الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَبِثُوا في كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ: ( ثَلاثَمِائَةٍ سِنِينَ ) مَنَوَّنًا. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: ( ثَلاثَمِائَةِ سِنِينَ ) مُضافًا غَيْرَ مُنَوَّنٍ. قالَ أبُو عَلِيٍّ: العَدَدُ المُضافُ إلى الآَحادِ قَدْ جاءَ مُضافًا إلى الجَمِيعِ، قالَ الشّاعِرُ: ؎ وما زَوَّدُونِي غَيْرَ سَحْقِ عِمامَةٍ وخَمْسَمْئِ مِنها قِسِيٌّ وزائِفُ وَفِي هَذا الكَلامِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ حِكايَةٌ عَمّا قالَ النّاسُ في حَقِّهِمْ، ولَيْسَ بِمِقْدارِ لُبْثِهِمْ، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، واسْتَدَلَّ عَلَيْهِ فَقالَ: لَوْ كانُوا لَبِثُوا ذَلِكَ، لَما قالَ: ﴿اللَّهُ أعْلَمُ بِما لَبِثُوا﴾، وكَذَلِكَ قالَ قَتادَةُ، وهَذا قَوْلُ أهْلِ الكِتابِ. والثّانِي: أنَّهُ مِقْدارُ ما لَبِثُوا، قالَهُ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، ومُجاهِدٌ، والضَّحّاكُ، وابْنُ زَيْدٍ، والمَعْنى: لَبِثُوا هَذا القَدْرَ مِن يَوْمٍ دَخَلُوهُ إلى أنْ بَعَثَهُمُ اللَّهُ وأطْلَعَ الخَلْقَ عَلَيْهِمْ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سِنِينَ﴾ قالَ الفَرّاءُ، وأبُو عُبَيْدَةَ، والكِسائِيُّ، والزَّجّاجُ: التَّقْدِيرُ: سِنِينَ ثَلاثَمِائَةٍ. وقالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: المَعْنى: أنَّها لَمْ تَكُنْ شُهُورًا ولا أيّامًا، وإنَّما كانَتْ سِنِينَ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ: " سِنِينَ " بَدَلٌ من قَوْلِهِ: ﴿ثَلاثَ مِائَةٍ﴾ . قالَ الضَّحّاكُ: نَزَلَتْ: ﴿وَلَبِثُوا في كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ﴾ فَقالُوا: أيّامًا، أوْ شُهُورًا، أوْ سِنِينَ ؟ فَنَزَلَتْ: " سِنِينَ "؛ فَلِذَلِكَ قالَ: " سِنِينَ "، ولَمْ يَقُلْ: سَنَةً. (p-١٣١) قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وازْدادُوا تِسْعًا﴾ يَعْنِي: تِسْعَ سِنِينَ، فاسْتَغْنى عَنْ ذِكْرِ السِّنِينَ بِما تَقَدَّمَ مِن ذِكْرِها، ثُمَّ أعْلَمَ أنَّهُ أعْلَمُ بِقَدْرِ مُدَّةً لُبْثِهِمْ مِن أهْلِ الكِتابِ المُخْتَلِفِينَ فِيها، فَقالَ: ﴿قُلِ اللَّهُ أعْلَمُ بِما لَبِثُوا﴾ . قالَ ابْنُ السّائِبِ: قالَتْ نَصارى نَجْرانَ: أمّا الثَّلاثَمِائَةٍ فَقَدْ عَرَفْناها، وأمّا التِّسْعُ فَلا عِلْمَ لَنا بِها، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعالى: " ﴿قُلِ اللَّهُ أعْلَمُ بِما لَبِثُوا "﴾ . وقِيلَ: إنَّ أهْلَ الكِتابِ قالُوا: إنَّ لِلْفِتْيَةِ مُنْذُ دَخَلُوا الكَهْفَ إلى يَوْمِنا هَذا ثَلاثَمِائَةٍ وتِسْعِ سِنِينَ، فَرَدَّ اللَّهُ تَعالى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، وقالَ: ﴿ قُلِ اللَّهُ أعْلَمُ بِما لَبِثُوا ﴾ بَعْدَ أنْ قَبَضَ أرْواحَهم إلى يَوْمِكم هَذا، لا يَعْلَمُ ذَلِكَ غَيْرُ اللَّهِ. وقِيلَ: إنَّما زادَ التِّسْعَ؛ لِأنَّهُ تَفاوُتٌ ما بَيْنَ السِّنِينَ الشَّمْسِيَّةِ والسِّنِينَ القَمَرِيَّةِ، حَكاهُ الماوَرْدِيُّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أبْصِرْ بِهِ وأسْمِعْ﴾ فِيهِ قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ عَلى مَذْهَبِ التَّعَجُّبِ، فالمَعْنى: ما أسْمَعَ اللَّهُ بِهِ وأبْصَرَ؛ أيْ: هو عالِمٌ بِقِصَّةِ أصْحابِ الكَهْفِ وغَيْرِهِمْ، هَذا قَوْلُ الزَّجّاجِ، وذَكَرَ أنَّهُ إجْماعُ العُلَماءِ. والثّانِي: أنَّهُ في مَعْنى الأمْرِ، فالمَعْنى: أبْصِرْ بِدِينِ اللَّهِ وأسْمِعْ؛ أيْ: أبْصِرْ بِهُدى اللَّهِ وأسْمِعْ، فَتَرْجِعُ الهاءُ إمّا عَلى الهُدى، وإمّا عَلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿ما لَهم مِن دُونِهِ﴾؛ أيْ: لَيْسَ لِأهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ مِن دُونِ اللَّهِ مِن ناصِرٍ، ﴿وَلا يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أحَدًا﴾ ولا يَجُوزُ أنْ يَحْكُمَ حاكِمٌ بِغَيْرِ ما حَكَمَ بِهِ، ولَيْسَ لِأحَدٍ أنْ يَحْكُمَ مِن ذاتِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ شَرِيكًا لِلَّهِ عَزَّ وجَلَّ في حُكْمِهِ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: ( ولا تُشْرِكْ ) جَزْمًا بِالتّاءِ، والمَعْنى: لا تُشْرِكْ أيُّها الإنْسانُ.(p-١٣٢)
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب