الباحث القرآني

﴿واتَّبَعُوا ما تَتْلُو الشَّياطِينُ﴾: عَطْفٌ عَلى جَوابِ "لَمّا"؛ أيْ: نَبَذُوا كِتابَ اللَّهِ؛ واتَّبَعُوا كُتُبَ السحرةِ الَّتِي كانَتْ تَقْرَؤُها الشَّياطِينُ؛ وهُمُ المُتَمَرِّدُونَ مِنَ الجِنِّ؛ و"تَتْلُو": حِكايَةُ حالٍ ماضِيَةٍ؛ والمُرادُ بِالِاتِّباعِ التَّوَغُّلُ والتَّمَحُّضُ فِيهِ؛ والإقْبالُ عَلَيْهِ بِالكُلِّيَّةِ؛ وإلّا فَأصْلُ الِاتِّباعِ كانَ حاصِلًا قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ ﷺ؛ فَلا يَتَسَنّى عَطْفُهُ عَلى جَوابِ "لَمّا"؛ ولِذَلِكَ قِيلَ: هو مَعْطُوفٌ عَلى الجُمْلَةِ؛ وقِيلَ: عَلى "أُشْرِبُوا". ﴿عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ﴾: أيْ في عَهْدِ مُلْكِهِ؛ قِيلَ: كانَتِ الشَّياطِينُ يَسْتَرِقُونَ السَّمْعَ؛ ويَضُمُّونَ إلى ما سَمِعُوا أكاذِيبَ يُلَفِّقُونَها؛ ويُلْقُونَها إلى الكَهَنَةِ؛ وهم يُدَوِّنُونَها؛ ويُعَلِّمُونَها النّاسَ؛ وفَشا ذَلِكَ في عَهْدِ سُلَيْمانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ حَتّى قِيلَ: إنَّ الجِنَّ تَعْلَمُ الغَيْبَ؛ وكانُوا يَقُولُونَ: هَذا عِلْمُ سُلَيْمانَ؛ وما تَمَّ لَهُ مُلْكُهُ إلّا بِهَذا العِلْمِ؛ وبِهِ سَخَّرَ الإنْسَ؛ والجِنَّ؛ والطَّيْرَ؛ والرِّيحَ الَّتِي تَجْرِي بِأمْرِهِ؛ وقِيلَ: إنَّ سُلَيْمانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ - كانَ قَدْ دَفَنَ كَثِيرًا مِنَ العُلُومِ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ (تَعالى) بِها تَحْتَ سَرِيرِ مُلْكِهِ؛ فَلَمّا مَضَتْ عَلى ذَلِكَ مُدَّةٌ تَوَصَّلَ إلَيْها قَوْمٌ مِنَ المُنافِقِينَ؛ فَكَتَبُوا في خِلالِ ذَلِكَ أشْياءَ مِن فُنُونِ السحر تُناسِبُ تِلْكَ (p-137)الأشْياءَ المَدْفُونَةَ مِن بَعْضِ الوُجُوهِ؛ ثُمَّ بَعْدَ مَوْتِهِ واطِّلاعِ النّاسِ عَلى تِلْكَ الكُتُبِ أوْهَمُوهم أنَّهُ مِن عَمَلِ سُلَيْمانَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ وأنَّهُ ما بَلَغَ هَذا المَبْلَغَ إلّا بِسَبَبِ هَذِهِ الأشْياءِ. ﴿وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ﴾: تَنْزِيهٌ لِساحَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - عَنِ السحر؛ وتَكْذِيبٌ لِمَنِ افْتَرى عَلَيْهِ بِأنَّهُ كانَ يَعْتَقِدُهُ؛ ويَعْمَلُ بِهِ؛ والتَّعَرُّضُ لِكَوْنِهِ كُفْرًا لِلْمُبالَغَةِ في إظْهارِ نَزاهَتِهِ - عَلَيْهِ السَّلامُ - وكَذِبِ باهِتِيهِ بِذَلِكَ؛ ﴿وَلَكِنَّ الشَّياطِينَ﴾؛ وقُرِئَ بِتَخْفِيفِ "لَكِنَّ"؛ ورَفْعِ "الشَّياطِينَ"؛ والواوُ عاطِفَةٌ لِلْجُمْلَةِ الِاسْتِدْراكِيَّةِ عَلى ما قَبْلَها؛ وكَوْنُ المُخَفَّفَةِ عِنْدَ الجُمْهُورِ لِلْعَطْفِ إنَّما هو عِنْدَ عَدَمِ الواوِ؛ وكَوْنِ ما بَعْدَها مُفْرَدًا؛ ﴿كَفَرُوا﴾؛ بِاسْتِعْمالِ السحر؛ وتَدْوِينِهِ؛ ﴿يُعَلِّمُونَ النّاسَ السحر﴾؛ إغْواءً وإضْلالًا؛ والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى الحالِيَّةِ مِن ضَمِيرِ "كَفَرُوا"؛ أوْ مِن "الشَّياطِينَ"؛ فَإنَّ ما في "لَكِنَّ" مِن رائِحَةِ الفِعْلِ كافٍ في العَمَلِ في الحالِ؛ أوْ في مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلى أنَّهُ خَبَرٌ ثانٍ لِـ "لَكِنِّ"؛ أوْ بَدَلٌ مِنَ الخَبَرِ الأوَّلِ؛ وصِيغَةُ الِاسْتِقْبالِ لِلدَّلالَةِ عَلى اسْتِمْرارِ التَّعْلِيمِ؛ وتَجَدُّدِهِ؛ أوْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ؛ هَذا عَلى تَقْدِيرِ كَوْنِ الضَّمِيرِ لِلشَّياطِينِ؛ وأمّا عَلى تَقْدِيرِ رُجُوعِهِ إلى فاعِلِ "اتَّبَعُوا"؛ فَهي إمّا حالٌ مِنهُ؛ وإمّا اسْتِئْنافِيَّةٌ فَحَسْبُ؛ واعْلَمْ أنَّ السحر أنْواعٌ؛ مِنها سِحْرُ الكَلْدانِيِّينَ؛ الَّذِينَ كانُوا في قَدِيمِ الدَّهْرِ؛ وهم قَوْمٌ يَعْبُدُونَ الكَواكِبَ؛ ويَزْعُمُونَ أنَّها هي المُدَبِّرَةُ لِهَذا العالَمِ؛ ومِنها تَصْدُرُ الخَيْراتُ؛ والشُّرُورُ؛ والسَّعادَةُ؛ والنُّحُوسَةُ؛ ويَسْتَحْدِثُونَ الخَوارِقَ بِواسِطَةِ تَمْزِيجِ القُوى السَّماوِيَّةِ بِالقُوى الأرْضِيَّةِ؛ وهُمُ الَّذِينَ بَعَثَ اللَّهُ (تَعالى) إبْراهِيمَ - عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ - لِإبْطالِ مَقالَتِهِمْ؛ وهم ثَلاثُ فِرَقٍ؛ فَفِرْقَةٌ مِنهم يَزْعُمُونَ أنَّ الأفْلاكَ والنُّجُومَ واجِبَةُ الوُجُودِ لِذَواتِها؛ وهُمُ الصّابِئَةُ؛ وفِرْقَةٌ يَقُولُونَ بِإلَهِيَّةِ الأفْلاكِ؛ ويَتَّخِذُونَ لِكُلِّ واحِدٍ مِنها هَيْكَلًا؛ ويَشْتَغِلُونَ بِخِدْمَتِها؛ وهم عَبَدَةُ الأوْثانِ؛ وفِرْقَةٌ أثْبَتُوا لِلْأفْلاكِ ولِلْكَواكِبِ فاعِلًا مُخْتارًا؛ لَكِنَّهم قالُوا: إنَّهُ أعْطاها قُوَّةً عالِيَةً نافِذَةً في هَذا العالَمِ؛ وفَوَّضَ تَدْبِيرَهُ إلَيْها؛ ومِنها سِحْرُ أصْحابِ الأوْهامِ؛ والنُّفُوسِ القَوِيَّةِ؛ فَإنَّهم يَزْعُمُونَ أنَّ الإنْسانَ تَبْلُغُ رُوحُهُ بِالتَّصْفِيَةِ في القُوَّةِ والتَّأْثِيرِ إلى حَيْثُ يَقْدِرُ عَلى الإيجادِ؛ والإعْدامِ؛ والإحْياءِ؛ وتَغْيِيرِ البِنْيَةِ والشَّكْلِ؛ ومِنها سِحْرُ مَن يَسْتَعِينُ بِالأرْواحِ الأرْضِيَّةِ؛ وهو المُسَمّى بِالعَزائِمِ؛ وتَسْخِيرِ الجِنِّ؛ ومِنها التَّخْيِيلاتُ الآخِذَةُ بِالعُيُونِ؛ وتُسَمّى الشَّعْوَذَةُ؛ ولا خِلافَ بَيْنَ الأُمَّةِ في أنَّ مَنِ اعْتَقَدَ الأوَّلَ فَقَدْ كَفَرَ؛ وكَذا مَنِ اعْتَقَدَ الثّانِيَ؛ وهو سِحْرُ أصْحابِ الأوْهامِ؛ والنُّفُوسِ القَوِيَّةِ؛ وأمّا مَنِ اعْتَقَدَ أنَّ الإنْسانَ يَبْلُغُ بِالتَّصْفِيَةِ وقِراءَةِ العَزائِمِ والرُّقى إلى حَيْثُ يَخْلُقُ اللَّهُ - سُبْحانَهُ وتَعالى - عُقَيْبَ ذَلِكَ؛ عَلى سَبِيلِ جَرَيانِ العادَةِ؛ بَعْضَ الخَوارِقِ؛ فالمُعْتَزِلَةُ اتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ كافِرٌ؛ لِأنَّهُ لا يُمْكِنُهُ بِهَذا الِاعْتِقادِ مَعْرِفَةُ صِدْقِ الأنْبِياءِ والرُّسُلِ؛ بِخِلافِ غَيْرِهِمْ؛ ولَعَلَّ التَّحْقِيقَ أنَّ ذَلِكَ الإنْسانَ إنْ كانَ خَيِّرًا مُتَشَرِّعًا في كُلِّ ما يَأْتِي ويَذَرُ؛ وكانَ مَن يَسْتَعِينُ بِهِ مِنَ الأرْواحِ الخَيِّرَةِ؛ وكانَتْ عَزائِمُهُ ورُقاهُ غَيْرَ مُخالِفَةٍ لِأحْكامِ الشَّرِيعَةِ الشَّرِيفَةِ؛ ولَمْ يَكُنْ فِيما ظَهَرَ في يَدِهِ مِنَ الخَوارِقِ ضَرَرٌ شَرْعِيٌّ لِأحَدٍ؛ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِن قَبِيلِ السحر؛ وإنْ كانَ شِرِّيرًا غَيْرَ مُتَمَسِّكٍ بِالشَّرِيعَةِ الشَّرِيفَةِ فَظاهِرٌ أنَّ مَن يَسْتَعِينُ بِهِ مِنَ الأرْواحِ الخَبِيثَةِ الشِّرِّيرَةِ لا مَحالَةَ؛ ضَرُورَةَ امْتِناعِ تَحَقُّقِ التَّضامِّ والتَّعاوُنِ بَيْنَهُما مِن غَيْرِ اشْتِراكٍ في الخُبْثِ؛ والشَّرارَةِ؛ فَيَكُونُ كافِرًا قَطْعًا؛ وأمّا الشَّعْوَذَةُ؛ وما يَجْرِي مُجْراها مِن إظْهارِ الأُمُورِ العَجِيبَةِ بِواسِطَةِ تَرْتِيبِ الآلاتِ الهَنْدَسِيَّةِ؛ وخِفَّةِ اليَدِ والِاسْتِعانَةِ بِخَواصِّ الأدْوِيَةِ والأحْجارِ؛ فَإطْلاقُ السحر عَلَيْها بِطَرِيقِ التَّجَوُّزِ؛ أوْ لِما فِيها (p-138)مِنَ الدِّقَّةِ؛ لِأنَّهُ في الأصْلِ عِبارَةٌ عَنْ كُلِّ ما لَطُفَ مَأْخَذُهُ؛ وخَفِيَ سَبَبُهُ؛ أوْ مِنَ الصَّرْفِ عَنِ الجِهَةِ المُعْتادَةِ؛ لِما أنَّهُ في أصْلِ اللُّغَةِ: "الصَّرْفُ"؛ عَلى ما حَكاهُ الأزْهَرِيُّ عَنِ الفَرّاءِ؛ ويُونُسَ. ﴿وَما أُنْزِلَ عَلى المَلَكَيْنِ﴾: عَطْفٌ عَلى السحر؛ أيْ: ويُعَلِّمُونَهم ما أُنْزِلَ عَلَيْهِما؛ والمُرادُ بِهِما واحِدٌ؛ والعَطْفُ لِتَغايُرِ الِاعْتِبارِ؛ أوْ هو نَوْعٌ أقْوى مِنهُ؛ أوْ عَلى "ما تَتْلُو"؛ وما بَيْنَهُما اعْتِراضٌ؛ أيْ: واتَّبَعُوا ما أُنْزِلَ.. إلَخْ.. وهُما مَلَكانِ أُنْزِلا لِتَعْلِيمِ السحر؛ ابْتِلاءً مِنَ اللَّهِ (تَعالى) لِلنّاسِ؛ كَما ابْتُلِيَ قَوْمُ طالُوتَ بِالنَّهَرِ؛ أوْ تَمْيِيزًا بَيْنَهُ وبَيْنَ المُعْجِزَةِ؛ لِئَلّا يَغْتَرَّ بِهِ النّاسُ؛ أوْ لِأنَّ السحرةَ كَثُرَتْ في ذَلِكَ الزَّمانِ؛ واسْتَنْبَطَتْ أبْوابًا غَرِيبَةً مِنَ السحر؛ وكانُوا يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ؛ فَبَعَثَ اللَّهُ (تَعالى) هَذَيْنِ المَلَكَيْنِ لِيُعَلِّما النّاسَ أبْوابَ السحر؛ حَتّى يَتَمَكَّنُوا مِن مُعارَضَةِ أُولَئِكَ الكَذّابِينَ؛ وإظْهارِ أمْرِهِمْ عَلى النّاسِ؛ وأمّا ما يُحْكى مِن أنَّ المَلائِكَةَ - عَلَيْهِمُ السَّلامُ - لَمّا رَأوْا ما يَصْعَدُ مِن ذُنُوبِ بَنِي آدَمَ عَيَّرُوهُمْ؛ وقالُوا لِلَّهِ - سُبْحانَهُ -: هَؤُلاءِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهم لِخِلافَةِ الأرْضِ؛ يَعْصُونَكَ فِيها؛ فَقالَ - عَزَّ وجَلَّ -: "لَوْ رَكَّبْتُ فِيكم ما رَكَّبْتُ فِيهِمْ لَعَصَيْتُمُونِي"؛ قالُوا: سُبْحانَكَ؛ ما يَنْبَغِي لَنا أنْ نَعْصِيَكَ؛ قالَ (تَعالى): "فاخْتارُوا مِن خِيارِكم مَلَكَيْنِ"؛ فاخْتارُوا هارُوتَ؛ ومارُوتَ؛ وكانا مِن أصْلَحِهِمْ؛ وأعْبَدِهِمْ؛ فَأُهْبِطا إلى الأرْضِ؛ بَعْدَما رُكِّبَ فِيهِما ما رُكِّبَ في البَشَرِ مِنَ الشَّهْوَةِ؛ وغَيْرِها مِنَ القُوى؛ لِيَقْضِيا بَيْنَ النّاسِ نَهارًا؛ ويَعْرُجا إلى السَّماءِ مَساءً؛ وقَدْ نُهِيا عَنِ الإشْراكِ؛ والقَتْلِ؛ بِغَيْرِ الحَقِّ؛ وشُرْبِ الخَمْرِ؛ والزِّنا؛ وكانا يَقْضِيانِ بَيْنَهم نَهارًا؛ فَإذا أمْسَيا ذَكَرا اسْمَ اللَّهِ الأعْظَمَ فَصَعِدا إلى السَّماءِ؛ فاخْتَصَمَتْ إلَيْهِما ذاتَ يَوْمٍ امْرَأةٌ مِن أجْمَلِ النِّساءِ؛ تُسَمّى زُهْرَةَ؛ وكانَتْ مِن لَخْمٍ؛ وقِيلَ: كانَتْ مِن أهْلِ فارِسَ مَلِكَةً في بَلَدِها؛ وكانَتْ خُصُومَتُها مَعَ زَوْجِها؛ فَلَمّا رَأياها افْتُتِنا بِها؛ فَراوَداها عَنْ نَفْسِها فَأبَتْ؛ فَألَحّا عَلَيْها؛ فَقالَتْ: لا.. إلّا أنْ تَقْضِيا لِي عَلى خَصْمِي؛ فَفَعَلا؛ ثُمَّ سَألاها ما سَألا؛ فَقالَتْ: لا.. إلّا أنْ تَقْتُلاهُ؛ فَفَعَلا؛ ثُمَّ سَألاها ما سَألا؛ فَقالَتْ: لا.. إلّا أنْ تَشْرَبا الخَمْرَ؛ وتَسْجُدا لِلصَّنَمِ؛ فَفَعَلا كُلًّا مِن ذَلِكَ؛ بَعْدَ اللَّتَيّا والَّتِي؛ ثُمَّ سَألاها ما سَألا؛ فَقالَتْ: لا: إلّا أنْ تُعَلِّمانِي ما تَصْعَدانِ بِهِ إلى السَّماءِ؛ فَعَلَّماها الِاسْمَ الأعْظَمَ؛ فَدَعَتْ بِهِ؛ وصَعِدَتْ إلى السَّماءِ؛ فَمَسَخَها اللَّهُ - سُبْحانَهُ - كَوْكَبًا؛ فَهَمّا بِالعُرُوجِ حَسَبَ عادَتِهِما؛ فَلَمْ تُطِعْهُما أجْنِحَتُهُما؛ فَعَلِما ما حَلَّ بِهِما؛ وكانَ في عَهْدِ إدْرِيسَ - عَلَيْهِ السَّلامُ -؛ فالتَجَآ إلَيْهِ لِيَشْفَعَ لَهُما؛ فَفَعَلَ؛ فَخَيَّرَهُما اللَّهُ (تَعالى) بَيْنَ عَذابِ الدُّنْيا؛ وعَذابِ الآخِرَةِ؛ فاخْتارا الأوَّلَ؛ لِانْقِطاعِهِ عَمّا قَلِيلٍ؛ فَهُما مُعَذَّبانِ بِبابِلَ؛ قِيلَ: مُعَلَّقانِ بِشُعُورِهِما؛ وقِيلَ: مَنكُوسانِ؛ يُضْرَبانِ بِسِياطِ الحَدِيدِ إلى قِيامِ السّاعَةِ؛ فَمِمّا لا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ؛ لِما أنَّ مَدارَهُ رِوايَةُ اليَهُودِ؛ مَعَ ما فِيهِ مِنَ المُخالَفَةِ لِأدِلَّةِ العَقْلِ؛ والنَّقْلِ؛ ولَعَلَّهُ مِن مَقُولَةِ الأمْثالِ والرُّمُوزِ الَّتِي قُصِدَ بِها إرْشادُ اللَّبِيبِ الأرِيبِ؛ بِالتَّرْغِيبِ والتَّرْهِيبِ؛ وقِيلَ: هُما رَجُلانِ؛ سُمِّيا مَلَكَيْنِ لِصَلاحِهِما؛ ويَعْضُدُهُ قِراءَةُ "المَلِكَيْنِ"؛ بِالكَسْرِ. ﴿بِبابِلَ﴾ الباءُ بِمَعْنى "فِي"؛ وهي مُتَعَلِّقَةٌ بِـ "أُنْزِلَ"؛ أوْ بِمَحْذُوفٍ؛ وقَعَ حالًا مِن "المَلَكَيْنِ"؛ أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في "أُنْزِلَ"؛ وهي بابِلُ العِراقِ؛ وقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: بابِلُ أرْضُ الكُوفَةِ؛ وقِيلَ: جَبَلُ دَماوَنْدَ؛ ومَنعُ الصَّرْفِ لِلْعُجْمَةِ والعَلَمِيَّةِ؛ أوْ لِلتَّأْنِيثِ والعَلَمِيَّةِ. ﴿هارُوتَ ومارُوتَ﴾: عَطْفُ بَيانٍ لِلْمَلَكَيْنِ؛ عَلَمانِ لَهُما؛ ومُنِعَ صَرْفُهُما لِلْعُجْمَةِ والعَلَمِيَّةِ؛ ولَوْ كانا مِن "الهَرْتُ"؛ و"المَرْتُ"؛ بِمَعْنى "الكَسْرُ"؛ لانْصَرَفا؛ وأمّا مَن قَرَأ: "المَلِكَيْنِ"؛ بِكَسْرِ اللّامِ؛ أوْ قالَ: كانا رَجُلَيْنِ صالِحَيْنِ؛ فَقالَ: هُما اسْمانِ لَهُما؛ وقِيلَ: هُما اسْما قَبِيلَتَيْنِ مِنَ الجِنِّ؛ هُما المُرادُ مِن "المَلِكَيْنِ"؛ بِالكَسْرِ؛ وقُرِئَ بِالرَّفْعِ؛ عَلى: هُما هارُوتُ ومارُوتُ. ﴿وَما يُعَلِّمانِ مِن أحَدٍ﴾: "مِن" مَزِيدَةٌ في المَفْعُولِ بِهِ؛ لِإفادَةِ تَأْكِيدِ الِاسْتِغْراقِ الَّذِي يُفِيدُهُ "أحَدٍ"؛ لا لِإفادَةِ نَفْسِ الِاسْتِغْراقِ كَما في قَوْلِكَ: (p-139)ما جاءَنِي مِن رَجُلٍ؛ وقُرِئَ: "يُعْلِمانِ"؛ مِن "الإعْلامُ"؛ ﴿حَتّى يَقُولا إنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾: الفِتْنَةُ: الِاخْتِبارُ؛ والِامْتِحانُ؛ وإفْرادُها مَعَ تَعَدُّدِهِما لِكَوْنِهِما مَصْدَرًا؛ وحَمْلُها عَلَيْهِما مُواطَأةٌ لِلْمُبالَغَةِ؛ كَأنَّهُما نَفْسُ الفِتْنَةِ؛ والقَصْرُ لِبَيانِ أنَّهُ لَيْسَ لَهُما فِيما يَتَعاطَيانِهِ شَأْنٌ سِواها؛ لِيَنْصَرِفَ النّاسُ عَنْ تَعَلُّمِهِ؛ أيْ: وما يُعَلِّمانِ ما أُنْزِلَ عَلَيْهِما مِنَ السحر أحَدًا مِن طالِبِيهِ حَتّى يَنْصَحاهُ قَبْلَ التَّعْلِيمِ؛ ويَقُولا لَهُ: إنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ؛ وابْتِلاءٌ؛ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ -؛ فَمَن عَمِلَ بِما تَعَلَّمَ مِنّا واعْتَقَدَ حَقِّيَّتَهُ كَفَرَ؛ ومَن تَوَقّى عَنِ العَمَلِ بِهِ؛ أوِ اتَّخَذَهُ ذَرِيعَةً لِلِاتِّقاءِ عَنْ الِاغْتِرارِ بِمِثْلِهِ؛ بَقِيَ عَلى الإيمانِ. ﴿فَلا تَكْفُرْ﴾؛ بِاعْتِقادِ حَقِّيَّتِهِ؛ وجَوازِ العَمَلِ بِهِ (؛ والظّاهِرُ أنَّ غايَةَ النَّفْيِ لَيْسَتْ هَذِهِ المَقالَةَ فَقَطْ؛ بَلْ مِن جُمْلَتِها التِزامُ المُخاطَبِ بِمُوجِبِ النَّهْيِ؛ لَكِنْ لَمْ يُذْكَرْ لِظُهُورِهِ؛ وكَوْنِ الكَلامِ في بَيانِ اعْتِناءِ المَلَكَيْنِ بِشَأْنِ النُّصْحِ والإرْشادِ؛ والجُمْلَةُ في مَحَلِّ النَّصْبِ عَلى الحالِيَّةِ؛ مِن ضَمِيرِ "يُعَلِّمُونَ"؛ لا مَعْطُوفَةٌ عَلَيْهِ؛ كَما قِيلَ؛ أيْ: ولَكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا؛ يُعَلِّمُونَ النّاسَ السحر؛ وما أُنْزِلَ عَلى المَلَكَيْنِ؛ ويَحْمِلُونَهم عَلى العَمَلِ بِهِ؛ إغْواءً وإضْلالًا؛ والحالُ أنَّهُما ما يُعَلِّمانِ أحَدًا حَتّى يَنْهَياهُ عَنِ العَمَلِ بِهِ؛ والكُفْرِ بِسَبَبِهِ؛ وأمّا ما قِيلَ مِن أنَّ "ما"؛ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وَما أُنْزِلَ﴾؛ إلَخْ.. نافِيَةٌ؛ والجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ﴾؛ جِيءَ بِها لِتَكْذِيبِ اليَهُودِ في القِصَّةِ؛ أيْ: لَمْ يُنْزَلْ عَلى المَلَكَيْنِ إباحَةُ السحر؛ وأنَّ هارُوتَ ومارُوتَ بَدَلٌ مِنَ الشَّياطِينِ؛ عَلى أنَّهُما قَبِيلَتانِ مِنَ الجِنِّ خُصَّتا بِالذِّكْرِ لِأصالَتِهِما؛ وكَوْنِ باقِي الشَّياطِينِ أتْباعًا لَهُما؛ وأنَّ المَعْنى: ما يُعَلِّمانِ أحَدًا حَتّى يَقُولا: إنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ؛ فَتَكُونَ مِثْلَنا؛ فَيَأْباهُ أنَّ مَقامَ وصْفِ الشَّيْطانِ بِالكُفْرِ؛ وإضْلالِ النّاسِ مِمّا لا يُلائِمُهُ وصْفُ رُؤَسائِهِمْ بِما ذُكِرَ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الكُفْرِ؛ مَعَ ما فِيهِ مِنَ الإخْلالِ بِنِظامِ الكَلامِ؛ فَإنَّ الإبْدالَ في حُكْمِ تَنْحِيَةِ المُبْدَلِ مِنهُ. ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنهُما﴾: عَطْفٌ عَلى الجُمْلَةِ المَنفِيَّةِ؛ فَإنَّها في قُوَّةِ المُثْبَتَةِ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: يُعَلِّمانِهِمْ بَعْدَ قَوْلِهِما: إنَّما نَحْنُ.. إلَخْ.. والضَّمِيرُ لِـ "أحَدٍ"؛ حَمْلًا عَلى المَعْنى؛ كَما في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فَما مِنكم مِن أحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ﴾ . ﴿ما يُفَرِّقُونَ بِهِ﴾: أيْ: بِسَبَبِهِ؛ وبِاسْتِعْمالِهِ؛ ﴿بَيْنَ المَرْءِ﴾؛ وقُرِئَ بِضَمِّ المِيمِ؛ وكَسْرِها؛ مَعَ الهَمْزَةِ؛ وتَشْدِيدِ الرّاءِ بِلا هَمْزَةٍ؛ ﴿وَزَوْجِهِ﴾؛ بِأنْ يُحْدِثَ اللَّهُ (تَعالى) بَيْنَهُما التَّباغُضَ؛ والفَرْكَ؛ والنُّشُوزَ؛ عِنْدَما فَعَلُوا ما فَعَلُوا مِنَ السحر؛ عَلى حَسَبِ جَرْيِ العادَةِ الإلَهِيَّةِ مِن خَلْقِ المُسَبِّباتِ عُقَيْبَ حُصُولِ الأسْبابِ العادِيَّةِ ابْتِلاءً؛ لا أنَّ السحر هو المُؤَثِّرُ في ذَلِكَ؛ وقِيلَ: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنهُما ما يَعْمَلُونَ بِهِ؛ فَيَراهُ النّاسُ ويَعْتَقِدُونَ أنَّهُ حَقٌّ؛ فَيَكْفُرُونَ؛ فَتَبِينُ أزْواجُهم. ﴿وَما هم بِضارِّينَ بِهِ﴾؛ أيْ: بِما تَعَلَّمُوهُ؛ واسْتَعْمَلُوهُ مِنَ السحر؛ ﴿مِن أحَدٍ﴾؛ أيْ: أحَدًا؛ و"مِن" مَزِيدَةٌ لِما ذُكِرَ في قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿وَما يُعَلِّمانِ مِن أحَدٍ﴾؛ والمَعْهُودُ؛ وإنْ كانَ زِيادَتَها في مَعْمُولِ فِعْلٍ مَنفِيٍّ؛ إلّا أنَّهُ حُمِلَتْ الِاسْمِيَّةُ في ذَلِكَ عَلى الفِعْلِيَّةِ؛ كَأنَّهُ قِيلَ: وما يَضُرُّونَ بِهِ مِن أحَدٍ؛ ﴿إلا بِإذْنِ اللَّهِ﴾؛ لِأنَّهُ وغَيْرَهُ مِنَ الأسْبابِ بِمَعْزِلٍ مِنَ التَّأْثِيرِ بِالذّاتِ؛ وإنَّما هو بِأمْرِهِ (تَعالى)؛ فَقَدْ يُحْدِثُ عِنْدَ اسْتِعْمالِهِمُ السحر فِعْلًا مِن أفْعالِهِ ابْتِلاءً؛ وقَدْ لا يُحْدِثُهُ؛ والِاسْتِثْناءُ مُفَرَّغٌ؛ والباءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ؛ وقَعَ حالًا مِن ضَمِيرِ "ضارِّينَ"؛ أوْ مِن مَفْعُولِهِ؛ وإنْ كانَ نَكِرَةً؛ لِاعْتِمادِها عَلى النَّفْيِ؛ أوِ الضَّمِيرِ المَجْرُورِ في "بِهِ"؛ أيْ: وما يَضُرُّونَ بِهِ أحَدًا إلّا مَقْرُونًا بِإذْنِ اللَّهِ (تَعالى)؛ وقُرِئَ: "بِضارِّي"؛ عَلى الإضافَةِ؛ بِجَعْلِ الجارِّ جُزْءًا مِنَ المَجْرُورِ؛ وفَصْلِ ما بَيْنَ المُضافَيْنِ بِالظَّرْفِ. ﴿وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ﴾؛ لِأنَّهم يَقْصِدُونَ بِهِ العَمَلَ؛ أوْ لِأنَّ العِلْمَ يَجُرُّ إلى العَمَلِ غالِبًا؛ ﴿وَلا يَنْفَعُهُمْ﴾؛ صَرَّحَ بِذَلِكَ إيذانًا بِأنَّهُ لَيْسَ مِنَ الأُمُورِ المَشُوبَةِ بِالنَّفْعِ؛ والضَّرَرِ؛ بَلْ هو شَرٌّ بَحْتٌ؛ وضَرَرٌ مَحْضٌ؛ لِأنَّهم لا يَقْصِدُونَ بِهِ التَّخَلُّصَ عَنْ الِاغْتِرارِ بِأكاذِيبِ مَن يَدَّعِي النُّبُوَّةَ (p-140) مَثَلًا مِنَ السحرةِ؛ أوْ تَخْلِيصَ النّاسِ مِنهُ؛ حَتّى يَكُونَ فِيهِ نَفْعٌ في الجُمْلَةِ؛ وفِيهِ أنَّ الِاجْتِنابَ عَمّا لا يُؤْمَنُ غَوائِلُهُ خَيْرٌ؛ كَتَعَلُّمِ الفَلْسَفَةِ؛ الَّتِي لا يُؤْمَنُ أنْ تَجُرَّ إلى الغَوايَةِ؛ وإنْ قالَ مَن قالَ: ؎ عَرَفْتُ الشَّرَّ لا لِلشَّرْ ∗∗∗ رِ ولَكِنْ لِتَوَقِّيهِ ؎ ومَن لا يَعْرِفِ الشَّرَّ ∗∗∗ مِنَ النّاسِ يَقَعْ فِيهِ ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾؛ أيِ اليَهُودُ الَّذِينَ حُكِيَتْ جِناياتُهُمْ؛ ﴿لَمَنِ اشْتَراهُ﴾؛ أيِ اسْتَبْدَلَ ما تَتْلُو الشَّياطِينُ بِكِتابِ اللَّهِ - عَزَّ وجَلَّ - واللّامُ الأُولى جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ؛ والثّانِيَةُ لامُ ابْتِداءٍ عُلِّقَ بِهِ "عَلِمُوا" عَنِ العَمَلِ؛ و"مَن": مَوْصُولَةٌ في حَيِّزِ الرَّفْعِ بِالِابْتِداءِ؛ واشْتَراهُ صِلَتُها؛ وقَوْلُهُ (تَعالى): ﴿ما لَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ﴾؛ أيْ: مِن نَصِيبٍ؛ جُمْلَةٌ مِن مُبْتَدَإٍ وخَبَرٍ؛ و"مِن" مَزِيدَةٌ في المُبْتَدَإ؛ و"فِي الآخِرَةِ": مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ؛ وقَعَ حالًا مِنهُ؛ ولَوْ أُخِّرَ عَنْهُ لَكانَ صِفَةً لَهُ؛ والتَّقْدِيرُ: ما لَهُ خَلاقٌ في الآخِرَةِ؛ وهَذِهِ الجُمْلَةُ في مَحَلِّ الرَّفْعِ؛ عَلى أنَّها خَبَرٌ لِلْمَوْصُولِ؛ والجُمْلَةُ في حَيِّزِ النَّصْبِ؛ سادَّةٌ مَسَدَّ مَفْعُولَيْ "عَلِمُوا"؛ إنْ جُعِلَ مُتَعَدِّيًا إلى اثْنَيْنِ؛ أوْ مَفْعُولِهِ الواحِدِ إنْ جُعِلَ مُتَعَدِّيًا إلى واحِدٍ؛ فَجُمْلَةُ "وَلَقَدْ عَلِمُوا".. إلَخْ.. مُقْسَمٌ عَلَيْها دُونَ جُمْلَةِ "لَمَنِ اشْتَراهُ".. إلَخْ.. هَذا ما عَلَيْهِ الجُمْهُورُ؛ وهو مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ؛ وقالَ الفَرّاءُ - وتَبِعَهُ أبُو البَقاءِ -: إنَّ اللّامَ الأخِيرَةَ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ؛ و"مَن" شَرْطِيَّةٌ مَرْفُوعَةٌ بِالِابْتِداءِ؛ و"اشْتَراهُ" خَبَرُها؛ و"ما لَهُ في الآخِرَةِ مِن خَلاقٍ" جَوابُ القَسَمِ؛ وجَوابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ؛ اكْتِفاءً عَنْهُ بِجَوابِ القَسَمِ؛ لِأنَّهُ إذا اجْتَمَعَ الشَّرْطُ والقَسَمُ يُجابُ سابِقُهُما غالِبًا؛ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الجُمْلَتانِ مُقْسَمًا عَلَيْهِما. ﴿وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أنْفُسَهُمْ﴾: أيْ: باعُوها؛ واللّامُ جَوابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ؛ والمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: "وَبِاللَّهِ لَبِئْسَما باعُوا بِهِ أنْفُسَهُمُ السحر؛ أوِ الكُفْرُ "؛ وفِيهِ إيذانٌ بِأنَّهم حَيْثُ نَبَذُوا كِتابَ اللَّهِ وراءَ ظُهُورِهِمْ فَقَدْ عَرَّضُوا أنْفُسَهم لِلْهَلَكَةِ؛ وباعُوها بِما لا يَزِيدُهم إلّا تَبارًا؛ وتَجْوِيزُ كَوْنِ الشَّرْيِ بِمَعْنى الِاشْتِراءِ مِمّا لا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ لِأنَّ المُشْتَرى مُتَعَيِّنٌ؛ وهو ما تَتْلُو الشَّياطِينُ؛ ولِأنَّ مُتَعَلِّقَ الذَّمِّ هو المَأْخُوذُ؛ لا المَنبُوذُ؛ كَما أُشِيرَ إلَيْهِ في تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - سُبْحانَهُ -: ﴿بِئْسَما اشْتَرَوْا بِهِ أنْفُسَهم أنْ يَكْفُرُوا بِما أنْزَلَ اللَّهُ﴾ . ﴿لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾: أيْ: يَعْمَلُونَ بِعِلْمِهِمْ؛ جُعِلُوا غَيْرَ عالِمِينَ لِعَدَمِ عَمَلِهِمْ بِمُوجِبِ عِلْمِهِمْ؛ أوْ: لَوْ كانُوا يَتَفَكَّرُونَ فِيهِ؛ أوْ يَعْلَمُونَ قُبْحَهُ عَلى اليَقِينِ؛ أوْ حَقِيقَةَ ما يَتْبَعُهُ مِنَ العَذابِ عَلَيْهِ؛ عَلى أنَّ المُثْبَتَ لَهم أوَّلًا عَلى التَّوْكِيدِ القَسَمِيِّ العَقْلُ الغَرِيزِيُّ؛ أوِ العِلْمُ الإجْمالِيُّ بِقُبْحِ الفِعْلِ؛ أوْ تَرَتُّبِ العِقابِ مِن غَيْرِ تَحْقِيقٍ؛ وجَوابُ "لَوْ" مَحْذُوفٌ؛ أيْ: لَما فَعَلُوا ما فَعَلُوا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب