الباحث القرآني
(p-٦٠١)لَمّا شَرَحَ فَضائِحَ المُنافِقِينَ وقَبائِحَهم بِسَبَبِ تَخَلُّفِهِمْ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وذَكَرَ أقْسامَهم، وفَرَّعَ عَلى كُلِّ قِسْمٍ مِنها ما هو لائِقٌ بِهِ عادَ عَلى بَيانِ فَضِيلَةِ الجِهادِ والتَّرْغِيبِ فِيهِ، وذِكْرُ الشِّراءِ تَمْثِيلٌ كَما في قَوْلِهِ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى﴾ [البقرة: ١٦] مَثَّلَ سُبْحانَهُ إثابَةَ المُجاهِدِينَ بِالجَنَّةِ عَلى بَذْلِهِمْ أنْفُسَهم وأمْوالَهم في سَبِيلِ اللَّهِ بِالشِّراءِ، وأصْلُ الشِّراءِ بَيْنَ العِبادِ هو إخْراجُ الشَّيْءِ عَنِ المِلْكِ بِشَيْءٍ آخَرَ مِثْلِهِ أوْ دُونِهِ أوْ أنْفَعَ مِنهُ، فَهَؤُلاءِ المُجاهِدُونَ باعُوا أنْفُسَهم مِنَ اللَّهِ بِالجَنَّةِ الَّتِي أعَدَّها لِلْمُؤْمِنِينَ: أيْ بِأنْ يَكُونُوا مِن جُمْلَةِ أهْلِ الجَنَّةِ، ومِمَّنْ يَسْكُنُها فَقَدْ جادُوا بِأنْفُسِهِمْ، وهي أنْفَسُ الأعْلاقِ، والجُودُ بِها غايَةُ الجُودِ:
؎يَجُودُ بِالنَّفْسِ إنْ ضَنَّ الجَبانُ بِها والجُودُ بِالنَّفْسِ أقْصى غايَةِ الجُودِ
وجادَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالجَنَّةِ، وهي أعْظَمُ ما يَطْلُبُهُ العِبادُ، ويَتَوَسَّلُونَ إلَيْهِ بِالأعْمالِ، والمُرادُ بِالأنْفُسِ هُنا: أنْفُسُ المُجاهِدِينَ، وبِالأمْوالِ: ما يُنْفِقُونَهُ في الجِهادِ.
قَوْلُهُ: ﴿يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ﴾ بَيانٌ لِلْبَيْعِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الِاشْتِراءُ المَذْكُورُ كَأنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ يَبِيعُونَ أنْفُسَهم وأمْوالَهم بِالجَنَّةِ ؟ فَقِيلَ: يُقاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ بَيَّنَ هَذِهِ المُقاتَلَةَ في سَبِيلِ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: ﴿فَيَقْتُلُونَ ويُقْتَلُونَ﴾ والمُرادُ أنَّهم يُقْدِمُونَ عَلى قَتْلِ الكُفّارِ في الحَرْبِ ويَبْذُلُونَ أنْفُسَهم في ذَلِكَ، فَإنْ فَعَلُوا فَقَدِ اسْتَحَقُّوا الجَنَّةَ، وإنْ لَمْ يَقَعِ القَتْلُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الإبْلاءِ في الجِهادِ والتَّعَرُّضِ لِلْمَوْتِ بِالإقْدامِ عَلى الكُفّارِ.
قَرَأ الأعْمَشُ والنَّخَعِيُّ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ وخَلَفٌ بِتَقْدِيمِ المَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ عَلى المَبْنِيِّ لِلْفاعِلِ.
وقَرَأ الباقُونَ بِتَقْدِيمِ المَبْنِيِّ لِلْفاعِلِ عَلى المَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ.
وقَوْلُهُ: ﴿وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والقُرْآنِ﴾ إخْبارٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ أنَّ فَرِيضَةَ الجِهادِ واسْتِحْقاقَ الجَنَّةِ بِها قَدْ ثَبَتَ الوَعْدُ بِها مِنَ اللَّهِ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، كَما وقَعَ في القُرْآنِ، وانْتِصابُ ( وعْدًا ) و( حَقًّا ) عَلى المَصْدَرِيَّةِ أوِ الثّانِي: نَعْتٌ لِلْأوَّلِ، و( في التَّوْراةِ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أيْ: وعْدًا ثابِتًا فِيها.
قَوْلُهُ: ﴿ومَن أوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ في هَذا مِن تَأْكِيدِ التَّرْغِيبِ لِلْمُجاهِدِينَ في الجِهادِ والتَّنْشِيطِ لَهم عَلى بَذْلِ الأنْفُسِ والأمْوالِ ما لا يَخْفى فَإنَّهُ أوَّلًا أخْبَرَ بِأنَّهُ قَدِ اشْتَرى مِنهم أنْفُسَهم وأمْوالَهم بِأنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ، وجاءَ بِهَذِهِ العِبارَةِ الفَخِيمَةِ، وهي كَوْنُ الجَنَّةِ قَدْ صارَتْ مِلْكًا لَهم، ثُمَّ أخْبَرَ ثانِيًا بِأنَّهُ قَدْ وعَدَ بِذَلِكَ في كُتُبِهِ المُنَزَّلَةِ، ثُمَّ أخْبَرَ بِأنَّهُ بَعْدَ هَذا الوَعْدِ الصّادِقِ لا بُدَّ مِن حُصُولِ المَوْعُودِ بِهِ فَإنَّهُ لا أحَدَ أوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ سُبْحانَهُ، وهو صادِقُ الوَعْدِ لا يُخْلِفُ المِيعادَ، ثُمَّ زادَهم سُرُورًا وحُبُورًا، فَقالَ: ﴿فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ﴾ أيْ أظْهِرُوا السُّرُورَ بِذَلِكَ، والبِشارَةُ هي إظْهارُ السُّرُورِ، وظُهُورُهُ يَكُونُ في بَشَرَةِ الوَجْهِ، ولِذا يُقالُ: أسارِيرُ الوَجْهِ: أيِ الَّتِي يَظْهَرُ فِيها السُّرُورُ.
وقَدْ تَقَدَّمَ إيضاحُ هَذا، والفاءُ لِتَرْتِيبِ الِاسْتِبْشارِ عَلى ما قَبْلَهُ.
والمَعْنى: أظْهِرُوا السُّرُورَ بِهَذا البَيْعِ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ، فَقَدْ رَبِحْتُمْ فِيهِ رِبْحًا لَمْ يَرْبَحْهُ أحَدٌ مِنَ النّاسِ إلّا مَن فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِكم، والإشارَةُ بِقَوْلِهِ: ذَلِكَ إلى الجَنَّةِ، أوْ إلى نَفْسِ البَيْعِ الَّذِي رَبِحُوا فِيهِ الجَنَّةَ، ووَصْفُ الفَوْزِ - وهو الظَّفَرُ بِالمَطْلُوبِ - بِالعِظَمِ يَدُلُّ عَلى أنَّهُ فَوْزٌ لا فَوْزَ مِثْلَهُ.
قَوْلُهُ: ﴿التّائِبُونَ﴾ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ: أيْ هُمُ التّائِبُونَ، يَعْنِي المُؤْمِنُونَ، والتّائِبُ الرّاجِعُ: أيْ هُمُ الرّاجِعُونَ إلى طاعَةِ اللَّهِ عَنِ الحالَةِ المُخالِفَةِ لِلطّاعَةِ.
وقالَ الزَّجّاجُ: الَّذِي عِنْدِي أنَّ قَوْلَهُ: ﴿التّائِبُونَ العابِدُونَ﴾ رُفِعَ بِالِابْتِداءِ وخَبَرُهُ مُضْمَرٌ: أيِ التّائِبُونَ ومَن بَعْدَهم إلى آخِرِ الآيَةِ لَهُمُ الجَنَّةُ أيْضًا وإنْ لَمْ يُجاهِدُوا.
قالَ: وهَذا أحْسَنُ، إذْ لَوْ كانَتْ هَذِهِ أوْصافًا لِلْمُؤْمِنِينَ المَذْكُورِينَ في قَوْلِهِ: ﴿اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ لَكانَ الوَعْدُ خاصًّا بِمُجاهِدِينَ.
وقَدْ ذَهَبَ إلى ما ذَهَبَ إلَيْهِ الزَّجّاجُ مِن أنَّ هَذا الكَلامَ مُنْفَصِلٌ عَمّا قَبْلَهُ طائِفَةٌ مِنَ المُفَسِّرِينَ، وذَهَبَ آخَرُونَ إلى أنَّ هَذِهِ الأوْصافَ راجِعَةٌ إلى المُؤْمِنِينَ في الآيَةِ الأُولى، وأنَّها عَلى جِهَةِ الشَّرْطِ: أيْ لا يَسْتَحِقُّ الجَنَّةَ بِتِلْكَ المُبايَعَةِ إلّا مَن كانَ مِنَ المُؤْمِنِينَ عَلى هَذِهِ الأوْصافِ.
وفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: " التّائِبِينَ العابِدِينَ " إلى آخِرِها.
وفِيهِ وجْهانِ: أحَدُهُما: أنَّها أوْصافٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.
الثّانِي: أنَّ النَّصْبَ عَلى المَدْحِ.
وقِيلَ: إنَّ ارْتِفاعَ هَذِهِ الأوْصافِ عَلى البَدَلِ مِن ضَمِيرِ ( يُقاتِلُونَ )، وجَوَّزَ صاحِبُ الكَشّافِ أنْ يَكُونَ ( التّائِبُونَ ) مُبْتَدَأٌ، وخَبَرُهُ ( العابِدُونَ )، وما بَعْدَهُ أخْبارٌ كَذَلِكَ: أيِ التّائِبُونَ مِنَ الكُفْرِ عَلى الحَقِيقَةِ الجامِعُونَ لِهَذِهِ الخِصالِ، وفِيهِ مِنَ البُعْدِ ما لا يَخْفى، والعابِدُونَ: القائِمُونَ بِما أُمِرُوا بِهِ مِن عِبادَةِ اللَّهِ مَعَ الإخْلاصِ، و﴿الحامِدُونَ﴾ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ سُبْحانَهُ عَلى السَّرّاءِ والضَّرّاءِ، و﴿السّائِحُونَ﴾ قِيلَ: هُمُ الصّائِمُونَ، وإلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ المُفَسِّرِينَ، ومِنهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿عابِداتٍ سائِحاتٍ﴾ [التحريم: ٥] وإنَّما قِيلَ: لِلصّائِمِ سائِحٌ، لِأنَّهُ يَتْرُكُ اللَّذّاتِ كَما يَتْرُكُها السّائِحُ في الأرْضِ، ومِنهُ قَوْلُ أبِي طالِبِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ:
؎وبِالسّائِحِينَ لا يَذُوقُونَ فِطْرَةً ∗∗∗ لِرَبِّهِمُ والرّاكِداتُ العَوامِلُ
وقالَ آخَرُ:
؎تَراهُ يُصَلِّي لَيْلَهُ ونَهارَهُ ∗∗∗ يَظَلُّ كَثِيرَ الذِّكْرِ لِلَّهِ سائِحا
قالَ الزَّجّاجُ: ومَذْهَبُ الحَسَنِ أنَّ السّائِحِينَ هاهُنا هُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ الفَرْضَ، وقِيلَ: إنَّهُمُ الَّذِينَ يُدِيمُونَ الصِّيامَ.
وقالَ عَطاءٌ: السّائِحُونَ: المُجاهِدُونَ.
وقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أسْلَمَ: السّائِحُونَ: المُهاجِرُونَ.
وقالَ عِكْرِمَةُ: هُمُ الَّذِينَ يُسافِرُونَ لِطَلَبِ الحَدِيثِ والعِلْمِ.
وقِيلَ: هُمُ الجائِلُونَ بِأفْكارِهِمْ في تَوْحِيدِ رَبِّهِمْ ومَلَكُوتِهِ وما خَلَقَ مِنَ العِبَرِ.
والسِّياحَةُ في اللُّغَةِ: أصْلُها الذَّهابُ عَلى وجْهِ الأرْضِ كَما يَسِيحُ الماءُ، وهي مِمّا يُعِينُ العَبْدَ عَلى الطّاعَةِ لِانْقِطاعِهِ عَنِ الخَلْقِ، ولِما يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الِاعْتِبارِ بِالتَّفَكُّرِ في مَخْلُوقاتِ اللَّهِ سُبْحانَهُ، و﴿الرّاكِعُونَ السّاجِدُونَ﴾ مَعْناهُ المُصَلُّونَ، و﴿الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ﴾ القائِمُونَ بِأمْرِ النّاسِ بِما هو مَعْرُوفٌ (p-٦٠٢)فِي الشَّرِيعَةِ ﴿والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ﴾ القائِمُونَ بِالإنْكارِ عَلى مَن فَعَلَ مُنْكَرًا أيْ: شَيْئًا يُنْكِرُهُ الشَّرْعُ ﴿والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ القائِمُونَ بِحِفْظِ شَرائِعِهِ الَّتِي أنْزَلَها في كُتُبِهِ وعَلى لِسانِ رُسُلِهِ، وإنَّما أدْخَلَ الواوَ في الوَصْفَيْنِ الآخَرَيْنِ، وهُما ﴿والنّاهُونَ عَنِ المُنْكَرِ والحافِظُونَ﴾ إلَخْ، لِأنَّ الأمْرَ بِالمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ بِمَنزِلَةِ خَصْلَةٍ واحِدَةٍ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ ( الحافِظُونَ ) بِالواوِ لِقُرْبِهِ، وقِيلَ: إنَّ العَطْفَ في الصِّفاتِ يَجِيءُ بِالواوِ وبِغَيْرِها كَقَوْلِهِ: ﴿غافِرِ الذَّنْبِ وقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقابِ﴾ [غافر: ٣] وقِيلَ: إنَّ الواوَ زائِدَةٌ، وقِيلَ: هي واوُ الثَّمانِيَةِ المَعْرُوفَةُ عِنْدَ النُّحاةِ، كَما في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثَيِّباتٍ وأبْكارًا﴾ [التحريم: ٥] وقَوْلِهِ: ﴿وفُتِحَتْ أبْوابُها﴾ [الزمر: ٧٣] وقَوْلِه: ﴿سَبْعَةٌ وثامِنُهم كَلْبُهم﴾ [الكهف: ٢٢]، وقَدْ أنْكَرَ واوَ الثَّمانِيَةِ أبُو عَلِيِّ الفارِسِيُّ وناظَرَهُ في ذَلِكَ ابْنُ خالَوَيْهِ ﴿وبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ المَوْصُوفِينَ بِالصِّفاتِ السّابِقَةِ.
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، وغَيْرِهِ قالُوا: «قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ ولِنَفْسِكَ ما شِئْتَ، قالَ: أشْتَرِطُ لِرَبِّي أنْ تَعْبُدُوهُ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وأشْتَرِطُ لِنَفْسِي أنْ تَمْنَعُونِي مِمّا تَمْنَعُونَ مِنهُ أنْفُسَكم وأمْوالَكم، قالُوا: فَإذا فَعَلْنا ذَلِكَ فَما لَنا ؟ قالَ: الجَنَّةُ، قالُوا: رَبِحَ البَيْعُ لا نَقِيلُ ولا نَسْتَقِيلُ، فَنَزَلَتْ: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهم﴾ الآيَةَ» .
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: «أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَلى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ وهو في المَسْجِدِ ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهم﴾ فَكَبَّرَ النّاسُ في المَسْجِدِ، فَأقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصارِ ثانِيًا طَرَفَيْ رِدائِهِ عَلى عاتِقِهِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ؟ قالَ: نَعَمْ، فَقالَ الأنْصارِيُّ: بَيْعٌ رَبِيحٌ لا نَقِيلُ ولا نَسْتَقِيلُ» .
وقَدْ أخْرَجَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُبادَةَ بْنِ الصّامِتِ «أنَّ النَّبِيَّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - اشْتَرَطَ في بَيْعَةِ العَقَبَةِ عَلى مَن بايَعَهُ مِنَ الأنْصارِ: أنْ يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكاةَ، والسَّمْعَ والطّاعَةَ، ولا يُنازِعُوا في الأمْرِ أهْلَهُ، ويَمْنَعُوهُ مِمّا يَمْنَعُونَ مِنهُ أنْفُسَهم وأهْلِيهِمْ، قالُوا: نَعَمْ، قالَ قائِلُ الأنْصارِ: نَعَمْ، هَذا لَكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، فَما لَنا ؟ قالَ: الجَنَّةُ» .
وأخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ، أيْضًا مِن وجْهٍ آخَرَ، ولَيْسَ في قِصَّةِ العَقَبَةِ ما يَدُلُّ عَلى أنَّها سَبَبُ نُزُولِ الآيَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: مَن ماتَ عَلى هَذِهِ التِّسْعِ فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ ﴿التّائِبُونَ العابِدُونَ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ المُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: الشَّهِيدُ مَن كانَ فِيهِ التِّسْعُ الخِصالُ المَذْكُورَةُ في هَذِهِ الآيَةِ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنْهُ قالَ: العابِدُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ عَنْهُ أيْضًا قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: «أوَّلُ مَن يُدْعى إلى الجَنَّةِ الحَمّادُونَ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ عَلى السَّرّاءِ والضَّرّاءِ» .
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قالَ: «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - عَنِ السّائِحِينَ فَقالَ: هُمُ الصّائِمُونَ» .
وأخْرَجَ الفِرْيابِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ، مِن طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وأبُو الشَّيْخِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وابْنُ النَّجّارِ مِن طَرِيقِ أبِي صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ.
وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ.
وقَدْ رُوِيَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وهو أصَحُّ مِنَ المَرْفُوعِ مِن طَرِيقِهِ، وحَدِيثُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ مُرْسَلٌ، وقَدْ أسْنَدَهُ مِن طَرِيقِ أبِي هُرَيْرَةَ في الرِّوايَةِ الثّانِيَةِ.
وقَدْ رُوِيَ مِن قَوْلِ جَماعَةٍ مِنَ الصَّحابَةِ مِثْلُ هَذا: مِنهم عائِشَةُ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ، وابْنِ المُنْذِرِ، ومِنهُمُ ابْنُ عَبّاسٍ، عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ، وابْنِ المُنْذِرِ، وابْنِ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيِّ، وأبِي الشَّيْخِ، ومِنهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ عِنْدَ هَؤُلاءِ المَذْكُورِينَ قَبْلَهُ، ورَوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ جَماعَةٍ مِنَ التّابِعِينَ.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ، والطَّبَرانِيُّ، والحاكِمُ، والبَيْهَقِيُّ في شُعَبِ الإيمانِ، عَنْ أبِي أُمامَةَ «أنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في السِّياحَةِ فَقالَ: إنَّ سِياحَةَ أُمَّتَيِ الجِهادُ في سَبِيلِ اللَّهِ» وصَحَّحَهُ عَبْدُ الحَقِّ.
وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ الرَّبِيعِ في هَذِهِ الآيَةِ قالَ: هَذِهِ أعْمالٌ قالَ فِيها أصْحابُ النَّبِيِّ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: إنَّ اللَّهَ قَضى عَلى نَفْسِهِ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والقُرْآنِ لِهَذِهِ الأُمَّةِ أنَّ مَن قُتِلَ مِنهم عَلى هَذِهِ الأعْمالِ كانَ عِنْدَ اللَّهِ شَهِيدًا، ومَن ماتَ مِنهم عَلَيْها فَقَدْ وجَبَ أجْرُهُ عَلى اللَّهِ.
وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ، عَنْ أبِي صالِحٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: الشَّهِيدُ مَن لَوْ ماتَ عَلى فِراشِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ.
قالَ: وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ، مَن ماتَ وفِيهِ تِسْعٌ فَهو شَهِيدٌ، وقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، في قَوْلِهِ: ﴿إنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ المُؤْمِنِينَ أنْفُسَهم وأمْوالَهُمْ﴾ يَعْنِي بِالجَنَّةِ، ثُمَّ قالَ: ﴿التّائِبُونَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿والحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ يَعْنِي: القائِمُونَ عَلى طاعَةِ اللَّهِ، وهو شَرْطٌ اشْتَرَطَهُ اللَّهُ عَلى أهْلِ الجِهادِ، وإذا وفَّوْا لِلَّهِ بِشَرْطِهِ وفّى لَهم بِشَرْطِهِمْ.
{"ayahs_start":111,"ayahs":["۞ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشۡتَرَىٰ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ أَنفُسَهُمۡ وَأَمۡوَ ٰلَهُم بِأَنَّ لَهُمُ ٱلۡجَنَّةَۚ یُقَـٰتِلُونَ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَیَقۡتُلُونَ وَیُقۡتَلُونَۖ وَعۡدًا عَلَیۡهِ حَقࣰّا فِی ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَٱلۡإِنجِیلِ وَٱلۡقُرۡءَانِۚ وَمَنۡ أَوۡفَىٰ بِعَهۡدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِۚ فَٱسۡتَبۡشِرُوا۟ بِبَیۡعِكُمُ ٱلَّذِی بَایَعۡتُم بِهِۦۚ وَذَ ٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِیمُ","ٱلتَّـٰۤىِٕبُونَ ٱلۡعَـٰبِدُونَ ٱلۡحَـٰمِدُونَ ٱلسَّـٰۤىِٕحُونَ ٱلرَّ ٰكِعُونَ ٱلسَّـٰجِدُونَ ٱلۡـَٔامِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"],"ayah":"ٱلتَّـٰۤىِٕبُونَ ٱلۡعَـٰبِدُونَ ٱلۡحَـٰمِدُونَ ٱلسَّـٰۤىِٕحُونَ ٱلرَّ ٰكِعُونَ ٱلسَّـٰجِدُونَ ٱلۡـَٔامِرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡحَـٰفِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِۗ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق