الباحث القرآني
﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهم وأمْوالَهم بِأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والقُرْآنِ ومَن أوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وذَلِكَ هو الفَوْزُ العَظِيمُ﴾:
نَزَلَتْ في البَيْعَةِ الثّانِيَةِ وهي بَيْعَةُ العَقَبَةِ الكُبْرى، وهي الَّتِي أنافَ فِيها رِجالٌ الأنْصارِ عَلى السَّبْعِينَ، وكانَ أصْغَرُهم سِنًّا عُقْبَةَ بْنَ عَمْرٍو. وذَلِكَ أنَّهُمُ اجْتَمَعُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ العَقَبَةِ، فَقالُوا: اشْتَرِطْ لَكَ ولِرَبِّكَ، والمُتَكَلِّمُ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ، فاشْتَرَطَ ﷺ حِمايَتَهُ مِمّا يَحْمُونَ مِنهُ أنْفُسَهم، واشْتَرَطَ لِرَبِّهِ التِزامَ الشَّرِيعَةِ وقِتالَ الأحْمَرِ والأسْوَدِ في الدَّفْعِ عَنِ الحَوْزَةِ، فَقالُوا: ما لَنا عَلى ذَلِكَ ؟ قالَ: الجَنَّةُ، فَقالُوا: نَعَمْ رَبِحَ البَيْعُ، لا تُقِيلُ ولا نُقائِلُ. وفي بَعْضِ الرِّواياتِ: ولا نَسْتَقِيلُ، فَنَزَلَتْ.
والآيَةُ عامَّةٌ في كُلِّ مَن جاهَدَ في سَبِيلِ اللَّهِ مِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ إلى يَوْمِ القِيامَةِ، وعَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: «نَزَلَتْ ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ في المَسْجِدِ فَكَبَّرَ النّاسُ، فَأقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ ثانِيًا طَرَفَ رِكابِهِ عَلى أحَدِ عاتِقَيْهِ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ؟ قالَ: ”نَعَمْ“ فَقالَ: بَيْعٌ رَبِحٌ، لا تُقِيلُ ولا نَسْتَقِيلُ. وفي بَعْضِ الرِّواياتِ: فَخَرَجَ إلى الغَزْوِ فاسْتُشْهِدَ» . وقالَ الحَسَنُ: لا واللَّهِ إنْ في الأرْضِ مُؤْمِنٌ إلّا وقَدْ أحْدَثَ بَيْعَتَهُ. وقَرَأ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ والأعْمَشُ: ”وأمْوالَهم بِالجَنَّةِ“، مَثَّلَ تَعالى إثابَتَهم بِالجَنَّةِ عَلى بَذْلِ أنْفُسِهِمْ وأمْوالِهِمْ في سَبِيلِهِ بِالشِّراءِ، وقَدَّمَ الأنْفُسَ عَلى الأمْوالِ ابْتِداءً بِالأشْرَفِ وبِما لا عِوَضَ لَهُ إذا فُقِدَ. وفي لَفْظَةِ (اشْتَرى) لَطِيفَةٌ وهي: رَغْبَةُ المُشْتَرِي فِيما اشْتَراهُ، واغْتِباطُهُ بِهِ، ولَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ: إنَّ المُؤْمِنِينَ باعُوا، والظّاهِرُ أنَّ هَذا الشِّراءَ هو مَعَ المُجاهِدِينَ. وقالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: (اشْتَرى مِنهم أنْفُسَهم) أنْ لا يَعْمَلُوها إلّا في طاعَةٍ، (وأمْوالَهم) أنْ لا يُنْفِقُوها إلّا في سَبِيلِ اللَّهِ، فالآيَةُ عَلى هَذا أعَمُّ مِنَ القَتْلِ في سَبِيلِ اللَّهِ. وعَلى هَذا القَوْلِ يَكُونُ (يُقاتِلُونَ) مُسْتَأْنَفًا، ذَكَرَ أعْظَمَ أحْوالِهِمْ، ونَبَّهَ عَلى أشْرَفَ مَقامِهِمْ. وعَلى الظّاهِرِ وقَوْلِ الجُمْهُورِ يَكُونُ (يُقاتِلُونَ) في مَوْضِعِ الحالِ. وقَرَأ الحَسَنُ، وقَتادَةُ، وأبُو رَجاءٍ، والعَرَبِيّانِ، والحَرَمِيّانِ، وعاصِمٌ: أوَّلًا عَلى البِناءِ لِلْفاعِلِ، وثانِيًا عَلى البِناءِ لِلْمَفْعُولِ. وقَرَأ النَّخَعِيُّ وابْنُ وثّابٍ وطَلْحَةُ والأعْمَشُ والأخَوانِ بِعَكْسِ ذَلِكَ، والمَعْنى واحِدٌ، إذِ الغَرَضُ أنَّ المُؤْمِنِينَ يُقاتَلُونَ ويُؤْخَذُ مِنهم مَن يُقْتَلُ، وفِيهِمْ مَن يَقْتُلُ، وفِيهِمْ مَن يَجْتَمِعُ لَهُ الأمْرانِ، وفِيهِمْ مَن لا يَقَعُ لَهُ واحِدٌ مِنهُما، بَلْ تَحْصُلُ مِنهُمُ المُقاتَلَةُ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يُقاتِلُونَ فِيهِ مَعْنى الأمْرِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿تُجاهِدُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ بِأمْوالِكم وأنْفُسِكُمْ﴾ [الصف: ١١] . انْتَهى. فَعَلى هَذا لا تَكُونُ الجُمْلَةُ في مَوْضِعِ الحالِ، لِأنَّ ما فِيهِ مَعْنى الأمْرِ لا يَقَعُ حالًا. وانْتَصَبَ (وعْدًا) عَلى أنَّهُ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الجُمْلَةِ؛ لِأنَّ مَعْنى اشْتَرى (p-١٠٣)بِأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ وعَدَهُمُ اللَّهُ الجَنَّةَ عَلى الجِهادِ في سَبِيلِهِ، والظّاهِرُ مِن قَوْلِهِ: ﴿فِي التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والقُرْآنِ﴾ أنَّ كُلَّ أُمَّةٍ أُمِرَتْ بِالجِهادِ ووُعِدَتْ عَلَيْهِ بِالجَنَّةِ، فَيَكُونُ (في التَّوْراةِ) مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ: (اشْتَرى) . ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِتَقْدِيرِ قَوْلِهِ مَذْكُورًا، وهو صِفَةٌ فالعامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ، أيْ: وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا مَذْكُورًا في التَّوْراةِ، فَيَكُونُ هَذا الوَعْدُ بِالجَنَّةِ إنَّما هَدْيُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ذُكِرَ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والقُرْآنِ. وقِيلَ: الأمْرُ بِالجِهادِ والقِتالِ مَوْجُودٌ في جَمِيعِ الشَّرائِعِ. (ومَن أوْفى) اسْتِفْهامٌ عَلى جِهَةِ التَّقْرِيرِ، أيْ: لا أحَدَ، ولَمّا أكَّدَ الوَعْدَ بِقَوْلِهِ (عَلَيْهِ حَقًّا) أبْرَزَهُ هُنا في صُورَةِ العَهْدِ الَّذِي هو آكَدُ وأوْثَقُ مِنَ الوَعْدِ، إذِ الوَعْدُ في غَيْرِ حَقِّ اللَّهِ تَعالى جائِزٌ إخْلافُهُ، والعَهْدُ لا يَجُوزُ إلّا الوَفاءُ بِهِ، إذْ هو آكَدُ مِنَ الوَعْدِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ﴿ومَن أوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ لِأنَّ إخْلافَ المِيعادِ قَبِيحٌ لا يُقْدِمُ عَلَيْهِ الكِرامُ مِنَ الخَلْقِ مَعَ جَوازِهِ عَلَيْهِمْ لِحاجَتِهِمْ، فَكَيْفَ بِالغَنِيِّ الَّذِي لا يَجُوزُ عَلَيْهِ قَبِيحٌ قَطُّ ؟ ولا تَرى تَرْغِيبًا في الجِهادِ أحْسَنَ مِنهُ وأبْلَغَ. انْتَهى. وفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ، واسْتِعْمالُ قَطُّ في غَيْرِ مَوْضُوعِهِ؛ لِأنَّهُ أتى بِهِ مَعَ قَوْلِهِ: لا يَجُوزُ عَلَيْهِ قَبِيحٌ قَطُّ. وقَطُّ ظَرْفٌ ماضٍ فَلا يَعْمَلُ فِيهِ إلّا الماضِي. ثُمَّ قالَ: (فاسْتَبْشِرُوا) خاطَبَهم عَلى سَبِيلِ الِالتِفاتِ؛ لِأنَّ في مُواجَهَتِهِ تَعالى لَهم بِالخِطابِ تَشْرِيفٌ لَهم، وهي حِكْمَةُ الِالتِفاتِ هُنا. ولَيْسَتِ اسْتَفْعَلَ هُنا لِلطَّلَبِ، بَلْ هي بِمَعْنى أفْعَلَ كاسْتَوْقَدَ وأوْقَدَ. و(الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) وصْفٌ عَلى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، ومُحِيلٌ عَلى البَيْعِ السّابِقِ. ثُمَّ قالَ: (وذَلِكَ هو الفَوْزُ العَظِيمُ)، أيْ: الظَّفَرُ لِلْحُصُولِ عَلى الرِّبْحِ التّامِّ، والغِبْطَةُ في البَيْعِ لِحَطِّ الذَّنْبَ ودُخُولِ الجَنَّةِ.
﴿التّائِبُونَ العابِدُونَ الحامِدُونَ السّائِحُونَ الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ «قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: لَمّا نَزَلَ ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ الآيَةَ - قالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ وإنْ زَنا، وإنْ سَرَقَ، وإنْ شَرِبَ الخَمْرَ، فَنَزَلَتْ: (التّائِبُونَ)» الآيَةَ. وهَذِهِ أوْصافُ الكَمَلَةِ مِنَ المُؤْمِنِينَ، ذَكَرَها اللَّهُ تَعالى لِيَسْتَبِقَ إلى التَّحَلِّي بِها عِبادُهُ، ولِيَكُونُوا عَلى أوْفى دَرَجاتِ الكَمالِ. وآيَةُ (إنَّ اللَّهَ اشْتَرى) مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِها، لَمْ يُشْتَرَطْ فِيها شَيْءٌ سِوى الإيمانُ، فَيَنْدَرِجُ فِيها كُلُّ مُؤْمِنٍ قاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيا، وإنْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ هَذِهِ الصِّفاتُ. والشَّهادَةُ ماحِيَةٌ لِكُلِّ ذَنْبٍ، حَتّى رُوِيَ أنَّهُ تَعالى يَحْمِلُ عَنِ الشَّهِيدِ مَظالِمَ العِبادِ ويُجازِيهِمْ عَنْهُ. وقالَتْ فِرْقَةٌ: هَذِهِ الصِّفاتُ شَرْطٌ في المُجاهِدِ. والآيَتانِ مُرْتَبِطَتانِ، فَلا يَدْخُلُ في المُبايَعَةِ إلّا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هم عَلى هَذِهِ الأوْصافِ، ويَبْذُلُونَ أنْفُسَهم في سَبِيلِ اللَّهِ. وسَألَ الضَّحّاكَ رَجُلٌ عَنْ قَوْلِهِ تَعالى: (إنَّ اللَّهَ اشْتَرى) الآيَةَ، وقالَ: لِأحْمِلَنَّ عَلى المُشْرِكِينَ فَأُقاتِلُ حَتّى أُقْتَلَ، فَقالَ الضَّحّاكُ: ويْلَكَ، أيْنَ الشَّرْطُ (التّائِبُونَ العابِدُونَ) الآيَةَ ؟ وهَذا القَوْلُ فِيهِ حَرَجٌ وتَضْيِيقٌ، وعَلى هَذَيْنِ القَوْلَيْنِ تَرَتَّبَ إعْرابُ (التّائِبُونَ)، فَقِيلَ: هو مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَذْكُورٌ، وهو (العابِدُونَ)، وما بَعْدَهُ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ، أيْ: التّائِبُونَ في الحَقِيقَةِ الجامِعُونَ لِهَذِهِ الخِصالِ. وقِيلَ: خَبَرُهُ (الآمِرُونَ) . وقِيلَ: خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ بَعْدَ تَمامِ الأوْصافِ، وتَقْدِيرُهُ: مِن أهْلِ الجَنَّةِ أيْضًا وإنْ لَمْ يُجاهِدْ، قالَهُ الزَّجّاجُ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى﴾ [النساء: ٩٥] ولِذَلِكَ جاءَ: (وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ) وعَلى هَذِهِ الأعارِيبِ تَكُونُ الآيَةُ مَعْناها مُنْفَصِلٌ مِن مَعْنى الَّتِي قَبْلَها. وقِيلَ: (التّائِبُونَ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: هُمُ التّائِبُونَ، أيْ: الَّذِينَ بايَعُوا اللَّهَ هم (p-١٠٤)التّائِبُونَ، فَيَكُونُ صِفَةً مَقْطُوعَةً لِلْمَدْحِ، ويُؤَيِّدُهُ قِراءَةُ أُبَيٍّ وعَبْدِ اللَّهِ والأعْمَشِ: (التّايِبِينَ) بِالياءِ، إلى: (والحافِظِينَ) نَصْبًا عَلى المَدْحِ. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، وقالَهُ أيْضًا ابْنُ عَطِيَّةَ. وقِيلَ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ (التّائِبُونَ) وبَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ في (يُقاتِلُونَ) . قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: التّائِبُونَ مِنَ الشِّرْكِ. وقالَ الحَسَنُ: مِنَ الشِّرْكِ والنِّفاقِ. وقِيلَ: عَنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: العابِدُونَ بِالصَّلاةِ. وعَنْهُ أيْضًا: المُطِيعُونَ بِالعِبادَةِ، وعَنِ الحَسَنِ: هُمُ الَّذِينَ عَبَدُوا اللَّهَ في السَّرّاءِ والضَّرّاءِ. وعَنِ ابْنِ جُبَيْرٍ: المُوَحِّدُونَ السّائِحُونَ. قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُما: الصّائِمُونَ شُبِّهُوا بِالسّائِحِينَ في الأرْضِ لِامْتِناعِهِمْ مِن شَهَواتِهِمْ. وعَنْ عائِشَةَ: سِياحَةُ هَذِهِ الأُمَّةِ الصِّيامُ، ورَواهُ أبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ . قالَ الأزْهَرِيُّ: قِيلَ لِلصّائِمِ سائِحٌ؛ لِأنَّ الَّذِي يَسِيحُ في الأرْضِ مُتَعَبِّدٌ لا زادَ مَعَهُ، كانَ مُمْسِكًا عَنِ الأكْلِ، والصّائِمُ مُمْسِكٌ عَنِ الأكْلِ. وقالَ عَطاءٌ: السّائِحُونَ المُجاهِدُونَ. وعَنْ أبِي أُمامَةَ: «أنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ في السِّياحَةِ فَقالَ: ”إنَّ سِياحَةَ أُمَّتِي الجِهادُ في سَبِيلِ اللَّهِ“» صَحَّحَهُ أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ. وقِيلَ: المُرادُ السِّياحَةُ في الأرْضِ. فَقِيلَ: هُمُ المُهاجِرُونَ مِن مَكَّةَ إلى المَدِينَةِ. وقِيلَ: المُسافِرُونَ لِطَلَبِ الحَدِيثِ والعِلْمِ. وقِيلَ: المُسافِرُونَ في الأرْضِ لِيَنْظُرُوا ما فِيها مِن آياتِ اللَّهِ، وغَرائِبِ مُلْكِهِ نَظَرَ اعْتِبارٍ. وقِيلَ: الجائِلُونَ بِأفْكارِهِمْ في قُدْرَةِ اللَّهِ ومَلَكُوتِهِ. والصِّفاتُ إذا تَكَرَّرَتْ وكانَتْ لِلْمَدْحِ أوِ الذَّمِّ أوِ التَّرَحُّمِ جازَ فِيها الإتْباعُ لِلْمَنعُوتِ والقَطْعُ في كُلِّها أوْ بَعْضِها، وإذا تَبايَنَ ما بَيْنَ الوَصْفَيْنِ جازَ العَطْفُ. ولَمّا كانَ الأمْرُ مُبايِنًا لِلنَّهْيِ، إذِ الأمْرُ طَلَبُ فِعْلٍ والنَّهْيُ تَرْكُ فِعْلٍ - حَسُنَ العَطْفُ في قَوْلِهِ: (والنّاهُونَ) . ودَعْوى الزِّيادَةِ، أوْ واوِ الثَّمانِيَةِ ضَعِيفٌ. وتَرْتِيبُ هَذِهِ الصِّفاتِ في غايَةٍ مِنَ الحُسْنِ، إذْ بَدَأ أوَّلًا بِما يَخُصُّ الإنْسانَ مُرَتَّبَةً عَلى ما سَعى، ثُمَّ بِما يَتَعَدّى مِن هَذِهِ الأوْصافِ مِنَ الإنْسانِ لِغَيْرِهِ، وهو الأمْرُ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، ثُمَّ بِما شَمِلَ ما يَخُصُّهُ في نَفْسِهِ وما يَتَعَدّى إلى غَيْرِهِ وهو الحِفْظُ لِحُدُودِ اللَّهِ. ولَمّا ذَكَرَ تَعالى مَجْمُوعَ هَذِهِ الأوْصافِ أمَرَ رَسُولَهُ ﷺ بِأنْ يُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ. وفي الآيَةِ قَبْلَها (فاسْتَبْشِرُوا) أمَرَهم بِالِاسْتِبْشارِ، فَحَصَلَتْ لَهُمُ المَزِيَّةُ التّامَّةُ بِأنَّ اللَّهَ أمَرَهم بِالِاسْتِبْشارِ، وأمَرَ رَسُولَهُ أنْ يُبَشِّرَهم.
{"ayahs_start":111,"ayahs":["۞ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَ ٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَیَقۡتُلُونَ وَیُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَیۡهِ حَقࣰّا فِی ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِیلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُوا۟ بِبَیۡعِكُمُ ٱلَّذِی بَایَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ","ٱلتَّـٰۤىِٕبُونَ ٱلۡعَـٰبِدُونَ ٱلۡحَـٰمِدُونَ ٱلسَّـٰۤىِٕحُونَ ٱلرَّ ٰكِعُونَ ٱلسَّـٰجِدُونَ ٱلۡـَٔامِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"ٱلتَّـٰۤىِٕبُونَ ٱلۡعَـٰبِدُونَ ٱلۡحَـٰمِدُونَ ٱلسَّـٰۤىِٕحُونَ ٱلرَّ ٰكِعُونَ ٱلسَّـٰجِدُونَ ٱلۡـَٔامِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق