الباحث القرآني
* (فائدة)
والإذن أيضا نوعان كوني كقوله: ﴿وَما هم بِضارِّينَ بِهِ مِن أحَدٍ إلّا بِإذْنِ اللَّهِ﴾
وديني أمري كقوله: ﴿آللَّهُ أذِنَ لَكُم﴾ وقوله: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأنَّهم ظُلِمُوا﴾.
* [فَصْلٌ: مَقاماتُ العاشِقِ]
والعاشِقُ لَهُ ثَلاثُ مَقاماتٍ: مَقامُ ابْتِداءٍ، ومَقامُ تَوَسُّطٍ، ومَقامُ انْتِهاءٍ.
فَأمّا مَقامُ ابْتِدائِهِ: قالُوا: يَجِبُ عَلَيْهِ مُدافَعَتُهُ بِكُلِّ ما يَقْدِرُ عَلَيْهِ، إذا كانَ الوُصُولُ إلى مَعْشُوقِهِ مُتَعَذِّرًا قَدَرًا وشَرْعًا، فَإنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ وأبى قَلْبُهُ إلّا السَّفَرَ إلى مَحْبُوبِهِ - وهَذا مَقامُ التَّوَسُّطِ والِانْتِهاءِ - فَعَلَيْهِ كِتْمانُهُ ذَلِكَ، وأنْ لا يُفْشِيَهُ إلى الخَلْقِ، ولا يَشْمَتَ بِمَحْبُوبِهِ ويَهْتِكُهُ بَيْنَ النّاسِ، فَيَجْمَعُ بَيْنَ الشِّرْكِ والظُّلْمِ، فَإنَّ الظُّلْمَ في هَذا البابِ مِن أعْظَمِ أنْواعِ الظُّلْمِ، ورُبَّما كانَ أعْظَمَ ضَرَرًا عَلى المَعْشُوقِ وأهْلِهِ مِن ظُلْمِهِ في مالِهِ، فَإنَّهُ يُعَرِّضُ المَعْشُوقَ بِهَتْكِهِ في عِشْقِهِ إلى وُقُوعِ النّاسِ فِيهِ، وانْقِسامِهِمْ إلى مُصَدِّقٍ ومُكَذِّبٍ، وأكْثَرُ النّاسِ يَصَدَّقُ في هَذا البابِ بِأدْنى شُبْهَةٍ، وإذا قِيلَ فُلانٌ فَعَلَ بِفُلانٍ أوْ بِفُلانَةَ، كَذَّبَهُ واحِدٌ وصَدَّقَهُ تِسْعُمِائَةٍ وتِسْعَةٌ وتِسْعُونَ.
وَخَبَرُ العاشِقِ المُتَهَتِّكِ عِنْدَ النّاسِ في هَذا البابِ يُفِيدُ القَطْعَ اليَقِينِيَّ، بَلْ إذا أخْبَرَهُمُ المَفْعُولُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَذِبًا وافْتِراءً عَلى غَيْرِهِ جَزَمُوا بِصِدْقِهِ جَزْمًا لا يَحْتَمِلُ النَّقِيضَ، بَلْ لَوْ جَمَعَهُما مَكانٌ واحِدٌ اتِّفاقًا؛ لَجَزَمُوا أنَّ ذَلِكَ عَنْ وعْدٍ واتِّفاقٍ بَيْنَهُما، وجَزْمُهم في هَذا البابِ عَلى الظُّنُونِ والتَّخَيُّلِ والشُّبَهِ والأوْهامِ والأخْبارِ الكاذِبَةِ، كَجَزْمِهِمْ بِالحِسِّيّاتِ المُشاهَدَةِ، وبِذَلِكَ وقَعَ أهْلُ الإفْكِ في الطَّيِّبَةِ المُطَيَّبَةِ، حَبِيبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، المُبَرَّأةِ مِن فَوْقِ سَبْعِ سَماواتٍ، بِشُبْهَةِ مَجِيءِ صَفْوانَ بْنِ المُعَطَّلِ بِها وحْدَهُ خَلْفَ العَسْكَرِ حَتّى هَلَكَ مَن هَلَكَ، ولَوْلا أنْ تَوَلّى اللَّهُ سُبْحانَهُ بَراءَتَها، والذَّبَّ عَنْها، وتَكْذِيبَ قاذِفِها، لَكانَ أمْرًا آخَرَ.
والمَقْصُودُ: أنَّ في إظْهارِ المُبْتَلى عِشْقَ مَن لا يَحِلُّ لَهُ الِاتِّصالُ بِهِ مِن ظُلْمِهِ وأذاهُ ما هو عُدْوانٌ عَلَيْهِ وعَلى أهْلِهِ، وتَعَرُّضٌ لِتَصْدِيقِ كَثِيرٍ مِنَ النّاسِ ظُنُونَهم فِيهِ، فَإنِ اسْتَعانَ عَلَيْهِ بِمَن يَسْتَمِيلُهُ إلَيْهِ، إمّا بِرَغْبَةٍ أوْ رَهْبَةٍ، تَعَدّى الظُّلْمُ وانْتَشَرَ، وصارَ ذَلِكَ الواسِطَةُ دَيُّوثًا ظالِمًا، وإذا كانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ لَعَنَ الرّائِشَ - وهو الواسِطَةُ بَيْنَ الرّاشِي والمُرْتَشِي في إيصالِ الرِّشْوَةِ - فَما ظَنُّكَ بِالدَّيُّوثِ الواسِطَةِ بَيْنَ العاشِقِ والمَعْشُوقِ في الوَصْلِ، فَيَتَساعَدُ العاشِقُ والدَّيُّوثُ عَلى ظُلْمِ المَعْشُوقِ وظُلْمِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَتَوَقَّفُ حُصُولُ غَرَضِهِ عَلى ظُلْمِهِ في نَفْسٍ أوْ مالٍ أوْ عِرْضٍ، فَإنَّ كَثِيرًا ما يَتَوَقَّفُ المَطْلُوبُ فِيهِ عَلى قَتْلِ نَفْسٍ يَكُونُ حَياتُها مانِعَةً مِن غَرَضِهِ، وكَمْ قَتِيلٍ طُلَّ دَمُهُ بِهَذا السَّبَبِ، مِن زَوْجٍ وسَيِّدٍ وقَرِيبٍ، وكَمْ خُبِّبَتِ امْرَأةٌ عَلى بَعْلِها، وجارِيَةٍ وعَبْدٍ عَلى سَيِّدِهِما، وقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَن فَعَلَ ذَلِكَ وتَبَرَّأ مِنهُ، وهو مِن أكْبَرِ الكَبائِرِ.
وَإذا كانَ النَّبِيُّ ﷺ قَدْ نَهى أنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلى خِطْبَةِ أخِيهِ، وأنْ يَسْتامَ عَلى سَوْمِ أخِيهِ، فَكَيْفَ بِمَن يَسْعى في التَّفْرِيقِ بَيْنَ رَجُلٍ وبَيْنَ امْرَأتِهِ وأمَتِهِ حَتّى يَتَّصِلَ بِهِما؟
وَعُشّاقُ الصُّوَرِ ومُساعِدُوهم مِنَ الدَّيايِثَةِ لا يَرَوْنَ ذَلِكَ ذَنْبًا، فَإنْ طَلَبَ العاشِقُ وصْلَ مَعْشُوقِهِ ومُشارَكَةَ الزَّوْجِ والسَّيِّدِ، فَفي ذَلِكَ مِن إثْمِ ظُلْمِ الغَيْرِ ما لَعَلَّهُ لا يَقْصُرُ عَنْ إثْمِ الفاحِشَةِ، وإنْ لَمْ يُرَبَّ عَلَيْها، ولا يَسْقُطُ حَقُّ الغَيْرِ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الفاحِشَةِ، فَإنَّ التَّوْبَةَ وإنْ أسْقَطَتْ حَقَّ اللَّهِ فَحَقُّ العَبْدِ باقٍ لَهُ المُطالَبَةُ بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ، فَإنَّ مِن ظُلْمِ الوالِدِ إفْسادَ ولَدِهِ وفِلْذَةِ كَبِدِهِ، ومَن هو أعَزُّ عَلَيْهِ مِن نَفْسِهِ، فَظُلْمُ الزَّوْجِ بِإفْسادِ حَبِيبَتِهِ والجِنايَةِ عَلى فِراشِهِ - أعْظَمُ مِن ظُلْمِهِ بِأخْذِ مالِهِ كُلِّهِ، ولِهَذا يُؤْذِيهِ ذَلِكَ أعْظَمَ مِمّا يُؤْذِيهِ أخْذُ مالِهِ، ولا يَعْدِلُ ذَلِكَ عِنْدَهُ إلّا سَفْكُ دَمِهِ، فَيا لَهُ مِن ظُلْمٍ أعْظَمَ إثْمًا مِن فِعْلِ الفاحِشَةِ، فَإنْ كانَ ذَلِكَ حَقًّا لِغازٍ في سَبِيلِ اللَّهِ وُقِفَ لَهُ الجانِي الفاعِلُ يَوْمَ القِيامَةِ، وقِيلَ لَهُ: «خُذْ مِن حَسَناتِهِ ما شِئْتَ،» كَما أخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ ﷺ.
ثُمَّ قالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَما ظَنُّكُمْ؟ أيْ: فَما تَظُنُّونَ يَبْقى لَهُ مِن حَسَناتِهِ؟ فَإنِ انْضافَ إلى ذَلِكَ أنْ يَكُونَ المَظْلُومُ جارًا، أوْ ذا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ، تَعَدَّدَ الظُّلْمُ فَصارَ ظُلْمًا مُؤَكَّدًا لِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ وإيذاءِ الجارِ، ولا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قاطِعُ رَحِمٍ، ولا مَن لا يَأْمَنُ جارُهُ بَوائِقَهُ.
فَإنِ اسْتَعانَ العاشِقُ عَلى وِصالِ مَعْشُوقِهِ بِشَياطِينِ الجِنِّ - إمّا بِسِحْرٍ أوِ اسْتِخْدامٍ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ - ضُمَّ إلى الشِّرْكِ والظُّلْمِ كُفْرُ السِّحْرِ، فَإنْ لَمْ يَفْعَلْهُ هو ورَضِيَ بِهِ، كانَ راضِيًا بِالكُفْرِ غَيْرَ كارِهٍ لِحُصُولِ مَقْصِدِهِ، وهَذا لَيْسَ بِبَعِيدٍ مِنَ الكُفْرِ.
والمَقْصُودُ أنَّ التَّعاوُنَ في هَذا البابِ، تَعاوُنٌ عَلى الإثْمِ والعُدْوانِ.
وَأمّا ما يَقْتَرِنُ بِحُصُولِ غَرَضِ العاشِقِ مِنَ الظُّلْمِ المُنْتَشِرِ المُتَعَدِّي ضَرَرُهُ فَأمْرٌ لا يَخْفى، فَإنَّهُ إذا حَصَلَ لَهُ مَقْصُودُهُ مِنَ المَعْشُوقِ، فَلِلْمَعْشُوقِ أغْراضٌ أُخَرُ يُرِيدُ مِنَ العاشِقِ إعانَتَهُ عَلَيْها، فَلا يَجِدُ مِن إعانَتِهِ بُدًّا، فَيَبْقى كُلٌّ مِنهُما يُعِينُ الآخَرَ عَلى الظُّلْمِ والعُدْوانِ، فالمَعْشُوقُ يُعِينُ العاشِقَ عَلى ظُلْمِ مَن يَتَّصِلُ بِهِ مِن أهْلِهِ وأقارِبِهِ وسَيِّدِهِ وزَوْجِهِ، والعاشِقُ يُعِينُ المَعْشُوقَ عَلى ظُلْمِ مَن يَكُونُ غَرَضُ المَعْشُوقِ مُتَوَقِّفًا عَلى ظُلْمِهِ، فَكُلٌّ مِنهُما يُعِينُ الآخَرَ عَلى أغْراضِهِ الَّتِي فِيها ظُلْمُ النّاسِ، فَيَحْصُلُ العُدْوانُ والظُّلْمُ بِسَبَبِ اشْتِراكِهِما في القُبْحِ لِتَعاوُنِهِما بِذَلِكَ عَلى الظُّلْمِ، كَما جَرَتْ بِهِ العادَةُ بَيْنَ العُشّاقِ والمَعْشُوقِينَ، مِن إعانَةِ العاشِقِ لِمَعْشُوقِهِ عَلى ما فِيهِ ظُلْمٌ وعُدْوانٌ وبَغْيٌ، حَتّى رُبَّما يَسْعى لَهُ في مَنصِبٍ لا يَلِيقُ بِهِ ولا يَصْلُحُ لِمَثَلِهِ، وفي تَحْصِيلِ مالٍ مِن غَيْرِ حِلِّهِ، وفي اسْتِطالَتِهِ عَلى غَيْرِهِ، فَإذا اخْتَصَمَ مَعْشُوقُهُ وغَيْرُهُ أوْ تَشاكَيا لَمْ يَكُنْ إلّا في جانِبِ المَعْشُوقِ ظالِمًا كانَ أوْ مَظْلُومًا، هَذا إلى ما يَنْضَمُّ إلى ذاكَ مِن ظُلْمِ العاشِقِ لِلنّاسِ بِالتَّحَيُّلِ عَلى أخْذِ أمْوالِهِمْ، والتَّوَصُّلِ بِها إلى مَعْشُوقِهِ بِسَرِقَةٍ أوْ غَصْبٍ أوْ خِيانَةٍ أوْ يَمِينٍ كاذِبَةٍ أوْ قَطْعِ طَرِيقٍ ونَحْوِ ذَلِكَ، ورُبَّما أدّى ذَلِكَ إلى قَتْلِ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ، لِيَأْخُذَ مالَهُ لِيَتَوَصَّلَ بِهِ إلى مَعْشُوقِهِ.
فَكُلُّ هَذِهِ الآفاتِ وأضْعافُها وأضْعافُ أضْعافِها تَنْشَأُ مِن عِشْقِ الصُّوَرِ، ورُبَّما حَمَلَ عَلى الكُفْرِ الصَّرِيحِ، وقَدْ تَنَصَّرَ جَماعَةٌ مِمَّنْ نَشَئُوا في الإسْلامِ بِسَبَبِ العِشْقِ، كَما جَرى لِبَعْضِ المُؤَذِّنِينَ حِينَ أبْصَرَ امْرَأةً جَمِيلَةً عَلى سَطْحٍ، فَفُتِنَ بِها، ونَزَلَ، ودَخَلَ عَلَيْها، وسَألَها نَفْسَها، فَقالَتْ: هي نَصْرانِيَّةٌ، فَإنْ دَخَلْتَ في دِينِي تَزَوَّجْتُ بِكَ، فَفَعَلَ، فَرَقِيَ في ذَلِكَ اليَوْمِ عَلى دَرَجَةٍ عِنْدَهم فَسَقَطَ مِنها فَماتَ، ذَكَرَ هَذا عَبْدُ الحَقِّ في كِتابِ العاقِبَةِ لَهُ.
وَإذا أرادَ النَّصارى أنْ يُنَصِّرُوا الأسِيرَ، أرَوْهُ امْرَأةً جَمِيلَةً وأمَرُوها أنْ تُطْمِعَهُ في نَفْسِها حَتّى إذا تَمَكَّنَ حُبُّها مِن قَلْبِهِ، بَذَلَتْ لَهُ نَفْسَها إنْ دَخَلَ في دِينِها، فَهُنالِكَ: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَوْلِ الثّابِتِ في الحَياةِ الدُّنْيا وفي الآخِرَةِ ويُضِلُّ اللَّهُ الظّالِمِينَ ويَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ﴾ [إبراهيم: ٢٧].
وَفِي العِشْقِ مِن ظُلْمِ كُلِّ واحِدٍ مِنَ العاشِقِ والمَعْشُوقِ لِصاحِبِهِ بِمُعاوَنَتِهِ لَهُ عَلى الفاحِشَةِ، وظُلْمِهِ لِنَفْسِهِ ما فِيهِ، فَكُلٌّ مِنهُما ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وصاحِبِهِ، وظُلْمُهُما مُتَعَدٍّ إلى الغَيْرِ كَما تَقَدَّمَ، وأعْظَمُ مِن ذَلِكَ ظُلْمُهُما بِالشِّرْكِ، فَقَدْ تَضَمَّنَ العِشْقُ أنْواعَ الظُّلْمِ كُلَّها.
والمَعْشُوقُ إذا لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَإنَّهُ يُعَرِّضُ العاشِقَ لِلتَّلَفِ، وذَلِكَ ظُلْمٌ مِنهُ، بِأنْ يُطْمِعَهُ في نَفْسِهِ ويَتَزَيَّنَ لَهُ ويَسْتَمِيلَهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ حَتّى يَسْتَخْرِجَ مِنهُ مالَهُ ونَفْعَهُ ولا يُمَكِّنُهُ مِن نَفْسِهِ، لِئَلّا يَزُولَ غَرَضُهُ بِقَضاءِ وطَرِهِ مِنهُ، فَهو يَسُومُهُ سُوءَ العَذابِ، والعاشِقُ رُبَّما قَتَلَ مَعْشُوقَهُ لِيَشْفِيَ نَفْسَهُ مِنهُ، ولا سِيَّما إذا جادَ بِالوِصالِ لِغَيْرِهِ، فَكَمْ لِلْعِشْقِ مِن قَتِيلٍ مِنَ الجانِبَيْنِ، وكَمْ أزالَ مِن نِعْمَةٍ، وأفْقَرَ مِن غِنًى، وأسْقَطَ مِن مَرْتَبَةٍ، وشَتَّتَ مِن شَمْلٍ، وكَمْ أفْسَدَ مِن أهْلٍ لِلرَّجُلِ ووَلَدِهِ، فَإنَّ المَرْأةَ إذا رَأتْ بَعْلَها عاشِقًا لِغَيْرِها اتَّخَذَتْ هي مَعْشُوقًا لِنَفْسِها، فَيَصِيرُ الرَّجُلُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ خَرابِ بَيْتِهِ بِالطَّلاقِ وبَيْنَ القِيادَةِ، فَمِنَ النّاسِ مَن يُؤْثِرُ هَذا، ومِنهم مَن يُؤْثِرُ هَذا.
فَعَلى العاقِلِ أنْ لا يُحَكِّمَ عَلى نَفْسِهِ عِشْقَ الصُّوَرِ، لِئَلّا يُؤَدِّيَهُ ذَلِكَ إلى هَذِهِ المَفاسِدِ أوْ أكْثَرِها أوْ بَعْضِها، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَهو المُفَرِّطُ بِنَفَسِهِ المُغَرِّرُ بِها، فَإذا هَلَكَتْ فَهو الَّذِي أهْلَكَها، فَلَوْلا تَكْرارُهُ النَّظَرَ إلى وجْهِ مَعْشُوقِهِ وطَمَعُهُ في وِصالِهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ عِشْقُهُ مِن قَلْبِهِ، فَإنَّ أوَّلَ أسْبابِ العِشْقِ الِاسْتِحْسانُ سَواءٌ تَوَلَّدَ عَنْ نَظَرٍ أوْ سَماعٍ، فَإنْ لَمْ يُقارِنْهُ طَمَعٌ في الوِصالِ وقارَنَهُ الإياسُ مِن ذَلِكَ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ العِشْقُ، فَإنِ اقْتَرَنَ بِهِ الطَّمَعُ فَصَرَفَهُ عَنْ فِكْرِهِ ولَمْ يَشْغَلْ قَلْبَهُ بِهِ؛ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ ذَلِكَ، فَإنْ أطالَ مَعَ ذَلِكَ الفِكْرَ في مَحاسِنِ المَعْشُوقِ وقارَنَهُ خَوْفُ ما هو أكْبَرُ عِنْدَهُ مِن لَذَّةِ وِصالِهِ، إمّا خَوْفٌ دِينِيٌّ كَدُخُولِ النّارِ، وغَضَبِ الجَبّارِ، واحْتِقابِ الأوْزارِ، وغَلَبَ هَذا الخَوْفُ عَلى ذَلِكَ الطَّمَعِ والفِكْرِ؛ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ ذَلِكَ العِشْقُ، فَإنْ فاتَهُ هَذا الخَوْفُ فَقارَنَهُ خَوْفٌ دُنْيَوِيٌّ كَخَوْفِ إتْلافِ نَفْسِهِ، أوْ مالِهِ، أوْ ذَهابِ جاهِهِ وسُقُوطِ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ النّاسِ، وسُقُوطِهِ مِن عَيْنِ مَن يَعِزُّ عَلَيْهِ، وغَلَبَ هَذا الخَوْفُ لِداعِي العِشْقِ دَفَعَهُ، وكَذَلِكَ إذا خافَ مِن فَواتِ مَحْبُوبٍ هو أحَبُّ إلَيْهِ وأنْفَعُ لَهُ مِن ذَلِكَ المَعْشُوقِ، وقَدَّمَ مَحَبَّتَهُ عَلى مَحَبَّةِ ذَلِكَ المَعْشُوقِ؛ انْدَفَعَ عَنْهُ العِشْقُ، فَإنِ انْتَفى ذَلِكَ كُلُّهُ، وغَلَبَتْ مَحَبَّةُ المَعْشُوقِ لِذَلِكَ، انْجَذَبَ إلَيْهِ القَلْبُ بِالكُلِّيَّةِ، ومالَتْ إلَيْهِ النَّفْسُ كُلَّ المَيْلِ.
{"ayah":"وَٱتَّبَعُوا۟ مَا تَتۡلُوا۟ ٱلشَّیَـٰطِینُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَیۡمَـٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَیۡمَـٰنُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّیَـٰطِینَ كَفَرُوا۟ یُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَاۤ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَیۡنِ بِبَابِلَ هَـٰرُوتَ وَمَـٰرُوتَۚ وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ یَقُولَاۤ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةࣱ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَیَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا یُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَیۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَاۤرِّینَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَیَتَعَلَّمُونَ مَا یَضُرُّهُمۡ وَلَا یَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُوا۟ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ مِنۡ خَلَـٰقࣲۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡا۟ بِهِۦۤ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُوا۟ یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق