الباحث القرآني
قوله: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكم وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ﴾
فيهم قولان أحدهما: أنهم الجن المظاهرون لأعدائهم من الإنس على محاربة الله ورسوله وعلى هذا فالآية نص في أن العلم فيها بمعنى المعرفة ولا يمكن أن يقال إنهم كانوا عارفين بأشخاص أولئك جاهلين عداوتهم كما أمكن مثله في الإنس والقول الثاني: أنهم المنافقون وعلى هذا فقوله ﴿لا تعلمونهم﴾ إنما ينبغي حمله على معرفة أشخاصهم لا على معرفة نفاقهم لأنهم كانوا عالمين بنفاق كثير من المنافقين يعلمون نفاقهم ولا يشكون فيه فلا يجوز أن ينفي عنهم علم ما هم عالمون به وإنما ينفي عنهم معرفة أشخاص من هذا الضرب فيكون كقوله تعالى: ﴿لا تَعْلَمُهم نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ فتأمله.
* (فائدة)
وَكانَ شَيْخِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَعالى يَقُولُ: " لا يُمْنَعُ أهْلُ الذِّمَّةِ مِن رُكُوبِ جِنْسِ الخَيْلِ، فَلَوْ رَكِبُوا البَراذِينَ الَّتِي لا زِينَةَ فِيها والبِغالَ عَلى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلا مَنعَ، والحِمارُ الَّذِي تَبْلُغُ قِيمَتُهُ مَبْلَغًا إذا رَكِبَهُ واحِدٌ مِنهم لَمْ أرَ لِلْأصْحابِ فِيهِ مَنعًا، ولَعَلَّهم نَظَرُوا إلى الجِنْسِ، ومِنَ الكَلامِ الشّائِعِ: رُكُوبُ الحِمارِ ذُلٌّ ورُكُوبُ الخَيْلِ عِزٌّ "، انْتَهى.
وَقَدْ قالَ الشّافِعِيُّ: " ولا يَرْكَبُوا أصْلًا فَرَسًا، وإنَّما يَرْكَبُونَ البِغالَ والحَمِيرَ ".
قالَ أصْحابُهُ: فَتُمْنَعُ أهْلُ الذِّمَّةِ مِن رُكُوبِ الفَرَسِ؛ إذْ في رُكُوبِها الفَضِيلَةُ العَظِيمَةُ والعِزُّ، وهي مَراكِبُ المُجاهِدِينَ في سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَحْمُونَ حَوْزَةَ الإسْلامِ ويَذُبُّونَ عَنْ دِينِ اللَّهِ.
قالَ تَعالى: ﴿وَأعِدُّوا لَهم ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ﴾ فَجُعِلَ رِباطُ الخَيْلِ لِأجْلِ إرْهابِ الكُفّارِ، فَلا يَجُوزُ أنْ يُمَكَّنُوا مِن رُكُوبِها إذْ فِيهِ إرْهابُ المُسْلِمِينَ.
وَقَدْ قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " «الخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَواصِيها الخَيْرَ إلى يَوْمِ القِيامَةِ» ". الأجْرُ والمَغْنَمُ وأهْلُ الجِهادِ هم أهْلُ الخَيْلِ والخَيْرِ لِاسْتِعْمالِهِمُ الخَيْلَ في الجِهادِ، فَهم أحَقُّ بِرُكُوبِ ما عُقِدَ الخَيْرُ بِنَواصِيها مِنَ المَراكِبِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: إنَّ الخَيْلَ كانَتْ وحْشًا في البَرارِي وأوَّلُ مَن أنَّسَها ورَكِبَها إسْماعِيلُ بْنُ إبْراهِيمَ، فَهي مِن مَراكِبِ بَنِي إسْماعِيلَ، وبِها أقامُوا دِينَ الحَنِيفِيَّةِ، وعَلَيْها قاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أعْداءَ اللَّهِ، وعَلَيْها فَتَحَ الصَّحابَةُ الفُتُوحَ ونَصَرُوا الإسْلامَ، فَما لِأعْداءِ اللَّهِ الَّذِينَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ ولِرُكُوبِها!.
وَقَدْ قالَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " لا تُعِزُّوهم وقَدْ أذَلَّهُمُ اللَّهُ، ولا تُقَرِّبُوهم وقَدْ أقْصاهم ".
* [فَصْلٌ: الحِكْمَةُ في التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الخَيْلِ والإبِلِ في الزَّكاةِ]
وَأمّا قَوْلُهُ: " أوْجَبَ الزَّكاةَ في خَمْسٍ مِن الإبِلِ وأسْقَطَها عَنْ آلافٍ مِن الخَيْلِ " فَلَعَمْرُ اللَّهِ إنّهُ أوْجَبَ الزَّكاةَ في هَذا الجِنْسِ دُونَ هَذا كَما في سُنَنِ أبِي داوُد مِن حَدِيثِ عاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وجْهَهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «قَدْ عَفَوْت عَنْ الخَيْلِ والرَّقِيقِ، فَهاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ؛ مِن كُلِّ أرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ، ولَيْسَ في تِسْعِينَ ومِائَةٍ شَيْءٌ، فَإذا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيها خَمْسَةُ دَراهِمَ» ورَواهُ سُفْيانُ عَنْ أبِي إسْحاقَ عَنْ الحارِثِ عَنْ عَلِيٍّ.
وَقالَ بَقِيَّةُ: حَدَّثَنِي أبُو مُعاذٍ الأنْصارِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ: «عَفَوْت لَكم عَنْ صَدَقَةِ الجَبْهَةِ، والكَسْعَةِ والنُّخَّةِ» قالَ بَقِيَّةُ: الجَبْهَةُ: الخَيْلُ، والكَسْعَةُ: البِغالُ والحَمِيرُ، والنُّخَّةُ: المُرَبَّياتُ في البُيُوتِ، وفي كِتابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: " لا صَدَقَةَ في الجَبْهَةِ والكَسْعَةِ، والكَسْعَةُ الحَمِيرُ، والجَبْهَةُ: الخَيْلُ ".
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: «لَيْسَ عَلى المُسْلِمِ في عَبْدِهِ ولا فَرَسِهِ صَدَقَةٌ»
والفَرْقُ بَيْنَ الخَيْلِ والإبِلِ أنَّ الخَيْلَ تُرادُ لِغَيْرِ ما تُرادُ لَهُ الإبِلُ؛ فَإنَّ الإبِلَ تُرادُ لَلدَّرِّ والنَّسْلِ والأكْلِ وحَمْلِ الأثْقالِ والمَتاجِرِ والِانْتِقالِ عَلَيْها مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ، وأمّا الخَيْلُ فَإنَّما خُلِقَتْ لِلْكَرِّ والفَرِّ والطَّلَبِ والهَرَبِ، وإقامَةِ الدِّينِ، وجِهادِ أعْدائِهِ.
وَلِلشّارِعِ قَصْدٌ أكِيدٌ في اقْتِنائِها وحِفْظِها والقِيامِ عَلَيْها، وتَرْغِيبِ النُّفُوسِ في ذَلِكَ بِكُلِّ طَرِيقٍ، ولِذَلِكَ عَفا عَنْ أخْذِ الصَّدَقَةِ مِنها؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ أرْغَبَ لِلنُّفُوسِ فِيما يُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ مِن اقْتِنائِها ورِباطِها، وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَأعِدُّوا لَهم ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيْلِ﴾
فَرِباطُ الخَيْلِ مِن جِنْسِ آلاتِ السِّلاحِ والحَرْبِ، فَلَوْ كانَ عِنْدَ الرَّجُلِ مِنها ما عَساهُ أنْ يَكُونَ ولَمْ يَكُنْ لِلتِّجارَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ زَكاةٌ، بِخِلافِ ما أُعِدَّ لِلنَّفَقَةِ؛ فَإنَّ الرَّجُلَ إذا مَلَكَ مِنهُ نِصابًا فَفِيهِ الزَّكاةُ، وقَدْ أشارَ النَّبِيُّ ﷺ إلى هَذا بِعَيْنِهِ في قَوْلِهِ: «قَدْ عَفَوْت لَكم عَنْ صَدَقَةِ الخَيْلِ والرَّقِيقِ، فَهاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ» أفَلا تَراهُ كَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَ ما أُعِدَّ لِلْإنْفاقِ وبَيْنَ ما أُعِدَّ لِإعْلاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ ونَصْرِ دِينِهِ وجِهادِ أعْدائِهِ؟ فَهو مِن جِنْسِ السُّيُوفِ والرِّماحِ والسِّهامِ، وإسْقاطُ الزَّكاةِ في هَذا الجِنْسِ مِن مَحاسِنِ الشَّرِيعَةِ وكَمالِها.
{"ayah":"وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق