الباحث القرآني
قال تعالى: ﴿وأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ ومِن رِباطِ الخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وما تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: ٦٠].
أمَرَ اللهُ بإعدادِ العُدَّةِ لإرهابِ الكافِرِينَ وكسرِ نفوسِهم وعزائمِهم، والإعدادُ مِن العَدِّ، كالإسقاءِ مِن السَّقْيِ.
إرهابُ العدوِّ وحُكْمُه:
وفي ظاهرِ الآيةِ: أنّ أوَّلَ الغاياتِ مِن إعدادِ المُسلِمينَ للسلاحِ وإظهارِ القوةِ هو إرهابُ الكافِرِينَ قبلَ قتالِهم، لأنّه يكونُ بإظهارِ القوةِ إخزاؤُهم وتخويفُهم وكسرُ عزيمتِهم، فلا يُقْدِمُونَ على قتالِ المُسلِمينَ وسفكِ دمائِهم وأخذِ أموالِهم، فأوَّلُ منافعِ الإعدادِ: الشَّرُّ المدفوعُ الذي لا يَعلَمُ حَدَّهُ ولا قَدْرَهُ إلاَّ اللهُ، ثمَّ الخيرُ المكتسَبُ، والأوَّلُ لا يراهُ الناسُ لقِصَرِ نَظَرِهم، واللهُ يَعلَمُ مِن الشرورِ المدفوعةِ التي لا يُحِسُّ بها أو بأكثرِها الناسُ، ما لو نزَلَتْ، لكانَ في ذلك فسادٌ عريضٌ ومِحَنٌ شديدةٌ، وكثيرًا ما يمتثلُ الناسُ أمرَ اللهِ، ولا يَرَوْنَ الشرَّ المدفوعَ ولا الخيرَ المكتسَبَ، فيَحْمِلُهُمْ ضَعْفُ إيمانِهم على تركِ أمرِ اللهِ، فيُفتَحُ عليهم مِن الشرِّ المدفوعِ بإقامةِ شرعِ اللهِ ما لا طاقةَ لهم به.
وقولُه تعالى: ﴿وأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ﴾ دليلٌ على وجوبِ استفراغِ الوُسْعِ بإعدادِ العُدَّةِ والتسلُّحِ.
أنواعُ القوَّةِ التي يجبُ إعدادُها:
والقوةُ هي الرِّمايةُ بالنِّبالِ والسِّهامِ والبُنْدُقِيَّةِ وكلِّ ما دخَلَ في بابِ الرميِ باليدِ أو بالآلاتِ المستحدَثةِ مِن رصاصٍ أو قذائفَ أرضيَّةٍ أو جويَّةٍ، ففي مسلمٍ، مِن حديثِ عُقْبةَ بنِ عامرٍ، قال ﷺ في قولِهِ تعالى: ﴿وأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِن قُوَّةٍ﴾، (ألا إنَّ القُوَّةَ الرَّمْيُ)، قالها ثلاثًا[[أخرجه مسلم (١٩١٧).]].
وقولُه ﷺ: (القُوَّةَ الرَّمْيُ) لا يعني حَصْرَها فيها، وذلك كقولِه: (الحَجُّ عَرَفَةُ) [[أخرجه أحمد (٤/٣٠٩)، والترمذي (٨٨٩)، والنسائي (٣٠١٦)، وابن ماجه (٣٠١٥).]]، أي: أعظَمُ أعمالِ الحجِّ عرفةُ، وأعظَمُ القوةِ الرميُ.
وقد حَذَّرَ النبيُّ ﷺ مِن تركِ الرميِ لِمَن تَعَلَّمَهُ، ففي مسلمٍ، مِن حديثِ عُقْبةَ، عنه، قال: (مَن عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ، فَلَيْسَ مِنّا، أوْ: قَدْ عَصى) [[أخرجه مسلم (١٩١٩).]]، ومع أنّ اللهوَ مذمومٌ إلاَّ أنّ اللهوَ بالرميِ محمودٌ، لأنّه قوةٌ يُحتاجُ إليه في زمنِ جهادِ عدوٍّ، أو دفعِ صائلٍ، أو نُصْرةِ مظلومٍ، كما قال ﷺ: (وكُلُّ ما يَلْهُو بِهِ المَرْءُ المُسْلِمُ باطِلٌ، إلاَّ رَمْيَهُ بِقَوْسِهِ، وتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، ومُلاعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإنَّهُنَّ مِنَ الحَقِّ) [[أخرجه الترمذي (١٦٣٧)، وابن ماجه (٢٨١١).]].
والذي يُحسِنُ الرميَ أفضَلُ مِن الذي يُحسِنُ الركوبَ، لأنّ الإثخانَ يكونُ بالرميِ أكثَرَ، كما قال ﷺ: (ارْمُوا وارْكَبُوا، وأَنْ تَرْمُوا أحَبُّ إلَيَّ مِن أنْ تَرْكَبُوا)، رواهُ أحمدُ وأهلُ السُّننِ[[أخرجه أحمد (٤ /١٤٤)، وأبو داود (٢٥١٣)، والترمذي (١٦٣٧)، وابن ماجه (٢٨١١)، والنسائي في «الكبرى» (٤٤٠٤).]]، وذلك أنّ الراميَ يُرهِبُ برَمْيِهِ ولو لم يُصِبْ، فيُفزِعُ ويُخزِي، ولهذا جعَلَ اللهُ للرّامي أجرًا على رَمْيِهِ ولو لم يُصِبْ هَدَفَهُ، كما في «المسندِ»، والنَّسائيِّ، مِن حديثِ عمرِو بنِ عَبَسَةَ، عنه ﷺ، قال: (مَن رَمى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَلَغَ العَدُوَّ، أخْطَأَ أوْ أصابَ، كانَ لَهُ كَعِدْلِ رَقَبَةٍ) [[أخرجه أحمد (٤ /٣٨٦)، والنسائي (٣١٤٥).]].
لأنّه ببلوغِهِ العدوَّ يؤثِّرُ فيهم خوفًا وهَلَعًا وإرهابًا، ولو لم يَسفِكْ منهم دمًا، أو يُتلِفْ فيهم مالًا، لأنّ تخويفَ العدوِّ قد يبلُغُ فيهم أشَدَّ مِن مَبلَغِ قتلِ الواحدِ والجماعاتِ منهم، فإنّ مِن القتلِ ما يَحمِلُ العدوَّ على الحَمِيَّةِ والنعرةِ الجاهليَّةِ، فيَصبِرُ ويتجلَّدُ العدوُّ حتى يُقتَلَ كما قُتِلَ صاحبُه ولو كان على باطلٍ.
ومَن تأمَّل كلامَ السلفِ، وجَدَ أنّهم يُفسِّرونَ القوةَ بتفسيراتٍ تجتمِعُ بأنّ القوةَ كلُّ ما كان سببًا في نصرِ المُسلِمينَ على الكافرِين، كإعدادِ الحصونِ والأنفاقِ والخنادقِ، وصناعةِ السلاحِ وإنِ اختلَفَ نوعُهُ وقَدْرُه، والمراكبِ الحاملةِ للجنودِ والغُزاةِ والمُقتحِمِين، وأعظَمُهُ وأفضَلُهُ أشَدُّهُ تأثيرًا على العدوِّ وقوةً في المؤمنِين، ولذا فسَّرَ عِكْرِمةُ القوةَ بالحُصُونِ[[«تفسير الطبري» (١١ /٢٤٦)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٥ /١٧٢٢).]]، وفسَّرها مجاهدٌ بذكورِ الخيلِ[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٥ /١٧٢٢).]]، وقال ابنُ المسيَّبِ: «هي مِن الفَرَسِ إلى السهمِ فما دونَه»[[«تفسير ابن أبي حاتم» (٥ /١٧٢٢).]].
وكلُّ ما تقوّى به المجاهدُ ولو مِن زادِهِ ولِباسِهِ ونِعالِه، فهو مِن القوةِ، فعن رجاءِ بنِ أبي سَلَمةَ، قال: «لَقِيَ رجلٌ مجاهِدًا بمَكَّةَ، ومع مجاهدٍ جُوالِقٌ، قال: فقال مجاهدٌ: هذا مِن القُوَّةِ، ومجاهِدٌ يَتجهَّزُ للغزوِ»[[«تفسير الطبري» (١١ /٢٤٦)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٥ /١٧٢٢).]].
والشرعُ أمَرَ بإعدادِ قوَّتَيْنِ:
الأُولى: القوةُ الظاهرةُ، وهي قوةُ الأبدانِ، وما تعلَّقَ بها مِن القوةِ الظاهرةِ، كإعدادِ السلاحِ، وتعلُّمِ استعمالِه.
الـثـاني: القوةُ الباطنةُ، وهي قوةُ الإيمانِ، وما تعلَّقَ بها مِن المَعاني الباطنةِ، مِن شدِّ العزائمِ وتحريضِها، ولو بالشِّعْرِ والمَعاني الحَسَنةِ التي لا تَصرِفُ قصدَ المجاهدِ لغيرِ اللهِ، وإنّما تَشُدُّ مِن عزمِه، كتذكُّرِ الصادِقِينَ مِن السابِقِينَ وثباتِهم وقوةِ بأسِهم.
فضلُ الخيلِ وحَبْسِها:
وفي الآيةِ: دليلٌ على فضلِ الخيلِ، فخصَّها اللهُ بالذِّكْرِ مع وجودِ غيرِها مِن المَرْكوبِ: ﴿ومِن رِباطِ الخَيْلِ﴾، وقد ثبَتَ في «الصحيحَيْنِ»، قال ﷺ: (الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَواصِيها الخَيْرُ إلى يَوْمِ القِيامَةِ) [[أخرجه البخاري (٢٨٥٢)، ومسلم (١٨٧٣).]]، وفي هذا: دليلٌ على أنّه لا يُستغنى عن الخيلِ في الجهادِ إلى قيامِ الساعةِ، وقد استدَلَّ بهذا البخاريُّ على ديمومةِ الجهادِ، لارتباطِ الخيلِ به.
وفي هذه الآيةِ: مشروعيَّةُ حبسِ الخيلِ وما في حُكْمِها مِن المَراكبِ في سبيلِ اللهِ للغزوِ، وقد جاء في ذلك أحاديثُ عن النبيِّ ﷺ، منها ما رواهُ أبو هُرَيْرةَ، أنّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (الخَيْلُ ثَلاثَةٌ: هِيَ لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وهِيَ لِرَجُلٍ أجْرٌ، فَأَمّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَها رِياءً وفَخْرًا ونِواءً عَلى أهْلِ الإسْلامِ، فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ، وأَمّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَها فِي سَبِيلِ اللهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي ظُهُورِها ولا رِقابِها، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ، وأَمّا الَّتِي هِيَ لَهُ أجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَها فِي سَبِيلِ اللهِ لأَهْلِ الإسْلامِ، فِي مَرْجٍ ورَوْضَةٍ، فَما أكَلَتْ مِن ذَلِكَ المَرْجِ أوِ الرَّوْضَةِ مِن شَيْءٍ إلاَّ كُتِبَ لَهُ عَدَدَ ما أكَلَتْ حَسَناتٌ، وكُتِبَ لَهُ عَدَدَ أرْواثِها وأَبْوالِها حَسَناتٌ، ولا تَقْطَعُ طِوَلَها فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أوْ شَرَفَيْنِ، إلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ عَدَدَ آثارِها وأَرْواثِها حَسَناتٍ، ولا مَرَّ بِها صاحِبُها عَلى نَهَرٍ، فَشَرِبَتْ مِنهُ ولا يُرِيدُ أنْ يَسْقِيَها، إلاَّ كَتَبَ اللهُ لَهُ عَدَدَ ما شَرِبَتْ حَسَناتٍ) [[أخرجه البخاري (٢٨٦٠)، ومسلم (٩٨٧).]].
وعن زيدِ بنِ ثابتٍ، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: (مَن حَبَسَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللهِ، كانَ سِتْرَهُ مِنَ النّارِ) [[أخرجه عبد بن حميد في «مسنده» (٢٥٢ المنتخب).]].
وفي البابِ أحاديثُ كثيرةٌ عن جريرٍ، وأبي كَبْشَةَ، وسَوادَةَ بنِ الربيعِ، وعُبادةَ، وسَلْمانَ، وأنسٍ، وغيرِهم.
وقولُه تعالى: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ﴾:
فيه دليلٌ على وجوبِ ظهورِ المُسلِمِينَ على المشرِكِينَ، وأنّ ظهورَ المُسلِمِينَ وتمكينَهُمْ وعِزَّتَهُمْ لا يكونُ إلاَّ بوجودِ خوفِ المشرِكِينَ منهم، ولا يمكنُ أنْ يتحقَّقَ ذلك بالمحبَّةِ والمودَّةِ والصداقةِ.
وقد فسَّرَ ابنُ عبّاسٍ إرهابَ العدوِّ بإخزائِه، فقال: ﴿تُرْهِبُونَ﴾: تُخْزُونَ[[«تفسير الطبري» (١١ /٢٤٦)، و«تفسير ابن أبي حاتم» (٥ /١٧٢٣).]]، ومِن لوازِمِ الخزيِ: الانكسارُ والتقهقُرُ والذِّلَّةُ والصَّغارُ.
أنواعُ الإرهابِ والتخويفِ:
والإرهابُ على نوعَيْنِ:
الأوَّلُ: محمودٌ، وهو الأصلُ، لظاهِرِ القرآنِ، ويكونُ للعدوِّ المُحارِبِ، كما في هذه الآيةِ: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وعَدُوَّكُمْ﴾، والمرادُ به الجهادُ في سبيلِ اللهِ، فبَثُّ الرعبِ والإرهابِ في نفوسِ العدوِّ بإعدادِ المُسلِمِينَ لقوَّتِهم العسكريَّةِ مطلبٌ شرعيٌّ، ومِن ذلك قولُه تعالى: ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ [الأنفال: ١٢].
والثاني: مذمومٌ، وهو إرهابُ المؤمِنِ وتخويفُهُ، ويَلحَقُ بالمؤمِنِ صاحبُ الأمانِ والعهدِ والذِّمَّةِ مِن الكافرِينَ، وفي المسلمِ قد قال رسولُ اللهِ ﷺ: (مَن أشارَ إلى أخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإنَّ المَلائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتّى يَدَعَهُ، وإنْ كانَ أخاهُ لأَبِيهِ وأُمِّهِ)، رواهُ مسلمٌ[[أخرجه مسلم (٢٦١٦).]].
ويحرُمُ ترويعُ المؤمنِ وتخويفُهُ وإرهابُهُ ولو بالشيءِ اليسيرِ، كما عندَ أبي داودَ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ليلى، قال: حدَّثَنا أصحابُ محمَّدٍ ﷺ، أنَّهُمْ كانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَنامَ رَجُلٌ مِنهُمْ، فانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إلى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ، فَفَزِعَ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) [[أخرجه أبو داود (٥٠٠٤).]].
وفي السُّنَنِ، قال ﷺ: (لا يَأْخُذْ أحَدُكُمْ عَصا أخِيهِ لاعِبًا أوْ جادًّا، فَمَن أخَذَ عَصا أخِيهِ، فَلْيَرُدَّها إلَيْهِ) [[أخرجه الترمذي (٢١٦٠).]].
وقولُ اللَّهِ تعالى: ﴿وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾، فيه إشارةٌ إلى أنّ اللهَ يحقِّقُ بقوةِ المؤمنينَ مَنافِعَ لا يُدرِكونَها بحِسِّهم، ويَدفَعُ عنهم شرورًا مِن عدوٍّ لم يَحسِبُوا له حسابًا، وإنّما يُخالِفُ ضعيفُ الإيمانِ ربَّه، لأنّه يُدرِكُ مِن الظاهرِ شيئًا ويَغيبُ عنه الباطنُ كلُّه أو جُلُّه، وهذا مِن ضَعفِ اليقينِ باللهِ، فاللهُ أمَرَ بإعدادِ العُدَّةِ للمشرِكِينَ الأبعَدِينَ بمَكَّةَ، لكسرِ شوكتِهم، وآخَرِينَ ـ وهم اليهودُ ـ مِن دُونِهم سينكسِرونَ تَبَعًا يَتربَّصونَ بحقدٍ وعداوةٍ، لا يُدرِكُ المُسلِمونَ قَدْرَها وقوَّتَها لو تسلَّطُوا.
المَصالِحُ والمَفاسِدُ الباطِنةُ والظاهِرةُ اللازمةُ لأحكامِ اللهِ:
والمنافِعُ والمصالِحُ والمَضارُّ والمَفاسِدُ التي يجعلُها اللهُ في لوازِمِ أوامرِهِ ونواهِيهِ على قِسْمَيْنِ:
الأوَّلُ: ظاهرةٌ، أو تُسمّى مكتسَبةً، وهي التي يراها الناسُ في المادِّيّاتِ والمحسوساتِ، والغالبُ هي مِن المكتَسَباتِ، كالغنائمِ والأَسْرى وظهورِ الأمرِ والغَلَبَةِ وبَسْطِ الأرضِ، وهذا ما يَربِطُ الناسُ انقيادَهُمْ به مهما كان إيمانُهُمْ قويًّا أو ضعيفًا، ويمتازُ أهلُ الصِّدْقِ واليقينِ بالانقيادِ للأوامرِ واجتنابِ النواهي ولو لم تَظهَرِ المنافِعُ والمصالِحُ محسوسةً.
الثاني: الباطنةُ، وتُسمّى مدفوعةً، وهي التي لا تُرى، وإنّما هي شرٌّ مدفوعٌ كان مقدَّرًا، فدُفِعَ بامتثالِ الأمرِ واجتنابِ النهيِ، وكثيرٌ مِن امتثالِ الأوامرِ كالجهادِ وإعدادِ العُدَّةِ والقُوَّةِ لا يَلْمُسُ الناسُ أثَرَهُ، لأنّ كثيرًا منه شرٌّ مدفوعٌ لا خيرٌ مكتسَبٌ، فربَّما قاتَلَ المُسلِمونَ امتثالًا لأمرِ اللهِ ولم يَفتَحُوا أرْضًا ولا مِصْرًا، ولم يَغنَموا عَرَضًا مِن الدُّنيا، وقد دفَعَ اللهُ بقتالِهم ذلك عنهم مِن الشرورِ وتسلُّطِ الكفارِ عن بُلْدانِ الإسلامِ ما لا يخطُرُ بِبالِ أحدٍ، مع أنّهم لم يَكسِبُوا شيئًا ظاهرًا، وإنّما دفَعَ اللهُ به شرًّا عظيمًا، فإنّ الكفارَ لا يَقِفُونَ عندَ حَدٍّ ولا مَطمَعٍ، فإذا رأَوْا بأسَ المُسلِمينَ في أقصى الأرضِ، كُسِرَتْ مطامعُهُمْ عن أدْنى بُلْدانِ المُسلِمينَ فضلًا عن قَلْبِها.
فلو تُرِكَتْ تلك الأوامرُ لعَدَمِ المكتسَبِ المحسوسِ، لَفَتَحَ اللهُ بابًا مِن الشرورِ المدفوعةِ لا طاقةَ للمُسلِمينَ بها، ولا أعظَمَ فتنةً في الدِّينِ ممَّن يعيشُ في قلبِ بلادِ الإسلامِ آمِنًا في عِرْضِهِ ومالِهِ ودمِهِ، ثمَّ يقعُ في مُقاتِلينَ في ثُغُورٍ بأطرافِ بلادِ الإسلامِ بحُجَّةِ أنّهم لم يَكسِبُوا شيئًا، ولو تَرَكُوا ما هم فيه، لَما توقَّفَ العدوُّ على ما هو عليه، ولَما أمِنَ على نفسِه، ولكنَّ للهِ تقديرًا وتدبيرًا يَدفَعُ به عن الأمَّةِ شَرًّا بأقوامٍ صالِحِين، ليعيشَ غيرُهُمْ صلاحَ دِينِهم ودُنياهم وهم في غَفْلةٍ ولا يَعلَمونَ ما لو فُتِحَ عليهم مِن ذلك البابِ المُغلَقِ، وأَحسِبُ أنّ لأولئك المُقاتِلينَ مِن أجرِ ما أمِنَتْ به الأمَّةُ بسببِهم، وما أقاموهُ بسببِ ذلك مِن صلاةٍ وزكاةٍ ونُسُكٍ وذِكْرٍ ودُعاءٍ وصِلَةِ رَحِمٍ وعمارةِ المساجدِ وغيرِ ذلك، واللهُ أعلَمُ.
{"ayah":"وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق