الباحث القرآني
القول في تأويل قوله: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ (٦٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ﴿وأعدوا﴾ ، لهؤلاء الذين كفروا بربهم، الذين بينكم وبينهم عهد، إذا خفتم خيانتهم وغدرهم، أيها المؤمنون بالله ورسوله = ﴿ما استطعتم من قوة﴾ ، يقول: ما أطقتم أن تعدّوه لهم من الآلات التي تكون قوة لكم عليهم، [[انظر تفسير " الاستطاعة "، فيما سلف ٤: ٣١٥ \ ٩: ٢٨٤.]] من السلاح والخيل= ﴿ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾ ، يقول: تخيفون بإعدادكم ذلك عدوَّ الله وعدوكم من المشركين.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٢٢٤- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل من جهينة، يرفع الحديث إلى رسول الله ﷺ: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾ ، ألا إنَّ الرمي هو القوة، ألا إنّ الرمي هو القوة. [[الأثر: ١٦٢٢٤ - " ابن إدريس "، وهو " عبد الله بن إدريس الأودي " الإمام، مضى مرارًا. وكان في المطبوعة والمخطوطة: " أبو إدريس " وهو خطأ صرف.
و" أسامة بن زيد الليثي "، ثقة، مضى برقم: ٢٨٦٧، ٣٣٥٤.
و" صالح بن كيسان المدني "، روى له الجماعة، مضى برقم: ١٠٢٠، ٥٣٢١.
وسيأتي هذا الخبر من طرق أخرى رقم: ١٦٢٢٦ - ١٦٢٢٨، وسأذكرها عند كل واحد منها، وانظر تخريج الخبر التالي.]]
١٦٢٢٥- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا سعيد بن شرحبيل قال، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، وعبد الكريم بن الحارث، عن أبي علي الهمداني: أنه سمع عقبة بن عامر على المنبر يقول: قال الله: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل﴾ ، ألا وإني سمعت رسول الله ﷺ يقول على المنبر: قال الله: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾ ، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ثلاثا. [[الأثر: ١٦٢٢٥ - " سعيد بن شرحبيل الكندي "، روى عنه البخاري، وروى له النسائي وابن ماجه بالواسطة. ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ٢ \ ١ \ ٤٤٢، وابن أبي حاتم ٢ \ ١ \ ٣٣.
و" ابن لهيعة "، مضى مرارًا، ومضى الكلام في أمر توثيقه.
و" يزيد بن أبي حبيب الأزدي المصري "، ثقة، روى له الجماعة، مضى مرارًا آخرها: ١١٨٧١.
و" عبد الكريم بن الحارث بن يزيد الحضرمي المصري "، ثقة، مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٣ \ ١ \ ٦٠.
و" أبو علي الهمداني "، هو " ثمامة بن شفي الهمداني " المصري، ثقة، مترجم في التهذيب، والكبير ١ \ ٢ \ ١٧٧، وابن أبي حاتم ١ \ ١ \ ٤٦٦.
وهذا إسناد فيه ضعف لمن ضعف ابن لهيعة، والطبري نفسه سيقول في ص: ٣٧، تعليق: ٢، أنه سند فيه وهاء ".
بيد أن هذا الخبر روي من طرق صحيحة جدا:
رواه مسلم في صحيحه ١٣: ٦٤، من طريق هارون بن معروف، عن ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، عن أبي علي ثمامة بن شفي، بمثله.
ورواه أبو داود في سننه ٣: ٢٠، رقم: ٢٥١٤، من طريق سعيد بن منصور، عن ابن وهب، بمثله.
ورواه ابن ماجه في سننه: ٩٤٠ رقم: ٢٨١٣، من طريق يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهب بمثله.
ورواه الحاكم في المستدرك ٢: ٣٢٨، من طريق سعيد بن ابي أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة، وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ولك يخرجه البخاري، لأن صالح بن كيسان أوقفه " ووافقه الذهبي.]]
١٦٢٢٦- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا محبوب، وجعفر بن عون، ووكيع، وأبو أسامة، وأبو نعيم=، عن أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل، عن عقبة بن عامر الجهني قال: قرأ رسول الله ﷺ على المنبر: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل﴾ ، فقال: "ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة، الرمي" ثلاث مرات. [[الأثر: ١٦٢٢٦ - " محبوب "، هو " محبوب بن محرز القواريري "، وثقه ابن حبان، وضعفه الدارقطني. مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٤ \ ١ \ ٣٨٨.
و" جعفر بن عون المخزومي "، ثقة، أخرج له الجماعة، مضى برقم: ٩٥٠٦.
وهذا الخبر رواه الترمذي من طريق وكيع عن أسامة بن زيد، ثم قال: " وقد روى بعضهم هذا الحديث عن أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن عقبة بن عامر، وحديث وكيع أصح، وصالح بن كيسان لم يدرك عقبة بن عامر، وأدرك ابن عمر ". وانظر الخبر رقم: ١٦٢٢٨.]]
١٦٢٢٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن رجل، عن عقبة بن عامر: أن النبي ﷺ قرأ هذه الآية على المنبر، فذكر نحوه. [[الأثر: ١٦٢٢٧ - هو مكرر الأثر السالف، وانظر تخريجه، رواه من هذه الطريق، الترمذي في سننه، كما سلف.]]
١٦٢٢٨- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا أسامة بن زيد، عن صالح بن كيسان، عن عقبة بن عامر، عن النبي ﷺ، نحوه. [[الأثر: ١٦٢٢٨ - هذا هو الحديث الذي أشار إليه الترمذي، وقال فيه: " صالح بن كيسان، لم يدرك عقبة بن عامر ". انظر ما سلف: ١٦٢٢٦.]]
١٦٢٢٩- حدثنا أحمد بن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن أخيه، محمد بن عبيدة، عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن عقبة بن عامر، عن النبي ﷺ في قوله: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾ ، "ألا إن القوة الرمي. [[الأثر: ١٦٢٢٩ - " موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي "، ضعيف بمرة، لا تحل الرواية عنه. سلف مرارًا، آخرها رقم: ١١٨١١، ١٤٠٤٥، روى عن أخويه " عبد الله " و " محمد " وأخوه " محمد بن عبيدة بن نشيط الربذي "، لم أجد له ترجمة، وهو مذكور في ترجمة أخيه " موسى "، وترجمة أخيه " عبد الله "، وأنه روى عنه. وكان أكبر من أخيه موسى بثمانين سنة. وأخوه " عبد الله بن عبيدة بن نشيط الربذي "، روى عن جماعة من الصحابة، وثقه بعضهم، وضعفه آخرون، وقال أحمد: " موسى بن عبيدة وأخوه، لا يشتغل بهما ". مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢ \ ٢ \ ١٠١.]]
١٦٢٣٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن شعبة بن دينار، عن عكرمة في قوله: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾ ، قال: الحصون = ﴿ومن رباط الخيل﴾ ، قال: الإناث. [[الأثر: ١٦٢٣٠ - " شعبة بن دينار الكوفي "، روى عن مكرمة، وأبي بردة بن أبي موسى الأشعري، ثقة. مترجم في التهذيب، والكبير ٢ \ ٢ \ ٢٤٥، وابن أبي حاتم ٢ \ ١ \ ٣٦٨.]]
١٦٢٣١- حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن رجاء بن أبي سلمة قال: لقي رجل مجاهدًا بمكة، ومع مجاهد جُوَالَق،، [[" الجوالق " (بضم الجيم، وفتح اللام أو كسرها) ، وعاء من الأوعية، هو الذي نسميه اليوم في مصر محرفا " الشوال ".]] قال: فقال مجاهد: هذا من القوة! =ومجاهد يتجهز للغزو.
١٦٢٣٢- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة﴾ ، من سلاح.
* * *
وأما قوله: ﴿ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾ =
= فقال ابن وكيع:
١٦٢٣٣- حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن مجاهد، عن ابن عباس: ﴿ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾ ، قال: تخزون به عدو الله وعدوكم.
١٦٢٣٤- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن عثمان، عن مجاهد، عن ابن عباس، مثله.
١٦٢٣٥- حدثني الحارث قال: حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة وسعيد بن جبير، عن ابن عباس: (ترهبون به عدو الله وعدوكم) ، قال: تخزون به عدو الله وعدوكم. وكذا كان يقرؤها: ﴿تُخْزُونَ﴾ . [[في المطبوعة والمخطوطة: " وكذا كان يقرؤها: ترهبون "، والصواب الذي لا شك فيه هنا، هو " تخزون "، كما أثبتها، وقد ذكر قراءة ابن عباس هذه، ابن خالويه في القراءات الشاذة: ٥٠ (وفي المطبوعة خطأ، كتب: يجرون به عدو الله، والصواب ما أثبت) ، وقال أبو حيان في تفسيره ٤: ٥١٢: " وقرأ ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد: " تخزون به "، مكان: ترهبون به = وذكرها الطبري على وجه التفسير لا على وجه القراءة، وهو الذي ينبغي، لأنه مخالف لسواد المصحف ".
قلت: وقد رأيت بعد أن الطبري ذكرها أيضًا على جهة القراءة، ولا يستقيم نصه إلا بما أثبت.]]
١٦٢٣٧- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة، وخصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس: ﴿ترهبون به﴾ ، تخزون به. [[سقط من الترقيم: ١٦٢٣٦، سهوًا.]]
١٦٢٣٨- حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، مثله.
* * *
يقال منه: "أرهبت العدو، ورهَّبته، فأنا أرهبه وأرهِّبه، إرهابًا وترهيبًا، وهو الرَّهَب والرُّهْب"، ومنه قول طفيل الغنوي:
وَيْلُ أُمِّ حَيٍّ دَفَعْتُمْ فِي نُحُورِهِمُ بَنِي كِلابٍ غَدَاة الرُّعْبِ والرَّهَبِ [[ديوانه: ٥٦، ومجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ٢٤٩ يمدح بها بني جعفر بن كلاب، من أبيات ثلاثة، مفردة.]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في هؤلاء "الآخرين"، من هم، وما هم؟
فقال بعضهم: هم بنو قريظة.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٢٣٩- حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وآخرين من دونهم﴾ ، يعني: من بني قريظة.
١٦٢٤٠- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وآخرين من دونهم﴾ ، قال: قريظة.
* * *
وقال آخرون: من فارس.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٢٤١- حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: ﴿وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم﴾ ، هؤلاء أهل فارس.
* * *
وقال آخرون: هم كل عدو للمسلمين، غير الذي أمر النبي ﷺ أن يشرِّد بهم من خلفهم. قالوا: وهم المنافقون.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٢٤٢- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قول الله: ﴿فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم﴾ ، قال: أخفهم بهم، لما تصنع بهؤلاء. وقرأ: ﴿وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم﴾ . [[الأثر: ١٦٢٤٢ - هذا مكرر الأثر السالف رقم ١٦٢٢٠، ولا أدري فيم جاء به هنا مفردًا، وأما الأثر الذي عناه، فهو الذي يليه، والظاهر أنه خطأ من الطبري نفسه في النقل. ولفظ هذا الخبر، يخالف لفظ الخبر السالف قليلا.]]
١٦٢٤٣- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، في قوله: ﴿وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم﴾ ، قال: هؤلاء المنافقون، لا تعلمونهم لأنهم معكم، يقولون: لا إله إلا الله، ويغزون معكم.
* * *
وقال آخرون: هم قوم من الجنّ.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله أمر المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب وما يتقوّون به على جهاد عدوه وعدوهم من المشركين، من السلاح والرمي وغير ذلك، ورباط الخيل =ولا وجه لأن يقال: عني بـ "القوة"، معنى دون معنى من معاني "القوة"، وقد عمَّ الله الأمر بها.
فإن قال قائل: فإن رسول الله ﷺ قد بيَّن أن ذلك مرادٌ به الخصوص بقوله: "ألا إن القوة الرمي"؟ [[انظر الآثار السالفة رقم: ١٦٢٢٤ - ١٦٢٢٩.]]
قيل له: إن الخبر، وإن كان قد جاء بذلك، فليس في الخبر ما يدلّ على أنه مرادٌ بها الرمي خاصة، دون سائر معاني القوة عليهم، فإن الرمي أحد معاني القوة، لأنه إنما قيل في الخبر: "ألا إن القوة الرمي"، ولم يقل: "دون غيرها"، ومن "القوة" أيضًا السيف والرمح والحربة، وكل ما كان معونة على قتال المشركين، كمعونة الرمي أو أبلغ من الرمي فيهم وفي النكاية منهم. هذا مع وهاء سند الخبر بذلك عن رسول الله ﷺ. [[هذه مرة أخرى تختلف فيها كتابة المخطوطة، فههنا: " وهاء "، كما أثبتها، وكان في المطبوعة: " وهي "، وانظر ما كتبته ما سلف ٩: ٥٣١، تعليق: ٢.
ثم انظر ما قلته في تخريج الخبر السالف رقم: ١٦٢٢٥، وما ذكرته من الطريق الصحيحة في رواية هذا الخبر.]]
* * *
وأما قوله: ﴿وآخرين من دونهم لا تعلمونهم﴾ ، فإن قول من قال: عنى به الجن، أقربُ وأشبهُ بالصواب، لأنه جل ثناؤه قد أدخل بقوله: ﴿ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم﴾ ، الأمرَ بارتباط الخيل لإرهاب كل عدوٍّ لله وللمؤمنين يعلمونهم، ولا شك أن المؤمنين كانوا عالمين بعداوة قريظة وفارس لهم، لعلمهم بأنهم مشركون، وأنهم لهم حرب. ولا معنى لأن يقال: وهم يعلمونهم لهم أعداءً: ﴿وآخرين من دونهم لا تعلمونهم﴾ ، ولكن معنى ذلك إن شاء الله: ترهبون بارتباطكم، أيها المؤمنون، الخيلَ عدوَّ الله وأعداءكم من بني آدم الذين قد علمتم عداوتهم لكم، لكفرهم بالله ورسوله، وترهبون بذلك جنسًا آخر من غير بني آدم، لا تعلمون أماكنهم وأحوالهم، الله يعلمهم دونكم، لأن بني آدم لا يرونهم. وقيل: إن صهيل الخيل يرهب الجن، وأن الجن لا تقرب دارًا فيها فرس. [[ذكر ابن كثير في تفسيره خبرين، أحدهما رواه ابن أبي حاتم، عن زيد بن عبد الله بن عريب، عن أبيه عن جده: أن رسول الله ﷺ قال: هم الجن، في هذه الآية ثم قال رواه الطبراني، وزاد: قال رسول الله ﷺ: "لا يخبل بيت فيه عتيق الخيل "، (انظر الإصابة: ترجمة عريب) ، ثم قال ابن كثير: " هذا الحديث منكر، لا يصح إسناده ولا متنه ". وانظر القرطبي ٨: ٣٨.
وهذا الذي قاله الطبري، رده العلماء من قوله، وحق لهم. وقد رجح ابن كثير وأبو حبان (٤: ٥١٣) ، أن المعنى بذلك هم المنافقون، وهو القول الذي رده أبو جعفر فيما يلي، ورد أبي جعفر رد محكم.
فإن كان لنا أن نختار، فإني أختار أن يكون عني بذلك، من خفي على المؤمنين أمره من أهل الشرك، كنصارى الشأم وغيرهم، ممن لم ينظر المؤمنون عدواتهم بعد، وهي آتية سوف يرونها عيانًا بعد قليل. وفي الكلام فضل بحث ليس هذا مكانه، والآية عامة لا أدري كيف يخصصها أبو جعفر، بخبر لا حجة فيه.]]
* * *
فإن قال قائل: فإن المؤمنين كانوا لا يعلمون ما عليه المنافقون، فما تنكر أن يكون عُنِي بذلك المنافقون؟
قيل: فإن المنافقين لم يكن تروعهم خيل المسلمين ولا سلاحهم، وإنما كان يَرُوعهم أن يظهر المسلمون على سرائرهم التي كانوا يستسرُّون من الكفر، وإنما أمر المؤمنون بإعداد القوة لإرهاب العدو، فأما من لم يرهبه ذلك، فغير داخل في معنى من أمر بإعداد ذلك له المؤمنون. وقيل: "لا تعلمونهم"، فاكتفي لـ "العلم"، بمنصوب واحد في هذا الموضع، لأنه أريد: لا تعرفونهم، كما قال الشاعر: [[هو النمر بن تولب العكلي.]] فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُنِي وَوَهْبًا وَأَنَّا سَوْفَ يَلْقَاهُ كِلانا [[الاقتضاب: ٣٠٣، المفصل الزمخشري: ٨٨. وكان النمر بن تولب، نازع رجلا يقال له " وهب "، من قومه، في بئر تدعى " الدحول " (بالحاء المهملة) ، في أرض عكل، نميرة الماء، يقول فيها من هذه الأبيات: ولكنَّ الدَّحُولَ إذَا أتَاهَا ... عِجَافُ المَالِ تتْرُكُهُ سِمَانَا
وكان النمر سقاه منها، فلم يشكر له، وخان الأمانة ونازعه فيها فقال: يُريدُ خِيَانَتِي وَهْبٌ، وأَرْجُو ... مِنَ اللهِ البراءَةَ وَالأمَانَا
فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُنِي وَوَهْبًا ... وَيَعْلَمُ أَنْ سَيَلقَاهُ كِلانَا
وَإنَّ بَنِي رَبِيعَةَ بَعْدَ وَهْبٍ ... كَرَاعِي البَيْتِ يَحْفَظُهُ فخانَا
وكان البيت في المطبوعة والمخطوطة: فإن اللهَ يعلمني ... وأَنا سوف يلقاهُ كلانا]]
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما أنفقتم، أيها المؤمنون، من نفقة في شراء آلة حرب من سلاح أو حراب أو كُرَاع أو غير ذلك من النفقات، [[انظر تفسير " النفقة " فيما سلف من فهارس اللغة (نفق) .]] في جهاد أعداء الله من المشركين يخلفه الله عليكم في الدنيا، ويدَّخر لكم أجوركم على ذلك عنده، حتى يوفِّيكموها يوم القيامة [[انظر تفسير " وفي " فيما سلف ١٢: ٢٢٤، تعليق: ٣، والمراجع هناك.]] ﴿وأنتم لا تظلمون﴾ ، يقول: يفعل ذلك بكم ربكم، فلا يضيع أجوركم عليه.
* * *
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
١٦٢٤٤- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، ﴿وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون﴾ ، أي لا يضيع لكم عند الله أجرُه في الآخرة، وعاجل خَلَفه في الدنيا. [[الأثر: ١٦٢٤٤ - سيرة ابن هشام ٢: ٣٢٩، ٣٣٠، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٦٢١٨.]]
{"ayah":"وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق