﴿وَهُوَ ٱلَّذِی یُرۡسِلُ ٱلرِّیَـٰحَ بُشۡرَۢا بَیۡنَ یَدَیۡ رَحۡمَتِهِۦۖ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَقَلَّتۡ سَحَابࣰا ثِقَالࣰا سُقۡنَـٰهُ لِبَلَدࣲ مَّیِّتࣲ فَأَنزَلۡنَا بِهِ ٱلۡمَاۤءَ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَ ٰتِۚ كَذَ ٰلِكَ نُخۡرِجُ ٱلۡمَوۡتَىٰ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾ [الأعراف ٥٧]
﴿وهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى إذا أقَلَّتْ سَحابًا ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأنْزَلْنا بِهِ الماءَ فَأخْرَجْنا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَراتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتى لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ ﴿والبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإذْنِ رَبِّهِ والَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ [الأعراف: ٥٨] ﴿لَقَدْ أرْسَلْنا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَقالَ ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ إنِّي أخافُ عَلَيْكم عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ [الأعراف: ٥٩] ﴿قالَ المَلَأُ مِن قَوْمِهِ إنّا لَنَراكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ [الأعراف: ٦٠] ﴿قالَ ياقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ ولَكِنِّي رَسُولٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦١] ﴿أُبَلِّغُكم رِسالاتِ رَبِّي وأنْصَحُ لَكم وأعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٦٢] ﴿أوَعَجِبْتُمْ أنْ جاءَكم ذِكْرٌ مِن رَبِّكم عَلى رَجُلٍ مِنكم لِيُنْذِرَكم ولِتَتَّقُوا ولَعَلَّكم تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٦٣] ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأنْجَيْناهُ والَّذِينَ مَعَهُ في الفُلْكِ وأغْرَقْنا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إنَّهم كانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦٤] ﴿وإلى عادٍ أخاهم هُودًا قالَ ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ أفَلا تَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ٦٥] ﴿قالَ المَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ إنّا لَنَراكَ في سَفاهَةٍ وإنّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذِبِينَ﴾ [الأعراف: ٦٦] ﴿قالَ ياقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ ولَكِنِّي رَسُولٌ مِن رَبِّ العالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٦٧] ﴿أُبَلِّغُكم رِسالاتِ رَبِّي وأنا لَكم ناصِحٌ أمِينٌ﴾ [الأعراف: ٦٨] ﴿أوَعَجِبْتُمْ أنْ جاءَكم ذِكْرٌ مِن رَبِّكم عَلى رَجُلٍ مِنكم لِيُنْذِرَكم واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكم خُلَفاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وزادَكم في الخَلْقِ بَسْطَةً فاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [الأعراف: ٦٩] ﴿قالُوا أجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وحْدَهُ ونَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ﴾ [الأعراف: ٧٠] ﴿قالَ قَدْ وقَعَ عَلَيْكم مِن رَبِّكم رِجْسٌ وغَضَبٌ أتُجادِلُونَنِي في أسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أنْتُمْ وآباؤُكم ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِن سُلْطانٍ فانْتَظِرُوا إنِّي مَعَكم مِنَ المُنْتَظِرِينَ﴾ [الأعراف: ٧١] ﴿فَأنْجَيْناهُ والَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وما كانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٧٢] ﴿وإلى ثَمُودَ أخاهم صالِحًا قالَ ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكم هَذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكم آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ في أرْضِ اللَّهِ ولا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكم عَذابٌ ألِيمٌ﴾ [الأعراف: ٧٣] ﴿واذْكُرُوا إذْ جَعَلَكم خُلَفاءَ مِن بَعْدِ عادٍ وبَوَّأكم في الأرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِها قُصُورًا وتَنْحِتُونَ الجِبالَ بُيُوتًا فاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ ولا تَعْثَوْا في الأرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ [الأعراف: ٧٤] ﴿قالَ المَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَن آمَنَ مِنهم أتَعْلَمُونَ أنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِن رَبِّهِ قالُوا إنّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ [الأعراف: ٧٥] ﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إنّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾ [الأعراف: ٧٦] ﴿فَعَقَرُوا النّاقَةَ وعَتَوْا عَنْ أمْرِ رَبِّهِمْ وقالُوا ياصالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ المُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٧٧] ﴿فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأصْبَحُوا في دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾ [الأعراف: ٧٨] ﴿فَتَوَلّى عَنْهم وقالَ ياقَوْمِ لَقَدْ أبْلَغْتُكم رِسالَةَ رَبِّي ونَصَحْتُ لَكم ولَكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٧٩] ﴿ولُوطًا إذْ قالَ لِقَوْمِهِ أتَأْتُونَ الفاحِشَةَ ما سَبَقَكم بِها مِن أحَدٍ مِنَ العالَمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٠] ﴿إنَّكم لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِن دُونِ النِّساءِ بَلْ أنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ [الأعراف: ٨١] ﴿وما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إلّا أنْ قالُوا أخْرِجُوهم مِن قَرْيَتِكم إنَّهم أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف: ٨٢] ﴿فَأنْجَيْناهُ وأهْلَهُ إلّا امْرَأتَهُ كانَتْ مِنَ الغابِرِينَ﴾ [الأعراف: ٨٣] ﴿وأمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُجْرِمِينَ﴾ [الأعراف: ٨٤] ﴿وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْبًا قالَ ياقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكم مِن إلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكم فَأوْفُوا الكَيْلَ والمِيزانَ ولا تَبْخَسُوا النّاسَ أشْياءَهم ولا تُفْسِدُوا في الأرْضِ بَعْدَ إصْلاحِها ذَلِكم خَيْرٌ لَكم إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأعراف: ٨٥]أقَلَّ الشَّيْءَ: حَمَلَهُ ورَفَعَهُ مِن غَيْرِ مَشَقَّةٍ، ومِنهُ إقْلالُ البَطْنِ عَنِ الفَخِذِ في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ ومِنهُ القُلَّةُ؛ لِأنَّ البَعِيرَ يَحْمِلُها مِن غَيْرِ مَشَقَّةٍ وأصْلُهُ مِنَ القُلَّةِ فَكانَ المُقِلُّ يَرى ما يَرْفَعُهُ قَلِيلًا واسْتَقَلَّ بِهِ أقَلَّهُ، السَّوْقُ حَمْلُ الشَّيْءِ بِعُنْفٍ. النَّكِدُ العُسْرُ القَلِيلُ. قالَ الشّاعِرُ:
لا تُنْجِزُ الوَعْدَ إنْ وعَدْتَ وإنْ أعْطَيْتَ أعْطَيْتَ تافِهًا نَكِدًا
ونَكِدَ الرَّجُلُ سُئِلَ إلْحافًا وأُخْجِلَ. قالَ الشّاعِرُ:
وأعْطِ ما أعْطَيْتَهُ طَيِّبًا ∗∗∗ لا خَيْرَ في المَنكُودِ والنّاكِدِ
الآلاءُ: النِّعَمُ واحِدُها إلًى كَمِعًى. أنْشَدَ الزَّجّاجُ:
أبْيَضُ لا يَرْهَبُ الهُزالَ ولا ∗∗∗ يَقْطَعُ رُحْمًا ولا يَخُونُ إلًى
وإلى بِمَعْنى الوَقْتِ، أوْ ألًى كَقَفًا وألْي كَحَسْيٍ، أوْ إلْوٌ كَجِرْوٍ، وقَعَ، قالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ قَرَعَ وصَدَرَ كَوُقُوعِ المِيقَعَةِ، وقالَ غَيْرُهُ: نَزَلَ والواقِعَةُ النّازِلَةُ مِنَ الشَّدائِدِ، والوَقائِعُ الحُرُوبُ والمِيقَعَةُ المِطْرَقَةُ. قالَ بَعْضُ أُدَبائِنا:
ذُو الفَضْلِ كالتِّبْرِ طَوْرًا تَحْتَ مِيقَعَةٍ ∗∗∗ وتارَةً في ذُرى تاجٍ عَلى مَلِكٍ
ثَمُودُ اسْمُ قَبِيلَةٍ سُمِّيَتْ بِاسْمِ أبِيها ويَأْتِي ذِكْرُهُ في التَّفْسِيرِ إنْ شاءَ اللَّهُ. النّاقَةُ الأُنْثى مِنَ الجِمالِ وألِفُها مُنْقَلِبَةٌ عَنِ الواوِ وجَمْعُها في القِلَّةِ أنْوُقٌ، وأنْيُقٌ، وفِيهِ القَلْبُ والإبْدالُ، وفي الكَثْرَةِ نِياقٌ ونُوقٌ واسْتَنْوَقَ الجَمَلُ إذا صارَ يُشْبِهُ النّاقَةَ. السَّهْلُ ما لانَ مِنَ الأرْضِ وانْخَفَضَ وهو ضِدُّ الحَزْنِ. القَصْرُ الدّارُ الَّتِي قُصِرَتْ عَلى بُقْعَةٍ مِنَ الأرْضِ مَخْصُوصَةٍ بِخِلافِ بُيُوتِ العَمُودِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقُصُورِ النّاسِ عَنِ ارْتِقائِهِ، أوْ لِقُصُورِ عامَّتِهِمْ عَنْ بِنائِهِ. النَّحْتُ: النَّجْرُ والنَّشْرُ في الشَّيْءِ الصُّلْبِ كالحَجَرِ والخَشَبِ. قالَ الشّاعِرُ:
أمّا النَّهارُ فَفي قَيْدٍ وسِلْسِلَةٍ ∗∗∗ واللَّيْلُ في بَطْنٍ مَنحُوتٍ مِنَ السّاجِ
عَقَرْتَ النّاقَةَ: قَتَلْتَها فَهي مَعْقُورَةٌ وعَقِيرٌ، ومِنهُ مَن عَقَرَ جَوادَهُ. قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ. وقالَ الأزْهَرِيُّ العَقْرُ عِنْدَ العَرَبِ كَشْفُ عُرْقُوبِ البَعِيرِ، ولَمّا كانَ سَبَبًا لِلنَّحْرِ أُطْلِقَ العَقْرُ عَلى النَّحْرِ إطْلاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلى المُسَبِّبِ وإنْ لَمْ يَكُنْ هُناكَ قَطْعٌ لِلْعُرْقُوبِ. قالَ امْرُؤُ القَيْسِ:
ويَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعَذارى مَطِيَّتِي ∗∗∗ فَيا عَجَبًا مِن كَوْرِها المُتَحَمَّلِ
وقالَ غَيْرُهُ: والعَقْرُ بِمَعْنى الجَرْحِ. قالَ:
تَقُولُ وقَدْ مالَ الغَبِيطُ بِنا مَعًا ∗∗∗ عَقَرْتَ بِعِيرِي يا امْرَأ القَيْسِ فانْزِلِ
عَتا يَعْتُو عُتُوًّا: اسْتَكْبَرَ. الرَّجْفَةُ الطّامَّةُ الَّتِي يَرْجُفُ لَها الإنْسانُ، أيْ: يَتَزَعْزَعُ ويَضْطَرِبُ ويَرْتَعِدُ، ومِنهُ تَرْجُفُ بَوادِرُهُ وأصْلُ الرَّجْفِ الِاضْطِرابُ رَجَفَتِ الأرْضُ، والبَحْرُ رَجّافٌ لِاضْطِرابِهِ، وأرْجَفَ النّاسُ بِالشَّرِّ خاضُوا فِيهِ واضْطَرَبُوا، ومِنهُ الأراجِيفُ، ورَجَفَ بِهِمُ الجَبَلُ. قالَ الشّاعِرُ:
ولَمّا رَأيْتُ الحَجَّ قَدْ حانَ وقْتُهُ ∗∗∗ وظَلَّتْ جِمالُ القَوْمِ بِالحَيِّ تَرْجُفُ
الجُثُومُ: اللُّصُوقُ بِالأرْضِ عَلى الصَّدْرِ مَعَ قَبْضِ السّاقَيْنِ كَما يَرْقُدُ الأرْنَبُ والطَّيْرُ. غَبَرَ: بَقِيَ. قالَ أبُو ذُؤَيْبٍ:
فَغَبَرْتُ بَعْدَهُمُ بِعَيْشٍ ناضِبٍ ∗∗∗ وإخالُ أنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبَعُ
هَذا المَشْهُورُ في اللُّغَةِ، ومِنهُ غَبَرَ الحَيْضُ. قالَ أبُو بَكْرٍ الهُذَلِيُّ:
ومُبَرَّأٌ مِن كُلِّ غُبَّرِ حَيْضَةٍ ∗∗∗ وفَسادِ مُرْضِعَةٍ وداءٍ مُغِيلِ
وغُبْرُ اللَّبَنِ في الضَّرْعِ بَقِيَّتُهُ، وحَكى أهْلُ اللُّغَةِ غَبَرَ بِمَعْنى مَضى، قالَ الأعْشى:
عَضَّ بِما ألْقى المُواسِي لَهُ ∗∗∗ مِن أُمِّهِ في الزَّمَنِ الغابِرِ
وبِمَعْنى غابَ، ومِنهُ غَبَرَ عَنّا زَمانًا، أيْ: غابَ. قالَهُ الزَّجّاجُ، وقالَ أبُو عُبَيْدَةَ غَبَرَ عُمَرُ دَهْرًا طَوِيلًا حَتّى هَرِمَ، المَطَرُ مَعْرُوفٌ، وقالَ أبُو عُبَيْدٍ يُقالُ في الرَّحْمَةِ مَطَرٌ وفي العَذابِ أمْطَرَ، وهَذا مَعارَضٌ بِقَوْلِهِ:
﴿هَذا عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾ [الأحقاف: ٢٤] فَإنَّهم لَمْ يُرِيدُوا إلّا الرَّحْمَةَ وكِلاهُما مُتَعَدٍّ، يُقالُ مَطَرَتْهُمُ السَّماءُ وأمْطَرَتْهم، شُعَيْبٌ: اسْمُ نَبِيٍّ، وسَيَأْتِي ذِكْرُ نَسَبِهِ في التَّفْسِيرِ إنْ شاءَ اللَّهُ.
﴿وهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ لَمّا ذَكَرَ تَعالى الدَّلائِلَ عَلى كَمالِ إلَهِيَّتِهِ وقُدْرَتِهِ وعِلْمِهِ مِنَ العالَمِ العُلْوِيِّ أتْبَعَهُما بِالدَّلائِلِ مِنَ العالَمِ السُّفْلِيِّ وهي مَحْصُورَةٌ في آثارِ العالَمِ العُلْوِيِّ، ومِنها الرِّيحُ والسَّحابُ والمَطَرُ وفي المَعْدِنِ والنَّباتِ والحَيَوانِ، ويَتَرَتَّبُ عَلى نُزُولِ المَطَرِ أحْوالُ النَّباتِ وذَلِكَ هو المَذْكُورُ في الآيَةِ وانْجَرَّ مَعَ ذَلِكَ الدَّلالَةُ عَلى صِحَّةِ الحَشْرِ والنَّشْرِ والبَعْثِ والقِيامَةِ، وانْتَظَمَتْ هاتانِ الآيَتانِ مُحَصِّلَتَيْنِ المَبْدَأ والمَعادَ وجُعِلَ الخَبَرُ مَوْصُولًا في أنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي، وفي وهو الَّذِي دَلالَةٌ عَلى كَوْنِ ذَلِكَ مَعْهُودًا عِنْدَ السّامِعِ مَفْرُوغًا مِن تَحَقُّقِ النِّسْبَةِ فِيهِ والعِلْمِ بِهِ ولَمْ يَأْتِ التَّرْكِيبُ إنَّ رَبَّكم خَلَقَ ولا وهو يُرْسِلُ الرِّياحَ، وقَرَأ (الرِّياحَ نُشُرًا) جَمْعَيْنِ وبِضَمِّ الشِّينِ جَمْعُ ناشِرٍ عَلى النَّسَبِ، أيْ: ذاتُ نَشْرٍ مِنَ الطَّيِّ كَلابِنٍ وتامِرٍ وقالُوا نازِلٌ ونُزُلٌ وشارِفٌ وشُرُفٌ، وهو جَمْعٌ نادِرٌ في فاعِلٍ، أوْ نُشُورٌ مِنَ الحَياةِ، أوْ جَمْعُ نَشُورٍ كَصَبُورٍ وصُبُرٍ وهو جَمْعٌ مَقِيسٌ لا جَمْعُ نُشُورٍ بِمَعْنى مَنشُورٍ، خِلافًا لِمَن أجازَ ذَلِكَ؛ لِأنَّ فُعُولًا كَرُكُوبٍ بِمَعْنى مَرْكُوبٍ لا يَنْقاسُ ومَعَ كَوْنِهِ لا يَنْقاسُ لا يُجْمَعُ عَلى فِعْلٍ: الحَسَنُ، والسُّلَمِيُّ، وأبُو رَجاءٍ، واخْتَلَفَ عَنْهم والأعْرَجُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وشَيْبَةُ، وعِيسى بْنُ عُمَرَ، وأبُو يَحْيى، وأبُو نَوْفَلٍ الأعْرابِيّانِ، ونافِعٌ، وأبُو عَمْرٍو، وقَرَأ كَذَلِكَ جَمْعًا إلّا أنَّهم سَكَّنُوا الشِّينَ تَخْفِيفا مِنَ الضَّمِّ كَرُسْلٍ - عَبْدُ اللَّهِ، وابْنُ عَبّاسٍ وزِرٌّ، وابْنُ وثّابٍ والنَّخَعِيُّ وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ والأعْمَشُ ومَسْرُوقٌ، وابْنُ عامِرٍ، وقَرَأ نَشَرًا بِفَتْحِ النُّونِ والشِّينِ مَسْرُوقٌ فِيما حَكى عَنْهُ أبُو الفَتْحِ، وهو اسْمُ جَمْعٍ كَغَيَبٍ ونَشَئٍ في غائِبَةٍ وناشِئَةٍ، وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ الرِّيحَ مُفْرَدًا نُشُرًا بِالنُّونِ وضَمِّها وضَمِّ الشِّينِ فاحْتَمَلَ نُشُرًا أنْ يَكُونَ جَمْعًا حالًا مِنَ المُفْرَدِ؛ لِأنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الجِنْسُ كَقَوْلِهِمْ: العَرَبُ هُمُ البِيضُ واحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ مُفْرَدًا كَناقَةٍ سُرُحٍ، وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: نَشْرًا، بِفَتْحِ النُّونِ وسُكُونِ الشِّينِ مَصْدَرًا كَنَشْرٍ خِلافَ طَوى، أوْ كَنَشَرَ بِمَعْنى حَيَّ، مِن قَوْلِهِمْ أنْشَرَ اللَّهُ المَوْتى فَنَشَرُوا، أيْ: حَيَوْا. قالَ الشّاعِرُ:
حَتّى يَقُولَ النّاسُ مِمّا رَأوْا ∗∗∗ يا عَجَبًا لِلْمَيِّتِ النّاشِرِ
وقَرَأ (الرِّياحَ) جَمْعًا ابْنُ عَبّاسٍ والسُّلَمِيُّ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ (بُشُرًا) بِضَمِّ الباءِ والشِّينِ ورُوِيَتْ عَنْ عاصِمٍ وهو جَمْعُ بَشِيرَةٍ كَنَذِيرَةٍ ونُذُرٍ، وقَرَأ عاصِمٌ كَذَلِكَ إلّا أنَّهُ سَكَّنَ الشِّينَ تَخْفِيفًا مِنَ الضَّمِّ، وقَرَأ السُّلَمِيُّ أيْضًا (بَشْرًا) بِفَتْحِ الباءِ وسُكُونِ الشِّينِ، وهو مَصْدَرُ بَشَرَ المُخَفَّفُ، ورُوِيَتْ عَنْ عاصِمٍ، وقَرَأ ابْنُ السَّمَيْفَعِ، وابْنُ قُطَيْبٍ: بُشْرى، بِألِفٍ مَقْصُورَةٍ كَرُجْعى، وهو مَصْدَرٌ فَهَذِهِ ثَمانِي قِراءاتٍ أرْبَعَةٌ في النُّونِ وأرْبَعٌ في الباءِ، فَمَن قَرَأ بِالباءِ جَمْعًا، أوْ مَصْدَرًا بِألِفِ التَّأْنِيثِ فَفي مَوْضِعِ الحالِ مِنَ المَفْعُولِ، أوْ مَصْدَرًا بِغَيْرِ ألِفِ التَّأْنِيثِ فَيُحْتَمَلُ ذَلِكَ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الفاعِلِ ومَن قَرَأ بِالنُّونِ جَمْعًا، أوِ اسْمَ جَمْعٍ فَحالٌ مِنَ المَفْعُولِ، أوْ مَصْدَرًا فَيُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ حالًا مِنَ الفاعِلِ، وأنْ يَكُونَ حالًا مِنَ المَفْعُولِ، أوْ مَصْدَرًا لِيُرْسِلَ مِنَ المَعْنى؛ لِأنَّ إرْسالَها هو إطْلاقُها وهو بِمَعْنى النَّشْرِ فَكَأنَّهُ قِيلَ بِنَشْرِ الرِّياحِ نَشْرًا ووَصْفُ الرِّيحِ بِالنَّشْرِ بِأحَدِ مَعْنَيَيْنِ بِخِلافِ الطَّيِّ وبِالحَياةِ، قالَ أبُو عُبَيْدَةَ في النَّشْرِ: إنَّها المُتَفَرِّقَةُ في الوُجُوهِ، وقالَ الشّاعِرُ في وصْفِ الرِّيحِ بِالإحْياءِ والمَوْتِ:
وهَبَّتْ لَهُ رِيحُ الجَنُوبِ وأحْيَيَتْ ∗∗∗ لَهُ رَيْدَةٌ يُحْيِي المِياهَ نَسِيمُها
والرَّيْدَةُ والمُرِيدُ أنَّهُ الرِّيحُ. وقالَ الآخَرُ:
إنِّي لَأرْجُوَ أنْ تَمُوتَ الرِّيحُ ∗∗∗ فَأقْعُدُ اليَوْمَ وأسْتَرِيحُ
ومَعْنى
﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾ أمّا نِعْمَتُهُ وهو المَطَرُ الَّذِي هو مِن أجَلِّ النِّعَمِ وأحْسَنِها أثَرًا والتَّعْيِينُ عَنْ إمامِ الرَّحْمَةِ بِقَوْلِهِ: (بَيْنَ يَدَيَّ) مِن مَجازِ الِاسْتِعارَةِ إذِ الحَقِيقَةُ هو ما بَيْنَ يَدَيِ الإنْسانِ مِنَ الإحْرامِ وقالَ الكِرْمانِيُّ: قالَ هُنا (يُرْسِلُ)؛ لِأنَّ قَبْلَ ذَلِكَ
﴿وادْعُوهُ خَوْفًا وطَمَعًا﴾ [الأعراف: ٥٦] فَهُما في المُسْتَقْبَلِ فَناسَبَهُ المُسْتَقْبَلُ وفي الفُرْقانِ وفاطِرٍ (أرْسَلَ)؛ لِأنَّ قَبْلَهُ
﴿ألَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان: ٤٥] وبَعْدَهُ
﴿وهُوَ الَّذِي مَرَجَ﴾ [الفرقان: ٥٣] وكَذا في الرُّومِ
﴿ومِن آياتِهِ أنْ يُرْسِلَ﴾ [الروم: ٤٦] لِيُوافِقَ ما قَبْلَهُ مِنَ المُسْتَقْبَلِ وفي فاطِرٍ قَبْلَهُ
﴿الحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ جاعِلِ المَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أجْنِحَةٍ﴾ [فاطر: ١] وذَلِكَ ماضٍ فَناسَبَهُ الماضِي. انْتَهى مُلَخَّصًا.
﴿حَتّى إذا أقَلَّتْ سَحابًا ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ . هَذِهِ غايَةٌ لِإرْسالِ الرِّياحِ، والمَعْنى: أنَّهُ تَعالى يُرْسِلُ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ، أوْ مُبَشِّراتٌ إلى سَوْقِ السَّحابِ وقْتَ إقْلالِهِ إلى بَلَدٍ مَيِّتٍ، والسَّحابُ اسْمُ جِنْسٍ بَيْنَهُ وبَيْنَ مُفْرَدِهِ تاءُ التَّأْنِيثِ فَيُذَكَّرُ كَقَوْلِهِ:
﴿والسَّحابِ المُسَخَّرِ﴾ [البقرة: ١٦٤] كَقَوْلِهِ:
﴿يُزْجِي سَحابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ [النور: ٤٣] ويُؤَنَّثُ ويُوصَفُ ويُخْبَرُ عَنْهُ بِالجَمْعِ كَقَوْلِهِ:
﴿ويُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ﴾ [الرعد: ١٢] وكَقَوْلِهِ:
﴿والنَّخْلَ باسِقاتٍ﴾ [ق: ١٠] وثَقَّلَهُ بِالماءِ الَّذِي فِيهِ، ونَسَبَ السَّوْقَ إلَيْهِ تَعالى بِنُونِ العَظَمَةِ التِفافًا لِما فِيهِ مِن عَظِيمِ المِنَّةِ، وذَكَرَ الضَّمِيرَ في
﴿سُقْناهُ﴾ رَعْيًا لِلَّفْظِ كَما قُلْنا إنَّهُ يُذَكَّرُ. وقالَ السُّدِّيُّ يُرْسِلُ تَعالى الرِّياحَ فَتَأْتِي السَّحابُ مِن بَيْنِ الخافِقَيْنِ طَرَفَ السَّماءِ والأرْضِ حَيْثُ يَلْتَقِيانِ فَيُخْرِجُهُ مِن ثَمَّ، ثُمَّ يَنْتَشِرُ ويَبْسُطُهُ في السَّماءِ وتُفْتَحُ أبْوابُ السَّماءِ ويَسِيلُ الماءُ عَلى السَّحابِ، ثُمَّ يُمْطِرُ السَّحابُ بَعْدَ ذَلِكَ قالَ: وهَذا التَّفْصِيلُ لَمْ يَثْبُتُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ . انْتَهى. ومَذْهَبُ أهْلِ الحَقِّ أنَّ اللَّهَ تَعالى هو الَّذِي يُسَخِّرُ الرِّياحَ ويَصْرِفُها حَيْثُ أرادَ بِمَشِيئَتِهِ، وتَقْدِيرُهُ لا مُشارِكَ لَهُ في ذَلِكَ، ولِلْفَلاسِفَةِ كَيْفِيَّةٌ في حُصُولِ الرِّياحِ، ذَكَرَها أبُو عَبْدِ اللَّهِ الرّازِيُّ وأبْطَلَها مِن وُجُوهٍ أرْبَعَةٍ يُوقَفُ عَلَيْها في كَلامِهِ ولِلْمُنَجِّمِينَ أيْضًا كَلامٌ في ذَلِكَ أبْطَلَهُ، وقالَ في آخِرِهِ: فَثَبَتَ بِهَذا البُرْهانِ أنَّ مُحَرِّكَ الرِّياحِ هو اللَّهُ تَعالى وثَبَتَ بِالدَّلِيلِ العَقْلِيِّ صِحَّةُ قَوْلِهِ:
﴿وهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾ .
وعَنِ ابْنِ عِمْرانَ: الرِّياحُ ثَمانٍ، أرْبَعٌ مِنها عَذابٌ هي: القاصِفُ والعاصِفُ والصَّرْصَرُ والعَقِيمُ وأرْبَعٌ مِنها رَحْمَةٌ: النّاشِراتُ والمُبَشِّراتُ والمُرْسَلاتُ والذّارِياتُ، واللّامُ في
﴿لِبَلَدٍ﴾ عِنْدِي لامُ التَّبْلِيغِ كَقَوْلِكَ قُلْتُ لَكَ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِأجْلِ بَلَدٍ فَجَعَلَ اللّامَ لامَ العِلَّةِ ولا يَظْهَرُ فَرْقٌ بَيْنَ قَوْلِكَ سُقْتُ لَكَ مالًا وسُقْتُ لِأجْلِكَ مالًا فَإنَّ الأوَّلَ مَعْناهُ أوْصَلْتُهُ لَكَ وأبْلَغْتُكَهُ والثّانِي لا يَلْزَمُ مِنهُ وُصُولُهُ إلَيْهِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ الَّذِي وصَلَ لَهُ الماءُ غَيْرَ الَّذِي عُلِّلَ بِهِ السَّوْقُ، ألا تَرى إلى صِحَّةِ قَوْلِ القائِلِ لِأجْلِ زَيْدٍ سُقْتُ لَكَ مالَكَ. ووَصْفُ البَلَدِ بِالمَوْتِ اسْتِعارَةٌ حَسَنَةٌ لِجَدْبِهِ وعَدَمِ نَباتِهِ، كَأنَّهُ مِن حَيْثُ عَدَمِ الِانْتِفاعِ بِهِ كالجَسَدِ الَّذِي لا رُوحَ فِيهِ، ولَمّا كانَ ذَلِكَ مَوْضِعَ قُرْبِ رَحْمَةِ اللَّهِ وإظْهارَ إحْسانِهِ ذَكَرَ أخَصَّ الأرْضِ، وهو البَلَدُ حَيْثُ مُجْتَمَعُ النّاسِ ومَكانُ اسْتِقْرارِهِمْ، ولَمّا كانَ في سُورَةِ يس المَقْصِدُ إظْهارَ الآياتِ العَظِيمَةِ الدّالَّةِ عَلى البَعْثِ، جاءَ التَّرْكِيبُ بِاللَّفْظِ العامِّ، وهو قَوْلُهُ:
﴿وآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ المَيْتَةُ﴾ [يس: ٣٣] وبَعْدَهُ
﴿وآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنهُ النَّهارَ﴾ [يس: ٣٧] ﴿وآيَةٌ لَهم أنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [يس: ٤١] وسَكَّنَ ياءَ المَيِّتِ عاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو والأعْمَشُ.
﴿فَأنْزَلْنا بِهِ الماءَ﴾، الظّاهِرُ أنَّ الباءَ ظَرْفِيَّةٌ، والضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى بَلَدٍ مَيِّتٍ، أيْ: فَأنْزَلْنا فِيهِ الماءَ، وهو أقْرَبُ مَذْكُورٍ ويَحْسُنُ عَوْدُهُ إلَيْهِ فَلا يُجْعَلُ لِأبْعَدِ مَذْكُورٍ، وقِيلَ: الباءُ سَبَبِيَّةٌ والضَّمِيرُ عائِدٌ عَلى السَّحابِ. وقِيلَ: عائِدٌ عَلى المَصْدَرِ المَفْهُومِ مَن سُقْناهُ، فالتَّقْدِيرُ: بِالسَّحابِ، أوْ بِالسَّوْقِ، والثّالِثُ ضَعِيفٌ؛ لِأنَّهُ عائِدٌ عَلى غَيْرِ مَذْكُورٍ مَعَ وُجُودِ المَذْكُورِ وصَلاحِيَتِهِ لِلْعَوْدِ عَلَيْهِ. وقِيلَ: عائِدٌ عَلى السَّحابِ، والباءُ بِمَعْنى مِن، أيْ: فَأنْزَلْنا مِنهُ الماءَ كَقَوْلِهِ:
﴿يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ﴾ [الإنسان: ٦]، أيْ: مِنها، وهَذا لَيْسَ بِجَيِّدٍ؛ لِأنَّهُ تَضْمِينٌ مِنَ الحُرُوفِ.
﴿فَأخْرَجْنا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ الخِلافُ في (بِهِ) كالخِلافِ السّابِقِ في بِهِ. وقِيلَ: الأوَّلُ عائِدٌ عَلى السَّحابِ، والثّانِي عَلى البَلَدِ، عَدَلَ عَنْ كِنايَةٍ إلى كِنايَةٍ مِن غَيْرِ فاصِلٍ كَقَوْلِهِ:
﴿الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهم وأمْلى لَهُمْ﴾ [محمد: ٢٥] وفاعِلُ أمْلى لَهُمُ اللَّهُ تَعالى.
﴿كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتى لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾، أيْ: مِثْلُ هَذا الإخْراجِ نُخْرِجُ المَوْتى مِن قُبُورِهِمْ أحْياءً إلى الحَشْرِ، لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ بِإخْراجِ الثَّمَراتِ وإنْشائِها خُرُوجَكم لِلْبَعْثِ إذِ الإخْراجاتُ سَواءٌ، فَهَذا الإخْراجُ المُشاهَدُ نَظِيرُ الإخْراجِ المَوْعُودِ بِهِ. خَرَّجَ البَيْهَقِيُّ وغَيْرُهُ عَنْ رَزِينٍ العُقَيْلِيِّ قالَ:
«قُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُعِيدُ اللَّهُ الخَلْقَ وما آيَةُ ذَلِكَ في خَلْقِهِ ؟ قالَ: أما مَرَرْتَ بِوادِي قَوْمِكَ جَدْبًا، ثُمَّ مَرَرْتَ بِهِ خَضِرًا قالَ: نَعَمْ. قالَ: فَتِلْكَ آيَةُ اللَّهِ في خَلْقِهِ» . انْتَهى. وهَلِ التَّشْبِيهُ في مُطْلَقِ الإخْراجِ، ودَلالَةُ إخْراجِ الثَّمَراتِ عَلى القُدْرَةِ في إخْراجِ الأمْواتِ أمْ في كَيْفِيَّةِ الإخْراجِ، وأنَّهُ يَنْزِلُ مَطَرٌ عَلَيْهِمْ فَيَحْيَوْنَ كَما يَنْزِلُ المَطَرُ عَلى البَلَدِ المَيِّتِ فَيَحْيا نَباتُهُ احْتِمالانِ، وقَدْ رُوِيَ: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ يُمْطِرُ عَلَيْهِمْ مِن ماءٍ تَحْتَ العَرْشِ يُقالُ لَهُ ماءُ الحَيَوانِ أرْبَعِينَ سَنَةً فَيَنْبُتُونَ كَما يَنْبُتُ الزَّرْعُ فَإذا كَمُلَتْ أجْسامُهم نَفَخَ فِيها الرُّوحَ، ثُمَّ يُلْقِي عَلَيْهِمْ نَوْمَةً فَيَنامُونَ فَإذا نُفِخَ في الصُّورِ الثّانِيَةِ قامُوا وهم يَجِدُونَ طَعْمَ النَّوْمِ فَيَقُولُونَ يا ويْلَنا مَن بَعَثَنا مِن مَرْقَدِنا فَيُنادِيهِمُ المُنادِي: هَذا ما وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ المُرْسَلُونَ.