الباحث القرآني
(p-١١٢)﴿وكَذَلِكَ أعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وأنَّ السّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهم أمْرَهم فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيانًا رَبُّهم أعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: ٢١] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهم كَلْبُهم ويَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهم كَلْبُهم رَجْمًا بِالغَيْبِ ويَقُولُونَ سَبْعَةٌ وثامِنُهم كَلْبُهم قُلْ رَبِّي أعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهم إلّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إلّا مِراءً ظاهِرًا ولا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنهم أحَدًا﴾ [الكهف: ٢٢] ﴿ولا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ واذْكُرْ رَبَّكَ إذا نَسِيتَ وقُلْ عَسى أنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأقْرَبَ مِن هَذا رَشَدًا﴾ [الكهف: ٢٣] .
قَبْلَ هَذا الكَلامِ جُمَلٌ مَحْذُوفَةٌ، التَّقْدِيرُ فَبَعَثُوا أحَدَهم ونَظَرَ أيُّها أزْكى طَعامًا وتَلَطَّفَ، ولَمْ يُشْعِرْ بِهِمْ أحَدًا، فَأطْلَعُ اللَّهُ أهْلَ المَدِينَةِ عَلى حالِهِمْ، وقِصَّةُ ذَهابِهِ إلى المَدِينَةِ وما جَرى لَهُ مَعَ أهْلِها، وحَمْلِهِ إلى المَلِكِ وادِّعائِهِمْ عَلَيْهِ أنَّهُ أصابَ كَثِيرًا مِن كُنُوزِ الأقْدَمِينَ، وحَمْلِ المَلِكِ ومَن ذَهَبَ مَعَهُ إلَيْهِمْ مَذْكُورٌ في التَّفاسِيرِ ذَلِكَ بِأطْوَلِ مِمّا جَرى، واللَّهُ أعْلَمُ بِتَفاصِيلِ ذَلِكَ، ويُقالُ: عَثَرْتُ عَلى الأمْرِ إذا اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ وأعْثَرَنِي غَيْرِي إذا أطْلَعَنِي عَلَيْهِ، وتَقَدَّمَ الكَلامُ عَلى هَذِهِ المادَّةِ في قَوْلِهِ: ﴿فَإنْ عُثِرَ عَلى أنَّهُما اسْتَحَقّا إثْمًا﴾ [المائدة: ١٠٧] ومَفْعُولُ (أعْثَرْنا) مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ ﴿أعْثَرْنا عَلَيْهِمْ﴾ [الكهف: ٢١] أهْلَ مَدِينَتِهِمْ، والكافُ في (وكَذَلِكَ) لِلتَّشْبِيهِ، والتَّقْدِيرُ وكَما أنَمْناهم بَعَثْناهم لِما في ذَلِكَ مِنَ الحِكْمَةِ أطْلَعَنا عَلَيْهِمْ، والضَّمِيرُ في (لِيَعْلَمُوا) عائِدٌ عَلى مَفْعُولِ (أعْثَرْنا) وإلَيْهِ ذَهَبَ الطَّبَرِيُّ.
و﴿وعْدَ اللَّهِ﴾ [الكهف: ٢١] هو البَعْثُ؛ لِأنَّ حالَتَهم في نَوْمِهِمْ وانْتِباهَتِهِمْ بَعْدَ المُدَّةِ المُتَطاوِلَةِ كَحالِ مَن يَمُوتُ، ثُمَّ يُبْعَثُ و﴿لا رَيْبَ﴾ [الكهف: ٢١] فِيها أيْ: لا شَكَّ ولا ارْتِيابَ في قِيامِها والمُجازاةِ فِيها، وكانَ الَّذِينَ أُعْثِرُوا عَلى أهْلِ الكَهْفِ قَدْ دَخَلَتْهم فِتْنَةٌ في أمْرِ الحَشْرِ وبَعْثِ الأجْسادِ مِنَ القُبُورِ، فَشَكَّ في ذَلِكَ بَعْضُ النّاسِ واسْتَبْعَدُوهُ، وقالُوا: تُحْشَرُ الأرْواحُ فَشَقَّ عَلى مَلِكِهِمْ وبَقِيَ حَيْرانُ لا يَدْرِي كَيْفَ يُبَيِّنُ أمْرَهُ لَهم، حَتّى لَبِسَ المُسُوحَ وقَعَدَ عَلى الرَّمادِ، وتَضَرَّعَ إلى اللَّهِ في حُجَّةٍ وبَيانٍ، فَأعْثَرَ اللَّهُ عَلى أهْلِ الكَهْفِ، فَلَمّا بَعَثَهُمُ اللَّهُ تَعالى، وتَبَيَّنَ النّاسُ أمْرَهم سُرَّ المَلِكُ ورَجَعَ مَن كانَ شَكَّ في أمْرِ بَعْثِ الأجْسادِ إلى اليَقِينِ، وإلى هَذا وقَعْتِ الإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ﴿إذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهم أمْرَهُمْ﴾ [الكهف: ٢١] و(إذْ) مَعْمُولَةٌ لَأعْثَرْنا (p-١١٣)أوْ (لِيَعْلَمُوا) . وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ في و﴿لِيَعْلَمُوا﴾ [الكهف: ٢١] عَلى أصْحابِ الكَهْفِ، أيْ: جَعَلَ اللَّهُ أمْرَهم آيَةً لَهم دالَّةً عَلى بَعْثِ الأجْسادِ مِنَ القُبُورِ. وقَوْلُهُ: ﴿إذْ يَتَنازَعُونَ﴾ [الكهف: ٢١] عَلى هَذا القَوْلِ ابْتِداءُ خَبَرٍ عَنِ القَوْمِ الَّذِينَ بُعِثُوا عَلى عَهْدِهِمْ، والتَّنازُعُ إذْ ذاكَ في أمْرِ البِناءِ والمَسْجِدِ لا في أمْرِ القِيامَةِ.
وقِيلَ: التَّنازُعُ إنَّما هو في أنِ اطَّلَعُوا عَلَيْهِمْ. فَقالَ بَعْضٌ: هم أمْواتٌ، وقالَ بَعْضٌ: هم أحْياءٌ. ورُوِيَ أنَّ المَلِكَ وأهْلَ المَدِينَةِ انْطَلَقُوا مَعَ تَمْلِيخا إلى الكَهْفِ وأبْصَرُوهم، ثُمَّ قالَتِ الفِتْيَةُ لِلْمَلِكِ: نَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ ونُعِيذُكَ بِهِ مِن شَرِّ الجِنِّ والإنْسِ، ثُمَّ رَجَعُوا إلى مَضاجِعِهِمْ، وتَوَفّى اللَّهُ أنْفُسَهم، وألْقى المَلِكُ عَلَيْهِمْ ثِيابَهُ، وأمَرَ فَجُعِلَ لِكُلِّ واحِدٍ تابُوتٌ مِن ذَهَبٍ، فَرَآهم في المَنامِ كارِهِينَ لِلذَّهَبِ فَجَعَلَها مِنَ السّاجِ، وبُنِيَ عَلى بابِ الكَهْفِ. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿رَبُّهم أعْلَمُ بِهِمْ﴾ [الكهف: ٢١] مِن كَلامِ المُتَنازِعِينَ داخِلٌ تَحْتَ القَوْلِ أيْ: أمَرُوا بِالبِناءِ وأخْبَرُوا بِمَضْمُونِ هَذِهِ الجُمْلَةِ، كَأنَّهم تَذاكَرُوا أمْرَهم وتَناقَلُوا الكَلامَ في أنْسابِهِمْ وأحْوالِهِمْ، ومُدَّةِ لُبْثِهِمْ، فَلَمّا لَمْ يَهْتَدُوا إلى حَقِيقَةِ ذَلِكَ قالُوا: ﴿رَبُّهم أعْلَمُ بِهِمْ﴾ [الكهف: ٢١] . وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن كَلامِ اللَّهِ تَعالى رَدُّ القَوْلِ الخائِضِينَ في حَدِيثِهِمْ مِن أُولَئِكَ المُتَنازِعِينَ، أوْ مِنَ الَّذِينَ تَنازَعُوا فِيهِ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِن أهْلِ الكِتابِ، والَّذِينَ غُلِبُوا. قالَ قَتادَةُ: هُمُ الوُلاةُ. رُوِيَ أنَّ طائِفَةً ذَهَبَتْ إلى أنْ يَطْمِسَ الكَهْفَ عَلَيْهِمْ ويُتْرَكُوا فِيهِ مُغَيَّبِينَ، وقالَتِ الطّائِفَةُ الغالِبَةُ: ﴿لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: ٢١] فاتَّخَذُوهُ.
ورُوِيَ أنَّ الَّتِي دَعَتْ إلى البُنْيانِ كانَتْ كافِرَةً أرادَتْ بِناءَ بِيعَةٍ أوْ مَصْنَعٍ لِكُفْرِهِمْ فَمانَعَهُمُ المُؤْمِنُونَ، وبَنَوْا عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا. وقَرَأ الحَسَنُ وعِيسى الثَّقَفِيُّ: (غُلِبُوا) بِضَمِّ الغَيْنِ وكَسْرِ اللّامِ، والمَعْنى أنَّ الطّائِفَةَ الَّتِي أرادَتِ المَسْجِدَ كانَتْ تُرِيدُ أنْ لا يُبْنى عَلَيْهِمْ شَيْءٌ، ولا يَعْرِضُ لِمَوْضِعِهِمْ، ورُوِيَ أنَّ طائِفَةً أُخْرى مُؤْمِنَةً أرادَتْ أنْ لا يُطْمَسَ الكَهْفُ، فَلَمّا غُلِبَتِ الأُولى عَلى أنْ يَكُونَ بُنْيانٌ ولا بُدَّ قالَتْ يَكُونُ (مَسْجِدًا) فَكانَ. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّ اللَّهَ عَمّى عَلى النّاسِ أمْرَهم وحَجَبَهم عَنْهُ، فَذَلِكَ دُعاءٌ إلى بِناءِ البُنْيانِ لِيَكُونَ مَعْلَمًا لَهم.
والظّاهِرُ أنَّ الضَّمِيرَ في (سَيَقُولُونَ) عائِدٌ عَلى مَن تَقَدَّمَ ذِكْرُهم، وهُمُ المُتَنازِعُونَ في حَدِيثِهِمْ قَبْلَ ظُهُورِهِمْ عَلَيْهِمْ، فَأخْبَرَ تَعالى نَبِيَّهُ بِما كانَ مِنَ اخْتِلافِ قَوْمِهِمْ في عَدَدِهِمْ، وكَوْنُ الضَّمِيرِ عائِدًا عَلى ما قُلْنا ذَكَرَهُ الماوَرْدِيُّ. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى نَصارى نَجْرانَ تَناظَرُوا مَعَ الرَّسُولِ ﷺ في عَدَدِهِمْ. فَقالَتِ المَلْكانِيَّةُ الجُمْلَةَ الأُولى، واليَعْقُوبِيَّةُ الجُمْلَةَ الثّانِيَةَ، والنَّسْطُورِيَّةُ الجُمْلَةَ الثّالِثَةَ، وهَذا يُرْوى عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. وفي الكَشّافِ أنَّ السَّيِّدَ قالَ الجُمْلَةَ الأُولى وكانَ يَعْقُوبِيًّا، والعاقِبُ قالَ الثّانِيَةَ وكانَ نَسْطُورِيًّا، والمُسْلِمُونَ قالُوا الثّالِثَةَ وأصابُوا، وعَرَفُوا ذَلِكَ بِإخْبارِ الرَّسُولِ عَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَتَكُونُ الضَّمائِرُ في (سَيَقُولُونَ) (ويَقُولُونَ) عائِدًا بَعْضُها عَلى نَصارى نَجْرانَ، وبَعْضُها عَلى المُؤْمِنِينَ. وعَنْ عَلِيٍّ هم سَبْعَةُ نَفَرٍ أسْماؤُهم تَمْلِيخا، ومَكْشَلْبِينا ومَشَلْبِينا هَؤُلاءِ أصْحابُ يَمِينِ المَلِكِ، وكانَ عَنْ يَسارِهِ مَرْنُوشُ، ودَبَرْنُوشُ، وشاذَنُوشُ وكانَ يَسْتَثِيرُ هَؤُلاءِ السِّتَّةَ في أمْرِهِ، والسّابِعُ الرّاعِي الَّذِي وافَقَهم، هَرَبُوا مِن مَلِكِهِمْ دِقْيانُوسُ، واسْمُ مَدِينَتِهِمْ أفْسُوسُ، واسْمُ كَلْبِهِمْ قِطْمِيرُ. انْتَهى.
وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ الضَّمِيرُ في قَوْلِهِ: (سَيَقُولُونَ) يُرادُ بِهِ أهْلُ التَّوْراةِ مِن مُعاصِرِي مُحَمَّدٍ ﷺ، وذَلِكَ أنَّهُمُ اخْتَلَفُوا في عَدَدِ أهْلِ الكَهْفِ هَذا الِاخْتِلافُ المَنصُوصُ. انْتَهى. قِيلَ: وجاءَ بِسِينِ الِاسْتِقْبالِ؛ لِأنَّهُ كَأنَّهُ في الكَلامِ طَيٌّ وإدْماجٌ، والتَّقْدِيرُ فَإذا أجَبْتَهم عَنْ سُؤالِهِمْ وقَصَصْتَ عَلَيْهِمْ قِصَّةَ أهْلِ الكَهْفِ، فَسَلْهم عَنْ عَدَدِهِمْ فَإنَّهم إذا سَألْتَهم (سَيَقُولُونَ) . وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ (ثَلاثَّ) بِإدْغامِ الثّاءِ في التّاءِ، وحَسُنَ ذَلِكَ لِقُرْبِ مَخْرِجِهِما وكَوْنِهِما مَهْمُوسَيْنِ؛ لِأنَّ السّاكِنَ الَّذِي قَبْلَ الثّاءِ مِن حُرُوفِ اللِّينِ فَحَسُنَ ذَلِكَ، ويَقُولُونَ لَمْ يَأْتِ بِالسِّينِ فِيهِ (p-١١٤)ولا فِيما بَعْدَهُ؛ لِأنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى المُسْتَقْبَلِ فَدَخَلَ في الِاسْتِقْبالِ، أوْ لِأنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَعْنى الِاسْتِقْبالِ الَّذِي هو صالِحٌ لَهُ. وقَرَأ شِبْلُ بْنُ عَبّادٍ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِفَتْحِ مِيمٍ (خَمْسَةٌ) وهي لُغَةٌ كَعَشَرَةٍ. وقَرَأ ابْنُ مُحَيْصِنٍ بِكَسْرِ الخاءِ والمِيمِ وبِإدْغامِ التّاءِ في السِّينِ، وعَنْهُ أيْضًا إدْغامُ التَّنْوِينِ في السِّينِ بِغَيْرِ غُنَّةٍ.
﴿رَجْمًا بِالغَيْبِ﴾ [الكهف: ٢٢] رَمْيًا بِالشَّيْءِ المُغَيَّبِ عَنْهم أوْ ظَنًّا، اسْتُعِيرَ مِنَ الرَّجْمِ كَأنَّ الإنْسانَ يَرْمِي المَوْضِعَ المَجْهُولَ عِنْدَهُ بِظَنِّهِ المَرَّةَ بَعْدَ المَرَّةِ يَرْجُمُ بِهِ عَسى أنْ يُصِيبَ، ومِنهُ التُّرْجُمانُ وتَرْجَمَةُ الكِتابِ. وقَوْلُ زُهَيْرٍ:
؎وما الحَرْبُ إلّا ما عَلِمْتُمْ وذُقْتُمْ وما هو عَنْها بِالحَدِيثِ المُرَجَّمِ
أيِ: المَظْنُونِ، وأتَتْ هَذِهِ عَقِبَ ما تَقَدَّمَ؛ لِيَدُلَّ عَلى أنَّ قائِلَ تِلْكَ المَقالَتَيْنِ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ عَنْ عِلْمٍ، وإنَّما قالُوا ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ التَّخْمِينِ والحَدْسِ، وجاءَتِ المَقالَةُ الثّالِثَةُ خالِيَةً عَنْ هَذا القَيْدِ مُشْعِرَةً أنَّها هي المَقالَةُ الصّادِقَةُ، كَما تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ. وعَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِما الصَّلاةُ والسَّلامُ. وانْتَصَبَ (رَجْمًا) عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ لِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أيْ: يَرْجُمُونَ بِذَلِكَ، أوْ لِتَضْمِينِ (سَيَقُولُونَ) و(يَقُولُونَ) مَعْنى يَرْجُمُونَ، أوْ لِكَوْنِهِ مَفْعُولًا مِن أجْلِهِ، أيْ: قالُوا ذَلِكَ لِرَمْيِهِمْ بِالخَبَرِ الخَفِيِّ أوْ لِظَنِّهِمْ ذَلِكَ، أيِ: الحامِلُ لَهم عَلى هَذا القَوْلِ هو الرَّجْمُ بِالغَيْبِ.
و(ثَلاثَةٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، والجُمْلَةُ بَعْدَهُ صِفَةٌ أيْ: هم ثَلاثَةُ أشْخاصٍ، وإنَّما قَدَّرْنا أشْخاصًا؛ لِأنَّ (رابِعُهم) اسْمُ فاعِلٍ أُضِيفَ إلى الضَّمِيرِ، والمَعْنى أنَّهُ رَبَّعَهم أيْ: جَعَلَهم أرْبَعَةً، وصَيَّرَهم إلى هَذا العَدَدِ، فَلَوْ قَدَّرَ (ثَلاثَةٌ) رِجالٌ اسْتَحالَ أنْ يَصِيرَ ثَلاثَةُ رِجالٍ أرْبَعَةً؛ لِاخْتِلافِ الجِنْسَيْنِ، والواوُ في (وثامِنُهم) لِلْعَطْفِ عَلى الجُمْلَةِ السّابِقَةِ أيْ يَقُولُونَ هم سَبْعَةٌ وثامِنُهم كَلْبُهم فَأخْبَرُوا أوَّلًا بِسَبْعَةِ رِجالٍ جَزْمًا، ثُمَّ أخْبَرُوا إخْبارًا ثانِيًا أنَّ (ثامِنُهم كَلْبُهم) بِخِلافِ القَوْلَيْنِ السّابِقَيْنِ، فَإنَّ كُلًّا مِنهُما جُمْلَةٌ واحِدَةٌ وصَفَ المُحَدَّثَ عَنْهُ بِصِفَةٍ، ولَمْ يَعْطِفِ الجُمْلَةَ عَلَيْهِ. وذُكِرَ عَنْ أبِي بَكْرِ بْنِ عَيّاشٍ وابْنِ خالَوَيْهِ أنَّها واوُ الثَّمانِيَةِ، وأنَّ قُرَيْشًا إذا تَحَدَّثْتُ تَقُولُ سِتَّةٌ سَبْعَةٌ وثَمانِيَةٌ تِسْعَةٌ فَتُدْخِلُ الواوَ في الثَّمانِيَةِ، وكَوْنُهُما جُمْلَتَيْنِ مَعْطُوفٌ إحْداهُما عَلى الأُخْرى مُؤْذِنٌ بِالتَّثْبِيتِ في الإخْبارِ بِخِلافِ ما تَقَدَّمَ، فَإنَّهم أخْبَرُوا بِشَيْءٍ مَوْصُوفٍ بِشَيْءٍ لَمْ يَتَأخَّرْ عَنِ الإخْبارِ، ولِذَلِكَ جاءَ فِيهِ ﴿رَجْمًا بِالغَيْبِ﴾ [الكهف: ٢٢] ولَمْ يَجِئْ في هاتَيْنِ الجُمْلَتَيْنِ بِشَيْءٍ يَقْدَحُ فِيهِما. وقُرِئَ وثامِنُهم كالِبُهم أيْ: صاحِبُ كَلْبِهِمْ، وزَعَمَ بَعْضُهم أنَّهم ثَمانِيَةُ رِجالٍ، واسْتُدِلَّ بِهَذِهِ القِراءَةِ وأوَّلِ قَوْلِهِ وكَلْبُهم عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيْ: وصاحِبُ كَلْبِهِمْ. وذَهَبَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ إلى أنَّ قَوْلَهُ (وثامِنُهم) لَيْسَ داخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِمْ، بَلْ لِقَوْلِهِمْ هو قَوْلُهُ: ﴿ويَقُولُونَ سَبْعَةٌ﴾ [الكهف: ٢٢] ثُمَّ أخْبَرَ تَعالى بِهَذا عَلى سَبِيلِ الِاسْتِئْنافِ، وإذا كانَ اسْتِئْنافًا مِنَ اللَّهِ دَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّهم ثَمانِيَةٌ بِالكَلْبِ، وأمّا ﴿رابِعُهم كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢] و﴿سادِسُهم كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢] فَهو مِن جُمْلَةِ المَحْكِيِّ مِن قَوْلِهِمْ؛ لِأنَّ كُلًّا مِنَ الجُمْلَتَيْنِ صِفَةٌ، وإلى أنَّ العِدَّةَ ثَمانِيَةٌ بِالكَلْبِ ذَهَبَ الأكْثَرُونَ مِنَ الصَّحابَةِ، والتّابِعِينَ، وأئِمَّةِ التَّفْسِيرِ.
وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإنْ قُلْتَ: فَما هَذِهِ الواوُ الدّاخِلَةُ عَلى الجُمْلَةِ الثّالِثَةِ ولِمَ دَخَلَتْ عَلَيْها دُونَ الأُولَتَيْنِ ؟ قُلْتُ: هي الواوُ الَّتِي تَدْخُلُ عَلى الجُمْلَةِ الواقِعَةِ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ، كَما تَدْخُلَ عَلى الواقِعَةِ حالًا عَنِ المَعْرِفَةِ في نَحْوِ قَوْلِكَ: جاءَنِي رَجُلٌ ومَعَهُ آخَرُ، ومَرَّرْتُ بِزَيْدٍ وفي يَدِهِ سَيْفٌ. ومِنهُ قَوْلُهُ عَزَّ وعَلا: ﴿وما أهْلَكْنا مِن قَرْيَةٍ إلّا ولَها كِتابٌ مَعْلُومٌ﴾ [الحجر: ٤] وفائِدَتُها تَوْكِيدُ لُصُوقِ الصِّفَةِ بِالمَوْصُوفِ، والدَّلالَةُ عَلى اتِّصافِهِ أمْرٌ ثابِتٌ مُسْتَقِرٌّ، وهي الواوُ الَّتِي آذَنَتْ بِأنَّ الَّذِينَ قالُوا ﴿سَبْعَةٌ وثامِنُهم كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢] قالُوهُ عَنْ ثَباتِ عِلْمٍ وطُمَأْنِينَةِ نَفْسِ، ولَمْ يَرْجُمُوا بِالظَّنِّ كَما غَيْرُهُمُ. انْتَهى.
وكَوْنُ الواوِ تَدْخُلُ عَلى الجُمْلَةِ (p-١١٥)الواقِعَةِ صِفَةً دالَّةً عَلى لُصُوقِ الصِّفَةِ بِالمَوْصُوفِ وعَلى ثُبُوتِ اتِّصالِهِ بِها شَيْءٌ لا يَعْرِفُهُ النَّحْوِيُّونَ، بَلْ قَرَّرُوا أنَّهُ لا تَعْطِفُ الصِّفَةَ الَّتِي لَيْسَتْ بِجُمْلَةٍ عَلى صِفَةٍ أُخْرى إلّا إذا اخْتَلَفَتِ المَعانِي، حَتّى يَكُونَ العَطْفُ دالًّا عَلى المُغايَرَةِ، وأمّا إذا لَمْ يَخْتَلِفْ فَلا يَجُوزُ العَطْفُ هَذا في الأسْماءِ المُفْرَدَةِ، وأمّا الجُمَلُ الَّتِي تَقَعُ صِفَةً فَهي أبْعَدُ مِن أنْ يَجُوزَ ذَلِكَ فِيها، وقَدْ رَدُّوا عَلى مَن ذَهَبَ إلى أنَّ قَوْلَ سِيبَوَيْهِ، وأمّا ما جاءَ لِمَعْنًى ولَيْسَ بِاسْمٍ ولا فِعْلٍ هو عَلى أنَّ (ولَيْسَ بِاسْمٍ ولا فِعْلٍ) صِفَةٌ لِقَوْلِهِ لِمَعْنًى، وأنَّ الواوَ دَخَلَتْ في الجُمْلَةِ بِأنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِن كَلامِ العَرَبِ مَرَرْتُ بِرَجُلٍ ويَأْكُلُ عَلى تَقْدِيرِ الصِّفَةِ. وأمّا قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلّا ولَها﴾ [الحجر: ٤] فالجُمْلَةُ حالِيَّةٌ ويَكْفِي رَدًّا لِقَوْلِ الزَّمَخْشَرِيِّ: أنّا لا نَعْلَمُ أحَدًا مِن عُلَماءِ النَّحْوِ ذَهَبَ إلى ذَلِكَ، ولَمّا أخْبَرَ تَعالى عَنْ مَقالَتِهِمْ واضْطِرابِهِمْ في عَدَدِهِمْ أمَرَهُ تَعالى أنْ يَقُولَ: ﴿قُلْ رَبِّي أعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ [الكهف: ٢٢] أيْ: لا يُخْبِرُ بِعَدَدِهِمْ إلّا مَن يَعْلَمُهم حَقِيقَةً وهو اللَّهُ تَعالى ﴿ما يَعْلَمُهم إلّا قَلِيلٌ﴾ [الكهف: ٢٢] والمُثْبَتُ في حَقِّ اللَّهِ تَعالى هو الأعْلَمِيَّةُ وفي حَقِّ القَلِيلِ العالَمِيَّةُ فَلا تَعارُضَ. قِيلَ: مِنَ المَلائِكَةِ، وقِيلَ: مِنَ العُلَماءِ وعِلْمُ القَلِيلِ لا يَكُونُ إلّا بِإعْلامِ اللَّهِ.
وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أنا مِنَ القَلِيلِ، ثُمَّ نَهاهُ تَعالى عَنِ الجِدالِ فِيهِمْ أيْ: في عِدَّتِهِمْ والمِراءِ وسَمّى مُراجَعَتَهُ لَهم (مِراءً) عَلى سَبِيلِ المُقابَلَةِ لِمُماراةِ أهْلِ الكِتابِ لَهُ في ذَلِكَ، وقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ ظاهِرًا أيْ: غَيْرُ مُتَعَمِّقٍ فِيهِ وهو أنْ تَقُصَّ عَلَيْهِمْ ما أُوحِيَ إلَيْكَ فَحَسْبُ مِن غَيْرِ تَجْهِيلٍ ولا تَعْنِيفٍ، كَما قالَ: ﴿وجادِلْهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥] . وقالَ ابْنُ زَيْدٍ: ﴿مِراءً ظاهِرًا﴾ [الكهف: ٢٢] هو قَوْلُكَ لَهم لَيْسَ كَما تَعْلَمُونَ. وحَكى الماوَرْدِيُّ إلّا بِحُجَّةٍ ظاهِرَةٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: إلّا جِدالَ مُتَيَقِّنٍ عالِمٍ بِحَقِيقَةِ الخَبَرِ، واللَّهُ تَعالى ألْقى إلَيْكَ ما لا يَشُوبُهُ باطِلٌ. وقالَ ابْنُ بَحْرٍ: (ظاهِرًا) يَشْهَدُهُ النّاسُ. وقالَ التَّبْرِيزِيُّ: (ظاهِرًا) ذاهِبًا بِحُجَّةِ الخَصْمِ، وأنْشَدَ:
؎وتِلْكَ شَكاةٌ ظاهِرٌ عَنْكَ عارُها
أيْ: ذاهِبٌ، ثُمَّ نَهاهُ أنْ يَسْألَ أحَدًا مِن أهْلِ الكِتابِ عَنْ قِصَّتِهِمْ لا سُؤالَ مُتَعَنِّتٍ؛ لِأنَّهُ خِلافُ ما أمَرْتُ بِهِ مِنَ الجِدالِ بِالَّتِي هي أحْسَنُ، ولا سُؤالَ مُسْتَرْشِدٍ؛ لِأنَّهُ تَعالى قَدْ أرْشَدَكَ بِأنْ أوْحى إلَيْكَ قِصَّتَهم، ثُمَّ نَهاهُ أنْ يُخْبِرَ بِأنَّهُ يَفْعَلُ في الزَّمَنِ المُسْتَقْبَلِ شَيْئًا إلّا ويَقْرِنُ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعالى، وتَقَدَّمَ في سَبَبِ النُّزُولِ أنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلامُ - حِينَ سَألَهُ قُرَيْشٌ عَنْ أهْلِ الكَهْفِ والخَضِرِ والرُّوحِ قالَ: (غَدًا أُخْبِرُكم) . ولَمْ يَقِلْ إنْ شاءَ اللَّهُ، فَتَأخَّرَ عَنْهُ الوَحْيُ مُدَّةً. قِيلَ: خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وقِيلَ: أرْبَعِينَ و﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ اسْتِثْناءٌ لا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلى ظاهِرِهِ؛ لِأنَّهُ يَكُونُ داخِلًا تَحْتَ القَوْلِ، فَيَكُونُ مِنَ المَقُولِ ولا يَنْهاهُ اللَّهُ أنْ يَقُولَ: إنِّي فاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ؛ لِأنَّهُ كَلامٌ صَحِيحٌ في نَفْسِهِ، لا يُمْكِنُ أنْ يَنْهِيَ عَنْهُ، فاحْتِيجَ في تَأْوِيلِ هَذا الظّاهِرِ إلى تَقْدِيرٍ.
فَقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: في الكَلامِ حَذْفٌ يَقْتَضِيهِ الظّاهِرُ ويُحَسِّنُهُ الإيجازُ، تَقْدِيرُهُ إلّا أنْ تَقُولَ: ﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ أوْ إلّا أنْ تَقُولَ: إنْ شاءَ اللَّهُ، فالمَعْنى إلّا أنْ تَذْكُرَ مَشِيئَةَ اللَّهِ فَلَيْسَ ﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ مِنَ القَوْلِ الَّذِي نَهى عَنْهُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِالنَّهْيِ، لا بِقَوْلِهِ: ﴿إنِّي فاعِلٌ﴾ [الكهف: ٢٣] لِأنَّهُ لَوْ قالَ: ﴿إنِّي فاعِلٌ﴾ [الكهف: ٢٣] كَذا ﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ كانَ مَعْناهُ إلّا أنْ تَعْتَرِضَ مَشِيئَةُ اللَّهِ دُونَ فِعْلِهِ، وذَلِكَ ما لا مَدْخَلَ فِيهِ لِلنَّهْيِ، وتَعَلُّقُهُ بِالنَّهْيِ عَلى وجْهَيْنِ:
أحَدُهُما: ولا تَقُولَنَّ ذَلِكَ القَوْلَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ أنْ تَقُولَهُ بِأنَّ ذَلِكَ فِيهِ.
والثّانِي: ولا تَقُولَنَّهُ إلّا بِأنْ يَشاءَ اللَّهُ أيْ: إلّا بِمَشِيئَتِهِ وهو في مَوْضِعِ الحالِ، أيْ: إلّا مُلْتَبِسًا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ قائِلًا إنْ شاءَ اللَّهُ. وفِيهِ وجْهٌ ثالِثٌ، وهو أنْ يَكُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ في مَعْنى كَلِمَةٍ ثانِيَةٍ، كَأنَّهُ قِيلَ: ولا تَقُولَنَّهُ أبَدًا ونَحْوَهُ ﴿وما يَكُونُ لَنا أنْ نَعُودَ فِيها إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا﴾ [الأعراف: ٨٩] لِأنَّ عَوْدَهم في مِلَّتِهِمْ مِمّا لَنْ يَشاءَ اللَّهُ، وهَذا نَهْيُ تَأْدِيبٍ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ حِينَ قالَ: (ائْتُونِي غَدًا أُخْبِرْكم) . ولَمْ يَسْتَثْنِ. انْتَهى.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقالَتْ فِرْقَةٌ: هو اسْتِثْناءٌ مِن قَوْلِهِ: ﴿ولا تَقُولَنَّ﴾ [الكهف: ٢٣] وحَكاهُ الطَّبَرِيُّ، ورَدَّ عَلَيْهِ وهو مِنَ الفَسادِ مِن حَيْثُ كانَ الواجِبُ أنْ لا يُحْكى. انْتَهى. وتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ الزَّمَخْشَرِيِّ: ذَلِكَ عَلى أنْ (p-١١٦)يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالنَّهْيِ، وتَكَلَّمَ المُفَسِّرُونَ في هَذِهِ الآيَةِ في الِاسْتِثْناءِ في اليَمِينِ، ولَيْسَتِ الآيَةُ في الأيْمانِ، والظّاهِرُ أمْرُهُ تَعالى بِذِكْرِ اللَّهِ إذا عَرَضَ لَهُ نِسْيانٌ، ومُتَعَلِّقُ النِّسْيانِ غَيْرُ مُتَعَلِّقِ الذِّكْرِ. فَقِيلَ: التَّقْدِيرُ ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ﴾ إذا تَرَكْتَ بَعْضَ ما أمَرَكَ بِهِ، وقِيلَ: واذْكُرْهُ إذا اعْتَراكَ النِّسْيانُ لِيُذَكِّرَكَ المَنسِيَّ، وقَدْ حَمَلَ قَتادَةُ ذَلِكَ عَلى أداءِ الصَّلاةِ المَنسِيَّةِ عِنْدَ ذِكْرِها. وقِيلَ: ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ﴾ بِالتَّسْبِيحِ والِاسْتِغْفارِ ﴿إذا نَسِيتَ﴾ كَلِمَةُ الِاسْتِثْناءِ تَشْدِيدًا في البَعْثِ عَلى الِاهْتِمامِ بِها. وقِيلَ: (واذْكُرْ) مَشِيئَةَ (رَبُّكَ) إذا فَرَطَ مِنكَ نِسْيانٌ لِذَلِكَ أيْ إذا نَسِيتَ كَلِمَةَ الِاسْتِثْناءِ، ثُمَّ تَنَبَّهْتَ لَها، فَتَدارَكْتَها بِالذِّكْرِ قالَهُ ابْنُ جُبَيْرٍ. قالَ: ولَوْ بَعْدَ يَوْمٍ أوْ شَهْرٍ أوْ سَنَةٍ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: بَعْدَ تَقَضِّي النِّسْيانِ، كَما تَقُولُ: اذْكُرْ لِعَبْدِ اللَّهِ إذا صَلّى صاحِبُكَ أيْ: إذا قَضى الصَّلاةَ.
والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: لِأقْرَبَ مِن هَذا إلى الشَّيْءِ المَنسِيِّ أيِ اذْكُرْ رَبَّكَ عِنْدَ نِسْيانِهِ بِأنْ تَقُولَ: ﴿عَسى أنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي﴾ لِشَيْءٍ آخَرَ بَدَلَ هَذا المَنسِيِّ أقْرَبَ مِنهُ (رَشَدًا) وأدْنى خَيْرًا أوْ مَنفَعَةً، ولَعَلَّ النِّسْيانَ كانَ خَيْرَةً كَقَوْلِهِ: ﴿أوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنها﴾ [البقرة: ١٠٦] . وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وهَذا إشارَةٌ إلى بِناءِ أهْلِ الكَهْفِ، ومَعْناهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُؤْتِينِي مِنَ البَيِّناتِ والحُجَجِ عَلى أنِّي نَبِيٌّ صادِقٌ ما هو أعْظَمُ في الدَّلالَةِ وأقْرَبُ رَشَدًا مِن بِناءِ أصْحابِ الكَهْفِ، وقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ حَيْثُ آتاهُ مِن قِصَصِ الأنْبِياءِ والإخْبارِ بِالغُيُوبِ ما هو أعْظَمُ مِن ذَلِكَ وأدَلُّ. انْتَهى. وهَذا تَقَدَّمَهُ إلَيْهِ الزَّجّاجُ قالَ: المَعْنى (عَسى) أنْ يُيَسِّرَ اللَّهُ مِنَ الأدِلَّةِ عَلى نُبُوَّتِي أقْرَبَ مِن دَلِيلِ أصْحابِ الكَهْفِ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: (عَسى) أنْ يُعَرِّفَنِي جَوابَ مَسائِلِكم قَبْلَ الوَقْتِ الَّذِي حَدَّدْتُهُ لَكم ويُعَجِّلَ لِي مِن جِهَتِهِ الرَّشادَ. وقالَ مُحَمَّدٌ الكُوفِيُّ المُفَسِّرُ: هي بِألْفاظِها مِمّا أُمِرَ أنْ يَقُولَها كُلُّ مَن لَمْ يَسْتَثْنِ، وإنَّها كَفّارَةٌ لِنِسْيانِ الِاسْتِثْناءِ.
* * *
﴿وكَذَلِكَ أعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أنَّ وعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وأنَّ السّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهم أمْرَهم فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيانًا رَبُّهم أعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ [الكهف: ٢١] ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهم كَلْبُهم ويَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهم كَلْبُهم رَجْمًا بِالغَيْبِ ويَقُولُونَ سَبْعَةٌ وثامِنُهم كَلْبُهم قُلْ رَبِّي أعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهم إلّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إلّا مِراءً ظاهِرًا ولا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنهم أحَدًا﴾ [الكهف: ٢٢] ﴿ولا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إنِّي فاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾ [الكهف: ٢٣] ﴿إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ واذْكُرْ رَبَّكَ إذا نَسِيتَ وقُلْ عَسى أنْ يَهْدِيَنِي رَبِّي لِأقْرَبَ مِن هَذا رَشَدًا﴾ ﴿ولَبِثُوا في كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وازْدادُوا تِسْعًا﴾ ﴿قُلِ اللَّهُ أعْلَمُ بِما لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّماواتِ والأرْضِ أبْصِرْ بِهِ وأسْمِعْ ما لَهم مِن دُونِهِ مِن ولِيٍّ ولا يُشْرِكُ في حُكْمِهِ أحَدًا﴾ ﴿واتْلُ ما أُوحِيَ إلَيْكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ ولَنْ تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ .
الظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿ولَبِثُوا﴾ الآيَةَ. إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى بِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ نِيامًا في الكَهْفِ إلى أنْ أطْلَعَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. قالَ مُجاهِدٌ: وهو بَيانٌ لِمُجْمَلِ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَضَرَبْنا عَلى آذانِهِمْ في الكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا﴾ [الكهف: ١١] ولَمّا تَحَرَّرَ هَذا العَدَدُ بِإخْبارٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى أمَرَ نَبِيَّهُ أنْ يَقُولَ: ﴿قُلِ اللَّهُ أعْلَمُ بِما لَبِثُوا﴾ فَخَبَرُهُ هَذا هو الحَقُّ والصِّدْقُ الَّذِي لا يَدْخُلُهُ رَيْبٌ؛ لِأنَّهُ عالِمٌ ﴿غَيْبُ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: ﴿بِما لَبِثُوا﴾ إشارَةٌ إلى المَدَّةِ السّابِقِ ذِكْرُها. وقالَ بَعْضُهم: ﴿بِما لَبِثُوا﴾ إشارَةٌ إلى المُدَّةِ الَّتِي بَعْدَ الإطْلاعِ عَلَيْهِمْ إلى مُدَّةِ الرَّسُولِ ﷺ . وقِيلَ: لَمّا قالَ: ﴿وازْدادُوا تِسْعًا﴾ كانَتِ التِّسْعَةُ مُنْبَهِمَةً هي السّاعاتُ والأيّامُ والشُّهُورُ والأعْوامُ، واخْتَلَفَتْ بَنُو إسْرائِيلَ بِحَسَبِ ذَلِكَ فَأمَرَهُ تَعالى بِرَدِّ العِلْمِ إلَيْهِ يَعْنِي في التِّسْعِ وهَذا بِعِيدٌ؛ لِأنَّهُ إذا سَبَقَ عَدَدٌ مُفَسِّرٌ وعُطِفَ عَلَيْهِ ما لَمْ يُفَسَّرْ حُمِلَ تَفْسِيرُهُ عَلى السّابِقِ، وحَكى النَّقّاشُ أنَّها ثَلاثُمِائَةٍ شَمْسِيَّةٌ، ولَمّا كانَ الخِطابُ لِلْعَرَبِ زِيدَتِ التِّسْعُ، إذْ حِسابُ العَرَبِ هو بِالقَمَرِ لِاتِّفاقِ الحِسابَيْنِ. وقالَ قَتادَةُ ومَطَرٌ الوَرّاقُ: (لَبِثُوا) إخْبارٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ، واحْتَجُّوا بِما في مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ، وقالُوا: (لَبِثُوا) وعَلى غَيْرِ قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ يَكُونُ مَعْطُوفًا عَلى المَحْكِيِّ بِقَوْلِهِ: (سَيَقُولُونَ) .
ثُمَّ أمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أنْ يَرُدَّ العِلْمَ إلَيْهِ ﴿بِما لَبِثُوا﴾ (p-١١٧)رَدًّا عَلَيْهِمْ وتَفْنِيدًا لِمَقالَتِهِمْ. قِيلَ: هو مِن قَوْلِ المُتَنازِعِينَ في أمْرِهِمْ وهو الصَّحِيحُ عَلى مُقْتَضى سِياقِ الآيَةِ، ويُؤَيِّدُهُ ﴿قُلِ اللَّهُ أعْلَمُ بِما لَبِثُوا﴾ جَعَلَ ذَلِكَ مِنَ الغُيُوبِ، الَّتِي هو تَعالى مُخْتَصٌّ بِها. وقَرَأ الجُمْهُورُ: مِائَةٌ بِالتَّنْوِينِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: عَلى البَدَلِ أوْ عَطْفِ البَيانِ، وقِيلَ: عَلى التَّفْسِيرِ والتَّمْيِيزِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: عَطْفُ بَيانٍ لِثَلاثِمِائَةٍ. وحَكى أبُو البَقاءِ أنَّ قَوْمًا أجازُوا أنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن مِائَةٍ؛ لِأنَّ مِائَةً في مَعْنى مِئاتٍ، فَأمّا عَطْفُ البَيانِ فَلا يَجُوزُ عَلى مَذْهَبِ البَصْرِيِّينَ، وأمّا نَصْبُهُ عَلى التَّمْيِيزِ فالمَحْفُوظُ مِن لِسانِ العَرَبِ المَشْهُورُ أنَّ مِائَةً لا يُفَسَّرُ إلّا بِمُفْرَدٍ مَجْرُورٍ، وأنَّ قَوْلَهُ إذا عاشَ الفَتى مِائَتَيْنِ عامًا مِنَ الضَّرُوراتِ ولا سِيَّما، وقَدِ انْضافَ إلى ذَلِكَ كَوْنُ (سِنِينَ) جَمْعًا. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ وطَلْحَةُ ويَحْيى والأعْمَشُ والحَسَنُ وابْنُ أبِي لَيْلى وخَلَفٌ وابْنُ سَعْدانَ وابْنُ عِيسى الأصْبَهانِيُّ وابْنُ جُبَيْرٍ الأنْطاكِيُّ مِائَةً بِغَيْرِ تَنْوِينٍ، مُضافًا إلى (سِنِينَ) أوْقَعَ الجَمْعَ مَوْقِعَ المُفْرَدِ، وأنْحى أبُو حاتِمٍ عَلى هَذِهِ القِراءَةِ، ولا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ: هَذِهِ تُضافُ في المَشْهُورِ إلى المُفْرَدِ، وقَدْ تُضافُ إلى الجَمْعِ. وقَرَأ أُبَيٌّ سَنَةً وكَذا في مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ. وقَرَأ الضَّحّاكُ: سُنُونَ بِالواوِ عَلى إضْمارِ هي سُنُونَ. وقَرَأ الحَسَنُ وأبُو عَمْرٍو في رِوايَةِ اللُّؤْلُؤَيِّ عَنْهُ ﴿تَسْعًا﴾ بِفَتْحِ التّاءِ، كَما قالُوا: عَشْرَ.
ثُمَّ ذَكَرَ اخْتِصاصَهُ بِما غابَ في السَّماواتِ والأرْضِ، وخَفِيَ فِيها مِن أحْوالِ أهْلِها، وجاءَ بِما دَلَّ عَلى التَّعَجُّبِ مِن إدْراكِهِ لِلْمَسْمُوعاتِ والمُبْصَراتِ لِلدَّلالَةِ عَلى أنَّ أمْرَهُ في الإدْراكِ خارِجٌ عَنْ حَدِّ ما عَلَيْهِ إدْراكُ السّامِعِينَ والمُبْصِرِينَ؛ لِأنَّهُ يُدْرِكُ ألْطَفَ الأشْياءِ وأصْغَرَها كَما يُدْرِكُ أكْبَرَها حَجْمًا وأكْثَفَها جِرْمًا، ويُدْرِكُ البَواطِنَ كَما يُدْرِكُ الظَّواهِرَ. والضَّمِيرُ في (بِهِ) عائِدٌ عَلى اللَّهِ تَعالى، وهَلْ هو في مَوْضِعِ رَفْعٍ أوْ نَصْبٍ ؟ وهَلْ (أسْمِعْ) و(أبْصِرْ) أمْرانِ حَقِيقَةً أمْ أمْرانِ لَفْظًا ؟ مَعْناهُما إنْشاءُ التَّعَجُّبِ في ذَلِكَ خِلافٌ مُقَرَّرٌ في النَّحْوِ. وقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ المَعْنى (أبْصِرْ) بِدِينِ اللَّهِ ﴿وأسْمِعْ﴾ أيْ: بَصِّرْ بِهَدْيِ اللَّهِ وسَمِّعْ فَتَرْجِعُ الهاءُ إمّا عَلى الهُدى، وإمّا عَلى اللَّهِ ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. وقَرَأ عِيسى: أسْمِعْ بِهِ وأبْصِرْ عَلى الخَبَرِ فِعْلًا ماضِيًا لا عَلى التَّعَجُّبِ، أيْ أبْصِرْ عِبادَهُ بِمَعْرِفَتِهِ وأسْمِعْهم، والهاءُ كِنايَةٌ عَنِ اللَّهِ تَعالى.
والضَّمِيرُ في قَوْلِهِ (ما لَهم) قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ مِن (ولِيٍّ) مُتَوَلٍّ لِأُمُورِهِمْ (ولا يُشْرِكُ) في قَضائِهِ (أحَدًا) مِنهم. وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى أصْحابِ الكَهْفِ أيْ: هَذِهِ قُدْرَتُهُ وحْدَهُ، ولَمْ يُوالِهِمْ غَيْرَهُ؛ يَتَلَطَّفُ بِهِمْ ولا أشْرَكَ مَعَهُ أحَدًا في هَذا الحُكْمِ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى مُعاصِرِي الرَّسُولِ ﷺ مِنَ الكُفّارِ ومُشاقِّيهِ، وتَكُونُ الآيَةُ اعْتِراضًا بِتَهْدِيدٍ قالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ. وقِيلَ: يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى مُؤْمِنِي أهْلِ السَّماواتِ والأرْضِ أيْ: لَنْ يَتَّخِذَ مِن دُونِهِ ولِيًّا، وقِيلَ: يَعُودُ عَلى المُخْتَلِفِينَ في مُدَّةِ لُبْثِهِمْ أيْ: لَيْسَ لَهم مِن دُونِ اللَّهِ مَن يَتَوَلّى تَدْبِيرَهم، فَكَيْفَ يَكُونُونَ أعْلَمَ مِنهُ ؟ أوْ كَيْفَ يَعْلَمُونَ مِن غَيْرِ إعْلامِهِ إيّاهم ؟ وقَرَأ الجُمْهُورُ: ﴿ولا يُشْرِكُ﴾ بِالياءِ عَلى النَّفْيِ، وقَرَأ مُجاهِدٌ بِالياءِ والجَزْمِ. قالَ يَعْقُوبُ: لا أعْرِفُ وجْهَهُ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ والحَسَنُ وأبُو رَجاءٍ وقَتادَةُ والجَحْدَرِيُّ وأبُو حَيْوَةَ وزَيْدٌ وحُمَيْدٌ ابْنُ الوَزِيرِ عَنْ يَعْقُوبَ والجُعْفِيِّ واللُّؤْلُؤِيِّ عَنْ أبِي بَكْرٍ: ولا تُشْرِكْ بِالتّاءِ والجَزْمِ عَلى النَّهْيِ.
ولَمّا أنْزَلَ عَلَيْهِ ما أنْزَلَ مِن قِصَّةِ أهْلِ الكَهْفِ أمَرَهُ بِأنْ يَقُصَّ، ويَتْلُوَ عَلى مُعاصِرِيهِ ما أُوحِيَ إلَيْهِ تَعالى مِن كِتابِهِ في قِصَّةِ أهْلِ الكَهْفِ وفي غَيْرِهِمْ، وأنَّ ما أوْحاهُ إلَيْهِ (لا مُبَدِّلَ) لَهُ و(لا مُبَدِّلَ) عامٌّ و(لِكَلِماتِهِ) عامٌّ أيْضًا، فالتَّخْصِيصُ إمّا في (لا مُبَدِّلَ) أيْ: لا مُبَدِّلَ لَهُ سِواهُ، ألا تَرى إلى قَوْلِهِ: ﴿وإذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ﴾ [النحل: ١٠١] وإمّا في كَلِماتِهِ أيْ لِكَلِماتِهِ المُتَضَمِّنَةِ الخَبَرَ؛ لِأنَّ ما تَضَمَّنَ غَيْرَ الخَبَرِ وقَعَ النَّسْخُ في بَعْضِهِ، وفي أمْرِهِ تَعالى أنْ يَتْلُوَ ما أُوحِيَ إلَيْهِ وإخْبارِهِ أنَّهُ لا مُبَدِّلَ (لِكَلِماتِهِ) إشارَةٌ إلى تَبْدِيلِ المُتَنازِعِينَ في أهْلِ الكَهْفِ، وتَحْرِيفِ (p-١١٨)أخْبارِهِمْ والمُلْتَحَدُ المُلْتَجَأُ الَّذِي تَمِيلُ إلَيْهِ وتَعْدِلُ.
{"ayahs_start":24,"ayahs":["إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِیتَ وَقُلۡ عَسَىٰۤ أَن یَهۡدِیَنِ رَبِّی لِأَقۡرَبَ مِنۡ هَـٰذَا رَشَدࣰا","وَلَبِثُوا۟ فِی كَهۡفِهِمۡ ثَلَـٰثَ مِا۟ئَةࣲ سِنِینَ وَٱزۡدَادُوا۟ تِسۡعࣰا","قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُوا۟ۖ لَهُۥ غَیۡبُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِیࣲّ وَلَا یُشۡرِكُ فِی حُكۡمِهِۦۤ أَحَدࣰا","وَٱتۡلُ مَاۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدࣰا"],"ayah":"قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُوا۟ۖ لَهُۥ غَیۡبُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِیࣲّ وَلَا یُشۡرِكُ فِی حُكۡمِهِۦۤ أَحَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق