الباحث القرآني
قَوْلُهُ - عَزَّ وجَلَّ -:
﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى إذا أقَلَّتْ سَحابًا ثِقالا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأنْزَلْنا بِهِ الماءَ فَأخْرَجْنا بِهِ مِن كُلِّ الثَمَراتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتى لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿والبَلَدُ الطَيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبِّهِ والَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾
هَذِهِ آيَةُ اعْتِبارٍ واسْتِدْلالٍ؛ وقَرَأ نافِعٌ ؛ وأبُو عَمْرٍو: "اَلرِّياحَ"؛ بِالجَمْعِ؛ "نُشُرًا"؛ بِضَمِّ النُونِ؛ والشِينِ؛ قالَ أبُو حاتِمٍ: وهي قِراءَةُ الحَسَنِ؛ وأبِي عَبْدِ الرَحْمَنِ ؛ وأبِي رَجاءٍ ؛ واخْتَلَفَ عنهُمُ الأعْرَجُ ؛ وأبُو جَعْفَرٍ ؛ وعِيسى بْنُ عُمَرَ ؛ وأبُو يَحْيى ؛ وأبُو نَوْفَلٍ الأعْرابِيَّيْنِ؛ وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ: "اَلرِّيحَ"؛ واحِدَةً؛ "نُشُرًا"؛ بِضَمِّها أيْضًا؛ وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ: "اَلرِّياحَ"؛ جَمْعًا؛ "نُشْرًا"؛ بِضَمِّ النُونِ؛ وسُكُونِ الشِينِ؛ قالَ أبُو حاتِمٍ: ورُوِيَتْ عَنِ الحَسَنِ؛ وأبِي عَبْدِ الرَحْمَنِ ؛ وأبِي رَجاءٍ ؛ وقَتادَةَ ؛ وأبِي عَمْرٍو ؛ وقَرَأ حَمْزَةُ ؛ والكِسائِيُّ: "اَلرِّيحَ"؛ واحِدَةً؛ "نَشْرًا"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ وسُكُونِ الشِينِ؛ قالَ أبُو حاتِمٍ: وهي قِراءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ وابْنِ عَبّاسٍ ؛ وزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ ؛ وابْنِ وثّابٍ ؛ وإبْراهِيمَ؛ وطَلْحَةَ ؛ والأعْمَشِ ؛ ومَسْرُوقِ بْنِ الأجْدَعِ ؛ وقَرَأ ابْنُ جِنِّي قِراءَةَ مَسْرُوقٍ: "نَشَرًا"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ والشِينِ؛ وقَرَأ عاصِمٌ: "اَلرِّياحَ"؛ جَماعَةً؛ "بُشْرًا"؛ بِالباءِ المَضْمُومَةِ؛ والشِينِ الساكِنَةِ؛ ورُوِيَ عنهُ: "بُشُرًا"؛ بِضَمِّ الباءِ؛ والشِينِ؛ وقَرَأ بِهاابْنُ عَبّاسٍ ؛ والسُلَمِيُّ ؛ وابْنُ أبِي (p-٥٨٥)عَبْلَةَ؛ وقَرَأ مُحَمَّدُ بْنُ السَمَيْفَعِ؛ وأبُو قُطَيْبٍ: "بُشْرى"؛ عَلى وزْنِ "فُعْلى"؛ بِضَمِّ الباءِ؛ ورُوِيَتْ عن أبِي يَحْيى؛ وأبِي نَوْفَلٍ؛ وقَرَأ أبُو عَبْدِ الرَحْمَنِ السُلَمِيُّ: "بَشْرًا"؛ بِفَتْحِ الباءِ؛ وسُكُونِ الشِينِ؛ قالَ الزَهْراوِيُّ: ورُوِيَتْ هَذِهِ عن عاصِمٍ.
ومَن جَمَعَ "اَلرِّيحَ"؛ في هَذِهِ الآيَةِ؛ فَهو أسْعَدُ؛ وذَلِكَ أنَّ "اَلرِّياحَ"؛ حَيْثُ وقَعَتْ في القُرْآنِ؛ فَهي مُقْتَرِنَةٌ بِالرَحْمَةِ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَمِن آياتِهِ أنْ يُرْسِلَ الرِياحَ مُبَشِّراتٍ﴾ [الروم: ٤٦] ؛ وقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَأرْسَلْنا الرِياحَ لَواقِحَ﴾ [الحجر: ٢٢] ؛ وقَوْلِهِ تَعالى ﴿اللهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا﴾ [الروم: ٤٨] ؛ وأكْثَرُ ذِكْرِ "اَلرِّيحَ"؛ مُفْرَدَةً إنَّما هو بِقَرِينَةِ عَذابٍ؛ كَقَوْلِهِ - سُبْحانَهُ وتَعالى -: ﴿وَفِي عادٍ إذْ أرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِيحَ العَقِيمَ﴾ [الذاريات: ٤١] ؛ وقَوْلِهِ: ﴿وَأمّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٦] ؛ وقَوْلِهِ - تَبارَكَ وتَعالى -: ﴿بَلْ هو ما اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [الأحقاف: ٢٤] ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأمْرِ رَبِّها﴾ [الأحقاف: ٢٥] ؛ نَحا هَذا المَنحى يَحْيى بْنُ يَعْمُرَ ؛ وأبُو عَمْرِو بْنُ العَلاءِ ؛ وعاصِمٌ ؛ وفي الحَدِيثِ «أنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - كانَ إذا هَبَّتِ الرِيحُ يَقُولُ: "اَللَّهُمَّ اجْعَلْها رِياحًا؛ ولا تَجْعَلْها رِيحًا".»
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: والمَعْنى في هَذا كُلِّهِ بَيِّنٌ؛ وذَلِكَ أنَّ رِيحَ السُقْيا والمَطَرِ إنَّما هي مُنْتَشِرَةٌ؛ لَيِّنَةٌ؛ تَجِيءُ مِن هَهُنا ومِن هَهُنا؛ وتَتَفَرَّقُ؛ فَيَحْسُنُ مِن حَيْثُ هي مُنْفَصِلَةُ الأجْزاءِ مُتَغايِرَةُ المَهَبِّ يَسِيرًا أنْ يُقالَ لَها: "رِياحٌ"؛ وتُوصَفَ بِالكَثْرَةِ؛ وأمّا "رِيحُ الصِرِّ والعَذابِ"؛ فَهي عاصِفَةٌ صَرْصَرٌ؛ جَسَدٌ واحِدٌ؛ شَدِيدَةُ المَرِّ؛ مُهْلِكَةٌ بِقُوَّتِها؛ وبِما تَحْمِلُهُ أحْيانًا مِنَ الصِرِّ المُحْرِقِ؛ فَيَحْسُنُ مِن حَيْثُ هي شَدِيدَةُ الِاتِّصالِ أنْ تُسَمّى "رِيحًا"؛ مُفْرَدَةً؛ وكَذَلِكَ (p-٥٨٦)أُفْرِدَتِ الرِيحُ في قَوْلِهِ - تَبارَكَ وتَعالى -: ﴿وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ [يونس: ٢٢] ؛ مِن حَيْثُ جَرْيُ السُفُنِ؛ إنَّما تَجْرِي بِرِيحٍ مُتَّصِلَةٍ؛ كَأنَّها شَيْءٌ واحِدٌ؛ فَأُفْرِدَتْ لِذَلِكَ؛ ووُصِفَتْ بِالطِيبِ؛ لِإزالَةِ الِاشْتِراكِ بَيْنَها وبَيْنَ الرِيحِ المَكْرُوهَةِ؛ وكَذَلِكَ رِيحُ سُلَيْمانَ - عَلَيْهِ السَلامُ -؛ إنَّما كانَتْ تَجْرِي بِأمْرِهِ؛ أو تَعْصِفُ في حُقُولِهِ؛ وهي مُتَّصِلَةٌ؛ وبَعْدُ.. فَمَن قَرَأ في هَذِهِ الآيَةِ: "اَلرِّيحَ"؛ بِالإفْرادِ؛ فَإنَّما يُرِيدُ بِهِ اسْمَ الجِنْسِ؛ وأيْضًا فَتَقْيِيدُها بِـ "بُشْرًا"؛ يُزِيلُ الِاشْتِراكَ.
والإرْسالُ في الرِيحِ هو بِمَعْنى الإجْراءِ؛ والإطْلاقِ؛ والإسالَةِ؛ ومِنهُ الحَدِيثُ: « "فَلَرَسُولُ اللهِ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ - أجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِيحِ المُرْسَلَةِ"؛» والرِيحُ تُجْمَعُ - في القَلِيلِ -: "أرْواحٌ"؛ وفي الكَثِيرِ: "رِياحٌ"؛ لِأنَّ العَيْنَ مِن "اَلرِّيحُ"؛ واوٌ انْقَلَبَتْ في الواحِدِ ياءً لِلْكَسْرِ الَّذِي قَبْلَها؛ وكَذَلِكَ في الجَمْعِ الكَثِيرِ؛ وصَحَّتْ في القَلِيلِ لِأنَّهُ لا شَيْءَ فِيهِ يُوجِبُ الإعْلالَ.
وأمّا "نُشُرًا"؛ بِضَمِّ النُونِ؛ والشِينِ؛ فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ جَمْعَ "ناشِرٌ"؛ عَلى النَسَبِ؛ أيْ "ذاتَ نَشْرٍ"؛ مِن "اَلطَّيُّ"؛ أو "نُشُورٌ"؛ مِن "اَلْحَياةُ"؛ ويَحْتَمِلُ "نُشُرًا"؛ أنْ يَكُونَ جَمْعَ "نَشُورٌ"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ وضَمِّ الشِينِ؛ كَـ "رَسُولٌ"؛ و"رُسُلٌ"؛ و"صَبُورٌ"؛ و"صُبُرٌ"؛ و"شَكُورٌ" و"شُكُرٌ"؛ ويَحْتَمِلُ "نُشُرًا"؛ أنْ يَكُونَ كالمَفْعُولِ بِمَعْنى "مَنشُورٌ"؛ كَـ "رَكُوبٌ"؛ بِمَعْنى "مَرْكُوبٌ"؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن أبْنِيَةِ اسْمِ الفاعِلِ؛ لِأنَّها تَنْشُرُ السَحابَ؛ وأمّا مِثالُ الأوَّلِ في قَوْلِنا: "ناشِرٌ"؛ و"نُشُرٌ"؛ فَـ "شاهِدٌ"؛ و"شُهُدٌ"؛ و"نازِلٌ"؛ و"نُزُلٌ"؛ كَما قالَ الشاعِرُ:
؎ ................... ∗∗∗ أو تَنْزِلُونَ فَإنّا مَعْشَرٌ نُزُلُ
(p-٥٨٧)وَ"قاتِلٌ"؛ و"قُتُلٌ"؛ ومِنهُ قَوْلُ الأعْشى:
؎ .................. ∗∗∗ ∗∗∗ إنّا لِأمْثالِكم يا قَوْمَنا قُتُلُ
وأمّا مَن قَرَأ: "نُشْرًا"؛ بِضَمِّ النُونِ؛ وسُكُونِ الشِينِ؛ فَإنَّما خَفَّفَ الشِينَ مِن قَوْلِهِ: "نُشُرًا"؛ وأمّا مَن قَرَأ: "نَشْرًا"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ وسُكُونِ الشِينِ؛ فَهو مَصْدَرٌ في مَوْضِعِ الحالِ مِنَ الرِيحِ؛ ويُحْتَمَلُ في المَعْنى أنْ يُرادَ بِهِ "اَلنَّشْرُ"؛ اَلَّذِي هو خِلافُ الطَيِّ؛ وكُلُّ بَقاءِ الرِيحِ دُونَ هُبُوبٍ طَيٌّ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مِن "اَلنَّشْرُ"؛ اَلَّذِي هو الإحْياءُ؛ كَما قالَ الأعْشى:
؎ .................... ∗∗∗ ∗∗∗ يا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ الناشِرِ
وأمّا مَن قَرَأ: "نَشَرًا"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ والشِينِ - وهي قِراءَةٌ شاذَّةٌ -؛ فَهو اسْمٌ؛ وهو عَلى النَسَبِ؛ قالَ أبُو الفَتْحِ: أيْ "ذَواتَ نَشَرٍ"؛ و"اَلنَّشَرُ": أنْ تَنْتَشِرَ الغَنَمُ بِاللَيْلِ فَتَرْعى؛ فَشَبَّهَ السَحابَ؛ في انْتِشارِهِ وعُمُومِهِ؛ بِذَلِكَ.
وأمّا: "بُشُرًا"؛ بِضَمِّ الباءِ؛ والشِينِ؛ فَجَمْعُ "بَشِيرٌ"؛ كَـ "نَذِيرٌ"؛ و"نُذُرٌ"؛ و"بُشْرًا"؛ بِسُكُونِ الشِينِ؛ مُخَفَّفٌ مِنهُ؛ و"بَشْرًا"؛ بِفَتْحِ الباءِ؛ وسُكُونِ الشِينِ؛ مَصْدَرٌ؛ و"بُشْرى"؛ مَصْدَرٌ أيْضًا؛ في مَوْضِعِ الحالِ؛ والرَحْمَةُ في هَذِهِ الآيَةِ: اَلْمَطَرُ؛ و"بَيْنَ يَدَيْ"؛ أيْ: أمامَ رَحْمَتِهِ؛ وقُدّامَها؛ وهي هُنا اسْتِعارَةٌ؛ وهي حَقِيقَةٌ فِيما بَيْنَ يَدَيِ الإنْسانِ مِنَ الأجْرامِ.
و"أقَلَّتْ"؛ مَعْناهُ: رَفَعَتْ مِنَ الأرْضِ؛ واسْتَقَلَّتْ بِها؛ ومِنهُ "اَلْقِلَّةُ"؛ وكَأنَّ المُقِلَّ يَرى ما يَرْفَعُ قَلِيلًا؛ إذا قَدَرَ عَلَيْهِ؛ و"ثِقالًا"؛ مَعْناهُ: مِنَ الماءِ؛ والعَرَبُ تَصِفُ السَحابَ بِالثِقْلِ والدَلْحِ؛ ومِنهُ قَوْلُ قَيْسِ بْنِ الخَطِيمِ:
؎ بِأحْسَنَ مِنها ولا مُزْنَةٌ ∗∗∗ ∗∗∗ دَلُوحٌ تَكَشَّفُ أدْجانُها
(p-٥٨٨)والرِيحُ تَسُوقُ السُحُبَ مِن ورائِها؛ فَهو سَوْقُ حَقِيقَةٍ؛ والضَمِيرُ في "سُقْناهُ"؛ عائِدٌ عَلى السَحابِ؛ واسْتَنَدَ الفِعْلُ إلى ضَمِيرِ اسْمِ اللهِ تَعالى ؛ مِن حَيْثُ هو إنْعامٌ؛ وصِفَةُ البَلَدِ بِالمَوْتِ اسْتِعارَةٌ بِسَبَبِ شَعَثِهِ؛ وجُدُوبَتِهِ؛ وتَصْوِيحِ نَباتِهِ؛ وقَرَأ أبُو عَمْرٍو ؛ وعاصِمٌ ؛ والأعْمَشُ: "لِبَلَدٍ مَيْتٍ"؛ بِسُكُونِ الياءِ؛ وشَدَّها الباقُونَ؛ والضَمِيرُ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ "فَأنْزَلْنا بِهِ"؛﴾ يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى السَحابِ؛ أيْ: مِنهُ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى البَلَدِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ عَلى الماءِ؛ وهو أظْهَرُها.
وقالَ السُدِّيُّ: في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: إنَّ اللهَ تَعالى يُرْسِلُ الرِياحَ فَتَأْتِي بِالسَحابِ مِن بَيْنِ الخافِقَيْنِ؛ طَرَفَ السَماءِ والأرْضِ؛ حَيْثُ يَلْتَقِيانِ؛ فَتُخْرِجُهُ مِن ثَمَّ؛ ثُمَّ تَنْشُرُهُ؛ فَتَبْسُطُهُ في السَماءِ؛ ثُمَّ تَفْتَحُ أبْوابَ السَماءِ؛ فَيَسِيلُ الماءُ عَلى السَحابِ؛ ثُمَّ تُمْطِرُ السَحابُ بَعْدَ ذَلِكَ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهَذا التَفْصِيلُ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَبِيِّ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
وقَوْلُهُ - تَبارَكَ وتَعالى -: ﴿كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتى﴾ ؛ يَحْتَمِلُ مَقْصِدَيْنِ: أحَدُهُما أنْ يُرادَ: كَهَذِهِ القُدْرَةِ العَظِيمَةِ في إنْزالِ الماءِ؛ وإخْراجِ الثَمَراتِ بِهِ مِنَ الأرْضِ المُجْدِبَةِ؛ هي القُدْرَةُ عَلى إحْياءِ المَوْتى مِنَ الأجْداثِ؛ وهَذا مِثالٌ لَها؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يُرادَ أنَّ هَكَذا يُصْنَعُ بِالأمْواتِ؛ مِن نُزُولِ المَطَرِ عَلَيْهِمْ؛ حَتّى يَحْيَوْا بِهِ؛ فَيَكُونَ الكَلامُ خَبَرًا؛ لا مَثَلًا؛ وهَذا التَأْوِيلُ إنَّما يَسْتَنِدُ إلى الحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الطَبَرِيُّ عن أبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عنهُ - « "أنَّ الناسَ إذا ماتُوا في النَفْخَةِ الأُولى مُطِرَ عَلَيْهِمْ مَطَرٌ مِن ماءٍ تَحْتَ العَرْشِ؛ يُقالُ لَهُ: "ماءُ الحَيَوانِ"؛ أرْبَعِينَ سَنَةً؛ فَيَنْبُتُونَ كَما يَنْبُتُ الزَرْعُ؛ فَإذا كَمُلَتْ أجْسادُهم نُفِخَ فِيهِمُ الرُوحُ؛ ثُمَّ تُلْقى عَلَيْهِمْ نَوْمَةٌ فَيَنامُونَ؛ فَإذا نُفِخَ في الصُورِ الثانِيَةَ قامُوا وهم يَجِدُونَ طَعْمَ النَوْمِ؛ فَيَقُولُونَ: يا ويْلَنا؛ مَن بَعَثَنا مِن مَرْقَدِنا؟ فَيُنادِيهِمُ المُنادِي: ﴿هَذا ما وعَدَ الرَحْمَنُ وصَدَقَ المُرْسَلُونَ﴾ [يس: ٥٢].»
(p-٥٨٩)وَقَوْلُهُ تَعالى ﴿والبَلَدُ الطَيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ﴾ ؛ آيَةٌ مُتَمِّمَةٌ لِلْمَعْنى الأوَّلِ في الآيَةِ قَبْلَها؛ مُعَرِّفَةٌ بِعادَةِ اللهِ - تَبارَكَ وتَعالى - في إنْباتِ الأرْضِينَ؛ فَمَن أرادَ أنْ يَجْعَلَها مِثالًا لَقَلْبِ المُؤْمِنِ؛ وقَلْبِ الكافِرِ؛ فَذَلِكَ كُلُّهُ مُرَتَّبٌ؛ لَكِنَّ ألْفاظَ الآيَةِ لا تَقْتَضِي أنَّ المِثالَ قُصِدَ بِهِ ذَلِكَ؛ والتَمْثِيلُ بِذَلِكَ حَكاهُ الطَبَرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ؛ ومُجاهِدٍ وقَتادَةَ والسُدِّيِّ ؛ وقالَ النُحّاسُ: هو مِثالٌ لِلْفَهِيمِ؛ ولِلْبَلِيدِ؛ و"اَلطَّيِّبُ"؛ هو الجَيِّدُ التُرابِ؛ الكَرِيمُ الأرْضِ؛ وخُصَّ بِإذْنِ رَبِّهِ مَدْحًا؛ وتَشْرِيفًا؛ وهَذا كَما تَقُولُ لِمَن تَغُضُّ عنهُ: "أنْتَ كَما شاءَ اللهُ"؛ فَهي عِبارَةٌ تُعْطِي مُبالَغَةً في مَدْحٍ؛ أو ذَمٍّ؛ ومِن هَذا قَوْلُهُ - تَبارَكَ وتَعالى -: ﴿فَلَهُ ما سَلَفَ وأمْرُهُ إلى اللهِ﴾ [البقرة: ٢٧٥] ؛ عَلى بَعْضِ التَأْوِيلاتِ؛ و"اَلْخَبِيثُ"؛ هو السِباخُ؛ ونَحْوُها مِن رَدِيءِ الأرْضِ؛ وقَرَأ ابْنُ أبِي عَبْلَةَ ؛ وأبُو حَيْوَةَ؛ وعِيسى بْنُ عُمَرَ: "يُخْرِجُ نَباتَهُ"؛ بِضَمِّ الياءِ؛ وكَسْرِ الراءِ؛ ونَصْبِ التاءِ؛ و"اَلنَّكِدُ": اَلْعَسِيرُ القَلِيلُ؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ لا تُنْجِزُ الوَعْدَ إنْ وعَدْتَ وإنْ ∗∗∗ ∗∗∗ أعْطَيْتَ أعْطَيْتَ تافِهًا نَكِدًا
و"نَكِدَ الرَجُلُ"؛ إذا سَألَ إلْحافًا وأُخْجِلَ؛ ومِنهُ قَوْلُ الشاعِرِ:
؎ وأعْطِ ما أعْطَيْتَهُ طَيِّبًا ∗∗∗ ∗∗∗ لا خَيْرَ في المَنكُودِ والناكِدِ
وقَرَأ جُمْهُورُ الناسِ؛ وجَمِيعُ السَبْعَةِ: "نَكِدًا"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ وكَسْرِ الكافِ؛ وقَرَأ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ: "نَكْدًا"؛ بِتَخْفِيفِ الكافِ؛ وفَتْحِ النُونِ؛ وقَرَأ أبُو جَعْفَرِ بْنُ القَعْقاعِ: (p-٥٩٠)"نَكَدا"؛ بِفَتْحِ النُونِ؛ والكافِ؛ وقالَ الزَجّاجُ: وهي قِراءَةُ أهْلِ المَدِينَةِ.
﴿كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآياتِ﴾ ؛ أيْ: هَكَذا نُبَيِّنُ الأُمُورَ؛ و"يَشْكُرُونَ"؛ مَعْناهُ: يُؤْمِنُونَ بِآلاءِ اللهِ تَعالى ؛ ويُثْنُونَ.
{"ayahs_start":57,"ayahs":["وَهُوَ ٱلَّذِی یُرۡسِلُ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَقَلَّتۡ سَحَابࣰا ثِقَالࣰا سُقۡنَـٰهُ لِبَلَدࣲ مَّیِّتࣲ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَاۤءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰتِۚ كَذَ ٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ","وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّیِّبُ یَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِی خَبُثَ لَا یَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدࣰاۚ كَذَ ٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَشۡكُرُونَ"],"ayah":"وَهُوَ ٱلَّذِی یُرۡسِلُ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَقَلَّتۡ سَحَابࣰا ثِقَالࣰا سُقۡنَـٰهُ لِبَلَدࣲ مَّیِّتࣲ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَاۤءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰتِۚ كَذَ ٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق