمَّ بِالأبِ لِانْخِراطِهِما في سِلْكٍ واحِدٍ، وهو الأُخُوَّةُ، فَأطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظَهُ، ويُؤَيِّدُهُ ما أخْرَجَهُ الشَّيْخانِ: «(عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبِيهِ)،» وحِينَئِذٍ يَكُونُ المُرادُ بِآبائِكَ ما يُطْلَقُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ كَيْلا يَلْزَمَ الجَمْعُ بَيْنَ الحَقِيقَةِ، والمَجازِ، والآيَةُ عَلى حَدِّ ما أخْرَجَهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وغَيْرُهُ مِن قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: (احْفَظُونِي في العَبّاسِ، فَإنَّهُ بَقِيَّةُ آبائِي)، وقَرَأ الحَسَنُ (أبِيكَ)، وهو إمّا مُفْرَدٌ، وإسْماعِيلُ وإسْحاقُ عَطْفُ نَسَقٍ عَلَيْهِ، وإبْراهِيمُ وحْدَهُ عَطْفُ بَيانٍ، أوْ جَمْعٍ، وسَقَطَتْ نُونُهُ لِلْإضافَةِ، كَما في قَوْلِهِ:
؎فَلَمّا تَبَيَّنَ أصْواتُنا بَكَيْنَ وفَدَيْنَنا بِالأبْيَنا
﴿إلَهًا واحِدًا﴾ بَدَلٌ مِن ”إلَهِ آبائِك“ والنَّكِرَةُ تُبْدَلُ مِنَ المَعْرِفَةِ بِشَرْطِ أنْ تُوصَفَ كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِالنّاصِيَةِ﴾ ﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ﴾ والبَصْرِيُّونَ لا يَشْتَرِطُونَ فِيها ذَلِكَ، وفائِدَةُ الإبْدالِ دَفْعُ تَوَهُّمِ التَّعَدُّدِ النّاشِئِ مِن ذِكْرِ الإلَهِ مَرَّتَيْنِ، أوْ نُصِبَ عَلى المَدْحِ أوِ الحالِ المُوَطِّئَةِ كَما في البَحْرِ، ﴿ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ أيْ مُذْعِنُونَ مُقِرُّونَ بِالعُبُودِيَّةِ، وقِيلَ: خاضِعُونَ مُنْقادُونَ مُسْتَسْلِمُونَ لِنَهْيِهِ وأمْرِهِ قَوْلًا وعَقْدًا، وقِيلَ: داخِلُونَ في الإسْلامِ ثابِتُونَ عَلَيْهِ، والجُمْلَةُ حالٌ مِنَ الفاعِلِ، أوِ المَفْعُولِ، أوْ مِنهُما لِوُجُودِ ضَمِيرَيْهِما، أوِ اعْتِراضِيَّةٌ مُحَقِّقَةٌ لِمَضْمُونِ ما سَبَقَ في آخِرِ الكَلامِ بِلا كَلامٍ، وقالَ أبُو حَيّانَ: الأبْلَغُ أنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلى (نَعْبُدُ) فَيَكُونُوا قَدْ أجابُوا بِشَيْئَيْنِ، وهو مِن بابِ الجَوابِ المُرَبّى عَنِ السُّؤالِ
{"ayah":"أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَاۤءَ إِذۡ حَضَرَ یَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِیۖ قَالُوا۟ نَعۡبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ ءَابَاۤىِٕكَ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدࣰا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق