الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾ قَرَأ أبُو عَمْرٍو، ونافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ:" الرِّياحُ" عَلى الجَمْعِ. وقَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، وحَمْزَةُ، والكِسائِيُّ:" الرِّيحُ" عَلى التَّوْحِيدِ. وقَدْ يَأْتِي لَفْظُ التَّوْحِيدِ، ويُرادُ بِهِ الكَثْرَةُ، كَقَوْلِهِمْ: كَثُرَ الدِّرْهَمُ في أيْدِي النّاسِ، ومِثْلُهُ: ﴿إنَّ الإنْسانَ لَفي خُسْرٍ﴾ [العَصْرِ:٢] . قَوْلُهُ تَعالى: نَشْرًا قَرَأ أبُو عَمْرٍو، وابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ:" نُشُرًا" بِضَمِّ النُّونِ والشِّينِ؛ أرادُوا جَمْعَ نُشُورٍ، وهي الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ الهُبُوبُ، تَهِبُّ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ وجانِبٍ. قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: النَّشْرُ: المُتَفَرِّقَةُ مِن كُلِّ جانِبٍ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ: يُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ النُّشُورُ بِمَعْنى المُنْشَرِ، وبِمَعْنى المُنْتَشِرِ، وبِمَعْنى النّاشِرِ؛ يُقالُ: أنْشَرَ اللَّهُ الرِّيحَ، مِثْلُ أحْياها، فَنُشِرَتْ، أيْ: حُيِيَتْ. والدَّلِيلُ عَلى أنَّ إنْشارَ الرِّيحِ إحْياؤُها قَوْلُ الفَقْعَسِيِّ: ؎ وهَبْتُ لَهُ رِيحَ الجَنُوبِ وأُحْيِيَتْ لَهُ رَيْدَةٌ يُحْيِي المِياهَ نَسِيمُها وَيَدُلُّ عَلى ذَلِكَ أنَّ الرِّيحَ قَدْ وُصِفَتْ بِالمَوْتِ. قالَ الشّاعِرُ: ؎ إنِّي لِأرْجُو أنْ تَمُوتَ الرِّيحُ ∗∗∗ فَأقْعُدُ اليَوْمَ وأسْتَرِيحُ والرَّيْدَةُ والرَّيْدانَةُ: الرِّيحُ. وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ، وعَبْدُ الوارِثِ، والحَسَنُ البَصْرِيُّ:" نُشْرًا" بِالنُّونِ مَضْمُومَةً وسُكُونِ الشِّينِ، وهي في مَعْنى" نَشْرًا" . يُقالُ: كُتْبٌ وكُتُبٌ، ورُسْلٌ ورُسُلٌ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلْفٌ، والمُفَضَّلُ (p-٢١٨)عَنْ عاصِمٍ:" نَشْرًا" بِفَتْحِ النُّونِ وسُكُونِ الشِّينِ. قالَ الفَرّاءُ: النَّشْرُ: الرِّيحُ الطَّيِّبَةُ اللَّيِّنَةُ الَّتِي تُنْشِئُ السَّحابَ. وقالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: النَّشْرُ: المُنْتَشِرَةُ الواسِعَةُ الهُبُوبُ. وقالَ أبُو عَلِيٍّ: يَحْتَمِلُ النَّشْرُ أنْ يَكُونَ خِلافَ الطَّيِّ، كَأنَّها كانَتْ بِانْقِطاعِها كالمَطْوِيَّةِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْناها ما قالَهُ أبُو عُبَيْدَةَ في النَّشْرِ: أنَّها المُتَفَرِّقَةُ في الوُجُوهِ؛ ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ مَعْناها: النَّشْرُ الَّذِي هو الحَياةُ كَقَوْلِ الشّاعِرِ: ؎ [حَتّى يَقُولَ النّاسُ مِمّا رَأوْا] ∗∗∗ يا عَجَبًا لَلْمَيِّتِ النّاشِرِ قالَ: وهَذا هو الوَجْهُ. وقَرَأ أبُو رَجاءٍ العُطارِدِيُّ، وإبْراهِيمُ النَّخَعِيُّ، ومَسْرُوقٌ، ومُورِقٌ العِجْلِيُّ:" نَشَرًا" بِفَتْحِ النُّونِ والشِّينِ. قالَ ابْنُ القاسِمِ: وفي النَّشْرِ وجْهانِ. أحَدُهُما: أنْ يَكُونَ جَمْعًا لَلنُّشُورِ، كَما قالُوا: عَمُودٌ وعُمْدٌ، وإهابٌ وأُهْبٌ. والثّانِي: أنْ يَكُونَ جَمْعًا، واحِدُهُ ناشِرٌ، يَجْرِي مَجْرى قَوْلُهُ: غائِبٌ وغَيَبٌ، وحافِدٌ وحَفَدٌ؛ وكُلُّ القُرّاءِ نُونُ الكَلِمَةِ. وكَذَلِكَ اخْتِلافُهم في (الفَرْقانِ:٤٨) و(النَّمْلِ:٦٣) هَذِهِ قِراءاتُ مَن قَرَأ بِالنُّونِ. وقَدْ قَرَأ آَخَرُونَ بِالباءِ؛ فَقَرَأ عاصِمٌ إلّا المُفَضَّلِ:" بُشْرى" بِالباءِ المَضْمُومَةِ وسُكُونِ الشِّينِ مِثْلُ فَعْلى. قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: وهي جَمْعُ بَشِيرَةٍ، وهي الَّتِي تُبَشِّرُ بِالمَطَرِ. والأصْلُ ضَمُّ الشِّينِ، إلّا أنَّهُمُ اسْتَثْقَلُوا الضَّمَّتَيْنِ. وقَرَأ ابْنُ خَثِيمَ، وابْنُ جَذْلَمَ مِثْلَهُ، إلّا أنَّهُما نَوَّنا الرّاءَ. وقَرَأ أبُو الجَوْزاءِ، وأبُو عِمْرانَ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ: بِضَمِّ الباءِ والشِّينِ، وهَذا عَلى أنَّها جَمْعُ بَشِيرَةٍ. والرَّحْمَةُ هاهُنا: المَطَرُ؛ سَمّاهُ رَحْمَةً لِأنَّهُ كانَ بِالرَّحْمَةِ. و"أقَلَّتْ" بِمَعْنى حَمَلَتْ. قالَ الزَّجّاجُ: السَّحابُ: جَمْعُ سَحابَةٍ. قالَ ابْنُ فارِسٍ: سُمِّيَ السَّحابَ لانْسِحابِهِ في الهَواءِ. (p-٢١٩)قَوْلُهُ تَعالى: "ثِقالًا" أيِ: الماءُ. و قَوْلُهُ تَعالى: سُقْناهُ رَدَّ الكِنايَةِ إلى لَفْظِ السَّحابِ، ولَفْظُهُ لَفْظٌ واحِدٌ. وفي قَوْلِهِ:" لِبَلَدٍ" قَوْلانِ. أحَدُهُما: إلى بَلَدٍ. والثّانِي: لَإحْياءِ بَلَدٍ. والمَيِّتُ: الَّذِي لا يَنْبُتُ فِيهِ، فَهو مُحْتاجٌ إلى المَطَرِ. وفي قَوْلِهِ: ﴿فَأنْزَلْنا بِهِ﴾ ثَلاثَةُ أقْوالٍ. أحَدُها: أنَّ الكِنايَةَ تَرْجِعُ إلى السَّحابِ. والثّانِي: إلى المَطَرِ، ذَكَرَهُما الزَّجّاجُ. والثّالِثُ: إلى البَلَدِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الأنْبارِيِّ. فَأمّا هاءُ ﴿فَأخْرَجْنا بِهِ﴾ فَتَحْتَمِلُ الأقْوالَ الثَّلاثَةَ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتى﴾ أيْ: كَما أحْيَيْنا هَذا البَلَدَ. وقالَ مُجاهِدٌ: نُحْيِي المَوْتى بِالمَطَرِ كَما أحْيَيْنا البَلَدَ المَيِّتَ بِهِ. قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: يُرْسِلُ اللَّهُ تَعالى بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ مَطَرًا كَمَنِيِّ الرِّجالِ، فَيَنْبُتُ النّاسُ بِهِ في قُبُورِهِمْ كَما نَبَتُوا في بُطُونِ أُمَّهاتِهِمْ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَعَلَّكم تَذَكَّرُونَ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: لَعَلَّ: تَرَجٍّ. وإنَّما خُوطِبَ العِبادُ عَلى ما يَرْجُوهُ بَعْضُهم مِن بَعْضٍ؛ والمَعْنى: لَعَلَّكم بِما بَيَّنّاهُ لَكم تَسْتَدِلُّونَ عَلى تَوْحِيدِ اللَّهِ، وأنَّهُ يَبْعَثُ المَوْتى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب