الباحث القرآني
هَذَا نعتُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ اشْتَرَى اللَّهُ مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ وَالْخِلَالِ الْجَلِيلَةِ: ﴿التَّائِبُونَ﴾ مِنَ الذُّنُوبِ كُلِّهَا، التَّارِكُونَ لِلْفَوَاحِشِ، ﴿الْعَابِدُونَ﴾ أَيْ: الْقَائِمُونَ بِعِبَادَةِ رَبِّهِمْ مُحَافِظِينَ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْأَقْوَالُ وَالْأَفْعَالُ فَمِنْ أخَصّ الْأَقْوَالِ الْحَمْدُ [[في أ: "الحمد الله".]] ؛ فَلِهَذَا قَالَ: ﴿الْحَامِدُونَ﴾ وَمِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ الصيامُ، وَهُوَ تَرْكُ الملاذِّ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجِمَاعِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالسِّيَاحَةِ هَاهُنَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿السَّائِحُونَ﴾ كَمَا وَصَفَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ [[في ت، أ: "الرسول".]] ﷺ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَائِحَاتٍ﴾ [التَّحْرِيمِ: ٥] أَيْ: صَائِمَاتٍ، وَكَذَا الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَهُمَا عِبَارَةٌ عَنِ الصَّلَاةِ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ﴾ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَنْفَعُونَ خَلْقَ اللَّهِ، وَيُرْشِدُونَهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ بِأَمْرِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيِهِمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، مَعَ الْعِلْمِ بِمَا يَنْبَغِي فِعْلُهُ وَيَجِبُ تركُه، وَهُوَ حِفْظُ حُدُودِ اللَّهِ فِي تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ، عِلْمًا وَعَمَلًا فَقَامُوا بِعِبَادَةِ الْحَقِّ وَنُصْحِ الْخُلُقِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَشْمَلُ هَذَا كُلَّهُ، وَالسَّعَادَةُ كُلُّ السَّعَادَةِ لِمَنِ اتَّصَفَ بِهِ.
[بَيَانُ [[في أ: "ذكر".]] أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّيَاحَةِ الصِّيَامُ] : [[زيادة من ت، ك، أ.]]
قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ﴿السَّائِحُونَ﴾ الصَّائِمُونَ. وَكَذَا رُوي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَالْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كُلَّ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ السِّيَاحَةَ، هُمُ الصَّائِمُونَ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سياحةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الصِّيَامُ. [[تفسير الطبري (١٤/٥٠٥) .]]
وَهَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَعَطَاءٌ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ مُزاحم، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيينة وَغَيْرُهُمْ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّائِحِينَ: الصَّائِمُونَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿السَّائِحُونَ﴾ الصَّائِمُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ.
وَقَالَ أَبُو [[في ت: "ابن".]] عَمْرٍو العَبْدي: ﴿السَّائِحُونَ﴾ الَّذِينَ يُدِيمُونَ الصِّيَامَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ نَحْوَ هَذَا، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن بَزِيع، حَدَّثَنَا حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "السَّائِحُونَ هُمُ الصَّائِمُونَ" [[تفسير الطبري (١٤/٥٠٣) .]]
[ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ بُنْدَار، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: ﴿السَّائِحُونَ﴾ الصَّائِمُونَ] . [[زيادة من ت، ك، أ.]]
وَهَذَا الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيد بْنِ عُمَير قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ السَّائِحِينَ فَقَالَ: "هُمُ الصَّائِمُونَ". [[تفسير الطبري (١٤/٥٠٢) .]]
وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ.
فَهَذِهِ [[في ت: "وهذا"، وفي أ: "فهذا".]] أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَشْهَرُهَا، وَجَاءَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السِّيَاحَةَ الْجِهَادُ، وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِي السِّيَاحَةِ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "سِيَاحَةُ [[في أ: "سياح".]] أُمَّتَيِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". [[سنن أبي داود برقم (٢٤٨٦) .]]
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعة: أَخْبَرَنِي عُمارة بْنُ غَزِيَّة: أَنَّ السِّيَاحَةَ ذُكِرَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَبْدَلَنَا اللَّهُ بِذَلِكَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالتَّكْبِيرَ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ". [[وهذا معضل، عمارة بن غزية لم يدرك أحدا من الصحابة.]]
وَعَنْ عِكْرِمة أَنَّهُ قَالَ: هُمْ طَلَبَةُ الْعِلْمِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: هُمُ الْمُهَاجِرُونَ. رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ السِّيَاحَةِ مَا قَدْ يَفْهَمُهُ بَعْضُ مَنْ يَتَعَبَّدُ بِمُجَرَّدِ السِّيَاحَةِ فِي الْأَرْضِ، وَالتَّفَرُّدِ فِي شَوَاهِقِ الْجِبَالِ وَالْكُهُوفِ وَالْبَرَارِي، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ إِلَّا فِي أَيَّامِ الفتَن وَالزَّلَازِلِ فِي الدِّينِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ [[في أ: "عن أبي هريرة".]] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الرَّجُلِ [[في ت، ك، أ: "المسلم".]] غَنَم يَتْبَع بِهَا شَعفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ القَطْر، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ". [[صحيح البخاري برقم (١٩) .]]
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ قَالَ: الْقَائِمُونَ بِطَاعَةِ اللَّهِ. وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعَنْهُ رِوَايَةُ: ﴿وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ قال: لفرائض اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: الْقَائِمُونَ عَلَى أَمْرِ اللَّهِ.
{"ayah":"ٱلتَّـٰۤىِٕبُونَ ٱلۡعَـٰبِدُونَ ٱلۡحَـٰمِدُونَ ٱلسَّـٰۤىِٕحُونَ ٱلرَّ ٰكِعُونَ ٱلسَّـٰجِدُونَ ٱلۡـَٔامِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق