الباحث القرآني

(p-٤٢١)ولَمّا كانَ دَوامُ الصَّلاحِ لا يَكُونُ إلّا بِالغَيْثِ - وهو مِن أجَلِّ أنْواعِ الرَّحْمَةِ - وهو لا يَكُونُ إلّا بِالسَّحابِ، وهو لا يَكُونُ إلّا بِالرِّيحِ، قالَ تَعالى عاطِفًا عَلى: ﴿إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ٥٤] تَنْبِيهًا بَعْدَ تَحْقِيقِ المَبْدَإ عَلى تَحْقِيقِ المَعادِ: ﴿وهُوَ﴾ أيْ: لا غَيْرُهُ ﴿الَّذِي يُرْسِلُ﴾ أيْ: بِالتَّحْرِيكِ ﴿الرِّياحَ﴾ هَذا في قِراءَةِ الجَماعَةِ، وأنْواعُها خَمْسٌ: جَنُوبٌ وشَمالٌ وصَبًا ودَبُورٌ ونَكْباءُ، وهي كُلُّ رِيحٍ انْحَرَفَتْ فَوَقَعَتْ بَيْنَ رِيحَيْنِ، ووَحَّدَ ابْنُ كَثِيرٍ وحَمْزَةُ والكِسائِيُّ عَلى إرادَةِ الجِنْسِ ﴿بُشْرًا﴾ بِضَمَّتَيْنِ في قِراءَةِ أهْلِ الحِجازِ والبَصْرَةِ، أيْ: مُنْتَشِرَةً جَمْعُ نُشُورٍ مِنَ النَّشْرِ، وهو بَسْطُ ما كانَ مَطْوِيًّا [وتَفْرِيقُهُ في كُلِّ وجْهٍ لا لِذاتِ الرِّيحِ وإلّا لَدامَ ذَلِكَ مِنها ولا بِقُوَّةِ فَلَكٍ أوْ نَجْمٍ لِأنَّ نِسْبَتَهُما إلى الهَواءِ واحِدَةٌ] ﴿بَيْنَ يَدَيْ﴾ أيْ: قِبَلَ ﴿رَحْمَتِهِ﴾ أيْ: المَطَرِ، ولَعَلَّهُ عَبَّرَ فِيهِ بِاليَدَيْنِ: اليُمْنى واليُسْرى، لِدِلالَتِهِ - مَعَ ما فِيهِ مِنَ الفَخامَةِ - عَلى أنَّهُ تارَةً يَكُونُ رَحْمَةً وتارَةً يَكُونُ عَذابًا كَما كانَ عَلى قَوْمِ نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وإنْ كانَتْ الرَّحْمَةُ فِيهِ أغْلَبَ وهي ذاتُ اليَمِينِ، وتارَةً تَكُونُ الرِّياحُ جامِعَةً لَها لِحِفْظِ الماءِ، وتارَةً مُفَرِّقَةً مُبْطِلَةً لَها، وتارَةً تَكُونُ مُقَوِّمَةً لِلزُّرُوعِ والأشْجارِ مُكَمِّلَةً لَها وهي اللَّواقِحُ، وتارَةً تَكُونُ مُنَمِّيَةً لَها أوْ مُهْلِكَةً كَما يَكُونُ في الخَرِيفِ، وتارَةً تَكُونُ طَيِّبَةً وتارَةً مُهْلِكَةً إمّا بِشِدَّةِ الحَرارَةِ والبُرُودَةِ. ثُمَّ غَيّى الإرْسالَ بِقَوْلِهِ: ﴿حَتّى إذا أقَلَّتْ سَحابًا﴾ أيْ: حَمَلَتْها (p-٤٢٢)لِقِلَّتِها عِنْدَها لِخِفَّتِها عَلَيْها ﴿ثِقالا﴾ أيْ: بِالماءِ؛ ولَمّا دَلَّ عَلى العَظَمَةِ بِالجَمْعِ وحَقَّقَ الأمْرَ بِالوَصْفِ - أفْرَدَ اللَّفْظَ دِلالَةً عَلى غايَةِ العَظَمَةِ بِسَوْقِهِ مُجْتَمِعًا كَأنَّهُ قِطْعَةٌ واحِدَةٌ، لا يَفْتَرِقُ جُزْءٌ مِنهُ عَنْ سائِرِهِ إذْ لَوْ تَفَرَّقَ لاخْتَلَّ أمْرُهُ، فَقالَ: ﴿سُقْناهُ لِبَلَدٍ﴾ أيْ: لِأجْلِهِ وإلَيْهِ ﴿مَيِّتٍ﴾ أيْ: بِعَدَمِ النَّباتِ ﴿فَأنْـزَلْنا﴾ أيْ: بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿بِهِ﴾ أيْ: البَلَدِ، أوْ بِسَبَبِ ذَلِكَ السَّحابِ ﴿الماءَ﴾ أيْ: هَذا الجِنْسَ، وأشارَ إلى عَظَمَةِ الإنْباتِ بِالنُّونِ، فَقالَ: ﴿فَأخْرَجْنا بِهِ﴾ أيْ: بِالماءِ ﴿مِن كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ أيْ: الحَقِيقِيَّةِ عَلى الأشْجارِ، والمَجازِيَّةِ مِنَ النَّباتِ وحُبُوبِهِ، ولَمّا كانَ هَذا - مَعَ ما فِيهِ مِنَ التَّذْكِيرِ بِالنِّعْمَةِ المُقْتَضِيَةِ لِتَوْحِيدِهِ بِالدَّعْوَةِ - دَلِيلًا ثانِيًا في غايَةِ الدِّلالَةِ عَلى القُدْرَةِ عَلى البَعْثِ - قالَ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ﴾ أيْ: مِثْلُ ما أخْرَجْنا هَذا النَّباتَ مِنَ الأرْضِ بَعْدَ أنْ لَمْ يَكُنْ ﴿نُخْرِجُ المَوْتى﴾ أيْ: مِنَ الأرْضِ بَعْدَ أنْ صارُوا تُرابًا ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ أيْ: قُلْنا هَذا لِتَكُونَ حالُكم حالَ مَن يُرْجى تَذَكُّرُ هَذِهِ الآيَةِ المُشاهَدَةِ القَرِيبَةِ المَأْخَذِ ولَوْ عَلى أدْنى وُجُوهِ التَّذَكُّرِ بِما أشارَ إلَيْهِ الإدْغامُ؛ لِأنَّهُ - سُبْحانَهُ - كَما قَدَرَ عَلى إعادَةِ النَّباتِ بِجَمْعِ الماءِ لَهُ مِن جَوْفِ الأرْضِ بَعْدَ أنْ كانَ تَغَيَّبَ في الأرْضِ وصارَ تُرابًا، وأحْيا الشَّجَرَةَ بَعْدَ أنْ كانَتْ لا رُوحَ لَها بِإيداعِ الثَّمَرَةِ الَّتِي هي رُوحُها - فَهو (p-٤٢٣)قادِرٌ عَلى إعادَةِ الأشْباحِ وإيداعِها الأرْواحَ كَما كانَتْ أوَّلَ مَرَّةٍ؛ لِأنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ الإخْراجَيْنِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب