الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، الَّذِينَ كَانُوا يَحْلِفُونَ لِلرَّسُولِ ﷺ لَئِنْ أَمَرَهُمْ [[في ف، أ: "أمرتهم".]] بِالْخُرُوجِ [فِي الْغَزْوِ] [[زيادة من ف، أ.]] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ لَا تُقْسِمُوا﴾ أَيْ: لَا تَحْلِفُوا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ [[في ف، أ: "تقديره".]] طَاعَتُكُمْ طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ، أَيْ: قَدْ عُلمت طَاعَتُكُمْ، إِنَّمَا هِيَ قَوْلٌ لَا فِعْلَ مَعَهُ، وَكُلَّمَا حَلَفْتُمْ كَذَبْتُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [التَّوْبَةِ: ٩٦] ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الْمُنَافِقُونَ: ٢] ، فَهُمْ مِنْ سَجِيَّتِهِمُ الْكَذِبُ حَتَّى فِيمَا يَخْتَارُونَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ﴾ [الْحَشْرِ: ١١، ١٢] وَقِيلَ: الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: ﴿طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ﴾ أَيْ: لِيَكُنْ أَمْرُكُمْ طَاعَةً مَعْرُوفَةً، أَيْ: بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ حَلف وَلَا إِقْسَامٍ، كَمَا يُطِيعُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْمُؤْمِنُونَ بِغَيْرِ حَلِفٍ، فَكُونُوا أَنْتُمْ مِثْلَهُمْ. ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أَيْ: هُوَ خَبِيرٌ بِكُمْ وَبِمَنْ يُطِيعُ مِمَّنْ يَعْصِي، فَالْحَلِفُ وَإِظْهَارُ الطَّاعَةِ -وَالْبَاطِنُ بِخِلَافِهِ، وَإِنْ رَاجَ عَلَى الْمَخْلُوقِ [[في ف: "المحلوف".]] -فَالْخَالِقُ، تَعَالَى، يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، لَا يَرُوجُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ التَّدْلِيسِ، بَلْ هُوَ خَبِيرٌ بِضَمَائِرِ عِبَادِهِ، وَإِنْ أَظْهَرُوا خِلَافَهَا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أَيْ: اتَّبِعُوا كِتَابَ اللَّهِ وَسَنَةَ رَسُولِهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أَيْ: تَتَوَلَّوْا عَنْهُ وَتَتْرُكُوا مَا جَاءَكُمْ بِهِ، ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ﴾ أَيْ: إِبْلَاغُ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ، ﴿وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ﴾ أَيْ: مِنْ ذَلِكَ وَتَعْظِيمِهِ وَالْقِيَامِ بِمُقْتَضَاهُ، ﴿وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ﴾ [الشُّورَى: ٥٣] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾ [الرَّعْدِ: ٤٠] ، وَقَوْلِهِ ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾ [الْغَاشِيَةِ: ٢١، ٢٢] . وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّه: أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ -يُقَالُ لَهُ: شِعِيَاءُ -أَنْ قُمْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنِّي سَأُطْلِقُ لِسَانَكَ بِوَحْيٍ. فَقَامَ فَقَالَ: يَا سَمَاءُ اسْمَعِي، وَيَا أَرْضُ انْصِتِي، فَإِنَّ اللَّهَ يُرِيدُ أَنْ يَقْضِيَ شَأْنًا وَيُدَبِّرَ أَمْرًا هُوَ مُنَفِّذُهُ، إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ الرِّيفَ إِلَى الْفَلَاةِ، وَالْآجَامَ [[في أ: "الأجسام".]] فِي الْغِيطَانِ، وَالْأَنْهَارَ فِي الصَّحَارِي، وَالنِّعْمَةَ فِي الْفُقَرَاءِ، وَالْمُلْكَ فِي الرُّعَاةِ، وَيُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ أُمِّيًّا مِنَ الْأُمِّيِّينَ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا سَخّاب فِي الْأَسْوَاقِ، لَوْ يَمُرُّ إِلَى جَنْبِ السِّرَاجِ لَمْ يُطْفِئْهُ مِنْ سَكِينَتِهِ، وَلَوْ يَمْشِي عَلَى الْقَصَبِ الْيَابِسِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ. أَبْعَثُهُ مُبَشِّرا ونذيرًا، لا يقول الخنَا، أَفْتَحُ بِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا، وَآذَانًا صُمًّا، وَقُلُوبًا غُلْفًا، وأسَدِّده لِكُلِّ أَمْرٍ جَمِيلٍ، وَأَهَبُ لَهُ كُلَّ خُلُقٍ كَرِيمٍ، وَأَجْعَلُ السَّكِينَةَ لِبَاسَهُ، وَالْبِرَّ شِعَارَهُ، وَالتَّقْوَى ضَمِيرَهُ، وَالْحِكْمَةَ مَنْطِقَهُ، وَالصِّدْقَ وَالْوَفَاءَ طَبِيعَتَهُ، وَالْعَفْوَ وَالْمَعْرُوفَ خُلُقَهُ، وَالْحَقَّ شَرِيعَتَهُ، وَالْعَدْلَ سِيرَتَهُ، وَالْهُدَى إِمَامَهُ، وَالْإِسْلَامَ مِلَّتَهُ، وَأَحْمَدَ اسْمَهُ، أهْدِي بِهِ بَعْدَ الضَّلَالَةِ، وأعلِّم بِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ، وأرْفَعُ بِهِ بَعْدَ الخمَالة، وَأُعْرَفُ بِهِ بَعْدَ النُّكْرَة، وَأُكْثِّرُ بِهِ بَعْدَ الْقِلَّةِ وَأُغْنِي بِهِ بَعْدَ العَيلَة، وَأَجْمَعُ بِهِ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَأُؤَلِّفُ بِهِ بَيْنَ أُمَمٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَقُلُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَهْوَاءٍ مُتَشَتَّتَةٍ، وَأَسْتَنْقِذُ بِهِ فِئَامًا مِنَ النَّاسِ عَظِيمًا مِنَ الهَلَكة، وَأَجْعَلُ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، مُوَحِّدِينَ مُؤْمِنِينَ مُخْلِصِينَ، مُصَدِّقِينَ بِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلي. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ [[وروي عن عبد الله بن سلام وكعب الأحبار كما في الشفا للقاضي عياض (١/١٥) .]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب