الباحث القرآني
القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى:
[١٣٣ ] ﴿أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ إذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وإلَهَ آبائِكَ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ إلَهًا واحِدًا ونَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾
﴿أمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ المَوْتُ﴾ أيْ ما كُنْتُمْ حاضِرِينَ حِينَئِذٍ، فَـ "أمْ" مُنْقَطِعَةٌ مُقَدَّرَةٌ بِـ "بَلْ"، والهَمْزَةِ، وفي الهَمْزَةِ الإنْكارُ المُفِيدُ لِلتَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ. والشُّهَداءُ جَمْعُ شَهِيدٍ أوْ شاهِدٍ بِمَعْنى الحاضِرِ، وحُضُورُ المَوْتِ حُضُورُ مُقَدِّماتِهِ "إذْ قالَ" أيْ يَعْقُوبُ (p-٢٦٧)"لِبَنِيهِ" وهم: رَأُوبَيْنُ، وشِمْعُونُ، ولاوِي، ويَهُوذا، ويَسّاكَرُ، وزَبُولُونُ، ويُوسُفُ، وبَنْيامِينُ، ودانُ، ونَفْتالِي، وجادُ، وأشِيرُ، وهُمُ الأسْباطُ الآتِي ذِكْرُهم "ما تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي" أيْ أيَّ شَيْءٍ تَعْبُدُونَهُ بَعْدَ مَوْتِي، وأرادَ بِسُؤالِهِ تَقْرِيرَهم عَلى التَّوْحِيدِ والإسْلامِ، وأخَذَ مِيثاقَهم عَلى الثَّباتِ عَلَيْهِما: ﴿قالُوا نَعْبُدُ إلَهَكَ وإلَهَ آبائِكَ إبْراهِيمَ وإسْماعِيلَ وإسْحاقَ﴾ عَطْفُ بَيانٍ لِآبائِكَ، وجَعَلَ إسْماعِيلَ وهو عَمُّهُ مِن جُمْلَةِ آبائِهِ. لِأنَّ العَمَّ أبٌ والخالَةَ أُمٌّ، لِانْخِراطِهِما في سِلْكٍ واحِدٍ، وهو الأُخُوَّةُ، لا تَفاوُتَ بَيْنَهُما، ومِنهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ، رَفَعَهُ ««عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أبِيهِ»» أيْ لا تَفاوُتَ بَيْنَهُما، كَما لا تَفاوُتَ بَيْنَ صِنْوَيِ النَّخْلَةِ. وفي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ البَراءِ، رَفَعَهُ: ««الخالَةُ بِمَنزِلَةِ الأُمِّ»»؛ ورَوى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مُرْسَلًا: ««الخالَةُ والِدَةٌ»» .
(p-٢٦٨)"إلَهًا واحِدًا" بَدَلٌ مِن إلَهِ آبائِكَ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿بِالنّاصِيَةِ﴾ [العلق: ١٥] ﴿ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ﴾ [العلق: ١٦] أوْ عَلى الِاخْتِصاصِ، أيْ نُرِيدُ بِإلَهِ آبائِكَ إلَهًا واحِدًا، وفي ذَلِكَ تَحْقِيقٌ لِلْبَراءَةِ مِنَ الشِّرْكِ، لِلتَّصْرِيحِ بِالتَّوْحِيدِ. ثُمَّ أخْبَرُوا بَعْدَ تَوْحِيدِهِمْ بِإخْلاصِهِمْ في عِبادَتِهِمْ، بِقَوْلِهِمْ "ونَحْنُ لَهُ" أيْ وحْدَهُ لا لِأبٍ ولا غَيْرِهِ "مُسْلِمُونَ" أيْ مُطِيعُونَ خاضِعُونَ، كَما قالَ تَعالى: ﴿ولَهُ أسْلَمَ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا﴾ [آل عمران: ٨٣] والإسْلامُ هو مِلَّةُ الأنْبِياءِ قاطِبَةً، وإنْ تَنَوَّعَتْ شَرائِعُهم، واخْتَلَفَتْ مَناهِجُهم، كَما قالَ تَعالى: ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ إلا نُوحِي إلَيْهِ أنَّهُ لا إلَهَ إلا أنا فاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٢٥] والآياتُ في هَذا كَثِيرَةٌ، والأحادِيثُ. ومِنها قَوْلُهُ ﷺ: ««نَحْنُ مَعاشِرَ الأنْبِياءِ أوْلادُ عِلّاتٍ، دِينُنا واحِدٌ»» وقَدِ اشْتَمَلَ نَبَأُ وصِيَّةِ إبْراهِيمَ ويَعْقُوبَ عَلَيْهِما السَّلامُ لِبَنِيهِما عَلى دَقائِقَ مُرَغِّبَةٍ في الدِّينِ. مِنها أنَّهُ تَعالى لَمْ يَقُلْ: «وأمَرَ إبْراهِيمُ بَنِيهِ» بَلْ قالَ "وصّاهُمْ" . ولَفْظُ الوَصِيَّةِ أوْكَدُ مِنَ الأمْرِ، لِأنَّ الوَصِيَّةَ عِنْدَ الخَوْفِ مِنَ المَوْتِ، وفي ذَلِكَ الوَقْتِ يَكُونُ احْتِياطُ الإنْسانِ لِدِينِهِ أشَدَّ وأتَمَّ، فَدَلَّ عَلى الِاهْتِمامِ بِالوَصِيِّ بِهِ، والتَّمَسُّكِ بِهِ.
ومِنها تَخْصِيصُ بَنِيهِما بِذَلِكَ، وذَلِكَ لِأنَّ شَفَقَةَ الرَّجُلِ عَلى أبْنائِهِ أكْثَرُ مِن شَفَقَتِهِ عَلى غَيْرِهِمْ، فَلَمّا خَصّاهم بِذَلِكَ في آخِرِ عُمْرِهِما عَلِمْنا أنَّ اهْتِمامَهُما (p-٢٦٩)بِذَلِكَ كانَ أشَدَّ مِنِ اهْتِمامِهِما بِغَيْرِهِ.
ومِنها أنَّهُما، عَلَيْهِما السَّلامُ، ما مَزَجا بِهَذِهِ الوَصِيَّةِ وصِيَّةً أُخْرى، وهَذا يَدُلُّ عَلى شِدَّةِ الِاهْتِمامِ أيْضًا. إلى دَقائِقَ أُخْرى أشارَ إلَيْها الفَخْرُ، عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ.
{"ayah":"أَمۡ كُنتُمۡ شُهَدَاۤءَ إِذۡ حَضَرَ یَعۡقُوبَ ٱلۡمَوۡتُ إِذۡ قَالَ لِبَنِیهِ مَا تَعۡبُدُونَ مِنۢ بَعۡدِیۖ قَالُوا۟ نَعۡبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ ءَابَاۤىِٕكَ إِبۡرَ ٰهِـۧمَ وَإِسۡمَـٰعِیلَ وَإِسۡحَـٰقَ إِلَـٰهࣰا وَ ٰحِدࣰا وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق