الباحث القرآني
قال الله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ ﴿قُلِ﴾ يا محمد: الله أعلم بما لبثوا، وهذه الجملة تؤيد قول من يقول: إن قوله: ﴿وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ﴾ من قول الذين يتحدثون عن لبث أهل الكهف في كهفهم وهم اليهود الذين يدعون أن التوراة تدل على هذا، وعليه؛ على هذا القول يكون قوله: ﴿وَلَبِثُوا﴾ مقولًا لقول محذوف والتقدير: وقالوا: لبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين، ثم قال: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾، لكن هذا القول وإن قاله بعض المفسرين فالصواب خلافه، وأن قوله: ﴿وَلَبِثُوا﴾ من قول من؟
* طالب: من كلام الله.
* الشيخ: من قول الله، ويكون قوله: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ من باب التوكيد؛ أي: توكيد الجملة أنهم لبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين، والمعنى قل: الله أعلم بما لبثوا، وقد أعلمنا أنهم لبثوا كم؟ ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعًا.
قال الله عز وجل: ﴿لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي: له ما غاب في السماوات والأرض، أو له علم غيب السماوات والأرض، وكلا الأمرين حق، و(السماوات) جمع (سماء)، وهي سبعة كما هو معروف، والأرض هي أيضًا سبع أرضين، فلا يعلم الغيب؛ غيب السماء والأرض إلا الله؛ ولهذا من ادعى علم الغيب فهو كاذب، والمراد بالغيب المستقبل.
وأما الموجود أو الماضي فمن ادعى علمه فليس بكافر؛ لأن هذا الشيء قد حصل وعلمه من علمه من الناس، لكن غيب المستقبل لا يكون إلا لله عز وجل؛ ولهذا من أتى كاهنًا يخبره عن المستقبل وصدقه فهو كافر بالله عز وجل؛ لأنه مكذب لقوله تعالى: ﴿قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ﴾ [النمل ٦٥].
أما ما كان واقعًا، فمن المعلوم أن ما كان واقعًا هو غيب بالنسبة لقوم وشهادة بالنسبة لآخرين، الآن ما في الشارع هو بالنسبة لنا غيب، بالنسبة لمن يشاهد هناك شهادة، ﴿لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾.
﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ هذا يسميه النحويون فعل تعجب، فـ(أبصر) بمعنى ما أبصره، و(أسمع) بمعنى ما أسمعه، وهو غاية ما يكون من علو هذين الوصفين؛ البصر والسمع، فالله تبارك وتعالى يبصر كل شيء، يبصر دبيب النمل على الصفاة السوداء في ظلمة الليل، يبصر ما لا تدركه أعين الناس مما هو أخفى وأدق، كذلك في السمع يسمع كل شيء، يعلم السر وأخفى من السر، ويعلم الجهر، ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه ٧].
تقول عائشة رضي الله عنها في قصة المجادلة التي ظاهر منها زوجها وجاءت تشتكي إلى الرسول ﷺ، وكانت عائشة في الحجرة، والحجرة صغيرة كما هو معروف، وكان الرسول ﷺ يحاور المرأة، وعائشة يخفى عليها بعض حديثها، والله عز وجل يقول: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ [المجادلة ١]، تقول: «الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، إني لفي الحجرة وإنه ليخفى عليَّ بعض حديثها، والله عز وجل فوق كل شيء، ومع ذلك سمع قولها ومحاورتها للرسول ﷺ»[[أخرجه النسائي (٣٤٦٠)، وابن ماجه (١٨٨) من حديث عائشة.]].
وفي الإيمان بأن الله تعالى ذو بصر نافذ لا يغيب عنه شيء، وذو سمع ثاقب لا يخفى عليه شيء، في الإيمان بذلك ما يقتضي للإنسان ألَّا يري ربه ما يكرهه الله، ولا يسمعه ما يكرهه الله؛ لأنك إذا آمنت بأن الله إن عملت أي عمل رآك، إن قلت أي قول سمعك، فهذا يوجب أن تخشى الله عز وجل، وألَّا تفعل فعلًا يكرهه الله، ولا تقول قولًا يكرهه الله عز وجل، لكن الإيمان ضعيف، فتجد الإنسان عندما يريد أن يقول أو أن يفعل لا يخطر بباله أن الله يسمع أو يرى إلا إذا نبه، الغفلة كثيرة، فيجب علينا جميعًا أن ننتبه لهذه النقطة العظيمة.
قال: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ ﴿مَا لَهُمْ﴾ هل الضمير يعود على أصحاب الكهف أو على من في السماوات والأرض؟ الثاني هو المتعين؛ يعني: ليس لأحد ولي من دون الله، حتى الكفار وليهم الله عز وجل، وحتى المؤمنون وليهم الله عز وجل، قال الله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (٦١) ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ﴾ [الأنعام ٦١، ٦٢]، فالله ولي لكل أحد، وهذه هي الولاية العامة، أليس الله تعالى يرزق الكافرين، وينمي أجسامهم، وييسر لهم ما في السماوات والأرض، وسخر الشمس والقمر والنجوم والأمطار، وكذلك الأرض؟ هذه ولاية، ويتولى المؤمنين أيضًا، لكن هذه ولاية عامة.
الولاية الخاصة للمؤمنين، قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ [البقرة ٢٥٧]، الولاية الخاصة تستلزم عناية خاصة، اللهم اجعلنا من أوليائك، تستلزم ولاية خاصة أن الله تعالى يسدد العبد، يفتح له أبواب العلم النافع والعمل الصالح؛ ولهذا قال: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ بماذا يخرجهم؟ بالعلم، فيعلمهم أولًا، ويخرجهم ثانيًا.
إذن ﴿مَا لَهُمْ﴾ أي: ما لأهل السماوات والأرض، ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ أي: من سواه، ﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ أي: يتولى أمورهم ويدبِّرها، إعراب الجملة هذه: أن ﴿مَا﴾ نافية، و﴿لَهُمْ﴾ خبر مقدم، و﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ مبتدأ مؤخر دخلت عليها؛ على هذه الكلمة حرف الجر الزائد؛ لأنك لو حذفت (من) وقلت: ما لهم من دونه ولي لاستقام الكلام، لكن جاءت (مِن) من أجل التوكيد والتنصيص على العموم؛ يعني: لا يمكن أن يوجد لأهل السماوات والأرض ولي سوى الله عز وجل.
﴿وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ لا يشرك أحدًا في حكمه، ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا﴾ لمن؟ ﴿لِلَّهِ﴾ [الأنعام ٥٧]، ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ [الشورى ١٠]، والحكم كوني وشرعي؛ الخلق والتقدير وتدبير هذه الخلائق العظيمة، هذا كوني، والحكم بين الناس بالأوامر والنواهي، هذا شرعي.
فهل المراد بقوله: ﴿وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ الأمران أو أحدهما؟ المراد الأمران، لا أحد يشرك الله عز وجل في حكمه لا الكوني ولا الشرعي.
* وفيه: دليل على وجوب الرجوع إلى حكم الله الشرعي، وأنه ليس لنا أن نشرع في دين الله ما ليس منه؛ لا في العبادات ولا في المعاملات.
وأما من قال من أهل العلم: إنه لنا أن نشرع في المعاملات ما يناسب الوقت، فهذا قول باطل؛ لأنه على قولهم لنا أن نجوز الربا، وأن نجوز الميسر، وأن نجوز كل ما فيه الكسب ولو كان محرمًا، ولا شك أن هذا قول باطل، فالشرع صالح لكل زمان ومكان، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.
الحكم الكوني هل أحد يشرك الله فيه؟ أبدًا، ولا أحد يدعي هذا، هل يستطيع أحد أن ينزل الغيث؟ لا، هل يستطيع أحد أن ينبت الأرض؟ لا، الحكم الكوني لا أحد يدعي الشركة فيه، الحكم الشرعي هو الذي محل اختلاف البشر، ودعوى بعضهم أن لهم أن يشرعوا للناس ما يرون أنه مناسبًا.
{"ayah":"قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُوا۟ۖ لَهُۥ غَیۡبُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِیࣲّ وَلَا یُشۡرِكُ فِی حُكۡمِهِۦۤ أَحَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق