الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا﴾ ذكرنا تفسيره في الآية المتقدمة.
وقوله تعالى: ﴿لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ذكرنا تفسيره في آخر سورة هود [[عند قوله سبحانه في سورة هود الآية رقم (123): ﴿ولله غيب السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون﴾.]].
﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ قال الأخفش: (أي ما أبصره وأسمعه! كما تقول: أكرم به! أي ما أكرمه! قال: ويدلك على ذلك أن العرب تقول: يا أمة الله أكرم يزيد! فهذا معناه ما أكرمه! ولو كان يأمرها أن تفعل شيئًا لقال: أكرمي زيدًا) [["معاني القرآن" للأخفش 2/ 618.]].
وقال الفراء: (﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ يريد الله، كقولك: أكرم بعبد الله! ومعناه: ما أكرم عبد الله! وكذلك قوله: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ [مريم: 38] ما أسمعهم وما أبصرهم!) [["معاني القرآن" للفراء 2/ 139.]].
وقال أبو إسحاق: قوله: (﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ أجمع العلماء أن معناه: ما أسمعه وأبصره! أي: هو عالم بقصة أصحاب الكهف وغيرهم) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 280.]].
وقال أبو علي: (العرب تتسع فتقيم المثال الذي يختص بالأمر مقام الخبر، والمثل المختص بالخبر موقع الدعاء والأمر مما أقيم من أمثلة الأمر موقع الخبر قولهم: أكرم يزيد! وقوله تعالى: ﴿أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ﴾ [مريم: 38]، ومعنى هذا ما أكرم زيدًا، واسمعوا وأبصروا، أي: صار زيد ذا كرم، وصار هؤلاء ذوي أسماع وأبصار. قال: وموضع الباء مع ما بعده من المنجر رفع، كما أن الباء في: ﴿كَفَى بِاللَّهِ﴾ [العنكبوت: 52] كذلك فوقع مثال الأمر هاهنا موقع الخبر، كما وقع مثال الخبر موقع الأمر في الدعاء في مثل: غفر الله لزيد، وقطع الله يد فلان، وجاء في التنزيل: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا﴾ [مريم: 75] فهذا لفظه كلفظ أمثلة الأمر، ومعناه الخبر، ألا ترى أنه لا وجه للأمر هاهنا وأن المعنى مده الرحمن مدا، ويدلك على أن المراد بقوله: أكرم يزيد! أن معناه أنه قد كرم، وأن الكرم وما أشبهه من الأحداث لا يخاطب ولا يؤمر ولا ينهى، وأنه ليس للأمر هاهنا معنى ولا متوجه، وأيضًا فإنك إذا قلت: يا زيد أكرم بعمرو، فليس يخلو هذا الفعل من أن يكون له فاعل، وفاعله لا يخلو من أن يكون المخاطب أو المتعجب منه، فلو كان المخاطب لوجب أن يجمع الضمير في الفعل ويلحق علامة التأنيث، فلما لم يفعل من ذلك شيء، بل أجروا هذا الفعل بعد المذكر والمؤنث والجمع والتثنية مجرى واحد أعلم أن فاعله المتعجب منه دون المخاطب، وثبت أن الجار مع المجرور في موضع رفع) [[ذكر نحوه في "الحجة للقراء السبعة" 2/ 205.]].
هذا الذي ذكره أبو علي أصل هذا الكلام، وشرح وضعه، ثم صار من ألفاظ التعجب حتى لا فصل بين قولك: ما أحسن زيدًا! وقولك: أحسن بزيد، وإذا كان كذلك فقدله تعالى: ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ قال المفسرون: (ما أبصر الله بكل موجود، وأسمعه بكل مسموع) [["جامع البيان" 15/ 232، و"معالم التنزيل" 5/ 165، و"النكت والعيون" 3/ 300.]].
وقال ابن زيد: (معناه أنه يرى أعمال أهل السموات والأرض، ويسمع منهم) [["جامع البيان" 15/ 232، و"تفسير القرآن العظيم" 3/ 89.]]. هذا الذي ذكرنا إجماع من أهل العلم أن قوله: ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ معناه ما أبصره وأسمعه!.
وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال: (معناه أبصر أوليائي بعجائب القرآن، وأسمع به أوليائي) [[ذكرت كتب التفسير نحوه بدون نسبة. انظر: "زاد المسير" 5/ 131، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 388، و"روح المعاني" 15/ 155.]]. وعلى هذا ﴿أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ﴾ المراد به الأمر، والمفعول محذوف على تقدير: أبصرهم وأسمعهم، وقوله: ﴿بِهِ﴾ أي: بالقرآن، كأنه قيل: اجعلهم يبصرون بالقرآن غيري، وولايتي ويسمعون ذلك [["النكت والعيون" 3/ 300، و"زاد المسير" 5/ 131، و"الجامع لأحكام القرآن" 10/ 388. والحق أن يقال في تفسير هذه الآية: ما أبصره وما أسمعه -ﷺ- وذكر في كتاب الله -عز وجل- آيات كثيرة تدل على اتصافه سبحانه بالسمع والبصر الذي يليق بجلاله. وقال ابن سعدي في "تفسيره" 5/ 27: تعجب من كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات، بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات.]]. والقول الذي عليه الناس هو الأول.
وقوله تعالى: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ قال المفسرون: (أي ليس لأهل السموات والأرض من دون الله) [["جامع البيان" 15/ 232، و"معالم التنزيل" 53/ 165، و"الكشاف" 2/ 387، و"زاد المسير" 5/ 131.]]. والكناية تعود إلى أهل السموات والأرض، وقد سبق ذكرهم في قوله: ﴿غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾، وهم من غيبها، أي: مما غابوا فيها. وقال عطاء عن ابن عباس: (﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾ يريد قد عرفوا عظمتي وربوبيتي فلم يتخذوا من دوني وليًّا) [[ذكره الطبري في "جامع البيان" 15/ 232 بدون نسبة.]]. وعلى هذا الكناية في قوله تعود إلى المؤمنين خاصة من أهل السموات والأرض [["البحر المحيط" 6/ 117، و"روح المعاني" 15/ 256.]].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا﴾ قال أبو إسحاق: (هذا على معنيين أحدهما: أنه جرى ذكر علمه وقدرته، فأعلم أنه لا يشرك في حكمه بما يخبر به من الغيب أحدًا كما قال: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 26]. ويكون على معنى: أنه لا يجوز أن يحكم حاكم إلا بما حكم الله، وبما دل عليه حكم الله، وليس لأحد أن يحكم من ذات نفسه فيكون شريكًا في حكمه يأمر بحكم كما أمر الله) [["معاني القرآن" للزجاج 3/ 280.]]. وقرأ ابن عامر: ولا تشرك [[قرأ ابن عامر الشامي: (ولا تشرك) بالتاء جزمًا. وقرأ نافع، وأبو عمرو، وابن كثير، وحمزة، وعاصم، والكسائي: (ولا يشرك) بالياء والرفع. انظر: "السبعة" (390)، و"الحجة للقراء السبعة" 5/ 141، و"الغاية في القراءات العشر" (306)، و"العنوان في القراءات السبع" ص 122، و"النشر في القراءات العشر" 2/ 310.]]، على معنى: ولا تشرك أنت أيها الإنسان في حكمه أحدًا، على النهي عن الإشراك في حكمه، أي: لا يكن كمن قيل فيه: ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ)﴾ [الأعراف: 191]. وعلى هذه القراءة في الآية رجوع من الغيبة إلى الخطاب، والقراءة الأولى التي عليها العامة أشبه لتقدم اسم الغيبة، وهو قوله: ﴿مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ﴾، والهاء للغيبة فكذلك قوله: ﴿وَلَا يُشْرِكُ﴾ أي: ولا يشرك الله في حكمه أحدًا [["جامع البيان" 15/ 233، و"النكت والعيون" 3/ 300، و"زاد المسير" 5/ 131.]].
{"ayah":"قُلِ ٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا لَبِثُوا۟ۖ لَهُۥ غَیۡبُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۖ أَبۡصِرۡ بِهِۦ وَأَسۡمِعۡۚ مَا لَهُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِیࣲّ وَلَا یُشۡرِكُ فِی حُكۡمِهِۦۤ أَحَدࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق