الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وهُوَ الذي يرسل الرياح نشرًا [[في (ب): ﴿بُشْرًا﴾، وهي قراءة سبعية كما في "السبعة" ص 283 وستأتي.]] بين يدي رحمته﴾، مضى الكلام في الرياح في سورة البقرة [[انظر: "البسيط" النسخة الأزهرية 1/ 101 أ.]] بأبلغ الاستقصاء، فأما قوله: ﴿نُشْرًا﴾. يقال [[في (ب): (فيقال).]] أنشر الله الريح مثل أحياها فنشرت هي أي: حييت والإنشار بمعنى: الإحياء يستعمل في الريح، وكذلك لفظ الإحياء [[انظر: "العين" 6/ 251، و"المنجد" لكراع ص 339، و"الجمهرة" 2/ 734، و"تهذيب اللغة" 4/ 3571، و"الصحاح" 2/ 827، و"المجمل" 3/ 868، و"مقاييس اللغة" 5/ 430، و"المفردات" ص 805، و"اللسان" 7/ 4423 (نشر).]]. قال المرّار [[المَرَّارُ بن سعيد بن حبيب الفقْعسي، أبو حسان، شاعر أموي مكثر. انظر: "الشعر والشعراء" ص 467، و"الأغاني" 10/ 366، و"معجم المرزباني" ص 304، و"الأعلام" 7/ 199.]]: وَهَبَّتْ لَهُ رِيحُ الجنُوبِ وأحْيَيَتْ ... لَهُ رَيْدَةُ يُحْي المِيَاةَ نَسِيمُهَا [[الشاهد في "الحجة" لأبي علي 4/ 35 - 36، و"تفسير ابن الجوزي" 3/ 217، و"اللسان" 3/ 1790 (ريد)، و"البحر المحيط" 4/ 316. وَرْيدَة أي: ريح لينة. انظر: "اللسان" 3/ 1790 (ريد).]] ومما يدل على ذلك أن الريح قد وصفت بالموت كما وصفت بالحياة. قال: إني لأَرْجُو أَنْ تَمُوتَ الرِّيحُ ... فَأُقْعُدُ اليَوْمَ وأَسْتَرِيحُ [[لم أهتد إلى قائله، وهو في "الحجة" لأبي علي 4/ 36، و"تفسير ابن الجوزي" 3/ 217، و"اللسان" 7/ 4295 (موت) و7/ 4423 (نشر)، و"البحر المحيط" 4/ 317، و"الدر المصون" 5/ 348.]] فقوله: ﴿نُشُرًا﴾ جمع: نشُور مثل رَسُول ورُسُل، والنشور بمعنى: المنتشر؛ كالرَّكوب معنى: المركوب، فكأن المعنى: رياح منتشرة، فمن قرأ ﴿الرِّيَاحَ﴾ [[قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: ﴿الرَّيَاحَ﴾ على التوحيد، وقرأ الباقون: ﴿الرِّيَاحَ﴾ بالجمع، وقرأ عاصم ﴿بُشْرًا﴾ بضم الباء وسكون الشين، وقرأ ابن عامر: ﴿نُشْرًا﴾ بضم النون وسكون الشين، وقرأ حمزة والكسائي: ﴿نَشْرًا﴾ بفتح النون، وسكون الشين، وقرأ الباقون: ﴿نُشُرًا﴾ بضم النون والشين. انظر: "السبعة" ص 283، و"المبسوط" ص 181، و"التذكرة" 2/ 420، و"التيسير" ص 110، و"النشر" 2/ 269 - 270.]] بالجمع حسن وصفها بقوله: ﴿نُشُرًا﴾ لأنه وصف الجمع بالجمع، ومن قرأ ﴿الرِّيح﴾ واحدة ﴿نُشُرًا﴾ جمعًا كقراءة ابن كثير، فإنه أراد بالريح الكثرة كقولهم: كثر الدرهم والدينار، والشاء [[في (أ): (الشاة)، وأصل النص في "الحجة" لأبي علي 4/ 23 وفيه: الشاء.]] والبعير، وكقوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: 2] ثم قال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، فلما كان المراد بالريح الجمع وصفها بالجمع، كقول عنترة: فِيهَا اثْنَتَانِ وأَرْبَعُونَ حَلُوبَةً ... سُودًا كَخَافِيَةِ الغُرابِ الأَسْحَمِ [["ديوانه" ص 17، و"الحجة" لأبي علي 4/ 33، و"الدر المصون" 5/ 350، والشاهد من معلقته المشهورة قال النحاس في "شرح المعلقات" 2/ 13 - 14: (الحلوبة المحلوبة يستعمل في الواحد والجميع على لفظ واحد، والخوافي أواخر == ريش الجناح مما يلي الظهر، والأسحم: الأسود) اهـ. وانظر: شرحه في "شرح القصائد السبع" لابن الأنباري ص 305.]] وقرأ ابن عامر: ﴿نُشْرًا﴾ خفف الشين كما يقال: كُتْبٌ ورُسْل، وقرأ حمزة والكسائي ﴿نَشْرًا﴾؛ والنشر مصدر نشرت الشيء ضد طويته، ويراد بالمصدر هاهنا المفعول، والرياح كأنها كانت بانقطاعها كالمطوية فأرسلها الله تعالى منشورة بعد إنطوائها، فقوله: ﴿نَشْرًا﴾ مصدر حال من الرياح، ويجوز أن يكون النشر هاهنا الذي هو الحياة من قولهم: أنشر الله الميت فنشر. قال الأعشى: يَا عَجَبَا لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ [["ديوانه" ص 93، و"مجاز القرآن" 2/ 70، و"الجمهرة" 2/ 734، و"الاشتقاق" ص 242، و"تهذيب اللغة" 4/ 3570، و"الصحاح" 2/ 828، و"الخصائص" 3/ 325، و"مقاييس اللغة" 5/ 430، و"اللسان" 7/ 4423 (نشر)، و"الدر المصون" 5/ 347 وصدره: حتَى يقول النَّاسُ مِمَّا رَأَوا. وفي "حاشية الديوان": (الناشر الذي بعث من قبره، والمعنى: وعندئذٍ يتعجب الناس مما يرون فيقولون: يا عجبا للميت الذي بعث من جديد) اهـ.]] فإذا حملته على ذلك -وهو الوجه- كان المصدر يراد به الفاعل، كما تقول: أتاني ركضًا أي: راكضًا، ويجوز أن يكون انتصاب قوله: ﴿نَشْرًا﴾ انتصاب المصادر لا الحال من باب (صُنْعَ الله)؛ لأنه إذا قال: ﴿يُرْسِلُ اَلريَاحَ﴾ دل هذا الكلام على نشر الريح نشرًا، وقرأ عاصم ﴿بُشْرًا﴾ جمع بشيرًا على (بُشْر) من قوله: ﴿يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ [الروم: 46] أي: تبشر بالمطر والرحمة. قال الفراء: (النُشر من الرياح الطيبة اللينة التي تنشئ السحاب) [["معاني الفراء" 1/ 381.]]. قال ابن الأنباري: (واحدها نشور، وأصل هذا من النَّشْر وهو الرائحة الطيبة) [[لم أقف عليه.]]. ومنه قول امرئ القيس: ............ ونَشْرَ القُطُرْ [["ديوانه" ص 69، و"المنجد" لكراع ص 339، و"تفسير الطبري" 8/ 209، و"تهذيب اللغة" 4/ 3571، و"الصحاح" 2/ 827، و"اللسان" 7/ 4423 (نشر)، والخزانة 9/ 231 وتمامه: كَأنَّ المُدَامَ وصَوْبَ الغَمَام ... ورِدحَ الخُزَامىَ ........ وفي "حاشية الديوان": (المدام: الخمر، وصوب الغمام: ماء السحاب، والخزامى: خيري البر وهو نبت حسن الريح، ونشر القطر: ريح العود الذي يتبخر به) اهـ.]] وقال أبو عبيدة: (﴿نُشُرًا﴾ أي: متفرقة من كل جانب) [["مجاز القرآن" 1/ 217، ومثله قال اليزيدي في "غريب القرآن" ص 146.]]. قال أبو بكر: (هي المنتشرة الواسعة الهبوب، والنشر: التفريق، ومنه نشر الثوب، ونشر الخشبة بالمنشار، والنشر المنتشر) [[ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 218، وانظر: "معاني الأخفش" 2/ 301، و"تفسير غريب القرآن" ص 178، و"معاني الزجاج" 2/ 345، و"تفسير الطبري" 8/ 209، و"نزهة القلوب" للسجستاني ص 454، و"معاني النحاس" 3/ 44.]]. وقرأ حمزة والكسائي: ﴿نَشْرًا﴾ يجوز أن يكون من باب حذف المضاف على معنى: ذوات نشر أي: ريح طيبة [[ما تقدم في توجيه القراءات هو قول أبي علي في "الحجة" 4/ 32 - 39، وانظر: "معاني القراءات" 1/ 409، و"إعراب القراءات" 1/ 186، و"الحجة" لابن خالويه ص 157، ولابن زنجلة ص 285، و"الكشف" 1/ 465.]]. وقوله تعالى: ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾، قال ابن عباس: (يريد: بين يدي المطر) [[لم أقف عليه.]]. وقال الكلبي: (قدّام مطره) [["تنوير المقباس" 2/ 100، وذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 196، وهذا قول أكثر المفسرين. انظر: "تفسير الطبري" 8/ 210، والسمرقندي 1/ 547، والبغوي 3/ 238، وابن عطية 5/ 539.]]. وقال أبو إسحاق: (أي: بين يدي المطر الذي هو رحمته) [["معاني الزجاج" 2/ 345، ومثله ذكر النحاس في "معانيه" 3/ 45.]] قال أبو بكر: (اليدان تستعملهما العرب في المجاز على معنى التقدمة، يقال: تكون هذه الفتن بين يدي الساعة، يريدون قبيل [[في (ب): (قبيل أن يكون تقوم)، وهو تحريف.]] أن تقوم، تشبيهًا وتمثيلاً، إذ كانت يد الإنسان تتقدمانه، والرياح تتقدم المطر وتؤذن به) [[ذكره الخازن في "تفسيره" 2/ 243، ونحوه قال الطبري في "تفسيره" 8/ 210.]]. وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا﴾، يقال: أقلَّ فلان الشيءَ أي [[في (ب): (إذا حمله).]] حَمَله، وكذلك استقَلَّه [[انظر: "المفردات" ص 681، و"اللسان" 6/ 3738 (قلل).]]، والمعنى: حتى إذا حملت هذه الرياح سحابًا ثقالًا بما فيها من الماء، قاله المفسرون [[انظر: "تفسير الطبري" 8/ 210، و"معاني الزجاج" 2/ 345، و"النحاس" 3/ 45، و"تفسير السمرقندي" 1/ 547.]]. وقوله تعالى: ﴿سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ أي: سقنا السحاب، والسحاب لفظه مذكر وإن كان جمع سحابة، لذلك ذكَّر الكناية، وهو من باب تمر وتمرة وجَوْز وجَوْزة [[أصل السَّحْب الجَرُّ، ومنه السحاب لجره الماء ولجر الريح له وانسحابه في الهواء == والجمع سحاب وسُحُب وسحائب. انظر: "تهذيب اللغة" 2/ 1637، و"الصحاح" 1/ 146، و"مقاييس اللغة" 3/ 142، و"المفردات" ص 399، و"اللسان" 4/ 1948 (سحب).]]. ﴿لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾. قال ابن عباس: (يريد: ليس فيه نبات) [[لم أقف عليه.]]. وقال الكلبي: (إلى مكان لا ينبُت) [["تنوير المقباس" 2/ 101.]]. وقال أبو بكر: (أي: سقنا السحاب لبلدِ وإلى بلدٍ محتاج إلى المطر لانقطاعها عنه) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 197، وابن الجوزي 3/ 219.]]. فمنهم من يجعل اللام بمعنى إلى، كما يقال: هديته للدين وإلى الدين، ومنهم من يجعله لام أجل فيقول: سقناه لأجل بلدٍ ميتٍ [[انظر: "كتاب اللامات" للزجاجي ص 144، وللهروي ص 23، وقال أبو حيان في "البحر" 4/ 317: (اللام في ﴿لِبَلَدٍ﴾ عندي لام التبليغ كقولك قلت لك) اهـ.]]، وأما البلد فكل موضع من الأرض عامرٍ أو غير عامر خالٍ أو مسكونٍ فهو بلد، والطائفة منه (بَلْدة)، والجميع البلاد، والفلاة تسمى: بلدة [[هذا قول الليث في "تهذيب اللغة" 1/ 383. وانظر: "العين" 8/ 42، و"المنجد" ص 143، و"الجمهرة" 1/ 301، و"الصحاح" 2/ 449، و"المجمل" 1/ 134، و"مقاييس اللغة" 1/ 298، و"المفردات" ص 142، و"اللسان" 1/ 340 (بلد).]]؛ قال الأعشى [[الشاهد في "ديوانه" ص 146، و"تهذيب اللغة" 1/ 383، و"تفسير الرازي" 14/ 142، و"اللسان" 1/ 341 (بلد)، و"الدر المصون" 5/ 352، وهو من معلقة أعشى قيس المشهورة، وفي "حاشية الديوان": (مثل ظهر الترس: شبهها بظهر الدرع في انبساطها وإقفارها لأنها لا شيء فوق ظهرها، وحافاتها: نواحيها، والزجل: الأصوات المختلطة) اهـ.]]: وَبَلْدَةٍ مِثْلِ ظَهْرِ التُّرْسِ مُوحِشَةٍ ... للجِنِّ بِاللَّيْلِ في حَافَاتِهَا [[في (أ): (في حافتها).]] زَجَلُ وقوله تعالى: ﴿فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ﴾، قال الزجاج وابن الأنباري [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 197، وابن الجوزي 3/ 219، والرازي 14/ 142، و"الخازن" 2/ 243.]]: (جائز أن يكون فأنزلنا بالبلد الماء، وجائز أن يكون فأنزلنا بالسحاب الماء؛ لأن السحاب آلة لإنزال الماء) [["معاني الزجاج" 2/ 345، ومثله ذكر النحاس في "معانيه" 3/ 45، والسمرقندي 1/ 548، والظاهر عودة الضمير إلى أقرب مذكور وهو بلد أي أنزلنا في ذلك البلد الميت الماء، أفاده أبو حيان في "البحر" 4/ 317 - 318.]]. وقوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾. الظاهر أن الكناية تعود إلى الماء؛ لأن إخراج الثمرات كان بالماء، وقال الزجاج: (وجائز أن يكون فأخرجنا بالبلد من كل الثمرات؛ لأن البلد ليس يخص به هاهنا بلد دون غيره) [["معاني الزجاج" 2/ 345، ومثله ذكر النحاس في "معانيه" 3/ 45، والأول أظهر وهو اختيار الزجاج في "معانيه"، والسمرقندي 1/ 548، وابن عطية 5/ 540، 541، وقال السمين في "الدر" 5/ 351: (الأحسن هو العود على الماء ولا ينبغي أن يعدل عنه) اهـ.]]. وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى﴾ أي: مثل ذلك الإخراج الذي أشرنا إليه نخرج الموتى. وقال أبو بكر: (أي: نحيي الموتى مثل ذلك الإحياء الذي وصفناه في البلد الميت، فإحياء الأموات بعد أن صاروا رفاتا في التراب كإحياء الأرض بالنبات) [[ذكره الواحدي في "الوسيط" 1/ 197، وانظر: "معاني الزجاج" 2/ 346، و"بدائع التفسير" 2/ 258.]]. وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾. قال ابن عباس: (يريد: كي تتعظوا) [["تنوير المقباس" 2/ 101.]]. وقال الزجاج: (أي: لعلكم بما بينا [[في (ب): (لما بينا).]] لكم تستدلون على توحيد الله عز وجل وأنه يبعث الموتى. و (لعل) ترجٍ، والله يعلم أيتذكرون أم لا، وإنما خوطب العباد على قدر علمهم وما يرجوه بعضهم من بعض) [["معاني الزجاج" 2/ 246، ونحوه قال النحاس في "معانيه" 3/ 46.]]، وقد مضت هذه المسألة في سورة البقرة [[انظر: "البسيط" البقرة: 21.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب